بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الباب الثاني
الأمثال المضروبة في أوله باء
المجموعة الأخيرة
المثل المضروب
بدل أعور
تفسير هذا المثل
يضرب للرجل المذموم يخلف الرجل المحمود، وهو من قول نهار بن توسعة يهجو قتيبة بن مسلم حين ولي خراسان بعد يزيد بن المهلب، فأخبرنا أبو القاسم بن شيران رحمه الله، قال: حدثنا المبرمان، عن أبي جعفر بن القتبي عن القتبي، قال: كان نهار بن توسعة هجا قتيبة بن مسلم، فقال:
أقتيب قد قلنا غداة لقيتنا * بدل لعمرك من يزيد أعور
وقال:
كانت خراسان روضاً إذ يزبد بها * وكل باب من الخيرات مفتوح
فبدلت بعده قرداً نطيف به * كأنما وجهه بالخل منضوح
فبلغ ذلك قتيبة، فطلبه فهرب، حتى أتى أم قتيبة، فأخذ منها كتاباً بالرضا عنه، وترك مؤاخذته بما كان منه، فقال نهار: نفسي لا تسكن حتى تصلني؛ فإني أعلم أنك إذا اتخذت عندي معروفاً لم تكدره، وقال:
وما كان فيمن كان في الناس قبلنا * ولا هو فيمن بعدنا كابن مسلم
أشد على الكفار قتلاً بسيفه * وأكثر فينا مقسماً بعد مقسم
فقال له قتيبة: ألست القائل:
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى * ومات الندى والجود بعد المهلب
فقال: إن الذي أنت فيه ليس بالغزو، ولكنه الحشر، وأمر له بصلة، فأبطأت عنه، فلقيه فقال:
ولقد علمت وأنت تعلمه * أن العطاء يشينه الحبس
فقال: عجلوا له الجائزة، فعجلت له. والمثل قديم، وإنما تمثل به نهار.
المثل المضروب
ببطنه يعدو الذكر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً فيما به يحصل نظام الشيء؛ لأن الذكر من الخيل يجيد العدو إذا شبع.
المثل المضروب
البغاث بأرضنا يستنسر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للعزيز يعز به الذليل. والبغاث: صغار الطير. الواحدة: بغاثة. يستنسر: أي يصير نسراً، فلا يقدر على صيده، قال الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخاً * وأم الصقر مقلاة نزور
يراد به أن النتاج الكريم قليل. وقال أيمن بن خريم في خلاف ذلك، وقد غلط:
وإنا قد رأينا أم بشر * كأم الأسد مكثاراً ولودا
فمدحها بكثرة الأولاد، وذلك خلاف المحكي عنهم. وكلهم حكى أن نتاج الحيوانات الكريمة قليل.
المثل المضروب
بيضة البلد
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل الفريد الوحيد الذي لا ناصر له. يقال: هو بيضة البلد، أي هو في وحدته وانفراده كبيضة في أرض خالية، من وجدها أخذها ولم يمنعه مانع، قال الشاعر:
لو كان حوض حمار ما شربت به * إلا بإذن حمار آخر الأبد
لكنه حوض من أودى بإخوته * ريب الزمان فأضحى بيضة البلد
أي لو كان حوضي حوض حمار من الحمير لما شربت به إلا بإذن الحمار الآخر، لقلتك وذلتك، ولكن وجدت حوضي حوض رحل منفرد، أودى بإخوته الدهر، فاجترأت عليه، هذا قول الديمرني، وهو غلط. والصحيح أن حماراً هذا رجل بعينه. ويستعمل أيضاً بيضة البلد في المدح، فيقال: فلان بيضة البلد، أي فرد في شرفه، ولا نظير له في سؤدده.
المثل المضروب
ببقة صرم الأمر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للمكروه سبق به القضاء، وليس لدفعه حيلة. وصرم، أي قطع وفرغ منه، والصريمة: العزيمة على الفعل.
والمثل لقصير مولى جذيمة بن مالك الأبرش وكان أبرص، فكني عنه، فقيل: الأبرش، والوضاح؛ على أن بعض العرب يتبرك بالبرص ويمدحه، قال ابن حبناء:
لا تحسبن بياضاً في منقصةً * إن اللهاميم في أقرابهـا بـلـق
وذكر أن جذيمة كان يفتخر بالبرص، ولو كان كذلك ما كني عنه بالبرش والوضح، وقال بعضهم:
يا كأس لا تستـنـكـري نـحـولـي * ووضحاً أوفى على خصيلي
فإن نعت الفرس الرحيل * يكمل بالغرة والتحجيل
وقال آخر:
أبرص فياض اليدين أكلف * والبرص أندى باللهى وأعرف
وقال غيره:
نفرت سودة عني أن رأت * صلع الرأس وفي الجلد وضح
قلت: يا سودة هذا والذي * يكشف الكربة عنا والترح
هو زين لي في الوجه كما * زين الطـرف تحاسين القرح
وزعموا أن بلعاء بن قيس لما شاع في جلده البرص قيل له: ما هذا، قال: سيف الله جلاه. وقال آخر:
ليس يضر الطرف توليع البلـق * إذا جرى في حلبة الخيل سبق
وكان جذيمة على ثغر العرب من قبل أردشير بن بابك، فخطب الزباء بنت عمرو بن طريف، وكانت على الشام والجزيرة من قبل الروم، وكانت بنت على شاطئ الفرات قصوراً ومدائن لا يسلكها سالك، ولا يدركها طالب، وشققت في الفرات أنفاقاً تفزع إليها إذا خافت، فأجابت جذيمة، فهم بالرحيل إليها، واستخلف على ملكه ابن أخته عمرو بن عدي، فنهاه قصير عن ذلك فعصاه، وسار حتى كان بمكان يدعى بقة بين هيت والأنبار، فقال له قصير: ارجع ودمك في وجهك، فأبى وقال: لا يطاع لقصير أمر فسار مثلاً. وظعن جذيمة، فلما عاين الكتائب دونها هالته، فقال لقصير: ما الرأي، فقال: تركت الرأي بثني بقة فسار مثلاً، قال: علي ذاك، قال: إن كان الذي تحب وإلا فأنا معرض لك العصا وهي فرس كانت لجذيمة لا تجارى فاركبها وانج، فلما أحاطوا به عرضها له، فلم ينتبه، فقال قصير: ببقة صرم الأمر فسار مثلاً، وركبها قصير فنجا، فالتفت جذيمة فرآه عليها يشتد، فقال: يا ضل ما تجري به العصا، فسار مثلاً، وأدخل جذيمة على الزباء، فكشفت له عن عورتها، فقالت: أشوار عروس ترى، فأرسلتها مثلاً، وإذا هي قد عقدت شعر عانتها من وراء وركيها، وإذا هي لم تعذر، فقال جذيمة: بل شوار بظراء تفلة، فقالت: والله ما ذاك من عدم مواس، ولا من قلة أواس، ولكن شيمة ما أناس، ثم أمرت برواهشه وهي عروق اليد فقطعت، واستنزفته، حتى إذا ضعف ضرب بيده، فقطرت قطرة من دمه على دعامة رخام، فقالت: لا تضيعن من دمك شيئاً، فإنه شفاء من الخبل، فقال: ما يحزنك من دم ضيعه أهله، فسار مثلاً. وورد قصير على عمرو بن عدي، فلما رآه من بعيد قال: خير ما جاءت به العصا، فسار مثلاً، وأخبره الخبر، وقال: اطلب بثأرك. قال: كيف وهي أمنع من عقاب الجو، فأرسلها مثلاً. فقال قصير: أما إذا أبيت فإني سأحتال فدعني وخلاك ذم فأرسلها مثلاً. فعمد إلى أنفه فجدعه، ثم أتى الزباء، وقال: اتهمني عمرو في مشورتي على خاله بإتيانك فجدعني، فلم تقر نفسي عنده، ولي بالعراق مال كثير، فأرسليني بعلة التجارة، حتى آتيك بطرائف العراق، ففعلت، فأطرقها فسرت، وفعل ذلك مراراً، وتلطف حتى عرف موضع الأنفاق، ثم أتى عمراً وقال: احمل الرجال في الصناديق على الإبل، فلما داناها نظرت إلى العير تقبل، فقالت: إنها لتحمل صخراً، وتطأ في وحل، وأنشدت:
أرى الجمال مشيها وئيدا * أجندلاً يحملـن أم حـديدا
أم صـرفـانـاً تارزاً شديداً * أم الرجال جـثـمـاً قـعـودا
فلما توسطوا المدينة خرجوا مستلئمين، فشدوا عليها، فهربت تريد النفق، فاستقبلها قصير وعمرو فقتلاها، وقيل: بل كان لها خاتم فيه سم فمصته، وقالت: بيدي لا بيد عمرو فذهبت مثلاً، فقال المتلمس:
ومن حذر الأوتار ما حز أنفه * قصير ورام الموت بالسيف بيهس
وقال نهشل بن حري:
ومولىً عـصاني واسـتبد برأيه * كما لم يطع بالبقتين قصير
فلما رأى ما غـب أمري وأمره * وولت بأعجاز الأمور صدور
تمنى نئيشاً أن يكون أطاعـني * وقد حدثت بعـد الأمـور أمـور
المثل المضروب
البضاعة تيسر الحاجة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للمال يصانع به صاحبه، فينجح في طلبه. ومثله قولهم: من صانع بالمال لم يستحي من طلب الحاجة، وأول من حث على ذلك زهير في قوله:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
المثل المضروب
بعين ما أرينك
تفسير هذا المثل
معناه: اعجل، وهو من الكلام الذي قد عرف معناه سماعاً من غير أن يدل عليه لفظه، وهذا يدل على أن لغة العرب لم ترد علينا بكمالها، وأن فيها أشياء لم تعرفها العلماء.
المثل المضروب
بما كنت لا أخشى الذئب
تفسير هذا المثل
وأصله أنه قيل لشيخ من العرب: انطلق من هذا الموضع؛ فإنا تخشى عليك الذئب، فقال: بما كنت لا أخشى الذئب أي أداني حال الشباب إلى هذه الحالة، قال الأعشى:
على أنـهـا إذ رأتـنـي أقـاد * قالت بما قد أراه بصيرا
وكانت العرب تستحي أن تفر من الذئب ونحوه من السباع، وقال الربيع بن ضبع الفزاري حين كبر وعجز:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به * وحدي وأخشى الرياح والمطرا
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في المبالغة والتناهي
الواقع في أصولها الباء
المثل المضروب
أبعد من العيوق
تفسير هذا المثل
وهو كوكب يطلع معها، فيقال له: عيوق الثريا، وتعرف به القبلة، وذلك أنك إذا جعلته خلف ظهرك في وقت طلوعه فقد استقبلت قبلة العراق، ومعنى المثل مأخوذ من قول جرير، أو قول جرير مأخوذ منه:
فإنك يا بن القين لن تدرك العلى * ولا المجد حتى يدرك النجم طالبه
ويقال: أبعد من النجم، والنجم: اسم للثريا.
المثل المضروب
أبعد من بيض الأنوق
تفسير هذا المثل
الأنوق: ذكر الرخمة، والعرب تؤنثه وإن كان اسماً للذكر، وهو من أبعد الطير وكراً في الهواء، قال الشاعر:
كبيض الأنوق لا تنال لها وكراً
وقال غيره:
طلب الأبلق العقوق فلما * لم يجده أراد بيض الأنوق
يقال: أعقت الفرس؛ إذا حملت، وهي عقوق، فهو صفة للأنثى. الأبلق صفة للذكر؛ يقول: إنه يطلب الذكر الحامل، وهذا لا يكون.
المثل المضروب
أبصر من فرس
تفسير هذا المثل
والعرب تدعي له حدة البصر، وليس لشيء ما للفرس. يقال: فرس كريم وعتيق وجواد، وأسمع من فرس، وأبصر من فرس.
المثل المضروب
أبصر من عقاب
تفسير هذا المثل
وربما قيل: من عقاب ملاع؛ وهي هضبة. وقيل: هي الصحراء. وعقبان الصحارى أبصر من عقبان الجبال، ويقال للأرض الواسعة: ميلع. وقيل: الملاع من الملع، وهو السرعة، يقال: ناقة ملوع، سريعة.
المثل المضروب
أبصر من نسر
تفسير هذا المثل
قالوا: ليس في الدواب أبصر من فرس، ولا في الطير أبصر من نسر. فلو أجري الفرس في الضباب الكثيف، ثم مد في طريقه شعرة لوقف عندها. قالوا: والنسر يبصر الجيفة من أربعمائة فرسخ، قالوا: وهو أقوى الحيوان؛ فربما جر جيفة البعير إلى نفسه.
المثل المضروب
أبصر من غراب
تفسير هذا المثل
وهو من حدة بصره يغمض إحدى عينيه فيسمى الأعور، وقيل: يسمى الأعور عن طريق التفاؤل.
المثل المضروب
أبصر بالليل من الوطواط
تفسير هذا المثل
وهو الخفاش؛ وقيل: هو من البصيرة؛ أي هو أعرف بالليل.
المثل المضروب
أبصر من الكلب
تفسير هذا المثل
وجميع السباع تبصر بالليل كما تبصر بالنهار، ولا أعرف لم خص الكلب. وقال بعضهم: إنما خص به لقول الشاعر:
في ليلة من جمادى ذات أندية * لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
فلو لم يكن عنده أبصرها لم يخصه.
المثل المضروب
أبصر من الزرقاء
تفسير هذا المثل
واسمها اليمامة، وبها سمي بلدها، وهي من بنات لقمان بن عاد، وقيل: هي من جديس. وقصدهم طسم في جيش حسان بن تبع، فلما صاروا بالجو على مسيرة ثلاثة أيام أبصرتهم، وقد حمل كل رجل منهم شجرةً يستتر بها، فقالت:
أقسم بـالله لقد دب الشجر * أو حمير قد أخذت شيئاً تجر
فلم يصدقها قومها، فقالت: أقسم بالله لقد أرى رجلاً ينهش كتفاً، أو يخصف نعلاً، فكذبوها، ولم يستعدوا، فصبحهم حسان فاجتاحهم، وأخذها فشق عينيها، وإذا فيها عروق من الإثمد، ووصفها الأعشى فقال:
قالت أرى رجلاً في كفه كتف * أو يخصف النعل لهفي أيةً صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم * ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا
والله أعلم بهذه الأخبار كيف هي
المثل المضروب
أبأى من حنيف الحناتم
تفسير هذا المثل
أي أشد كبراً. والبأو: الكبر. وإنما قيل له ذلك، لأنه كان لا يبدأ أحداً بالسلام حتى يبدأه.
