بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة السيرة والتاريخ
تاريخ الخلفاء للسيوطيي
أبو بكر الصديق رضي الله عنه [ 3 ]
● [ مبايعته رضي الله عنه ] ●
روى الشيخان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته : قد بلغني أن فلانا منكم يقول : لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة و تمت ألا و إنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها و ليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر و إنه كان من خيرنا حين توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إن عليا و الزبير و من معهما تخلفوا في بيت فاطمة و تخلفت الأنصار عنا بأجمعها في سقيفه بني ساعدة و اجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له : يا أيا بكر : انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرون ؟ قلت : نريد إخواننا من الأنصار فقالا : عليكم ألا تقربوهم و اقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت : و الله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون و إذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ قالوا : سعد بن عبادة فقلت : ما له ؟ قالوا : وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله و قال : أما بعد فنحن أنصار الله و كتيبة الإسلام و أنتم يا معشر المهاجرين رهط منا و قد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا و تحضنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم و قد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر و قد كنت أداري منه بعض الحد و هو كان أحلم مني و أوقر فقال أبو بكر : على رسلك فكرهت أن أغضبه و كان أعلم مني و الله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بداهته مثلها و أفضل منها حتى سكت فقال : أما بعد فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله و لم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا و دارا و قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي و بيد أبي عبيدة بن الجراح و هو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها و كان و الله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب منا أمير و منكم أمير يا معشر قريش و كثر اللغط و ارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته و بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار أما و الله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم و لم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نبايعهم على ما لا نرضي و إما أن نخالفهم فيكون فيه فساد
و أخرج النسائي و أبو يعلي و الحاكم و صححه عن ابن مسعود قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت الأنصار : منا أمير و منكم أمير فأتاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقالت الأنصار : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر
و أخرج ابن سعد و الحاكم و البيهقي عن أبي سعد الخدري قال : قبض رسول الله و اجتمع الناس في دار سعد بن عبادة و فيهم أبو بكر و عمر فقام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول : يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا و منكم فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من المهاجرين و خليفته من المهاجرين و نحن كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم فنحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره ثم أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعه عمر ثم بايعه المهاجرين و الأنصار و صعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فدعا بالزبير فجاء فقال : قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم و حواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله فقام فبايعه ثم نظر في وجه القوم فلم ير عليا فدعا به فجاء فقال : قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و ختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه
و قال ابن إسحاق في السيرة : حدثني الزهري قال : حدثني أنس بن مالك قال : لما بويع أبو بكر في السقيفة و كان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله و ثاني اثنين إذا هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم و لست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني الصدق أمانة و الكذب خيانة و الضعف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله و القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل و لا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله
و أخرج موسى بن عقبة في مغازيه و الحاكم و صححه عن عبد الرحمن بن عوف قال : خطب أبو بكر فقال : و الله ما كنت حريصا على الإمارة يوما و لا ليلة قط و لا كنت راغبا فيها و لا سألتها الله في سر و لا علانية و لكني أشفقت من الفتنة و مالي في الإمارة من راحة لقد قلدت أمرا عظيما مالي به من طاقة و لا يد إلا بتقوية الله فقال علي و الزبير : ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة و إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار و إنا لنعرف شرفه و خيره و لقد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة بالناس و هو حي
و أخرج ابن سعد عن إبراهيم التميمي قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال : أبسط يدك لأبايعك إنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو عبيدة لعمر : ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت ! أتبايعني و فيكم الصديق و ثاني اثنين ؟
الفهة : ضعف الرأي
و أخرج ابن سعد أيضا عن محمد أن أبا بكر قال لعمر : ابسط يدك لأبايعك فقال له عمر : أنت أفضل مني فقال له أبو بكر : أنت أقوى مني ثم كرر ذلك فقال عمر : فإن قوتي لك مع فضلك فبايعه
و أخرج أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر في طائفة من المدينة فجاء فكشف عن وجهه فقبله و قال : فداء لك أبي و أمي ما أطيبك حيا و ميتا مات محمد و رب الكعبة ـ فذكر الحديث ـ قال : و انطلق أبو بكر و عمر يتفاودان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئأ أنزل في الأنصار و لا ذكره رسول الله صلى الله عليه و سلم في شأنهم إلا ذكره و قال : لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لو سلك الناس واديا و سلكت الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار و لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و أنت قاعد : [ قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم و فاجرهم تبع لفاجرهم ] فقال له سعد : صدقت نحن الوزراء و أنتم الأمراء
و أخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض فقال : أيها الناس ؟ ما يمنعكم ! ألست أحقكم بهذا الأمر ؟ ألست أول من أسلم ؟ ألست ؟ فذكر خصالا
و أخرج أحمد عن رافع الطائي ؟ قال : حدثني أبو بكر عن بيعته و ما قالته الأنصار و ما قاله عمر قال : فبايعوني و قبلتها منهم و تخوفت أن تكون فتنة يكون بعدها ردة
و أخرج ابن إسحاق و ابن عايد في مغازيه عنه أنه قال لأبي بكر : ما حملك على أن تلي أمر الناس و قد نهيتني أن أتأمر على اثنين ؟ قال : لم أجد من ذلك بدا خشيت على أمة محمد صلى الله عليه و سلم الفرقة
و أخرج أحمد عن قيس بن أبي حازم قال : إني لجالس عند أبي بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بشهر فذكر قصته فنودي في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر ثم قال أيها الناس لوددت أن هذا كفانيه غيري و لئن أخذتموني بسنة نبيكم ما أطيقها إن كان لمعصوما من الشيطان و إن كان لينزل عليه الوحي من السماء
و أخرج ابن سعد عن الحسن البصري قال : لما بويع أبو بكر قام خطيبا فقال : أما بعد فإني وليت هذا الأمر و أنا له كاره و و الله لوددت أن بعضكم كفانيه ألا و إنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم لم أقم به كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عبدا أكرمه الله بالوحي و عصمه به ألا و إنما أنا بشر و لست بخير من أحدكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني و إذا رأيتموني زغت فقوموني و اعلموا أن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم
و ابن سعد و الخطيب في رواية مالك عن عروة قال : لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد فإني قد وليت أمركم و لست بخيركم و لكنه نزل القرآن و سن النبي صلى الله عليه و سلم السنن و علمنا فعلمنا فاعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التقى و أعجز العجوز الفجور و أن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه و أن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع و لست بمبتدع فإذا أحسنت فأعينوني و إن أنا زغت فقوموني أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم
قال مالك : لا يكون أحد إماما أبدا إلا على هذا الشرط
و أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتجت مكة فسمع أبو قحافة ذلك فقال : ما هذا ؟ قالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : أمر جلل فمن قام بالأمر بعده ؟ قالوا : ابنك قال : فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف و بنو المغيرة ؟ قالوا : نعم قال : لا واضع لما رفعت و لا رافع لما وضعت
