بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة السيرة والتاريخ
تاريخ الخلفاء للسيوطيي
أبو بكر الصديق رضي الله عنه [ 2 ]
● [ بيان أنه أفضل الصحابة وخيرهم ] ●
أجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم سائر العشرة ثم باقي أهل بدر ثم باقي أهل أحد ثم باقي أهل البيعة ثم باقي أهل الصحابة هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي
و روى البخاري عن ابن عمر قال : كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان و زاد الطبراني في الكبير : فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه و سلم و لا ينكره
و أخرجه ابن عساكر عن ابن عمر قال : [ كنا و فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم نفضل أبا بكر و عمر و عثمان و عليا ]
و أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و نحن متوافرون ـ نقول : أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت
و أخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال : قال عمر لأبي بكر : يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر : أما إنك إن قلت ذاك فلقد سمعته يقول : ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر
و أخرج البخاري عن محمد بن علي بن أبي طالب قال : قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : أبو بكر قلت : ثم من ؟ قال : عمر و خشيت أن يقول عثمان فقلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين
و أخرج أحمد و غيره عن علي قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر قال الذهبي : هذا متواتر عن علي فلعن الله الرافضة ما أجهلهم
و أخرج الترمذي و الحاكم عن عمر بن الخطاب قال : أبو بكر سيدنا و خيرنا و أحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر ثم قال : ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر فمن قال غير هذا فهو مفتر عليه ما على المفتري و أخرج أيضا عن ابن أبي ليلى قال : قال علي : لا يفضلني أحد على أبي بكر و عمر إلا جلدته حد المفتري
و أخرج عبد الرحمن بن حميد في مسنده و أبو نعيم و غيرهما من طرق [ عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما طلعت الشمس و لا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إلا أن يكون نبي ] و في لفظ [ على أحد من المسلمين بعد النبيين و المرسلين أفضل من أبي بكر ]
و قد ورد أيضا من حديث جابر و لفظه [ ما طلعت الشمس على أحد منكم أفضل منه ] أخرجه الطبراني وغيره و له شواهد من وجوه أخر تقضي له بالصحة أو الحسن و قد أشار ابن كثير إلى الحكم بصحته
و أخرج الطبراني [ عن سلمة بن الأقرع قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبو بكر الصديق خير الناس إلا أن يكون نبي ] و في الأوسط [ عن سعد بن زرارة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن روح القدس جبريل أخبرني أن خير أمتك بعدك أبو بكر ] و أخرج الشيخان [ عن عمرو بن العاص قال : قلت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة قلت من الرجال ؟ قال : أبوها قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب ] و قد ورد هذا الحديث بدون [ ثم ] في رواية أنس و ابن عمرو و ابن عباس
و أخرج الترمذي و النسائي و الحاكم عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة : أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : أبو بكر قلت ثم من ؟ قالت : عمر قلت : ثم من ؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح
و أخرج الترمذي و غيره [ عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر و عمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين و الآخرين إلا النبيين و المرسلين ] و أخرج مثله عن علي
و في الباب عن ابن عباس و ابن عمر : و أبي سعيد الخدري و جابر بن عبد الله و أخرج الطبراني في الأوسط عن عمار بن ياسر قال : من فضل علي أبي بكر و عمر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد أزرى على المهاجرين و الأنصار
و أخرج ابن سعيد [ عن الزهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت : هل قلت في أبي بكر شيئا ؟ قال : نعم فقال : قل و أنا أسمع فقال:
والثاني اثنين في الغار المنيف و قد . طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد عملوا . من البرية لم يعدل به رجلافضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه ثم قال : صدقت يا حسان هو كما قلت ]
روى أحمد و الترمذي [ عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرحم أمتي بأمتي أبو بكر و أشدهم في أمر الله عمر و أصدقهم حياء عثمان و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل و أفرضهم زيد بن ثابت و أ قرؤهم أبي بن كعب و لكل أمة أمين و أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ] و أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عمر و زاد فيه [ و أقضاهم علي ] و أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث شداد ابن أوس و زاد [ و أبو ذر أزهد أمتي و أصدقها و أبو الدرداء أعبد أمتي و أتقاها و معاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي و أجودها ]
و قد سئل شيخنا العلامة الكافيجي عن هذه التفضيلات : هل تنافي التفضيل السابق ؟، فأجاب بأنه لا منافاة