أتراك تسمح بـالنوال * وأنت تبخل بالـسـلام
قد ضل من لا يبتغي * ود الأكـارم بـالـــكـلام
المثل المضروب
أبأى ممن جاء برأس خاقان
تفسير هذا المثل
وخاقان: ملك الترك، قتله سعيد بن عمرو الحرشي في أيام هشام بن عبد الملك، فعظم أمره، وكثر فجره وكبره؛ حتى ضرب به المثل في الكبر.
المثل المضروب
أبر من فلحس
تفسير هذا المثل
وهو رجل من بني شيبان، كبر أبوه وخرف، فكان يحمله على عاتقه. ومثل ذلك سواء قصة العملس. وقيل: العملس: الذئب، مأخوذ من العملسة وهي السرعة. وأعجب من هذا عندي ما كان يفعله الفضل بن يحيى من البر بأبيه، وكان لما حبسا منعا الحطب، والزمان شتاء، وكان الفضل يقوم حين يأخذ يحيى مضجعه من الليل، فيأخذ قمقماً مملوءاً ماءً، ويرفعه إلى القنديل، ويبيت ساهراً حتى يصبح وقد سخن الماء، فيتوضأ به يحيى، هذا مع ضعفه وقلة صبره على الشقاء. وما سمعنا بمثل هذا البر البتة.
المثل المضروب
أبر من الذئبة
تفسير هذا المثل
وذلك أنها إذا ولدت لزمت أولادها، ولم تبعد عنها مقداراً تغيب فيه عن عينها، حتى تكمل تربيتها.
المثل المضروب
أبر من الهرة
تفسير هذا المثل
قالوا: لأنها تأكل أولادها من المحبة،
ويقولون: أعق من الضب لأنه يأكل أولاده من الشهوة، وهذه دعوى لا يعرف حقيقتها إلا الله تعالى،
ويقولون أيضاً: أعق من الهرة. لأنها تأكل أولادها. وعلى هذا المذهب قال ابن المعتز:
أما ترى الدنيا فدتك الورى * كهرة تأكل أولادها
المثل المضروب
أبكر من الغراب
تفسير هذا المثل
من البكور. وقيل: أبكر من الخنزير وقيل لبزر جمهر: بم بلغت ما بلغت، قال: ببكور كبكور الغراب، وحرص كحرص الخنزير، وصبر كصبر الحمار.
قال الجاحظ: الخنازير تطلب العذرة، وليست كالجلالة، لأنها تطلب أرطبها وأحرها وأنتنها، وأقربها عهداً بالخروج، فهي في القرى تتعرف أوقات الصبح والفجر، وقبيل ذلك وبعيده، لبروز الناس للغائط، ويعرف من كان في بيته من الأسحار ومع الصبح أنه قد أسحر وأصبح، بأصواتها ومرورها ووقع أرجلها إلى تلك الغيطان، وتلك المتبرزات، ولذلك ضرب المثل ببكور الخنزير.
المثل المضروب
أبغض من الطلياء
تفسير هذا المثل
قيل: هي الناقة الجرباء. والجرب أبغض شيء عندهم لإعدائه، وقيل: الطلياء: خرقة العارك، وقيل: الطلياء: الحبل الذي يشد به الجدي، والعامة تسميه الطلوة.
المثل المضروب
أبغض من قدح اللبلاب
تفسير هذا المثل
مثل محدث. واللبلاب: نبت كريه الطعم معروف، وهو من قول الشاعر:
يا بـغـيضـاً زاد فـي الـبـغ * ض عـلى كل بـغـيض
أنـت عـنـدي قـدح الـلـــب * لاب في كف المريض
المثل المضروب
أبغض من القدح الأول
تفسير هذا المثل
وهو من قول الشاعر:
وأثـقـل مـن حـضـن بـــادياً * وأبغض من قدح الأول
وقال بعضهم:
ولم أر صبراً عـلى حـادث * كصبر على القدح الأول
المثل المضروب
أبرد من عبقر، وحبقر
تفسير هذا المثل
قيل: هما البرد، وقيل: إنما هو عب قر، والعب: البرد. والقر: البرد. كما قيل: عب شمس، وعب هاهنا: ضوء الصبح. وقال خلف الأحمر: كانت العرب تستبرد لغة الفرس، وتستثقل أولادهم، يقال لولد الدهقان: عبقر، سمي بذلك للينه، شبه بالعبقر، وهو أصول القصب أول ما بنيت. والعبقرة: المرأة الجميلة. والعبقرة: تلألؤ السحاب، وهذا تصحيف، وذلك أن أصل القصب يقال له: عنقر، بعد العين نون، والقاف قبل الراء مفتوحة.
المثل المضروب
أبرد من غب المطر
وأبرد من جربياء
تفسير هذا المثل
وهي الشمال. وقيل لأعرابي: ما أشد البرد، قال: ريح جربياء، في ظل عماء، في غب سماء. وغب كل شيء عاقبته. والسماء: المطر.
وقيل: ما أطيب المياه، قال: نطفة زرقاء، من سحابة غراء، في صفاة زلقاء، يعني الملساء.
قيل: فما أحسن المناظر، قال: ما يجري إلى عمارة.
قيل: فما أطيب الروائح، قال: بدن تحبه، وولد تربه.
المثل المضروب
أبخل من أبي حباحب، وممن حباحب
تفسير هذا المثل
قالوا: هو رجل من العرب كان لبخله يوقد ناراً ضعيفة، فإذا أبصرها مستضئ أطفأها. وقيل: يعني بها النار التي تنقدح من سنابك الخيل، وهي نار اليراعة، وهي طائر مثل الذباب، إذا طار بالليل حسبته شرارة.
المثل المضروب
أبخل من كلب
تفسير هذا المثل
لأنه إذا نال شيئاً لم يطمع فيه. قال الشاعر:
أمن بيت الكلاب طلبت عظماً * لقد حدثت نفسك بالمحال
وقال غيره:
ومن طلب الحوائج من لئيم * كمن طلب العظام من الكلاب
ونحوه قول الآخر:
فإن الذي يرجو نوالاً لمالك * كمن ظن أن الفقع في الأرض كوكب
والفقع: ضرب من الكمأة. وقال غيره:
وإن الذي يرجو نوالاً لديكم * كملتمس من فقحة الكلب درهما
ويقولون: فلان يستثير الكلاب من مرابضها، أي يقيمها عن أمكنتها، يطلب تحتها شيئاً يأكله، وهذا أبلغ ما قيل في اللؤم والشره.
وقيل: أبخل من ذي معذرة
ومن قولهم: المعذرة طرف من البخل.