و أخرج الواقدي من طرق عن عائشة و ابن عمر و سعيد بن المسيب و غيرهم رضي الله عنهم أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة و أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : لم يجلس أبو بكر الصديق في مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر حتى لقي الله و لم يجلس عمر في مجلس أبي بكر حتى لقي الله و لم يجلس عثمان في مجلس عمر حتى لقي الله
● [ ما وقع من الأحداث زمن خلافته ] ●و الذي وقع في أيامه من الأمور الكبار : تنفيذ جيش أسامة و قتال أهل الردة و ما نعي الزكاة و مسيلمة الكذاب و جمع القرآن
أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد من ارتد من العرب و قالوا : نصلي و لا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت : يا خليفة رسول الله تألف الناس و ارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال : رجوت نصرتك و جئتني بخذلانك جبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام بماذا عسيت أن أتألفهم ؟ بشعر مفتعل أو بسحر مفترى ؟ هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه و سلم و انقطع الوحي و الله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي و إن منعوني عقالا قال عمر : فوجدته في ذلك أمضى مني و أحزم و آدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم
و أخرج أبو القاسم البغوي و أبو بكر الشافعي في فوائده و ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم اشرأب النفاق و ارتدت العرب و انحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفنائها و فضلها قالوا : أين يدفن النبي صلى الله عليه و سلم ؟ فما وجدنا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه قالت : و اختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
قال الأصمعي : الهيض : الكسر للعظم و الإشرئباب : رفع الرأس
قال بعض العلماء : و هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة رضي الله عنهم فقال بعضهم : ندفنه بمكة بلده الذي ولد بها و قال آخرون : بل بمسجده و قال آخرون : بل بالبقيع و قال آخرون : بل في بيت المقدس مدفن الأنبياء حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من العلم
قال ابن زنجويه : و هذه سنة تفرد بها الصديق من بين المهاجرين و الأنصار و رجعوا إليه فيها و أخرج البيهقي و ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : و الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم قال الثالثة فقيل له : مه يا أبا هريرة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه و سلم و ارتدت العرب حول المدينة و اجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : رد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم و قد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال : و الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا حللت لواء عقده فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداء إلا قالوا : لو لا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم و لكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوهم فهزموهم و قتلوهم و رجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام
أخرج عن عروة قال : جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في مرضه : أنفذوا جيش أسامة فسار حتى بلغ الجرف فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول : لا تجعل فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثقل فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني و أنا على غير حالكم هذه و أنا أتخوف أن تكفر العرب و إن كفرت كانوا أول من يقاتل و إن لم تكفر مضيت فإن معي سروات الناس و خيارهم فخطب أبو بكر الناس ثم قال : و الله لأن يخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعثه
قال الذهبي : لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام و منعوا الزكاة فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم فأشار عليه عمر و غيره أن يفتر عن قتالهم فقال : و الله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعها فقال عمر : كيف تقاتل الناس و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فمن قالها عصم مني ماله و دمه إلا بحقها و حسابه على الله ؟ ] فقال أبو بكر : و الله لأقاتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة فإن الزكاة حق المال و قد قال [ إلا بحقها ] قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق أخرجه الشيخان و غيرهما
و عن عروة قال : خرج أبو بكر في المهاجرين و الأنصار حتى بلغ نقعا حذاء نجد و هربت الأعراب بذراريهم فكلم الناس أبا بكر و قالوا : ارجع إلى المدينة و إلى الذرية و النساء و أمر رجلا على الجيش و لم يزالوا به حتى رجع و أمر خالد بن الوليد و قال له : إذا أسلموا و أعطوا الصدقة فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع و رجع أبو بكر إلى المدينة