● [ ذكر ما أنزل من الآيات ] ●
في مدحه أو تصديقه أو شأن من شؤونهاعلم أني رأيت لبعضهم كتابا في أسماء من نزل فيهم القرآن غير محرر و لا مستوعب و قد ألفت في ذلك كتابا حافلا مستوعبا محررا و أنا ألخص هنا ما يتعلق منه بالصديق رضي الله عنه
قال تعالى : { ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه } أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور أبو بكر و سيأتي فيه أثر عنه
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : { فأنزل الله سكينته عليه } قال : على أبي بكر إن النبي صلى الله عليه و سلم لم تزل السكينة عليه
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف و أبي ابن خلف ببردة و عشر أواق فأعتقه لله فأنزل الله : { والليل إذا يغشى } إلى قوله : { إن سعيكم لشتى } سعي أبي بكر و أمية و أبي
و أخرج ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز و نساء إذا أسلمن فقال أبوه : أي بني أراك تعتق أناسا ضعافا فلو أنك تعتق رجالا جلدا يقدمون معك و يمنعونك و يدفعون عنك ؟ قال : أي أبت أنا أريد ما عند الله قال : فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه { فأما من أعطى واتقى } إلى آخرها
و أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني عن عروة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعتق سبعة كلهم يعذب في الله و فيه نزلت { وسيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة
و أخرج البزار عن عبد الله بن الزبير قال : نزلت هذه الآية { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق رضي الله عنه
و أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين
و أخرج البزار و ابن عساكر عن أسيد بن صفوان ـ و كانت له صحبة ـ قال : قال علي : [ و الذي جاء بالحق ] محمد [ و صدق به ] أبو بكر الصديق قال ابن عساكر : هكذا الرواية [ بالحق ] و لعلها قراءة لعلي
و أخرج الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى : { وشاورهم في الأمر } قال : نزلت في أبي بكر و عمر
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال : نزلت { ولمن خاف مقام ربه جنتان } في أبي بكر رضي الله عنه و له طرق أخرى ذكرتها في أسباب النزول
و أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر و ابن عباس في قوله تعالى : { وصالح المؤمنين } قال نزلت في أبي بكر و عمر
و أخرج عبد الله بن أبي حميد في تفسيره عن مجاهد قال : لما نزلت { إن الله وملائكته يصلون على النبي } قال أبو بكر : يا رسول الله ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت هذه الآية { هو الذي يصلي عليكم وملائكته }
و أخرج ابن عساكر عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر و عمر و علي { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين }
و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : نزلت في أبي بكر الصديق { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا } إلى قوله : { وعد الصدق الذي كانوا يوعدون }
و أخرج ابن عساكر عن ابن عيينة قال : عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أبا بكر وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار }
● [ الأحاديث الواردة في فضله ] ●
مقرونا بعمر رضى الله عنهأخرج الشيخان [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال : من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري ؟ و بينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت إليه فكلمته فقالت : إني لم أخلق لهذا و لكن خلقت للحرث قال الناس : سبحان الله بقرة تتكلم ؟ قال النبي صلى الله عليه و سلم : فإني أومن بذلك و أبو بكر و عمر و ما ثم أبو بكر و عمر ] أي لم يكونا في المجلس شهد لهما بالإيمان بذلك لعلمه بكمال إيمانهما
و أخرج الترمذي [ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من نبي إلا و له وزيران من أهل السماء و وزيران من أهل الأرض فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل و ميكائيل و أما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر و عمر ]
و أخرج أصحاب السنن و غيرهم [ عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أبو بكر في الجنة و عمر في الجنة و عثمان في الجنة و علي في الجنة ] و ذكر تمام العشرة
و أخرج الترمذي [ عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء و إن أبا بكر و عمر منهم ] و أخرجه الطبراني من حديث جابر بن سمرة و أبي هريرة
و أخرج الترمذي [ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين و الأنصار و هم جلوس فيهم أبو بكر و عمر فلا يرفع إليه أحد منهم بصره إلا أبو بكر و عمر فإنهما كانا ينظران إليه و ينظر إليهما و يتبسمان إليه و يبتسم إليهما ]
و أخرج الترمذي و الحاكم [ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج ذات يوم فدخل المسجد و أبو بكر و عمر أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله و هو آخذ بأيديهما و قال : هكذا نبعث يوم القيامة ] و أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة
و أخرج الترمذي و الحاكم [ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ]