المثل المضروب
أبخل من الضنين بمال غيره
تفسير هذا المثل
من قول مسلم بن الوليد:
يغار على المال فعل الجواد * وتأبى خلائقه أن يسودا
وقال أبو تمام:
وإن امرأً ضنت يداه على امرئ * بنيل يد من غيره فهو باخل
المثل المضروب
أبلغ من سحبان
تفسير هذا المثل
وهو رجل من باهلة، وهو سحبان بن زفر بن إياس بن عبد شمس بن الأجب، دخل على معاوية وعنده خطباء القبائل، فلما رأوه خرجوا، لعلمهم بقصورهم عنه، فقال:
لقد علم الحي اليمانون أنني * إذا قلت أما بعد أني خطيبها
فقال له معاوية: اخطب، فقال: انظروا إلى عصاً تقيم من أودى، فقالوا: وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين، فقال: وما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه، فأخذها، فتكلم من الظهر إلى أن فاتت صلاة العصر، ما تنحنح، ولا سعل، ولا توقف، ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه، ولا مال عن الجنس الذي يخطب فيه، فقال معاوية: الصلاة، فقال: الصلاة أمامك، ألسنا في تحميد وتمجيد، وعظة وتنبيه، وتذكير ووعد ووعيد، فقال معاوية: أنت أخطب العرب، قال: أو العرب وحدها، بل أخطب الجن والإنس. قال: أنت كذلك.
المثل المضروب
أبين من قس
تفسير هذا المثل
وهو قس بن ساعدة الإيادي، أول من خطب على عصا، وأول من كتب من فلان إلى فلان. ومن كلامه: إن المعي تكفيه البقلة، وترويه المذقة، ومن عيرك شيئاً ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإن عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تجمع ما لا تأكل، ولا تأكل ما لا تحتاج إليه فيؤنبك، وإذا ادخرت فلا يكونن كنزل إلا فعلك، وكن عف العيلة، مشترك الغنى تسد قومك، ولا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فهما، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً، ولا تضع في عنقك طوقاً لا يمكنك نزعه، وإذا خاصمت فاعدل، وإذا قلت فاقصد، ولا تستودعن سرك أحداً، فإنك إن فعلت لم تزل وجلاً، وكان بالخيار، إن جنى عليك كنت أهلاً لذلك، وإن وفى لك كان الممدوح دونك، وأخذ جرير قوله: وكن عف الفقر مشترك الغنى فقال:
وإني لعف الفقر مشترك الغنى * سريع إذا لم أرض داري انتقاليا
المثل المضروب
أبلد من السلحفاة
وأبلد من الثور
تفسير هذا المثل
من التبلد، وذلك أن السلحفاة إذا خرجت من مكانها لم تهتد إليه.
المثل المضروب
أبطأ من فند
تفسير هذا المثل
وهو مخنث من أهل المدينة، مولى لعائشة بنت سعد بن أبي وقاص، بعثته ليقتبس ناراً، فأتى مصر، وأقام بها سنة، ثم جاءها بنار يعدو، فتبدد الجمر، فقال: تعست العجلة، فقالت عائشة:
بعـثـتـك قابساً فلبثت حولاً * متى يأتي غياثك من تغيث
ثم قال فيه الشاعر:
ما رأينا لغراب مثلاً * إن بعثناه لحمل المشمله
غير فند أرسلوه قابساً * فثوى حولاً وسب العجله
المثل المضروب
أبخر من صقر
أبخر من فهد
تفسير هذا المثل
وهما موصوفان بالبخر، قال الشاعر:
ولـــه لحية تـيس * ولـه منقار نسر
ولـه نكهة ليث * خالطت نكهة صقر
وليس في السباع أطيب أفواهاً من الكلاب، وذلك لكثرة ريقها. وكثرة الريق سبب لطيب النكهة، وتتغير النكهة في آخر الليل لقلة الريق، ولذلك تتغير نكهة الصائم والجائع. وليس في الناس أطيب أفواهاً، ولا أنقى بياض أسنان من الزنج.
المثل المضروب
أبين من وضح الصبح، ومن فلق الصبح
أبقى من حجر، وأبقى من وحي في حجر
تفسير هذا المثل
وكان عرب اليمن تكتب الحكمة في الحجارة طلباً لبقائها.
والناس يقولون: التأديب في الصغر كالنقش على الحجر.
ويقولون: أبقى من الدهر
وقلت:
مناقب ما يكاد الدهر يهدمها * كأنها أصل للدهر أو بكر
المثل المضروب
أبقى من تفاريق العصا
تفسير هذا المثل
والمشهور: خير من تفاريق العصا وذلك أن العصا تكون ساجوراً للكلب، فينكسر فيجعل أوتاداً، وتفرق فتجعل أشظةً، فإن جعلوا رأس الشظاظ كالفلكة صار خشاشاً للجمل. والشظاظ: العود الذي يدخل في عروة الجوالق، فإذا فرق الخشاش جعلت منه توادي والتودية: العود الذي يجعل في فم الجدي لئلا يرضع أمه فإن كانت العصا قناةً كان كل شق منها قوساً، فإن فرقت الشقة صارت سهاماً، فإن فرقت السهام صارت حظاءً، والحظوة: السهم الصغير يلعب به الصبيان، فإن فرقت صارت مغازل، فإن فرقت شعب بها الأقداح والقصاع وقالت امرأة في ابنها، وقد أصابه قوم بخبول، فأخذت ديات كثيرة:
أقسم بـالمروة حقاً والصفا * إنك خير من تفاريق العصا
يقال: بنو فلان يطالبون بني فلان بخبول، أي بقطع أيد وأرجل.
المثل المضروب
أبطش من دوسر
تفسير هذا المثل
وهي إحدى كتائب النعمان بن المنذر، وكانت له خمس كتائب: الرهائن، وكانت خمسمائة رجل رهائن لقبائل العرب، يقيمون على بابه سنة ثم يذهبون، وتجئ خمسمائة أخرى، وكان يغزو بهم، ويوجههم في أموره. والصنائع، وهم خواص الملك، لا يبرحون بابه، وهم بنو تيم اللات، وبنو قيس. والوضائع، وكانوا ألف رجل من الفرس، يضعهم ملك الملوك بالحيرة قوةً لملك العرب. والأشاهب، وهم إخوة الملك وقراباته، سموا الأشاهب، لأنهم بيض الوجوه، والشهبة أصلها بياض يعلوه أدنى سمرة. ومن ثم قيل: عنبر أشهب ودوسر أربعة آلاف رجل، لهم أيد وقوة وبطش، يعدهم الملك لأعدائه، مأخوذ من االدسر، يقال: جمل دوسر، إذا كان صلباً شديداً. وقيل: الدسر: الدفع، وبه سمي الجماع دسراً. والدسار: مسمار السفينة، وقال الشاعر:
ضربت دوسر فيهم ضربةً * أثبتت أوتاد ملك فاسـتـقـر
المثل المضروب
أبذى من مطلقة
تفسير هذا المثل
من البذاء، وهو الكلام القبيح.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المعروفة
الواقع في أصولها الباء
وردت فى الترجمة أمثال معروفة وهى:
البئر أبقى من الرشاء وأبيض من دجاجة وأبكى من يتيم وأبخل من صبي وأبرد من الثلج.