و أخرج الدارقطني عن ابن عمر قال : لما برز أبو بكر و استوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها و قال : إلى أين يا خليفة رسول الله ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد : شم سيفك و لا تفجعنا بنفسك و ارجع إلى المدينة فو الله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا
وعن حنظلة بن علي الليثي أن أبا بكر بعث خالدا و أمره أن يقاتل الناس على خمس من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعا : على شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و حج البيت و سار خالد و من معه في جمادى الآخرة فقاتل بني أسد و غطفان و قتل من قتل و أسر من أسر و رجع الباقون إلى الإسلام و استشهد بهذه الواقعة من الصحابة عكاشة بن محصن و ثابت بن أقرم
و في رمضان من هذه السنة ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم سيدة نساء العالمين و عمرها أربع و عشرون سنة
قال الذهبي : و ليس لرسول الله صلى الله عليه و سلم نسب إلا منها فإن عقب ابنته زينب انقرضوا قاله الزبير بن بكار و ماتت قبلها بشهر أم أيمن
وفي شوال مات عبد الله بن أبي بكر الصديق
ثم سار بجموعه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب في أواخر العام و التقى الجمعان و دام الحصار أياما ثم قتل الكذاب لعنه الله قتله وحشي قاتل حمزة
و استشهد فيها خلق من الصحابة : أبو حذيفة بن عتبة و سالم مولى أبي حذيفة و شجاع بن وهب و زيد بن الخطاب و عبد الله بن سهل و مالك بن عمرو و الطفيل بن عمرو الدوسي و يزيد بن قيس و عامر بن البكير و عبد الله بن مخرمة و السائب بن عثمان بن مظعون و عباد بن بشر و معن بن عدي و ثابت بن قيس بن شماس و أبو دجانة سماك بن حرب و جماعة آخرون تتمة سبعين و كان لمسيلمة يوم قتل مائة و خمسون سنة و مولده قبل مولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه و سلم
و في سنة اثني عشرة بعث الصديق العلاء بن الحضرمي إلى البحرين و كانوا قد ارتدوا فالتقوا بجواثي فنصر المسلمين و بعث عكرمة بن أبي جهل إلى عمان و كانوا قد ارتدوا و بعث المهاجر بن أبي أمية أهل النجير و كانوا قد ارتدوا و بعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة و فيها مات أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و الصعب بن جثامة الليثي و أبو مرثد الغنوي و فيها بعد فراغ قتال أهل الردة بعث الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد إلى أرض البصرة فغزا الأبلة فافتتحها و افتتح مدائن كسرى التي بالعراق صلحا و حربا و فيها أقام الحج أبو بكر الصديق ثم رجع فبعث عمرو بن العاص و الجنود إلى الشام فكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة و نصر المسلمون و بشر بها أبو بكر و هو بآخر رمق و استشهد بها عكرمة بن أبي جهل و هشام بن العاصي في طائفة
و فيها كانت وقعة مرج الصفر و هزم المشركون و استشهد بها الفضل بن العباس في طائفة
● [ جمع القرآن ] ●أخرج البخاري عن زيد بن ثابت قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة و عنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس و إني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن يجمعوه وإني لأرى أن يجمع القرآن قال أبو بكر : فقلت لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال عمر : هو و الله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري فرأيت الذي أرى عمر قال زيد : ـ و عمر عنده جالس لا يتكلم ـ فقال أبو بكر : إنك شاب عاقل و لا نتهمك و قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن فقلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر : هو و الله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر و عمر فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع و الأكتاف و العسب و صدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدهما مع غيره [ لقد جاءكم رسول من أنفسكم ] إلى آخرها فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها
و أخرج أبو يعلي عن علي قال : أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين
● [ أولياته ] ●منها أنه أول من أسلم و أول من جمع القرآن و أول من سماه مصحفا و تقدم دليل ذلك و أول من سمي خليفة
أخرج أحمد عن أبي بكر بن أبي قال : قيل لأبي بكر : يا خليفة الله قال أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا راضي به
و منها أنه أول من ولي الخلافة و أبوه حي و أول خليفة فرض له رعيته العطاء
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما استخلف أبو بكر قال : لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي و شغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال و يحترف للمسلمين