و أخرج الترمذي و الحاكم و صححه [ عن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى أبا بكر و عمر فقال هذان السمع و البصر ] و أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر و ابن عمرو
و أخرج البزار و الحاكم [ عن أبي أروى الدوسي قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فأقبل أبو بكر و عمر فقال : الحمد لله الذي أيدني بكما ] و ورد أيضا من حديث البراء بن عازب أخرجه الطبراني في الأوسط
و أخرج أبو يعلى [ عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتاني جبريل آنفا فقلت : يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب فقال : لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ما نفدت فضائل عمر و إن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ]
و أخرج أحمد [ عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر و عمر : لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما ] و أخرجه الطبراني من حديث البراء بن عازب
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه سئل : من كان يفتي في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : أبو بكر و عمر و لا أعلم غيرهما
و أخرج عن القاسم بن محمد قال : كان أبو بكر و عمر و عثمان و علي يفتون في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج الطبراني [ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن لكل نبي خاصة من أمته و إن خاصتي من أصحابي أبو بكر و عمر ]
و أخرج ابن عساكر [ عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رحم الله أبا بكر ! زوجني ابنته و حملني إلى دار الهجرة و أعتنق بلالا رحم الله عمر ! يقول الحق و إن كان مرا تركه الحق و ما له من صديق رحم الله عثمان ! تستحيه الملائكة رحم الله عليا ! اللهم أدر الحق معه حيث دار ]
و أخرج الطبراني [ عن سهل رضي الله عنه قال : لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك أيها الناس إني راض عنه و عن عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن بن عوف و المهاجرين الأولين فاعرفوا ذلك لهم ]
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن أبي حازم قال : جاء رجل إلى علي ابن الحسين فقال : ما كان منزلة أبي بكر و عمر من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : كمنزلتهما منه الساعة
و أخرجه ابن سعد [ عن بسطام بن مسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر و عمر لا يتأمر عليكما أحد بعدي ]
و أخرج ابن عساكر عن أنس مرفوعا [ حب أبي بكر إيمان و بغضهما كفر ]
و أخرج عن ابن مسعود قال : حب أبي بكر و عمر و معرفتهما من السنة
و أخرج عن أنس مرفوعا [ إني لأرجو لأمتي في حبهم لأبي بكر و عمر ما أرجو لهم في قول : لا إله إلا الله ]
● [ الأحاديث الواردة في فضله وحده ] ●أخرج الشيخان [ عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة و من كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد و من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة و من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ] فقال أبو بكر : ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : [ نعم فأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ]
و أخرج أبو داود و الحاكم و صححه [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي ]
و أخرج الشيخان [ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من أمن الناس علي في صحبته و ماله أبو بكر و لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا و لكن أخوة الإسلام ]
و قد ورد هذا الحديث من رواية ابن عباس و ابن الزبير و ابن مسعود و جندب بن عبد الله و البراء و كعب بن مالك و جابر بن عبد الله و أنس و أبي واقد الليثي و أبي المعلى و عائشة و أبي هريرة و ابن عمر رضي الله عنهم و قد سردت طرقهم في الأحاديث المتواترة
و أخرج البخاري [ عن أبي الدرداء قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ أقبل أبو بكر فسلم و قال : إنه كان بيني و بين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي يكر فلم يجده فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه و سلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله و الله أنا كنت أظلم منه مرتين فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت و واساني بنفسه و ماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ مرتين فما أوذي بعدها ]
و أخرج ابن عدي [ من حديث ابن عمر رضي الله عنه نحوه و فيه : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تؤذني في صاحبي فإن الله بعثني بالهدى و دين الحق فقلتم : كذبت و قال أبو بكر : صدقت و لو لا أن الله سماه صاحبا لاتخذته خليلا و لكن أخوة الإسلام ]
و أخرج ابن عساكر [ عن المقدام قال : استب عقيل بن أبي طالب و أبو بكر قال : و كان أبو بكر نسابا غير أنه تحرج من قرابته من النبي صلى الله عليه و سلم فأعرض عنه و شكا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس فقال : ألا تدعون لي صاحبي ؟ ما شأنكم و شأنه ؟ فو الله ما منكم رجل إلا على باب بيته ظلمة إلا باب أبي بكر فإن على بابه النور فو الله لقد قلتم : كذبت و قال أبو بكر : صدقت و أمسكتم الأموال و جاد لي بماله و خذلتموني و واساني و اتبعني ]
