بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية البديع في وصف الربيع ما تبقى من الفصل الثاني ● [ تابع الفصل الثاني ] ● القطع التي لم تنفرد بنوار وإنها اشتملت على نورين أو أنوار
قال أبو الوليد: إسماعيل بن محمد بن عامر: ولي رسالة أردفتها على هذه مشتملة على وصف سبعة أنوار على ما انتهت إليه غاية اختياري وغرضي في الرد بتفضيل البهار على الورد خاطبت بها ذا الوزارتين القاضي سيف الحق الماضي - كبت الله أعداءه، وأدام عليهم إعداءه - وهي: يا مولاي الذي رقه لي شرف، وجوده علي سرف، ومن أبقاه الله لرفع شأن ودود، ووضع شأن حسود. كان اجتماع بعض النواوير واتفاق طائفة من الأزاهير على تقديم الورد عليها، وتفضيله بينها، وتخيره للخلافة منها ما قد وقفت عليه ونظرت إليه مما عني بجمعه وانفرد لذكره أبو حفص بن برد الوزير الكاتب، وسراج الأدب الثاقب. وكانت النواوير المتفقة عليه، والداعية حينئذ إليه: البنفسج والخيري النمام والبهار، والنرجس الأصفر، وكتبت كتاباً إلى صنوف الأنوار وضروب الأزهار تأمرها بالوقوف عند ما وقفت، والاتفاق على ما اتفقت. فأول من رأى الكتاب، وعاين الخطاب، نواوير فصل الربيع التي هي جيرة الورد في الوطن، وصحابته في الزمن، فلما قرأته أكبرت ما فيه، وبنت على هدم مبانيه، وبعض معانيه، وعرفت الورد بما عليه فيما نسب إليه من استحقاقه ما لا يستحقه واستئهاله ما لا يستأهله، وقالت له: من مدح أمرأً بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه وبينت ذلك له بياناً رأى الرشد فيه عياناً، وجمعت على مجاوبة مكاتبيها، ومراجعة مخاطبيها بما بدا لها من سوء تدبيرها، وضعف رأيها ثم رأت أن مخاطبة من أخطأ تلك الخطية، وأدنى نفسه تلك الدنية، تدبير دبري، والتخلي عنه رأي غير مرضي. فكتبت إلى الأقحوان والخيري الأصفر إذ هما يحاوران تلك في أوطانها ويصاحبانها في أزمانها. ● ● ونسخة الكتاب من نواوير فصل الربيع الأزهر إلى الأقحوان والخيري الأصفر: بسم الله الرحمن الرحيم وصلت إلينا بيعة اشترى بها من سعى فيها، وفغر عن فيها، " خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين " ولو استحق الورد إمامة، أو استوجب خلافة، لبادر بها آباؤنا، ولعقدها أوائلنا التي لم تزل تجاوره في مكانه، وتجيء معه في أوانه. وأما من عقد تلك البيعة، وكتب تلك الصحيفة فلم ير له قط صورة ولا تلا من ذمه سورة، فإذا قد جهلت قدره، ولم تعلم أمره هلا شاورت مصاحبيه واستخبرت مختبريه حتى تقف على حقيقة خبره، وتعلم جلية خيره، فبأي شيء أوجبت تقديمه، ورأت تأهيله لما غيره أشكل له، وأحق به، وهو نور البهار البادي فضله بدو النهار، والذي لم يزل عند علماء الشعراء، وحكماء البلغاء مشبهاً بالعيون التي لا يحول نظرها، ولا يحور حورها، وأفضل تشبيه للورد الخد عند من تشيع فيه، وعني به، وأشرف الحواس العين، إذ هي على كل منول عون، وليس الخد حاسة، فكيف تبلغه رياسة؟: أين الخدود من العيون نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد؟ وأصح تشبيه للورد وأقربه من الحق قول الحكيم ابن الرومي في شعره الطائي. لقد وافق ووفق وشبه وحقق، فقفا - وفقكما الله ولا أخلاكما من هداه - بالنواوير المخاطبة لنا، المسخنة لأعيننا، واعرضا عليها مطلبنا، وبينا لها مذهبنا، وأنبا البهار مفرداً تأنيباً يقيمه ويقعده، ويقصده فيقصده، على مشاركته على نفسه وسعايته في إبطال حقه، فلولا استجابته لها، وكونه معها، ما تحصن لتلك مراد، ولا تحسن لها مراد، وحياه عنا بالسلام الأثير بعد الملام الكثير، و والله العظيم حقه الواسع رزقه، لو جاورناه في وطن، أو صحبناه في زمن، لبايعناه منذ مدة مبايعة لعبيد، ونفديه لفضله علينا بالطريف والتليد، وراجعانا بعد هذا بالمذهب التي تبني عليه، وتجري إليه فإن وافقت لم يشذ علينا من النواوير إلا من لم تشهر عينه، ولا يعد فينا صيته وأينه مع أن