و أخرج ابن سعد من عطاء بن السائب قال : لما رجع أبو بكر أصبح و على ساعده أبراد و هو ذاهب إلى السوق فقال عمر : أين أطعم عيالي ؟ فقال : انطلق يفرض لك أبو عبيدة فانطلقا إلى أبي عبيدة فقال : أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم و لا أوكسهم و كسوة الشتاء و الصيف إذا أخلقت شيئا رددته و أخذت غيره ففرضنا له كل يوم نصف شاة و ما كساه في الرأس و البطن
و أخرج ابن سعد عن ميمون قال : لما استخلف أبو يكر جعلوا له ألفين فقال : زيدوني فإن لي عيالا و قد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة
و أخرج الطبراني في مسنده عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال : لما احتضر أبو بكر قال : يا عائشة انظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها و الجفنة التي كنا نصطبغ فيها و القطيفة التي كنا نلبسها فإنا كن ننتفع بذلك حين كنا نلي أمر المسلمين فإذا مت فاردديه إلى عمر فلما مات أبو بكر أرسلت به إلى عمر فقال عمر : رحمك الله يا أبا بكر ! لقد أتعبت من جاء بعدك و أخرج ابن أبي الدنيا عن أبي بكر بن حفص قال : قال أبو بكر ـ لما اختضر ـ لعائشة رضي الله عنها : يا بنية إنا ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ دينارا و لا درهما و لكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا و لبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا و إنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل و لا كثير إلا هذا العبد الحبشي و هذا البعير الناضح و جرد هذه القطيفة فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر
و منها أنه أول من اتخذ بيت المال
أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة و غيره أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد فقيل له : ألا تجعل عليه من يحرسه ؟ قال : عليه قفل فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ فلما انتقل إلى المدينة حوله فجعله في داره فقدم عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوي بين الناس في القسم و كان يشتري الإبل و الخيل و السلاح فيجعله في سبيل الله و اشترى قطائف أتي بها من البادية ففرقها في أرامل المدينة فلما توفي أبو بكر و دفن دعا عمر الأمناء و دخل بهم في بيت مال أبي بكر منهم عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئا و لا دينارا و لا درهما
قلت : و بهذا الأثر يرد قول العسكري في الأوائل : إن أول من اتخذ بيت المال عمر و إنه لم يكن للنبي صلى الله عليه و سلم بيت مال و لا لأبي بكر رضي الله عنه و قد رددته عليه في كتابي الذي صنفته في الأوائل تنبه له في موضع آخر من كتابه فقال : إن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر
و منها قال الحاكم : أول لقب في الإسلام لقب أبي بكر رضي الله عنه [ عتيق ]
أخرج الشيخان [ عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا و هكذا ] فلما جاء مال البحرين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو بكر : من كان له عند رسول الله صلى الله عليه و سلم دين أو عدة فليأتنا فجئت و أخبرته فقال : خذ فأخذت فوجدتها خمسمائة فأعطاني ألفا و خمسمائة
● [ حلمه و تواضعه ] ●أخرج ابن عساكر عن أنيسة قالت : نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف و سنة بعدما استخلف فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن
و أخرج أحمد في الزهد عن ميمون بن مهران قال : جاء رجل إلى أبي بكر فقال : السلام عليك يا خليفة رسول الله قال : من بين هؤلاء أجمعين
و أخرج ابن عساكر عن أبي صالح الغفاري : أن عمر بن الخطاب [ كان يتعهد عجوزا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيسقي لها و يقوم بأمرها فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها ـ و هو يومئذ خليفة ـ فقال عمر : أنت هو لعمري ]
و أخرج أبو نعيم و غيره عن عبد الرحمن الأصبهاني قال : جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر و هو على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : انزل عن مجلس أبي فقال : صدقت إنه مجلس أبيك و أجلسه في حجره و بكى فقال علي : و الله ما هذا عن أمري فقال : صدقت و الله ما أتهمك
أخرج ابن سعد عن ابن عمر قال : استعمل النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر على الحج في أول حجة كانت في الإسلام ثم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم في السنة المقبلة فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و استخلف أبو بكر استعمل عمر بن الخطاب على الحج ثم حج أبو بكر من قابل فلما قبض أبو بكر و استخلف عمر استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج ثم لن يزل عمر يحج سنيه كلها حتى قبض فاستخلف عثمان و استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج
مرضه و وفاته و وصيته و استخلافه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما
أخرج سيف و الحاكم عن ابن عمر قال : كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كمد فما زال جسمه يجري حتى مات يجري : أي ينقص و أخرج ابن سعد و الحاكم بسند صحيح عن ابن شهاب أن أبا بكر و الحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر : ارفع يدك يا خليفة رسول الله و الله إن فيها لسم سنة و أنا و أنت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة
و أخرج الحاكم عن الشعبي قال : ماذا نتوقع من هذه الدنيا الدنية و قد سم رسول الله صلى الله عليه و سلم و سم أبو بكر ؟
و أخرج الواقدي و الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة و كان يوما باردا فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة و توفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة و له ثلاث و ستون سنة
و أخرج ابن سعد و ابن أبي الدنيا عن أبي السفر قال : دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا : يا خليفة رسول الله : ألا ندعوا لك طبيبا ينظر إليك ؟ قال : قد نظر إلي فقالوا : ما قال لك ؟ قال : قال : إني فعال لما أريد
و أخرج الواقدي من طرق أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب ؟ فقال : ما تسألني عن أمر إلا و أنت أعلم به مني فقال أبو بكر : و إن فقال عبد الرحمن : هو و الله أفضل من رأيك فيه ثم دعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر ؟ فقال : أنت أخبرنا به فقال : على ذلك فقال : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته و أنه ليس فينا مثله و شاور معهما سعيد بن زيد و أسيد بن الحضير و غيرهما من المهاجرين و الأنصار فقال أسيد : اللهم أعلمه الخير بعدك يرضى للرضا و يسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن و لن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه
و دخل عليه بعض الصحابة فقال له قائل منهم : ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا و قد ترى غلظته ؟ فقال أبو بكر : بالله تخوفني ؟ أقول : اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت من وراءك ثم دعا عثمان فقال : اكتب [ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها و عند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر و يوقن الفاجر و يصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له و أطيعوا و إني لم آل الله و رسوله و دينه و نفسي و إياكم خيرا فإن عدل فذلك ظني به و علمي فيه و إن بدل فلكل امرئ ما اكتسب و الخير أردت و لا أعلم الغيب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ] ثم أمر بالكتاب فختمه ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوما فبايع الناس و رضوا به ثم دعا أبو بكر عمر خاليا فأوصاه بما أوصاه ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه و قال : اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم و خفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به و اجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم و أقواهم عليهم و أحرصهم على ما أرشدهم و قد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك و نواصيهم بيدك أصلح اللهم ولاتهم و اجعله من خلفائك الراشدين و أصلح له رعيته
وأخرج ابن سعد و الحاكم عن ابن مسعود قال : أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر حين استخلف عمر و صاحبة موسى حين قالت : استأجره و العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته : أكرمي مثواه
و أخرج ابن عساكر عن يسار بن حمزة قال : لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال : أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به ؟ فقال الناس : رضينا يا خليفة رسول الله فقام على فقال : لا نرضى إلا أن يكون عمر قال : فإنه عمر
أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم الاثنين قال : فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي لغد فإن أحب الأيام و الليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج مالك عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغاية فلما حضرته الوفاة قال : يا بنية و الله ما من الناس أحب إلي غنى منك و لا أعز علي فقرا بعدي منك و إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا فلو كنت جددته و احترزته كان لك و إنما هو اليوم مال وارث و إنما هو أخواك و أختاك فأقسموه على كتاب الله فقالت : يا أبت و الله لو كان كذا و كذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى ؟ قال : ذو بطن ابنة خارجة أراها جارية و أخرجه ابن سعد و قال في آخره : ذات بطن ابنة خارجة قد ألقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا فولدت أم كلثوم