و أخرج البخاري [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ؟ ] فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنك لست تصنع ذلك خيلاء ]
و أخرج مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا قال : فمن تبع منكم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر : أنا قال : فمن عاد اليوم منكم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ]
و قد ورد هذا الحديث من رواية أنس بن مالك و عبد الرحمن بن أبي بكر فحديث أنس أخرجه البيهقي في الأصل و في آخره [ وجبت لك الجنة ] و حديث عبد الرحمن أخرجه البزار و لفظه [ صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ فقال عمر : يا رسول الله لم أ حدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطرا فقال أبو بكر : و لكني حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائما فقال : هل أحد منكم اليوم عاد مريضا ؟ فقال عمر : يا رسول الله لم نبرح فكيف نعود المريض ؟ فقال أبو بكر : بلغني أن أخي عبد الرحمن ابن عوف شاك فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح فقال : هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا ؟ فقال عمر : صلينا يا رسول الله ثم لم نبرح فقال أبو بكر : دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن فأخذتها و دفعتها إليه فقال : أنت فأبشر بالجنة ثم قال كلمة أرضى بها عمر و زعم عمر أنه لم يرد خيرا قط إلا سبقه إليه أبو بكر ]
و أخرج أبو يعلى [ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت في المسجد أصلي فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه أبو بكر و عمر فوجدني أدعو فقال : سل تعطه ثم قال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريقا فليقرأ بقراءة ابن أم عبد ] فرجعت إلى منزلي فأتاني أبو بكر فبشرني ثم أتى عمر فوجد أبا بكر خارجا قد سبقه فقال : [ إنك لسباق بالخير ]
و أخرج أحمد بسند حسن عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه قال : جرى بيني و بين أبي بكر كلام فقال لي كلمة كرهتها و ندم فقال لي : يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصا قلت : لا أفعل قال أبو بكر : لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : ما أنا بفاعل فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه و سلم و انطلقت أتلوه و جاء أناس من أسلم فقالوا لي : رحم الله أبا بكر ! في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الذي قال لك ما قال ؟ فقلت : أتدرون من هذا ؟ هذا أبو بكر الصديق هذا ثاني اثنين و هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز و جل لغضبهما فيهلك ربيعة قالوا : ما تأمرنا ؟ قال : ارجعوا و انطلق أبو بكر رضي الله عنه و تبعته وحدي حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدثه الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال : [ يا ربيعة مالك و الصديق ؟ فقلت : يا رسول الله كان كذا و كذا فقال لي كلمة كرهتها فقال لي : قل كما قلت حتى يكون قصاصا فأبيت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أجل لا ترد عليه و لكن قل : قد غفر الله لك يا أبا بكر فقلت : غفر الله لك يا أبا بكر قال الحسن : فولى أبو بكر رضي الله عنه و هو يبكي ]
و أخرج الترمذي و حسنه [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر : أنت صاحبي على الحوض و صاحبي في الغار ]
و أخرج عبد الله بن أحمد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أبو بكر صاحبي و مؤنسي في الغار ] إسناده حسن
وأخرج البيهقي [ عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن في الجنة طيرا كأمثال البخاتي قال أبو بكر : إنها لناعمة يا رسول الله ؟ قال : أنعم منها من يأكلها و أنت ممن يأكلها ] و قد ورد هذا الحديث من رواية أنس
و أخرج أبو يعلى [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها اسمي محمد رسول الله و أبو بكر الصديق خلفي ] إسناده ضعيف لكنه ورد أيضا من حديث ابن عباس و أنس و أبي سعيد و أبي الدرداء رضي الله عنهم بأسانيد ضعيفة يشد بعضها بعضا
و أخرج ابن أبي حاتم و أبو نعيم [ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : قرأت عند النبي صلى الله عليه و سلم { يا أيتها النفس المطمئنة } فقال أبو بكر : يا رسول الله إن هذا لحسن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما إن الملك سيقولها لك عند الموت ]
و أخرج ابن أبي حاتم [ عن عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : لما نزلت { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية قال أبو بكر : يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت فقال : صدقت ]
و أخرج أبو القاسم البغوي : [ حدثنا داود بن عمر حدثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي ملكية قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه غديرا فقال : ليسبح كل رجل إلى صاحبه قال : فسبح كل رجل حتى بقي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر فسبح رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي بكر حتى اعتنقه و قال : لو كنت متخذا خليلا حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكر خليلا و لكنه صاحبي ] تابعه وكيع عن عبد الجبار بن الورد أخرجه ابن عساكر و عبد الجبار ثقة و شيخه ابن أبي ملكية إمام إلا أنه مرسل و هو غريب جدا