جماعتنا تعلم فضل ما صنعناه، وتوالي من وليناه، وإن خالفت لم تستضر مخالفتها ولم نضطر إلى محالفتها، فنحن جل النواوير، وعمدة الأزاهير، نعقد للبهار ونقدمه على جميع الأنوار. فوصل كتابها إليهما، وورد خطابها عليهما وعندهما البنفسج والخيري النمام، والنرجس مشاورة لهما، ومستمدة بآرائهما في الخروج عما دخلت فيه، والتخلص مما اكتسبت به سوء الأثر. وقبيح الخبر من تقديم الورد على البهار على أنه ملك الأنوار. والخيري الأصفر والأقحوان يكثران تأنيبها، ويسفهان أراءها، ويجددان الشكر لله على استنقاذهما مما ورطها فيه، وتأخيرها عما ألحقها به. فلما وصل كتاب النواوير الربيعية وهي متصلة من تلك الخطيئة وقع منها مواقع الماء من ذي الغلة الصادي، وقالت: الآن يصقل من أذهاننا الصادي. وأعاد الخيري الأصفر والأقحوان التأنيب لها والتعديد عليها فقالت: لا تكثروا لومنا، ولا تطيلا تأنيبنا، فلو لم تكن لنا سقطة، ولا نسبت إلينا غلطة، لخرجنا عن الأمر المعلوم والحد المعروف، فلا بد للكل من تدبير دبري ورأي غير مرضي، وقد قيل: اللبيب من عدت سقطاته، والأريب من حصلت هفواته. إذ قد استيقظا من نومة الجهل، فأغمد عنا سيف العذل، ووالله إننا لأحقاء بالتأنيب، أحرياء بالتثريب، إذ عجلنا عظيمة لم تنعم النظر فيها، وأنفذنا كبيرة لم نعان عويص معانيها، وقديماً حمد التأني وذمت العجلة. ومن أمثالهم: رب عجلة تهب ريثاً ورحم الله القائل: وقد يكون مع المستعجل الزلل لكننا نصفع قفا الحوبة بيد التوبة، ونجلو دجا الاقتراف بصبح الاعتراف. فسر الخيري والأقحوان بما بدا منها من إقرار بذنوبها، والاعتذار من خطاياها وبنت معاً على مجاوبة الأنوار الربيعية بإنقاذ ما رغبته وإكمال ما ابتدأته. ثم خرجت بأسرها إلى البهار معتذرة إليه متنصلة مما جنته عليه، وسألته العفو عن ذنوبها، والإمساك عن تأنيبها، والطاعة لها بالتقدم عليها، والتملك لجميعها. فأجابها إلى رغبتها وأطلبها في طلبتها، وأنشدها قول بن المعتز: دية الذنب عندنا الاعتذار ثم قرأ عليه الأقحوان والخيري الأصفر كتاب النواوير الربيعية إليهما، فلما وصلا إلى الفصل الذي سألوهما فيه التعديد عليه والتأنيب له قال: والله ما دخلت معهم فيما أحدثوه، ولا تابعتهم على ما صنعوه إلا حياء من تعريفهم بما لا يجهله الجاهلون، ولا يغلط فيه الغالطون، وليس من ترك حقه ملوماً، إنما الملوم من تسور على غير حقه، وادعى سوى واجبه، ولولا بدو ذلك لجميعكم، وظهوره إلى رفيعكم ووضيعكم، ورغبتي في استنقاذكم من رق الضلالة، وفككم من ربق الجهالة، ما أطلعت فيما رغبتموه، ولا صبرت لما أردتموه، ولا عرفتكم من فضلي بما سكت أولاً عليه، ولا ندبتكم من حقي إلى ما لم أندبكم قبل إليه. فقالت: مثلك انقاد إلى رغبة مؤمليه، وأيد سالف أياديه، وغفر ذنوب عشيرته، وصفح عن حيرته، وجرى على أخلاق الملوك في الصفح عن المملوك. وجاوب الأقحوان والخيري الأصفر نواوير الربيع الأزهر، بما نفذ من حسن القدر ● ● ونسخة كتابهما: بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلينا كتابكم، وورد علينا خطابكم تبينون فيه ضعف ميز مقدمي الورد ومبايعيه، وسوء رأي موليه ومؤمليه، وتلك قصة غابت عنا، وبعدت بفضل الله منا، وقد ظهر ضعفها إلى من تولى، وتبين سخفها لمن ولى، وإذ وقفتموها فوافقتموها فهي النعمة الجزيلة، والمنة الجليلة، ونحن على مبايعة البهار، والكتاب إلى جميع الأنوار. وسيصل إليكم ويرد عليكم. فلما نفذ هذا الكتاب إلى النواوير الربيعية بتمام القضية المرضية قالت للبهار: من تمام كرمك، وكمال نعمك إباحة العقد لك بالاتفاق عليك، وإنقاذه إلى صنوف الأنوار وضروب الأزهار. فأباح لها ذلك وكتبت بين يديه هنالك: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب مبكري الأنوار، وسابقي الأزهار إلى من غاب عنها بشخصه، ولم يحضرها بنفسه. أما بعد: فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو مستنقذنا من الفعلة القبيحة والدنية الصريحة التي نفذ بها كتابنا إليكم، وورد بإكمالها خطابنا عليكم، وتلك غلطة ظهرت لكم، وسقطة لم تغب عنكم، ولعمر الحق الذي إليه نرجع، وبه في أمرنا نقطع، لقد ظهر إلينا فساد ما خصصنا عليه، وقبح ما ندبنا إليه، بعد إنقاذه وإكماله، والتدبير لجميع أحواله، ولم نسقط إلا بتعجيل التدبير، ولا خير في الرأي الفطير، وإذ قد اجتمع الرأي من سراتكم ومنا، وصدر الاتفاق عن كبرائكم وعنا، فهي النعمة التي بها تنتظم أمورنا، ويراعى أميرنا، وقد بايعنا البهار الباهر جماله، والظاهر كماله على ما رضيتم به، ورغبتم فيه، وقد وضعنا شهاداتنا على صدق من نياتنا. وكان كاتب الصحيفة البنفسج: فقيل له: ابدأ شهادتك. ● شهادة البنفسج النثر: والله ما أضعف أملي، وضاعف عللي، وأوهن مني السوق، وقللني في كل سوق، إلا الدخول في تلك الوحول والبعد عن الخلق الكريم، والصراط المستقيم، في تأخير هذا الملك العظيم، الذي بتقديمه الآن أرجو أن دائي قد لان: والنظم له: أما البنفسج فهو يشهد أنه ... متذمم مما جنى متنصلُ متبرئ من بيعة الورد التي ... لم يبر منها داؤه المتأصلُ متبين فضل البهار وعالم ... أن البهار هو المليك الأفضلُ ● شهادة النرجس النثر: تباً لتلك الفعلة الدميمة، والقضية الدميمة التي جلبتني جلباب السقم، وسربلتني سربال الهرم، ولولا بداري إلى نسخها وتحيلي في فسخها، لذهب نفسي الأرج الذي به أبتهج. والنظم له: أشهد النرجس إشهاد محق ... أن بدر الورد في الملك محقْ ورأى أن البهار المجتلى ... في سماء الحسن بالملك أحقْ فمتى كذب قول أبداً ... قيل في قولته هذي صدقْ ● شهادة الخيري النثر: والله ما أرق بصري، وأرق بشري، وأغاض نهاراً ماء بشري، وأغمد فيع سيف نشري، إلا معصية الحق في تلك القضية، وطاعة الهوى في تلك الخطية، فالحمد لله الذي أحال الحالة الموبقة لي لا محالة. والنظم له أيضاً: أشهد الخيري أن الخير في ... نقض ما أخطأ فيه أولا موقناً أن البهار المرتضى ... بهر الأملاك حالاً وحلى فهو الموقظ أنوار الربا ... من سنات سنها فيها البلى ● شهادة الأقحوان النثر: إن رمت أداء شكر الله على فضله المتناهي في استنقاذه لي من تلك القبيحة، والدنية الصريحة لم أؤد الفرض، ولا استطعت القرض، فالإقرار بالعجز نهاية، والاعتراف بالقصور غاية، فاستئنائي هناك، وسكوني إذ ذاك أنبتا ورقي ورقا، وجعلا فلقي فلقا. نظمه: أشهد الأقحوان أن جناه ... كافر بالذي سواه جناهُ قائل قول من تبرأ قدماً ... من هوى من قضى عليه هواهُ إن نور الربا عبيد وكل ... للبهار البهي يقضي ولاهُ ● شهادة الخيري الأصفر الثر: الحمد لله الذي عصمني من تلك الدنية، ولم يخيبني عن هذه النية، وبها بقيت غضارتي، وتأكدت نضارتي، ووهب لي الذهب الإبريز ملبسا، والمسك النفيس نفسا. والنظم له: أصفر الخيري يشهد ... أن عقد الورد قد ردْ ويرى أن البهار ال ... منتقى أعلى وأمجدْ ملك يقظان يأتي ... وصنوف النور هجدْ هذا يا مولاي ما استطعت عليه، وانتهت مقدرتي إليه، فإن وافقك فبفضلك المشهور، أو كانت الأخرى فبالباع المنزور. ولك المن على الوجهين، والطور في الحالتين. أبقاك الله لأحوالنا تصلحها ولآمالنا تنجحها، وصنع لك، وبلغك أملك. ولأبي جعفر بن الأبار في عدة من الأنوار أوصاف ساطعة الأنوار في رسالة كتب بها إلى صاحب الشرطة أبي الوليد بن العثماني، وكان سببها أني خرجت متنزهاً في فصل الربيع لأِشرف على منظره البديع، وكان أبو جعفر بن الأبار في جملة من صحبني، وخاصة من تبعني، وتخلف أبو الوليد لعذر لحقه أوجب تخلفه. فلما انصرفنا سأل أبا جعفر وصف نزاهتنا، وذكر راحتنا وإيراد ما اطلعنا عليه، ونظرنا إليه مما تأسف على البعد منه، والانتزاح عنه. فكتب إليه بهذه الرسالة وفيها فنون الرقة والجزالة، ووصلها بمدح الحاجب - وصل الله حرمته وأدام عزته - وهي بعد صدرها: كتبت تسألني - لا خاب سائلك ولا حرم آملك - كيف كان تنزهنا وتوجهنا مع أبي الوليد شاكر خلتك، وحامد صحبتك. أراد - أبقاه الله ووقاه - التنزه إلى بعض ضياعه في فصل الربيع عندما أشفق من انصرامه وضياعه، وكنت في جملة من اصطحب لا في صفوة من انتخب. فأمكنت من السير غرته، والصبح قد شدخت غرته، وجبين الجو طلق وغلائل السماء رزق، وحاجب الشمس متطلع، وجيد الأنس متتلع، وريق العيش خصر، وبرد الأرض خضر، قد فوف من الزهر، بمثل الأنجم الزهر، والرياض راضية من الحيا متبرجة بعد الحياء، أهدت لها المزن دررها، فأبدت يواقتها ودررها، وخشيت بالكتم عقوقها، فاستنفدت زمردها وعقيقها. إن حيتك بالشقائق فكاللدات الشقائق، مغلفات العصائب، منشرات الذوائب. أو بالنرجس والورد فكالعيون النواظر إلى الخدود النواضر، بل ذاك صبح مشتمل على شمس أصيل وهذا خجل مستول على خد أسيل، أو سفرت عن البنفسج الأنيق، فكلابس ثوب المسك الفتيق، وكأنما كسته لعستها الشفاه، فإذا تنسمه أو توسمه المحزون شفاه، شرقت بالطل مقلها، وضمخت بالمسك حللها، فما زلنا في أحسن مراد، وأقرب غاية مراد، من التماح يانع ذلك الزهر، حتى احتللنا قرية بشاطئ النهر، ولسان الهجير قائلة: لا تخطئكم بها القائلة، فأرحنا الجياد من البهر، ونمنا بها إلى صلاة الظهر، ثم قضينا الفرض، وشددنا الغرض، نؤم جانب الشرف متيامنين، ونقصد سمته متبادرين، حتى أرتنا غرته جمالها، وكستنا أشجاره ظلالها، فما زلنا نستعرض قراه إلى أن دعانا إلى قراه بواسطة منه ومقلة الشمس غضيضة، وحشاشتها مريضة، فأجبناه إلى رغبته وحللنا بعقوته، وبتنا نتفدى بالنفوس، ونتعاطى نخب الكؤوس، من مدام الآداب، لا من مدام الأعناب، يتضوع عنها خلوق الشيم، ويضحك عليها حباب الكرم، وربما مزجناها بماء المزاح من غير لغو ولا جناح، فما زلنا نأخذها بالآذان ونشربها بالأذهان، حتى تبسم الليل عن صبحه وقص جناح جنحه، فاشتملنا برد الائتلاف، واتفقت آراؤنا على الانصراف إلى حضرة المجد العليا، مقر عماد الدين والدنيا إسماعيل بن محمد بن عباد خير واطئ للصعيد ومرور للصعاد، من بخل نداه وقيد البرق مداه، وضمخ الآفاق ثناؤه، وبهر العيون سناؤه، ورجح بالجبال حلمه، وأحاط بالليل علمه أدام الله له العز، ووصل له التأييد والحرز. قوله: متتلع متفعل، من التلع وهو الإشراف يقال: تلع جيد الظبي إذا أشرف. وقوله: من الحيا وبعد الحياء، الأول منهما مقصور والثاني ممدود وهو الاستحياء وقوله: من البهر البهر: الكلل. واتدعنا: افتعلنا من الدعة، قوله: مرو للصعاد الصعاد، جمع صعدة: وهي القناة النابتة مستقيمة. قال أبو الوليد: ومما يصلح أن يكون في هذا الباب ما وقع في النواوير من تفضيل وتغليب أو جرى بينها من تفاضل وتفاخر. فإن تلك القطع تشتمل على مدح نور، وذم آخر فهما موصوفان، ولم تتفرد القطعة بنور وإنما اشتملت على نورين، وتضمنت وصف شيئين، وأكثر ما وقع هذا قديماً في الورد والبهار وأنا ذاكر ما وقع إلي في ذلك المختار، وقد وقع إلي في غيرهما قليل، وكله يقع هنا إن شاء الله. فما وقع إلي في الرد على ابن الرومي في تفضيله البهار على الورد قول أبي عثمان سعيد بن فرج الجياني وقول ابن الرومي في ذلك كثير ومذهبه مشهور، وقصيد أبي عثمان رد على قصيد ابن الرومي الذي أوله: خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلاً، توردها عليه شاهدُ وهو من أوله إلى آخره أعني قصيد أبي عثمان: عني إليك فما القياس الفاسد ... إلا الذي أدى العيان الشاهدُ أزعمت أن الورد من تفضيله ... خجل وناحله الفضيلة عاندُ إن كان يستحيي لفضل جماله ... فحياؤه فيه جمال زائدُ والنرجس المصفر أعظم ريبة ... من أن يحول عليه لون واحدُ لبس البياض لصفرة في وجهه ... صفة كما وصف الحزين الفاقدُ والآن فاسمع للبراهين التي ... قطعت فليس يحيد عنها حائدُ الورد تيجان الربيع فأيما اخ ... تار الفخار متوج أو ساجدُ ولمن يكون الفضل