وهاهنا أمثال مولدة لم تثبت في الترجمة، لقبح ألفاظها وهي:
أبغى من إبرة، وأنعى من فأس، وأبغى من غلق، وأبغى من شدق، وأبول من كلب والمعنى معروف.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري
بدل أعور
تفسير هذا المثل
يضرب للرجل المذموم يخلف الرجل المحمود، وهو من قول نهار بن توسعة يهجو قتيبة بن مسلم حين ولي خراسان بعد يزيد بن المهلب، فأخبرنا أبو القاسم بن شيران رحمه الله، قال: حدثنا المبرمان، عن أبي جعفر بن القتبي عن القتبي، قال: كان نهار بن توسعة هجا قتيبة بن مسلم، فقال:
أقتيب قد قلنا غداة لقيتنا * بدل لعمرك من يزيد أعور
وقال:
كانت خراسان روضاً إذ يزبد بها * وكل باب من الخيرات مفتوح
فبدلت بعده قرداً نطيف به * كأنما وجهه بالخل منضوح
فبلغ ذلك قتيبة، فطلبه فهرب، حتى أتى أم قتيبة، فأخذ منها كتاباً بالرضا عنه، وترك مؤاخذته بما كان منه، فقال نهار: نفسي لا تسكن حتى تصلني؛ فإني أعلم أنك إذا اتخذت عندي معروفاً لم تكدره، وقال:
وما كان فيمن كان في الناس قبلنا * ولا هو فيمن بعدنا كابن مسلم
أشد على الكفار قتلاً بسيفه * وأكثر فينا مقسماً بعد مقسم
فقال له قتيبة: ألست القائل:
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى * ومات الندى والجود بعد المهلب
فقال: إن الذي أنت فيه ليس بالغزو، ولكنه الحشر، وأمر له بصلة، فأبطأت عنه، فلقيه فقال:
ولقد علمت وأنت تعلمه * أن العطاء يشينه الحبس
فقال: عجلوا له الجائزة، فعجلت له. والمثل قديم، وإنما تمثل به نهار.
المثل المضروب
ببطنه يعدو الذكر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً فيما به يحصل نظام الشيء؛ لأن الذكر من الخيل يجيد العدو إذا شبع.
المثل المضروب
البغاث بأرضنا يستنسر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للعزيز يعز به الذليل. والبغاث: صغار الطير. الواحدة: بغاثة. يستنسر: أي يصير نسراً، فلا يقدر على صيده، قال الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخاً * وأم الصقر مقلاة نزور
يراد به أن النتاج الكريم قليل. وقال أيمن بن خريم في خلاف ذلك، وقد غلط:
وإنا قد رأينا أم بشر * كأم الأسد مكثاراً ولودا
فمدحها بكثرة الأولاد، وذلك خلاف المحكي عنهم. وكلهم حكى أن نتاج الحيوانات الكريمة قليل.
المثل المضروب
بيضة البلد
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل الفريد الوحيد الذي لا ناصر له. يقال: هو بيضة البلد، أي هو في وحدته وانفراده كبيضة في أرض خالية، من وجدها أخذها ولم يمنعه مانع، قال الشاعر:
لو كان حوض حمار ما شربت به * إلا بإذن حمار آخر الأبد
لكنه حوض من أودى بإخوته * ريب الزمان فأضحى بيضة البلد
أي لو كان حوضي حوض حمار من الحمير لما شربت به إلا بإذن الحمار الآخر، لقلتك وذلتك، ولكن وجدت حوضي حوض رحل منفرد، أودى بإخوته الدهر، فاجترأت عليه، هذا قول الديمرني، وهو غلط. والصحيح أن حماراً هذا رجل بعينه. ويستعمل أيضاً بيضة البلد في المدح، فيقال: فلان بيضة البلد، أي فرد في شرفه، ولا نظير له في سؤدده.
المثل المضروب
ببقة صرم الأمر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للمكروه سبق به القضاء، وليس لدفعه حيلة. وصرم، أي قطع وفرغ منه، والصريمة: العزيمة على الفعل.
والمثل لقصير مولى جذيمة بن مالك الأبرش وكان أبرص، فكني عنه، فقيل: الأبرش، والوضاح؛ على أن بعض العرب يتبرك بالبرص ويمدحه، قال ابن حبناء:
لا تحسبن بياضاً في منقصةً * إن اللهاميم في أقرابهـا بـلـق
وذكر أن جذيمة كان يفتخر بالبرص، ولو كان كذلك ما كني عنه بالبرش والوضح، وقال بعضهم:
يا كأس لا تستـنـكـري نـحـولـي * ووضحاً أوفى على خصيلي
فإن نعت الفرس الرحيل * يكمل بالغرة والتحجيل
وقال آخر:
أبرص فياض اليدين أكلف * والبرص أندى باللهى وأعرف
وقال غيره:
نفرت سودة عني أن رأت * صلع الرأس وفي الجلد وضح
قلت: يا سودة هذا والذي * يكشف الكربة عنا والترح
هو زين لي في الوجه كما * زين الطـرف تحاسين القرح
وزعموا أن بلعاء بن قيس لما شاع في جلده البرص قيل له: ما هذا، قال: سيف الله جلاه. وقال آخر:
ليس يضر الطرف توليع البلـق * إذا جرى في حلبة الخيل سبق
وكان جذيمة على ثغر العرب من قبل أردشير بن بابك، فخطب الزباء بنت عمرو بن طريف، وكانت على الشام والجزيرة من قبل الروم، وكانت بنت على شاطئ الفرات قصوراً ومدائن لا يسلكها سالك، ولا يدركها طالب، وشققت في الفرات أنفاقاً تفزع إليها إذا خافت، فأجابت جذيمة، فهم بالرحيل إليها، واستخلف على ملكه ابن أخته عمرو بن عدي، فنهاه قصير عن ذلك فعصاه، وسار حتى كان بمكان يدعى بقة بين هيت والأنبار، فقال له قصير: ارجع ودمك في وجهك، فأبى وقال: لا يطاع لقصير أمر فسار مثلاً. وظعن جذيمة، فلما عاين الكتائب دونها هالته، فقال لقصير: ما الرأي، فقال: تركت الرأي بثني بقة فسار مثلاً، قال: علي ذاك، قال: إن كان الذي تحب وإلا فأنا معرض لك العصا وهي فرس كانت لجذيمة لا تجارى فاركبها وانج، فلما أحاطوا به عرضها له، فلم ينتبه، فقال قصير: ببقة صرم الأمر فسار مثلاً، وركبها قصير فنجا، فالتفت جذيمة فرآه عليها يشتد، فقال: يا ضل ما تجري به العصا، فسار مثلاً، وأدخل جذيمة على الزباء، فكشفت له عن عورتها، فقالت: أشوار عروس ترى، فأرسلتها مثلاً، وإذا هي قد عقدت شعر عانتها من وراء وركيها، وإذا هي لم تعذر، فقال جذيمة: بل شوار بظراء تفلة، فقالت: والله ما ذاك من عدم مواس، ولا من قلة أواس، ولكن شيمة ما أناس، ثم أمرت برواهشه وهي عروق اليد فقطعت، واستنزفته، حتى إذا ضعف ضرب بيده، فقطرت قطرة من دمه على دعامة رخام، فقالت: لا تضيعن من دمك شيئاً، فإنه شفاء من الخبل، فقال: ما يحزنك من دم ضيعه أهله، فسار مثلاً. وورد قصير على عمرو بن عدي، فلما رآه من بعيد قال: خير ما جاءت به العصا، فسار مثلاً، وأخبره الخبر، وقال: اطلب بثأرك. قال: كيف وهي أمنع من عقاب الجو، فأرسلها مثلاً. فقال قصير: أما إذا أبيت فإني سأحتال فدعني وخلاك ذم فأرسلها مثلاً. فعمد إلى أنفه فجدعه، ثم أتى الزباء، وقال: اتهمني عمرو في مشورتي على خاله بإتيانك فجدعني، فلم تقر نفسي عنده، ولي بالعراق مال كثير، فأرسليني بعلة التجارة، حتى آتيك بطرائف العراق، ففعلت، فأطرقها فسرت، وفعل ذلك مراراً، وتلطف حتى عرف موضع الأنفاق، ثم أتى عمراً وقال: احمل الرجال في الصناديق على الإبل، فلما داناها نظرت إلى العير تقبل، فقالت: إنها لتحمل صخراً، وتطأ في وحل، وأنشدت:
أرى الجمال مشيها وئيدا * أجندلاً يحملـن أم حـديدا
أم صـرفـانـاً تارزاً شديداً * أم الرجال جـثـمـاً قـعـودا
فلما توسطوا المدينة خرجوا مستلئمين، فشدوا عليها، فهربت تريد النفق، فاستقبلها قصير وعمرو فقتلاها، وقيل: بل كان لها خاتم فيه سم فمصته، وقالت: بيدي لا بيد عمرو فذهبت مثلاً، فقال المتلمس:
ومن حذر الأوتار ما حز أنفه * قصير ورام الموت بالسيف بيهس
وقال نهشل بن حري:
ومولىً عـصاني واسـتبد برأيه * كما لم يطع بالبقتين قصير
فلما رأى ما غـب أمري وأمره * وولت بأعجاز الأمور صدور
تمنى نئيشاً أن يكون أطاعـني * وقد حدثت بعـد الأمـور أمـور
المثل المضروب
البضاعة تيسر الحاجة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للمال يصانع به صاحبه، فينجح في طلبه. ومثله قولهم: من صانع بالمال لم يستحي من طلب الحاجة، وأول من حث على ذلك زهير في قوله:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
المثل المضروب
بعين ما أرينك
تفسير هذا المثل
معناه: اعجل، وهو من الكلام الذي قد عرف معناه سماعاً من غير أن يدل عليه لفظه، وهذا يدل على أن لغة العرب لم ترد علينا بكمالها، وأن فيها أشياء لم تعرفها العلماء.
المثل المضروب
بما كنت لا أخشى الذئب
تفسير هذا المثل
وأصله أنه قيل لشيخ من العرب: انطلق من هذا الموضع؛ فإنا تخشى عليك الذئب، فقال: بما كنت لا أخشى الذئب أي أداني حال الشباب إلى هذه الحالة، قال الأعشى:
على أنـهـا إذ رأتـنـي أقـاد * قالت بما قد أراه بصيرا
وكانت العرب تستحي أن تفر من الذئب ونحوه من السباع، وقال الربيع بن ضبع الفزاري حين كبر وعجز:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به * وحدي وأخشى الرياح والمطرا
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في المبالغة والتناهي
الواقع في أصولها الباء
المثل المضروب
أبعد من العيوق
تفسير هذا المثل
وهو كوكب يطلع معها، فيقال له: عيوق الثريا، وتعرف به القبلة، وذلك أنك إذا جعلته خلف ظهرك في وقت طلوعه فقد استقبلت قبلة العراق، ومعنى المثل مأخوذ من قول جرير، أو قول جرير مأخوذ منه:
فإنك يا بن القين لن تدرك العلى * ولا المجد حتى يدرك النجم طالبه
ويقال: أبعد من النجم، والنجم: اسم للثريا.
المثل المضروب
أبعد من بيض الأنوق
تفسير هذا المثل
الأنوق: ذكر الرخمة، والعرب تؤنثه وإن كان اسماً للذكر، وهو من أبعد الطير وكراً في الهواء، قال الشاعر:
كبيض الأنوق لا تنال لها وكراً
وقال غيره:
طلب الأبلق العقوق فلما * لم يجده أراد بيض الأنوق
يقال: أعقت الفرس؛ إذا حملت، وهي عقوق، فهو صفة للأنثى. الأبلق صفة للذكر؛ يقول: إنه يطلب الذكر الحامل، وهذا لا يكون.
المثل المضروب
أبصر من فرس
تفسير هذا المثل
والعرب تدعي له حدة البصر، وليس لشيء ما للفرس. يقال: فرس كريم وعتيق وجواد، وأسمع من فرس، وأبصر من فرس.
المثل المضروب
أبصر من عقاب
تفسير هذا المثل
وربما قيل: من عقاب ملاع؛ وهي هضبة. وقيل: هي الصحراء. وعقبان الصحارى أبصر من عقبان الجبال، ويقال للأرض الواسعة: ميلع. وقيل: الملاع من الملع، وهو السرعة، يقال: ناقة ملوع، سريعة.
المثل المضروب
أبصر من نسر
تفسير هذا المثل
قالوا: ليس في الدواب أبصر من فرس، ولا في الطير أبصر من نسر. فلو أجري الفرس في الضباب الكثيف، ثم مد في طريقه شعرة لوقف عندها. قالوا: والنسر يبصر الجيفة من أربعمائة فرسخ، قالوا: وهو أقوى الحيوان؛ فربما جر جيفة البعير إلى نفسه.
المثل المضروب
أبصر من غراب
تفسير هذا المثل
وهو من حدة بصره يغمض إحدى عينيه فيسمى الأعور، وقيل: يسمى الأعور عن طريق التفاؤل.
المثل المضروب
أبصر بالليل من الوطواط
تفسير هذا المثل
وهو الخفاش؛ وقيل: هو من البصيرة؛ أي هو أعرف بالليل.
المثل المضروب
أبصر من الكلب
تفسير هذا المثل
وجميع السباع تبصر بالليل كما تبصر بالنهار، ولا أعرف لم خص الكلب. وقال بعضهم: إنما خص به لقول الشاعر:
في ليلة من جمادى ذات أندية * لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
فلو لم يكن عنده أبصرها لم يخصه.
المثل المضروب
أبصر من الزرقاء
تفسير هذا المثل
واسمها اليمامة، وبها سمي بلدها، وهي من بنات لقمان بن عاد، وقيل: هي من جديس. وقصدهم طسم في جيش حسان بن تبع، فلما صاروا بالجو على مسيرة ثلاثة أيام أبصرتهم، وقد حمل كل رجل منهم شجرةً يستتر بها، فقالت:
أقسم بـالله لقد دب الشجر * أو حمير قد أخذت شيئاً تجر
فلم يصدقها قومها، فقالت: أقسم بالله لقد أرى رجلاً ينهش كتفاً، أو يخصف نعلاً، فكذبوها، ولم يستعدوا، فصبحهم حسان فاجتاحهم، وأخذها فشق عينيها، وإذا فيها عروق من الإثمد، ووصفها الأعشى فقال:
قالت أرى رجلاً في كفه كتف * أو يخصف النعل لهفي أيةً صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم * ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا
والله أعلم بهذه الأخبار كيف هي
المثل المضروب
أبأى من حنيف الحناتم
تفسير هذا المثل
أي أشد كبراً. والبأو: الكبر. وإنما قيل له ذلك، لأنه كان لا يبدأ أحداً بالسلام حتى يبدأه.