قلت : أخرجه الطبراني في الكبير و ابن شاهين في السنة من وجه آخر موصولا عن ابن عباس
و أخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق و ابن عساكر من طريق صدقة بن ميمون القرشي [ عن سليمان بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : خصال الخير ثلاثمائة و ستون خصلة إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه خصلة منها يدخل بها الجنة ] قال أبو بكر : يا رسول الله أفي شيء منها ؟ قال : [ نعم جمعا من كل ]
و أخرج ابن عساكر من طريق أخرى [ عن صدقة القرشي عن رجل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خصال الخير ثلاثمائة و ستون فقال أبو بكر : يا رسول الله لي منها شيء قال : كلها فيك فهنيئا لك يا أبا بكر ]
و أخرج ابن عساكر من طريق مجمع بن يعقوب الأنصاري عن أبيه قال : إن كانت حلقة رسول الله صلى الله عليه و سلم لتشتبك حتى تصير كالأسوار و إن مجلس أبي بكر منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس فإن جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس و أقبل عليه النبي صلى الله عليه و سلم بوجهه و ألقى إليه حديثه و سمع الناس
و أخرج ابن عساكر [ عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حب أبي بكر و شكره واجب على كل أمتي ]
و أخرج مثله في حديث سهل بن سعد
و أخرج عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا [ الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر ]
ما ورد من كلام الصحابة و من بعدهم في فضل الصديق
أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه قال : قال عمر بن الخطاب : أبو بكر سيدنا و أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمر رضي الله عنه قال : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم
و أخرج ابن أبي خثيمة و عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عمر رضي الله عنه قال إن أبا بكر كان سابقا مبرزا
و قال عمر : لوددت أني شعرة في صدر أبي بكر أخرجه مسدد في مسنده
و قال : وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر أخرجه ابن أبي الدنيا و ابن عساكر
و قال : لقد كان ريح أبي بكر أطيب من ريح المسك أخرجه أبو نعيم
و أخرج ابن عساكر عن علي أنه دخل على أبي بكر و هو مسجى فقال : ما أحد لقي الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى
و أخرج ابن عساكر [ عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حدثني عمر بن الخطاب أنه ما سبق أبا بكر إلى خير قط إلا سبقه به ]
و أخرج الطبراني في الأواسط عن علي قال : و الذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر
و أخرج في الأواسط أيضا عن جحيفة قال علي : خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر و عمر لا يجتمع حبي و بغض أبي بكر و عمر في قلب مؤمن
و أخرج في الكبير عن ابن عمر قال : ثلاثة من قريش أصبح قريش وجوها و أحسنها أخلاقا و أثبتها جنانا إن حدثوك لم يكذبوك و إن حدثتهم لم يكذبوك : أبو بكر الصديق و أبو عبيدة بن الجراح و عثمان بن عفان
و أخرج ابن سعد عن إبراهيم النخعي قال : أبو بكر يسمى [ الأواه ] لرأفته و رحمته
و أخرج ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : مكتوب في كتاب الأول : مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع
و أخرج ابن عساكر عن الربيع عن أنس قال : نظرنا في صحابة الأنبياء فما وجدنا نبيا كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق
و أخرج عن الزهري قال : من فضل أبي بكر أنه لم يشك في الله ساعة قط
و أخرج عن الزبير بن بكار قال : سمعت بعض أهل العلم يقول : خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبو بكر الصديق و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
و أخرج عن أبي الحصين قال : ما ولد لآدم ذريته بعد النبيين و المرسلين أفضل من أبي بكر و لقد قام أبو بكر يوم الردة مقام نبي من الأنبياء
أخرج الدينوري في المجالسة و ابن عساكر عن الشعبي قال : خص الله تبارك و تعالى أبا بكر بأربع خصال لم يخص بها أحدا من الناس : سماه الصديق و لم يسم أحدا الصديق غيره و هو صاحب الغار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و رفيقه في الهجرة و أمره رسول الله بالصلاة و المسلمون شهود
و أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن جعفر قال : كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم و لا يراه
و أخرج الحاكم عن ابن المسيب قال : كان أبو بكر من النبي صلى الله عليه و سلم مكان الوزير فكان يشاوره في جميع أموره و كان ثانيه في الإسلام و ثانيه في الغار و ثانيه في العريش يوم بدر و ثانيه في القبر و لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم عليه أحدا
● [ الأحاديث المشيرة إلى خلافته ] ●
و كلام الأئمة في ذلكأخرج الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه [ عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر ]
و أخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء و الحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
و أخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن [ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يكون خلفي اثنا عشر خليفة : أبو بكر لا يلبث إلا قليلا ]