في حكم العلا ال ... موعود عنه أو النديم الواعدُ مهلاً فما هو بالتقدم قائد ... كلاً ولا ذا بالتأخر طاردُ وانظر إذا اعتدل الزمان وغنت ال ... أطيار فهو لشجوهن مساعدُ موف على الغصن النضير كأنه ... في منبر بين الحدائق قاعدُ والنرجس المنحط إما راكع ... ذلاً إلى عفر الثرى أو ساجدُ وجعلت للأسماء حظاً زائداً ... مهلاً فما هذا سبيل قاصدُ اسم الذي فضلت إن فتشته ... وخرمت أوله فرجس راكدُ والورد كيف خرمته وخبنته ... ود تود به ورد عائدُ ودع البقاء فما ترى من جملة ... إلا وأفضلها يكون البائدُ يفنى خيار الخلق في الدنيا وما ... شيء سوى إبليس فيها خالدُ والضد كل الضد قولك إنه ... ينهي النديم بلحظه ويساعدُ فأعرته عين الرقيب فللعمى ... والسمل طرف للأحبة راصدُ وإذا فخرت على الخدود بمقلة ... يرقانها باد فأصلك فاسدُ ولو آن فعلاً للكواكب في الثرى ... ربى الرياض كما يربي الوالدُُ وتنازع النوار شبه صفاتها ... ما كان غير الورد فيها الماجدُ الورد وقاد التوقد ناضر ... والنجم ناري مضيء واقدُ قوله: ولمن يكون الفضل في حكم العلا البيت رد على قول ابن الرومي: شتان بين اثنين هذا موعد ... بتسلب الدنيا وهذا واعدُ فجعل الورد لتأخره موعداً بانقضاء الربيع والبهار لتبكيره واعداً به، ورد الجياني عليه مقنع لأن الموعود به أجل من النذير الواعد عنه: وقوله: يفنى خيار الناس.. البيت، رد على قوله: وإذا احتفظت به فأمتع صاحب ... ببقائه لو أن حياً خالدُ لأن البهار يبقى بنضرته أياماً، والورد أسرع ذبولاً. وقول الجياني: وجعلت للأسماء حظاً زائداً.. رد على ابن الرومي في قوله: اطلب بعيشك في الملاح سميه ... أبداً فإنك لا محالة واجدُ جعل من محاسنه التسمي به عندهم، فنرجس في أسمائهم كثير. وذلك لا حجة له ولا عليه. وقوله: ولو آن فعلاً للكواكب في الثرى... للأبيات، رد على بيتي ابن الرومي وهما: هذي النجوم هي التي ربتهما ... بحيا السحاب كما يربي الوالدُ فانظر إلى الأخوين من أدناهما ... شبهاً بوالده فذاك الماجدُ شبه البهار بالنجوم. ولصاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية في المعنى والقافية، قصيد مستول على غاية الكمال، مستوف نهاية الجمال موصول بمدح ذي الوزارتين القاضي الأجل، الرفيع المحل. وهو من أوله إلى آخره: كسفت خدود النرجس المصفر من ... حسد، وقد يذوي العدو الحاسدُ واصفر حتى كاد أن يقضي أسى ... لما رأى الورد الذي هو واردُ هيهات للورد الفضائل كلها ... وإن ادعى التكذيب فيه معاندُ فصل القضية أن هذا ممتع ... فصل الربيع، وكل نور بائدُ يأتي ونوار الثرى متزحزح ... وكذا الرئيس من المشابه واحدُ هذا مقر للسماء بفضلها ... فيما غذته به وهذا جاحدُ وترى تباين ذاك في وجهيهما ... باللون والنشر الذي هو شاهدُ كم بين مصطنعين: هذا كافر ... إفضال سيده، وهذا حامدُ هذا له خلق العجوز وهذه ... عذراء في حمر المجاسد ناهدُ وكفى افتخاراً أن هذا نافق ... غضاً ومبتذلاً وهذا كاسدُ لو لم يكن للورد إلا أنه ... يفنى ويبقى ماؤه المتعاهدُ وله منافع لا تجمل كثرة ... ومرافق مشكورة وفوائدُ والنرجس المصفر ليس بنافع ... ميتاً ولا في الروض إذ هو وافدُ هذا عقيم لا يشاد بذكره ... أبداً وعقب الورد باق خالدُ أخوان مقرونان لم يتنازعا ... شبهاً وبينهما إخاء تالدُ هذا يبشر بالحياة وذاك ين ... ذر بالممات إذ أتاه العائدُ أين الحياة من الممات نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسدُ ومن هنا دخل إلى مدح ذي الوزارتين القاضي الجليل فقال: يا أيها القاضي المصفى جوهراً ... والسيد الندب الشريف الماجدُ احكم فإن العدل شيمتك التي ... أوصى لها جد إليك ووالدُ فغدوت طفلاً في المهاد وأنت للم ... حكم الذي أعيى البرية ماهدُ قوله: أين الحياة من الممات البيت هو لابن الرومي وأتقن الرد عليه فيه، وبيت ابن الرومي: أين العيون من الخدود نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسدُ وأنشد لنفسه الشيخ أبو عبد الله بن مسعود قطعة بديعة تضمنت أوصافاً مطبوعة يصف البهار، ويفضل الورد عليه وهي: ولابس ثوب الضنى ... من حسد قد اكتأبْ كأنما أحداقه ... أقداح تبر منتخبْ من الحيا مترعة ... أجل مشروب شربْ يسعى بها محتسباً ... بلا أدى ولا نصبْ ساق على ساق له ... تزهى بمخضر قصبْ زبرجد مبتهج ... تكاد ليناً ينقضبْ إذا الصبا غنت له ... وماس عن ثقل الحببْ صبا لبعض بعضه ... فيلتقي ويصطحبْ يقول للورد: أنا ... بر حبيب يقتربْ قال له الورد: لقد ... أخطأت يا من لم يصبْ أنت إذا ما صحفوا ... وأنصفوا بيت خربْ أنا الذي لم أختلق ... ما قلته ولم أحبْ أشبه شيء بالخدو ... د الزهر ريعت من كثبْ وأنت عين دهرها ... في مثل دهر قد كلبْ فانشعبت أسرابه ... خوفاً بدمع منسربْ واصفر من هم كما ... يفعل مخصوم غلبْ الفضل للورد وإن ... أبى علي وحربْ طيب وطب وشذاً ... ومنظر ينفي الكربْ سلطان الآنوار علي ... رغم الغبي المضطربْ كما ابن عباد حمى ال ... إسلام سلطان العربْ قوله: بر حبيب هو تصحيف نرجس، وبيت خرب تصحيفه مقلوباً أيضاً. وإن أبى علي هو ابن الرومي لما فضل البهار على الورد. وحرب مثل غضب، ومنه قيل: ليث محرب أي مغضب وقوله: طيب وطب وشذاً، الشذا: العرف والريح الطيبة. وقال بعض الأندلسيين يرد على ابن الرومي بيتيه الطائيين وأحدهما: وقائل لم هجوت الورد معتمداً؟ ... فقلت: من قبح ما فيه ومن عمطهْ ويقبح ذكر البيت الثاني وهو مشهور، والرد عليه للأندلسي: لعائب الورد قل ما أنت من نمطه ... قد فلت هجراً فتب في القول من غلطهْ الورد خد حبيب حين تلثمه ... فيغتدي أثر الأسنان في وسطهْ ولأبي جعفر بن الأبار في إقرار البهار بفضل الورد قطعة حسنة السرد موصولة بمدح ذي الوزارتين القاضي سيف الحق الماضي وهي: طلع النرجس في أكفافه ... قائلاً للورد: قد برحت بي لم تزل تورث جسمي سقماً ... مبكياً عيني بدمع الحببِ كيف خلطت وغلبت على ... سيد الأنوار يا للعجبِ إنما اسمي تحت شكواي فلا ... توقعوني تحت ريب الريبِ أنا لولا طمعي أن نلتقي ... ما أقلتني حيناً قضبي فضله فضل ابن عباد أبي ال ... قاسم القاضي قريع العربِ ملك لو لم يمجد بالثنا ... قال للعالم: حسبي حسبي قوله: إنما اسمي تحت شكواي يعني برحت بي لأن برحت بي تصحيف نرجس. وله أيضاً في تصحيفه مفضلاً للورد بيتان استولى فيهما على غاية الإحسان وهما: الورد أحسن ورد ... يروى به لحظ عينِ ونرجس الروض مهما ... صحفته برح بينِ هذا ما انتهى إليه ذكري في التفاضل بين البهار والورد. وكتب الوزير الكتب أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري إلى المنصور بن أبي عامر - رحمه الله - عن بنفسج العامرية يوم الأضحى سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة، رسالة موصولة بشعر، جمالها باهر، وكمالها ظاهر احتج له فيهما احتجاجاً طريفاً، عضده به عضداً ظريفاً، وآثره على النرجس والبهار بإشارات جليلة المقدار. ● ● والرسالة منح الله مولاي صدق النظر، وعرفه جلية الخبر، وأطال مدت،ه ووصل سلامته وعزته إذا تدافعت الخصوم - أيد الله المنصور مولاي - في مذاهبها، وتنافرت في مفاخرها، فإليك مفزعها وأنت المقنع في فصل القضية بينها لاستيلائك على المفاخر بأسرها، وعلمك بسرها وجهرها، وقد ذهب البهار والنرجس في وصف محاسنهما، والفخر بمشابههما كل مذهب. وما منهما إلا ذو فضيلة، غير أن فضلي عليهما أوضح من الشمس التي تعلونا، وأعرف من الغمام الذي يسقينا، فإن كانا قد تشبها في شعريهما المرتفعين إلى مولاي - أبقاه الله وأيده - ببعض ما في الأرض من جواهر الأرض، ومصابيح السماء، وهي من الموات الصامت، فإني أتشبه بأحسن ما زين الله به الإنسان، وهو الحيوان الناطق من أدوات خلقه، وأنفس ما ركب فيه من مواد حياته، مع أني أعطر منهما عطراً، وأحمد