أتراك تسمح بـالنوال * وأنت تبخل بالـسـلام
قد ضل من لا يبتغي * ود الأكـارم بـالـــكـلام
المثل المضروب
أبأى ممن جاء برأس خاقان
تفسير هذا المثل
وخاقان: ملك الترك، قتله سعيد بن عمرو الحرشي في أيام هشام بن عبد الملك، فعظم أمره، وكثر فجره وكبره؛ حتى ضرب به المثل في الكبر.
المثل المضروب
أبر من فلحس
تفسير هذا المثل
وهو رجل من بني شيبان، كبر أبوه وخرف، فكان يحمله على عاتقه. ومثل ذلك سواء قصة العملس. وقيل: العملس: الذئب، مأخوذ من العملسة وهي السرعة. وأعجب من هذا عندي ما كان يفعله الفضل بن يحيى من البر بأبيه، وكان لما حبسا منعا الحطب، والزمان شتاء، وكان الفضل يقوم حين يأخذ يحيى مضجعه من الليل، فيأخذ قمقماً مملوءاً ماءً، ويرفعه إلى القنديل، ويبيت ساهراً حتى يصبح وقد سخن الماء، فيتوضأ به يحيى، هذا مع ضعفه وقلة صبره على الشقاء. وما سمعنا بمثل هذا البر البتة.
المثل المضروب
أبر من الذئبة
تفسير هذا المثل
وذلك أنها إذا ولدت لزمت أولادها، ولم تبعد عنها مقداراً تغيب فيه عن عينها، حتى تكمل تربيتها.
المثل المضروب
أبر من الهرة
تفسير هذا المثل
قالوا: لأنها تأكل أولادها من المحبة،
ويقولون: أعق من الضب لأنه يأكل أولاده من الشهوة، وهذه دعوى لا يعرف حقيقتها إلا الله تعالى،
ويقولون أيضاً: أعق من الهرة. لأنها تأكل أولادها. وعلى هذا المذهب قال ابن المعتز:
أما ترى الدنيا فدتك الورى * كهرة تأكل أولادها
المثل المضروب
أبكر من الغراب
تفسير هذا المثل
من البكور. وقيل: أبكر من الخنزير وقيل لبزر جمهر: بم بلغت ما بلغت، قال: ببكور كبكور الغراب، وحرص كحرص الخنزير، وصبر كصبر الحمار.
قال الجاحظ: الخنازير تطلب العذرة، وليست كالجلالة، لأنها تطلب أرطبها وأحرها وأنتنها، وأقربها عهداً بالخروج، فهي في القرى تتعرف أوقات الصبح والفجر، وقبيل ذلك وبعيده، لبروز الناس للغائط، ويعرف من كان في بيته من الأسحار ومع الصبح أنه قد أسحر وأصبح، بأصواتها ومرورها ووقع أرجلها إلى تلك الغيطان، وتلك المتبرزات، ولذلك ضرب المثل ببكور الخنزير.
المثل المضروب
أبغض من الطلياء
تفسير هذا المثل
قيل: هي الناقة الجرباء. والجرب أبغض شيء عندهم لإعدائه، وقيل: الطلياء: خرقة العارك، وقيل: الطلياء: الحبل الذي يشد به الجدي، والعامة تسميه الطلوة.
المثل المضروب
أبغض من قدح اللبلاب
تفسير هذا المثل
مثل محدث. واللبلاب: نبت كريه الطعم معروف، وهو من قول الشاعر:
يا بـغـيضـاً زاد فـي الـبـغ * ض عـلى كل بـغـيض
أنـت عـنـدي قـدح الـلـــب * لاب في كف المريض
المثل المضروب
أبغض من القدح الأول
تفسير هذا المثل
وهو من قول الشاعر:
وأثـقـل مـن حـضـن بـــادياً * وأبغض من قدح الأول
وقال بعضهم:
ولم أر صبراً عـلى حـادث * كصبر على القدح الأول
المثل المضروب
أبرد من عبقر، وحبقر
تفسير هذا المثل
قيل: هما البرد، وقيل: إنما هو عب قر، والعب: البرد. والقر: البرد. كما قيل: عب شمس، وعب هاهنا: ضوء الصبح. وقال خلف الأحمر: كانت العرب تستبرد لغة الفرس، وتستثقل أولادهم، يقال لولد الدهقان: عبقر، سمي بذلك للينه، شبه بالعبقر، وهو أصول القصب أول ما بنيت. والعبقرة: المرأة الجميلة. والعبقرة: تلألؤ السحاب، وهذا تصحيف، وذلك أن أصل القصب يقال له: عنقر، بعد العين نون، والقاف قبل الراء مفتوحة.
المثل المضروب
أبرد من غب المطر
وأبرد من جربياء
تفسير هذا المثل
وهي الشمال. وقيل لأعرابي: ما أشد البرد، قال: ريح جربياء، في ظل عماء، في غب سماء. وغب كل شيء عاقبته. والسماء: المطر.
وقيل: ما أطيب المياه، قال: نطفة زرقاء، من سحابة غراء، في صفاة زلقاء، يعني الملساء.
قيل: فما أحسن المناظر، قال: ما يجري إلى عمارة.
قيل: فما أطيب الروائح، قال: بدن تحبه، وولد تربه.
المثل المضروب
أبخل من أبي حباحب، وممن حباحب
تفسير هذا المثل
قالوا: هو رجل من العرب كان لبخله يوقد ناراً ضعيفة، فإذا أبصرها مستضئ أطفأها. وقيل: يعني بها النار التي تنقدح من سنابك الخيل، وهي نار اليراعة، وهي طائر مثل الذباب، إذا طار بالليل حسبته شرارة.
المثل المضروب
أبخل من كلب
تفسير هذا المثل
لأنه إذا نال شيئاً لم يطمع فيه. قال الشاعر:
أمن بيت الكلاب طلبت عظماً * لقد حدثت نفسك بالمحال
وقال غيره:
ومن طلب الحوائج من لئيم * كمن طلب العظام من الكلاب
ونحوه قول الآخر:
فإن الذي يرجو نوالاً لمالك * كمن ظن أن الفقع في الأرض كوكب
والفقع: ضرب من الكمأة. وقال غيره:
وإن الذي يرجو نوالاً لديكم * كملتمس من فقحة الكلب درهما
ويقولون: فلان يستثير الكلاب من مرابضها، أي يقيمها عن أمكنتها، يطلب تحتها شيئاً يأكله، وهذا أبلغ ما قيل في اللؤم والشره.
وقيل: أبخل من ذي معذرة
ومن قولهم: المعذرة طرف من البخل.