صدر هذا الحديث مجمع على صحته وارد من طرق عدة و قد تقدم شرحه في أول هذا الكتاب و في الصحيحين في الحديث السابق أنه صلى الله عليه و سلم لما خطب قرب وفاته و قال : [ إن عبدا خيره الله ] الحديث و في أخره [ و لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر ] وفي لفظ لهما [ لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ] قال العلماء : هذا إشارة إلى الخلافة لأنه يخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين و قد ورد هذا اللفظ من حديث أنس رضي الله عنه و لفظه [ سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي بكر ] أخرجه ابن عدي و من حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الترمذي و غيره و من حديث ابن عباس في زوائد المسند و من حديث معاوية بن أبي سفيان أخرجه الطبراني و من حديث أنس أخرجه البزار
و أخرج الشيخان [ عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن أبيه قال : أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأمرها أن ترجع إليه قالت : أرأيت إن جئت و لم أجدك ـ كأنها تقول : الموت ـ قال صلى الله عليه و سلم : إن لم تجديني فأتي أبا بكر ]
و أخرج الحاكم و صححه [ عن أنس رضي الله عنه قال : بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال : إلى أبي بكر ]
وأخرج ابن عساكر [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم تسأله شيئا ؟ فقال لها : تعودين فقالت : يا رسول الله إن عدت فلم أجدك ـ تعرض بالموت ـ فقال : إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي ]
و أخرج مسلم [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر أباك و أخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن و يقول قائل : أنا أولى و يأبى الله و المؤمنون إلا أبا بكر ]
و أخرجه أحمد و غيره من طرق عنها و في بعضها [ قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي فيه مات : ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي ثم قال : دعيه معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر ]
و أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت : من كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مستخلفا لو استخلف ؟ قالت أبو بكر قيل لها : ثم من بعد أبي بكر ؟ قالت : عمر قيل لها : من بعد عمر ؟ قالت أبو عبيدة بن الجراح
و أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال [ : مرض النبي صلى الله عليه و سلم فاشتد مرضه فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ] قالت عائشة : يا رسول الله إنه رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس فقال [ مري أبا بكر فليصل بالناس ] فعادت فقال : [ مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يو سف ] فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الحديث متواتر ورد أيضا من حديث عائشة و ابن مسعود و ابن عباس و ابن عمر و عبد الله بن زمعة و أبي سعيد و علي بن أبي طالب و حفصة رضي الله عنها : و قد سقت طرقهم في الأحاديث المتواتر و في بعضها عن عائشة رضي الله عنها : لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك و ما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا و إلا أني كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل لذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أبي بكر
و في حديث ابن زمعة رضي الله عنه [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرهم بالصلاة و كان أبو بكر غائبا فتقدم عمر فصلى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا لا لا يأبى الله و المسلمون إلا أبا بكر يصلي بالناس أبو بكر ]
وفي حديث ابن عمر [ كبر عمر فسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم تكبيره فأطلع رأسه مغضبا فقال : أين ابن أبي قحافة ؟ ]
قال العلماء : في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق و أحقهم بالخلافة و أولاهم بالإمامة قال الأشعري : [ قد علم بالضرورة أن رسول الله أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين و الأنصار مع قوله يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] فدل على أنه كان أقرأهم : أي أعلمهم بالقرآن انتهى
و قد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة منهم عمر و سيأتي قوله في فصل المبايعة و منهم علي
و أخرج ابن عساكر عنه قال : لقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر أن يصلي بالناس و إني أشاهد و ما أنا بغائب و ما بي مرض فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه و سلم لديننا
قال العلماء : و قد كان معروفا بأهلية الإمامة في زمان النبي صلى الله عليه و سلم
و أخرج أحمد و أبو داود و غيرهما [ عن سهل بن سعد قال : كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم و قال : يا بلال إن حضرت الصلاة و لم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس ] فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فصلى
و أخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات و ابن عساكر [ عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أنت مرضت قدمت أبا بكر قال : لست أنا أقدمه و لكن الله يقدمه ]