خبراً، وأكرم إمتاعاً شاهداً وغائباً، ويانعاً وذابلاً وكلاهما لا يمتعك إلا ريثما يبدو للعيون، ويسلم من الذبول، ثم تستكره الأنوف شمه وتستدفع الأكف ضمه فأين هذه الحال من الاستمتاع بي رطباً، وادخاري في خزائن الملوك جافاً وتفضيلي على ألسنة الحكماء، وتصريفي في منافع الأعضاء، وإن فخراً باستقلالهما على ساق هي أقوى من ساقي فلا غرو أن الوشي ضعيف، والهوى لطيف والمسك خفيف: وليس المجد يدرك بالصراع كما قال حكيم الشعراء، وقد أودعت - أيد الله المنصور - قوافي الشعر من وصف مشابهي ما أودعاه من وصف مشابههما وحضرت بنفسي لئلا أغيب من حضرتهما. فقديماً فضلوا الحاضر وإن كان مفضولاً ولهذا قالوا: ألذ الطعام ما حضر لوقته وأشعر الناس من أنت في شعره. ولمولاي - أيده الله - أن يعدل باختياره الصحيح، ويفصل بحكمه العدل إن شاء الله. والشعر: شهدت لنوار البنفسج ألسن ... من لونه الأحوى ومن إيناعهِ بمشابه الشعر الأثيث أعاره ... قمر الجبين الصلت نور شعاعهِ ولربما جمد النجيع من الطلى ... بصوارم المنصور يوم قراعهِ فحكاه غير مخالف في لونه ... لا في روائحه وطيب طباعهِ ملك جهلنا قبله سبل العلا ... حتى وضحن بنهجه وشراعهِ أما نداه فهو صنو للحيا ... في صوبه لم أعن في إقلاعهِ في سيفه قصر لطول نجاده ... وكمال ساعده وفسحة باعهِ قال أبو الوليد: ووقع بين الوزير أبي الأصبغ بن عبد العزيز وصاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية قطعتان، يفضل أبو الأصبغ الخيري، وأبو بكر البنفسج وقطعة أبي الأصبغ موصولة بمدح ذي الوزارتين القاضي - حرس الله حوباءه وأطال بقاءه - وهي: ما للبنفسج يدعي التفضيلا ... متحاملاً ويعد ذاك جميلا هيهات قد برح الخفاء فعد إلى ... حكم التناصف واترك التخييلا الفضل للخيري إلا أنهم ... جهلوا ولما يحسنوا التأويلا قهر البنفسج منظراً ويفوقه ... في الشم بالمسك الذكي دليلا ورأى التستر بالنسيم لصبحه ... ظرفاً فعطل صبحه تعطيلا وإذا أتى الليل البهيم بنشره ... أبدى له للزائرين قبولا كمهذب الأخلاق يهجر بالضحى ... خلاً ويدني بالمساء خليلا أو شارب ترك الصبوح تحفظاً ... فإذا أتى الليل أساغ شمولا هو فاتك الأفعال يدرع السرى ... وتراه يطلب بالنهار خمولا والخير في الخيري في اسمه ... هو فاضل فاستأهل التفضيلا يا أيها القاضي الذي من عدله ... أضحى الزمان بغرة محجولا أنت الشهيد له وعلمك حاكم ... عدل وحسبك شاهداً مقبولا فاحكم على من قد تعاطى ظلمه ... واعقد بما تقضي له تسجيلا الرأي منك مهذب مستحكم ... والعلم فيك وتحكم التأويلا من كان إسماعيل والده الرضى ... فكفاه فخراً أن يكون سليلا أنتم حلي للزمان محسن ... قد كان عطل قبلكم تعطيلا وقصيد أبي بكر بن القوطية في الرد عليه ممتزج بمدح الحاجب - أطال الله عمره وأبقى علينا ستره - وهو: نبل البنفسج فاحتوى التفضيلا ... وكذا البنفسج لن يزال نبيلا لما شأى نور الربيع بطيبه ... وحوى من الشرف الصريح أثيلا فضل النوار فحاز دون جميعه ... قصب السباق ولم يكن مفضولا متشبهاً في سبقه بالحاجب ال ... أعلى عماد الدين إسماعيلا ملك علا غر الملوك المعتلي ... ن أباً وجداً في العلا وقبيلا كم طاولوه في الفخار ففاتهم ... عرضاً إلى المجد التليد وطولا متشبهين بما يمثله لهم ... لو أحسنوا التشبيه والتمثيلا كتشبه الخيري بالمزري به ... ليحوز من تلك الخصال فتيلا وإذا اعتزى فإلى البنفسج يعتزي ... وإليه ينسب كي يعز قليلا ما للكر نبي الخليفة يبتغي ... فضل الرئيس المعتلي تخييلا أو ما درى أن البنفسج لم يزل ... فوق الأكف جلالة محمولا من أين للخيري اللئيم طلاقة ال ... سمح الكريم ولن يزال بخيلا متستر طول النهار بعرفه ... كي لا يرى لنسيمه مسؤولا حتى إذا طرق الظلام سخا به ... إذ لا يرى إلا القليل سؤولا زهم المشم إذا تقادم قطفه ... شيئاً قليلاً أو أحس ذبولا وإذا قرأت منافع النوار لل ... حكماء أصبح بينها مجهولا والنفع غضاً إن تشأ أو يابساً ... هو للبنفسج كله محصولا لا يستحيل نسيمه في الحالتي ... ن ولا إذا استنشقته معمولا وذخيره الخلفاء والأملاك لا ... يخلون منه مجنساً مفصولا فليحظ بالقدح المعلى فاخراً ... وليرجع الخيري عنه ذليلا وللوزير أبي عامر بن مسلمة قطعة بديعة مطبوعة أشار فيها إلى تفضيل البهار على النرجس وهي: ونرجس هب يرنو ... بمقلة ليس تطرفْ مثل النجوم تساقط ... ن في رداء مفوفْ يحكي البهار ولكن ... بهارنا منه أصلفْ له فضيلة سبق ... لغيره ليس تعرفْ فعج عليه فدتك الن ... نفوس واشرب لتظرفْ وللفقيه أبي الحسن بن علي قطعة سرية يفضل فيها الخيري الأصفر على النمام وهي: أرى أصفر الخيري يبدي من الضنا ... تباريح مكلوم الفؤاد سقيمهِ ويكذبه سحر بأعين نوره ... وقضب به تندى بماء نعيمهِ وعرف ذكي يقصر المسك دونه ... ولا يبلغ الكافور طيب شميمهِ يساجل آفاق السماء بروضة ... وأنجمها حسناً بصفر نجومهِ وذي هفوة قد ظن أن شقيقه ... وحارسه قد بذه بنسيمهِ فقلت: اتئد في الظن واسمع لمنصف ... بصير بتجبر النظام عليمهِ أفي القدر مخدوم لديك وخادم ... وذو كرم في المجد مثل لئيمهِ وسيان طيباً ليله ونهاره ... وليس خصوص الخير مثل عمومهِ وما تفل في يومه مثل عاطر ... ولا لحق في الفخر مثل صميمهِ ففال: بحق قلت وهي مقالتي ... وللحق نور لائح في أديمهِ وللوزير أبي عامر بن مسلمة أبيات محكمة في تفضيله أنشدنيها موصولة بمدح ذي الوزارتين القاضي - أدام الله علوه وكبت عدوه - وهي: أصفر الخيري عندي ... أرفع الخيري قدرا فهو لا يمنع عرفاً ... وهو لا يحميك عطرا مثل لون الذهب الخا ... لص لكن فاق نشرا وغدا يحكي اليواقي ... ت إذا ما كن صفرا مثله استوجب مني ... أبداً شكراً وسكرا مثلما استوجب قاضي ال ... عدل من ذا الخلق شكرا ملك غر أيادي ... ه على الأسماع تترى ملك ما زال يولي ... ني تقريباً وبرا قارض الله أيادي ... ه مطيلاً منه عمرا ولأبي جعفر بن الأبار أبيات جليلة المقدار أشار فيها إلى تفضيله وهي: أصباه حب سميه ... فغدا الضنا من زيهِ وهوى الهوى بفؤاده ... فاصفر غض جنيهِ مثن على المللوين لا ... كشقيقه وسميهِ حسب الزمان تفاؤلاً ... بالخير من خيريهِ فاحثث كؤوس مدامة ... تلق الغليل بريهِ صفراء قلدها المزا ... ج لشربها بحليهِ قوله: على المللوين يعني الليل والنهار. لا كشقيقه وسميه يعني الخيري النام. وفي هذا البيت فضل الأصفر. ولصاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية في تفضيله أبيات بديهية سرية وهي: وأصفر نرجسي اللون نمام ... مبرإ من صنوف النقص والذامِ زها اعتلاء على النمام يجمعه ... به اسمه فعل ذي لب وإلهامِ فقال: لي الفضل إني في النهار وفي ... ليلي أنم وفي صبحي وإظلامي وأنت يا مدعي اسمي طول يومك لا ... تدنى اطراحاً إلى خيشوم شمامِ وإن لونك من لون النحاس ولو ... ني في ملاحته ضرب من السامي قال أبو الوليد: لما كثر الكلام في تفضيل الخيري الأصفر، صنعت قطعة ربما كان فيها بعض الرد على من فضله، وبخس النمام أكثر حقه، ولم يرع حسن خَلقه وخُلقه وهي: يا من يذم خلائق النمام ... ويحطه عن خطة الإكرامِ قدك اتئد عن لومة جهلاً به ... فجماله زار على اللوامِ هو أشهر الخيري حسناً فاحبه ... من بينه بتحية وسلامِ متنزه عن أن يرى مستهتراً ... إلا إذا اكتحل الورى بمنامِ مستطرف في خلقه مستظرف ... في خلقه مستحسن الإلمامِ لم يرض إلا المسك مسكاً جسمه ... وبه يبوح إليك في الإظلامِ والمتمني أبداً إليه نضاره ... في الفضل أن يعزى إلى النمامِ اصفر من حسد له وكآبة ... لما شآه بحسنه البسامِ لو كانت الشمس المنيرة سرمداً ... لم تلق بالإجلال والإعظامِ قولي: إلا المسك مسكاً المسك: الجلد، والغرض تشبيه لونه بلون المسك
كتاب : البديع في وصف الربيع المؤلف : أبو الوليد الإشبيلي منتدى ميراث الرسول - البوابة