و أخرج ابن سعد عن عروة أن أبا بكر أوصى بخمس ماله و قال : آخذ من مالي ما أخذ الله من فيء المسلمين
و أخرج من وجه آخر عنه قال : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع و أن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث و من أوصى بالثلث لم يترك شيئا
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن الضحاك أن أبا بكر و عليا أوصيا بالخمس من أموالهما لمن لا يرث من ذوي قرابتهما
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عائشة رضي الله عنها قالت : و الله ما ترك أبو بكر دينارا و لا درهما ضرب الله سكته
و أخرج ابن سعد و غيره عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى . إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدرفكشف عن وجهه و قال : ليس كذلك و لك قولي : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما و كفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت
و أخرج أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت على أبي بكر و هو في الموت فقلت:
من لا يزال دمعه مقنعا . فإنه في مرة مدفوقفقال : لا تقولي هذا و لكن قولي : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } ثم قال : في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قلت : يوم الاثنين قال : أرجو فيما بيني و بين الليل فتوفي ليلة الثلاثاء و دفن قبل أن يصبح
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن بكر بن عبد الله المزني قال : لما احتضر أبو بكر قعدت عائشة رضي الله عنها عند رأسه فقالت:
وكل ذي إبل يوما سيوردها . و كل ذي سلب لا بد مسلوبففهمها أبو بكر فقال : ليس كذلك يا ابنتاه و لكنه كما قال الله : { وجاءت سكرة الموت } الآية
و أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها تمثلت بهذا البيت و أبو بكر يقضي:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه . ثمال اليتامى عصمة للأراملفقال أبو بكر : ذاك رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبادة بن قيس قال : لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة : اغسلي ثوبي هذين و كفنيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين : إما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب
و أخرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس و يعينها عبد الرحمن بن أبي بكر
و أخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه صلى على أبي بكر بين القبر و المنبر و كبر عليه أربعا
و أخرج عن عروة و القاسم بن محمد أن أبا بكر أوصى عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي حفر له و جعل رأسه عند كتف رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج عن عروة و القاسم بن محمد أن أبا بكر أوصى عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي حفر له و جعل رأسه عند كتف رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج عن ابن عمر قال : نزل في حفرة أبي بكر : عمر و طلحة و عثمان و عبد الرحمن بن أبي بكر
و أخرج من طرق عدة : أنه دفن ليلا
و أخرج عن ابن المسيب أن أبا بكر لما مات ارتجت مكة فقال أبو قحافة : ما هذا ؟ قالوا : مات ابنك قال : رزء جليل من قام بالأمر بعده ؟ قالوا : عمر قال صاحبه
و أخرج عن مجاهد أن أبا قحافة رد ميراثه من أبي بكر على ولد أبي بكر و لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر و أياما و مات في المحرم سنة أربع عشرة و هو ابن سبع وتسعين سنة
قال العلماء : لم يل الخلافة أحد في حياة أبيه إلا أبو بكر و لم يرث خليفة أبوه إلا أبا بكر
و أخرج الحاكم عن ابن عمر قال : ولي أبو بكر سنتين و سبعة أشهر
و في تاريخ ابن عساكر بسنده عن الأصمعي قال : قال خفاف بن ندبة السلمي يبكي أبا بكر:
ليس لحي فاعلمنه بقا . و كل دنيا أمرها للفنا
والملك في الأقوام مستودع . عارية فالشرط فيه الأدا
والمرء يسعى و له راصد . تندبه العين و نار الصدا
يهرم أو يقتل أو يقهره . يشكوه سقم ليس فيه شفا
إن أبا بكر هو الغيث إن . لم تزرع الجوزاء بقلا بما
تالله لا يدرك أيامه . ذو مئزر ناش و لا ذو ردا
من يسع كي يدرك أيامه . مجتهدا شذ بأرض فضا
والملك في الأقوام مستودع . عارية فالشرط فيه الأدا
والمرء يسعى و له راصد . تندبه العين و نار الصدا
يهرم أو يقتل أو يقهره . يشكوه سقم ليس فيه شفا
إن أبا بكر هو الغيث إن . لم تزرع الجوزاء بقلا بما
تالله لا يدرك أيامه . ذو مئزر ناش و لا ذو ردا
من يسع كي يدرك أيامه . مجتهدا شذ بأرض فضا