و أخرج الدارقطني في الأفراد و الخطيب و ابن عساكر [ عن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم سألت الله أن يقدمك ثلاثا فأبى علي إلا تقديم أبي بكر ]
و أخرج ابن سعد [ عن الحسن قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس ؟ قال : لتكونن من الناس بسبيل قال : و رأيت في صدري كالرقمتين قال : سنتين ]
و أخرج ابن عساكر [ عن أبي بكرة قال : أتيت عمر ـ و بين يديه قوم يأكلون ـ فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل فقال : ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب ؟ قال : خليفة النبي صلى الله عليه و سلم صديقه ]
و أحرج ابن عساكر عن محمد بن الزبير قال : [ أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء فجئته فقلت له : اشفنى فيما اختلف الناس فيه هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم استخلف أبا بكر ؟ فاستوى الحسن قاعدا و قال : أو في شك هو ؟ لا أبا لك ! أي و الله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه و لهو كان أعلم بالله و أتقى له و أشد له مخافة من أن يموت عليها لو لم يؤمره
و أخرج ابن عدي [ عن أبي بكر بن عياش قال : لي الرشيد : يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق ؟ قلت : يا أمير المؤمنين سكت الله و سكت رسوله و سكت المؤمنون قال : و الله ما زدتني إلا غما قال : يا أمير المؤمنين مرض النبي صلى الله عليه و سلم ثمانية أيام فدخل عليه بلال فقال : يا رسول الله من يصلي بالناس ؟ قال : مر أبا بكر يصلي بالناس فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام و الوحي ينزل فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم لسكوت الله و سكت المؤمنون لسكوت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعجبه فقال : بارك الله فيك ]
و قد استنبط جماعة من العلماء خلافة الصديق من آيات القرآن فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال : هو و الله أبو بكر و أصحابه لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر و أصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام
و أخرج يونس بن بكير عن قتادة قال : لما توفي النبي صلى الله عليه و سلم ارتدت العرب فذكر قتال أبي بكر لهم إلى أن قال : فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت في أبي بكر و أصحابه { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }
و أخرج ابن أبي حاتم عن جويبرفي قوله تعالى : { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد } قال : هم بنو حنيفة قال ابن أبي حاتم و ابن قتيبة : هذه الآية حجة على خلافة الصديق لأنه الذي دعا إلى قتالهم
و قال الشيخ أبو الحسن الأشعري : سمعت أبا العباس بن شريح يقول : خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية قال : لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبي بكر لهم و للناس إلى قتال أهل الردة و من منع الزكاة قال : فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر و افتراض طاعته إذ أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذب عذابا أليما قال ابن كثير : و من فسر القوم بأنهم فارس و الروم فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم و تمام أمرهم كان على يد عمر و عثمان و هما فرعا الصديق و قال تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } الآية قال ابن كثير : هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الرحمن بن عبد الحميد المهدي قال : إن ولاية أبي بكر و عمر في كتاب الله يقول الله : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } الآية
و أخرج الخطيب عن أبي بكر بن عياش قال : أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في القرآن لأن الله تعالى يقول : { للفقراء المهاجرين } إلى قوله : { أولئك هم الصديقون } فمن سماه الله صديقا فليس يكذب و هم قالوا : يا خليفة رسول الله قال ابن كثير : استنباط حسن
و أخرج البيهقي عن الزعفراني قال : سمعت الشافعي يقول : أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق و ذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم
و أخرج أسد السنة في فضائله عن معاوية بن قرة قال : ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما كانوا إلا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما كانوا يجتمعون على خطأ و لا ضلال
و أخرج الحاكم و صححه عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و ما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء و قد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا بكر
و أخرج الحاكم و صححه الذهبي عن مرة الطيب قال : جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي فقال : ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة و أذلها ذلا ؟ ـ يعني أبا بكر ـ و الله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا و رجالا قال : فقال علي : لطالما عاديت الإسلام و أهله يا أبا سفيان فلم يضره ذلك شيئا إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا
وكان حب رسول الله قد عملوا . من البرية لم يعدل به رجلا
في مدحه أو تصديقه أو شأن من شؤونه
مقرونا بعمر رضى الله عنه
و كلام الأئمة في ذلك