المثل المضروب
أبخل من الضنين بمال غيره
تفسير هذا المثل
من قول مسلم بن الوليد:
يغار على المال فعل الجواد * وتأبى خلائقه أن يسودا
وقال أبو تمام:
وإن امرأً ضنت يداه على امرئ * بنيل يد من غيره فهو باخل
المثل المضروب
أبلغ من سحبان
تفسير هذا المثل
وهو رجل من باهلة، وهو سحبان بن زفر بن إياس بن عبد شمس بن الأجب، دخل على معاوية وعنده خطباء القبائل، فلما رأوه خرجوا، لعلمهم بقصورهم عنه، فقال:
لقد علم الحي اليمانون أنني * إذا قلت أما بعد أني خطيبها
فقال له معاوية: اخطب، فقال: انظروا إلى عصاً تقيم من أودى، فقالوا: وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين، فقال: وما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه، فأخذها، فتكلم من الظهر إلى أن فاتت صلاة العصر، ما تنحنح، ولا سعل، ولا توقف، ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه، ولا مال عن الجنس الذي يخطب فيه، فقال معاوية: الصلاة، فقال: الصلاة أمامك، ألسنا في تحميد وتمجيد، وعظة وتنبيه، وتذكير ووعد ووعيد، فقال معاوية: أنت أخطب العرب، قال: أو العرب وحدها، بل أخطب الجن والإنس. قال: أنت كذلك.
المثل المضروب
أبين من قس
تفسير هذا المثل
وهو قس بن ساعدة الإيادي، أول من خطب على عصا، وأول من كتب من فلان إلى فلان. ومن كلامه: إن المعي تكفيه البقلة، وترويه المذقة، ومن عيرك شيئاً ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإن عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تجمع ما لا تأكل، ولا تأكل ما لا تحتاج إليه فيؤنبك، وإذا ادخرت فلا يكونن كنزل إلا فعلك، وكن عف العيلة، مشترك الغنى تسد قومك، ولا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فهما، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً، ولا تضع في عنقك طوقاً لا يمكنك نزعه، وإذا خاصمت فاعدل، وإذا قلت فاقصد، ولا تستودعن سرك أحداً، فإنك إن فعلت لم تزل وجلاً، وكان بالخيار، إن جنى عليك كنت أهلاً لذلك، وإن وفى لك كان الممدوح دونك، وأخذ جرير قوله: وكن عف الفقر مشترك الغنى فقال:
وإني لعف الفقر مشترك الغنى * سريع إذا لم أرض داري انتقاليا
المثل المضروب
أبلد من السلحفاة
وأبلد من الثور
تفسير هذا المثل
من التبلد، وذلك أن السلحفاة إذا خرجت من مكانها لم تهتد إليه.
المثل المضروب
أبطأ من فند
تفسير هذا المثل
وهو مخنث من أهل المدينة، مولى لعائشة بنت سعد بن أبي وقاص، بعثته ليقتبس ناراً، فأتى مصر، وأقام بها سنة، ثم جاءها بنار يعدو، فتبدد الجمر، فقال: تعست العجلة، فقالت عائشة:
بعـثـتـك قابساً فلبثت حولاً * متى يأتي غياثك من تغيث
ثم قال فيه الشاعر:
ما رأينا لغراب مثلاً * إن بعثناه لحمل المشمله
غير فند أرسلوه قابساً * فثوى حولاً وسب العجله
المثل المضروب
أبخر من صقر
أبخر من فهد
تفسير هذا المثل
وهما موصوفان بالبخر، قال الشاعر:
ولـــه لحية تـيس * ولـه منقار نسر
ولـه نكهة ليث * خالطت نكهة صقر
وليس في السباع أطيب أفواهاً من الكلاب، وذلك لكثرة ريقها. وكثرة الريق سبب لطيب النكهة، وتتغير النكهة في آخر الليل لقلة الريق، ولذلك تتغير نكهة الصائم والجائع. وليس في الناس أطيب أفواهاً، ولا أنقى بياض أسنان من الزنج.
المثل المضروب
أبين من وضح الصبح، ومن فلق الصبح
أبقى من حجر، وأبقى من وحي في حجر
تفسير هذا المثل
وكان عرب اليمن تكتب الحكمة في الحجارة طلباً لبقائها.
والناس يقولون: التأديب في الصغر كالنقش على الحجر.
ويقولون: أبقى من الدهر
وقلت:
مناقب ما يكاد الدهر يهدمها * كأنها أصل للدهر أو بكر
المثل المضروب
أبقى من تفاريق العصا
تفسير هذا المثل
والمشهور: خير من تفاريق العصا وذلك أن العصا تكون ساجوراً للكلب، فينكسر فيجعل أوتاداً، وتفرق فتجعل أشظةً، فإن جعلوا رأس الشظاظ كالفلكة صار خشاشاً للجمل. والشظاظ: العود الذي يدخل في عروة الجوالق، فإذا فرق الخشاش جعلت منه توادي والتودية: العود الذي يجعل في فم الجدي لئلا يرضع أمه فإن كانت العصا قناةً كان كل شق منها قوساً، فإن فرقت الشقة صارت سهاماً، فإن فرقت السهام صارت حظاءً، والحظوة: السهم الصغير يلعب به الصبيان، فإن فرقت صارت مغازل، فإن فرقت شعب بها الأقداح والقصاع وقالت امرأة في ابنها، وقد أصابه قوم بخبول، فأخذت ديات كثيرة:
أقسم بـالمروة حقاً والصفا * إنك خير من تفاريق العصا
يقال: بنو فلان يطالبون بني فلان بخبول، أي بقطع أيد وأرجل.
المثل المضروب
أبطش من دوسر
تفسير هذا المثل
وهي إحدى كتائب النعمان بن المنذر، وكانت له خمس كتائب: الرهائن، وكانت خمسمائة رجل رهائن لقبائل العرب، يقيمون على بابه سنة ثم يذهبون، وتجئ خمسمائة أخرى، وكان يغزو بهم، ويوجههم في أموره. والصنائع، وهم خواص الملك، لا يبرحون بابه، وهم بنو تيم اللات، وبنو قيس. والوضائع، وكانوا ألف رجل من الفرس، يضعهم ملك الملوك بالحيرة قوةً لملك العرب. والأشاهب، وهم إخوة الملك وقراباته، سموا الأشاهب، لأنهم بيض الوجوه، والشهبة أصلها بياض يعلوه أدنى سمرة. ومن ثم قيل: عنبر أشهب ودوسر أربعة آلاف رجل، لهم أيد وقوة وبطش، يعدهم الملك لأعدائه، مأخوذ من االدسر، يقال: جمل دوسر، إذا كان صلباً شديداً. وقيل: الدسر: الدفع، وبه سمي الجماع دسراً. والدسار: مسمار السفينة، وقال الشاعر:
ضربت دوسر فيهم ضربةً * أثبتت أوتاد ملك فاسـتـقـر
المثل المضروب
أبذى من مطلقة
تفسير هذا المثل
من البذاء، وهو الكلام القبيح.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المعروفة
الواقع في أصولها الباء
وردت فى الترجمة أمثال معروفة وهى:
البئر أبقى من الرشاء وأبيض من دجاجة وأبكى من يتيم وأبخل من صبي وأبرد من الثلج.
وهاهنا أمثال مولدة لم تثبت في الترجمة، لقبح ألفاظها وهي:
أبغى من إبرة، وأنعى من فأس، وأبغى من غلق، وأبغى من شدق، وأبول من كلب والمعنى معروف.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري