من طرف همسات الخميس مايو 17, 2018 10:23 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر جمادى الثانية سنة 1228 }
واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1228
في ثاني عشره وصل في النيل على طريق دمياط أغا من طرف الدولة يقال له قهوجي باشا السلطان فاعتنى الباشا بشأنه وحضر الى قصره بشبرا وامر بإحضار عدة من المدافع والآت الشنك وعملوا امام القصر بساحل النيل تعاليق وقناديل وقدات ونبه على الطوائف بالاجتماع بملابسهم وزينتهم ووصل الآغا المذكور يوم الاحد فخرج الاغوات والسفاشية والصقلية وهم لابسون القوايق وجميع العسكر الخيالة ليلا فما طلعت الشمس حتى اجتمعوا بأسرهم جهة شبرا وانتظموا في موكب ودخلوا من باب النصر ويقدمهم طوائف الدلاة واكابرهم ويتلوهم ارباب المناصب مثل الآغا والوالي والمحتسب وبواقي وجاقات المصرية ثم موكب كتخدا بك وبعده موكب الآغا الواصل وفي اثره ما وصل معه من الخلع وهي اربع بقج وخنجران مجوهران وسيف وثلاثة شلنجات عليها ريش مجوهرة وخلف ذلك العساكر الخيالة والتفكجية وخلفهم النوبة التركية فكان مدة مرورهم نحو ساعتين وربع وليس فيهم رجالة مشاة سوى الخدم وقليل من عسكر مشاة واما بقية العسكر فهم متفرقون بالاسواق والازقة كالجراد المنتشر خلاف من يرد منهم في كل وقت من الاجناس المختلفة برا وبحرا فمن الخلع الواردة ما هو مختص بالباشا وهو فروة وخنجر وريشة بشلنج واطواخ ولابنه ابراهيم بك مثل ذلك واسكنوا ذلك الآغا ورفيقه واتباعهما بمنزل ابراهيم بك ابن الباشا بالازبكية بقنطرة الدكة وارسل بأحضار ولده من ناحية قبلي فحضر على الهجن ولبس الخلعة بولايته على الصعيد فنزل بالجيزة وعدى الى بر مصر عند ابيه بقصر شبرا ولبس الخلعة واقام عند ابيه ثلاث ليال ثم عدى الى بر الجيزة وعندما وصل الى البر امر بتغريق السفينة بما فيها من الفرش ثم اخرجوها كذلك امر من معه من الرجال بالغطوس في الماء وغسل ثيابهم كل ذلك خوفا من رائحة الطاعون وتطيرا وهروبا من الموت
وفي خامس عشرينه سافر ابراهيم بك راجعا الى الصعيد
وفي حضر عرضى الباشا الذي كان سافر في ربيع الاول الى الجهة القبلية ومعه الكتبة أيضا المسلمون لتحرير حساب الاقباط ومساحة الاراضي
وفي اواخره نودى على اهل الجيزة باستمرار الكورتنينة شهري رجب وشعبان وان يعطوا لهم فسحة للمتسببين والباعة ثلاثة ايام وكذلك لمن يخرج او اذا دخل لا يخرج اذا كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله في مدة الشهرين والثلاثة ايام المفسح لهم فيها ليقضوا اشغالهم واحتياجاتهم فخرج اهل البلدة بأسرهم ولم يبق منهم الا القليل النادر القادر وايضا تفرقوا في البلاد وبقي الكثير منهم حول البلدة وفي الغيطان حول بيادرهم واجرانهم وعملوا لهم اعشاشا تظلهم من حر الشمس ووهج الهجير وينادى المقيم بالبلدة بحاجته من اعلى السور لرفيقه او صاحبه الذي هو خارج البلدة فيجيبه ويرد جوابه من مكان بعيد ولا يمكنونهم من تناول الاشياء واما العسكر فإنهم يدخلون ويخرجون ويقضون حوائجهم ويشترون الخضروات والبطيخ وغيره ويبيعونه على المقيمين بالبلدة بأغلى الاثمان واذا اراد احد من اهل البلدة الخروج منعوه من اخذ شىء من متاعه او بهيمته او شاته او حماره ولا يخرج الا مجرد بطوله
وفي اواخره وصل من الديار الرومية واصل وعلى يده مرسوم فقرىء بالمحكمة في يوم الاحد ثامن عشرينه بحضرة كتخدا بك والقاضى والمشايخ واكابر الدولة والجم الغفير من الناس ومضمونه الامر للخطباء في المساجد يوم الجمعة على المنابر بأن يقولوا عند الدعاء للسلطان فيقولوا السلطان ابن السلطان بتكرير لفظ السلطان ثلاث مرات محمود خان بن السلطان عبدالحميد خان بن السلطان احمد خان المغازي خادم الحرمين الشريفين لانه استحق أن ينعت بهذه النعوت لكون عساكره افتتحت بلاد الحرمين وغزت الخوارج واخرجتهم منها لان المفتي افناهم بأنهم كفار لتفكيرهم المسليمن ويجعلونهم مشركين ولخروجهم على السلطان وقتلهم الانفس وان من قاتلهم يكون مغازيا ومجاهدا وشهيدا اذا قتل ولما انقضى المجلس ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة وعملوا شنكا واستمر ضربهم المدافع عند كل اذان عشرة ايام وذلك ونحوه من الخور
{ أحداث شهر رجب سنة 1228 }
واستهل شهر رجب سنة 1228
وفي منتصفه حضر بونابارتة الخازندار من الديار الحجازية على طريف ! القصير
وفي اواخره سافر قهوجي باشا الذي تقدم ذكر حضوره بالخلع والشلنجات والخناجر بعدما اعطى خدمته مبلغ من الاكياس واصحب معه الباشا هدية عظيمة لصاحب الدولة واكابرها وقدره من الذهب العين اربعين ألف دينار ومن النصفيات يعنى نصف الدينار ستون الفا ومن فروق البن خمسمائة فرق ومن السكر المكرر مرتين مائة قنطار ومن المكرر مرة واحدة مائتي قنطار ومائتان قدر صيني الذي يقال له اسكى معدن مملوء بالمربيات وانواع الشرابات الممسك المطيب المختلفة الانواع ومن الخيول خمسون جوادا مرخته بالجواهر والنمدكش و اللؤلؤ والمرجان وخمسون حصانا من غير رخوت واقمشة هندية كمشيرية ومقصبات وشاهي ومهترخان في عدة تعابي بقج وبخور وعود وعنبر واشياء اخرى
وفيه أيضا حضر أغا يقال له جانم افندي وصحبته مرسوم قرىء بالديوان في يوم الاثنين مضمونه البشارة بمولود ولد للسلطان وسموه عثمان واجتمع لسماع المشايخ والاعيان وضربوا بعد قراءته شنكا ومدافع واستمر ذلك سبعة ايام في كل وقت من الاوقات الخمسة
وفي يوم الثلاثاء عشرينه الموافق الثالث عشر مسرى القبطي وافى النيل المبارك اذرعه ونودى بذلك في الاسواق على العادة وكثر اجتماع غوغاء الناس للخروج الى الروضة وناحية السد والولائم في البيوت المطلة على الخليج وما يحصل من اجتماع الاخلاط امام جري الماء كما هو المعتاد في كل سنة وانه اذا تودى بالوفاء حصل ذلك الاجتماع في تلك الليلة وكسروا السد في صبحها عادة لا تتخلف فيما نعلم فلما كان اخر النهار ورد الخبر بان الباشا امر بتأخير فتح الخليج الى يوم الخميس ثانيه فكان كذلك وخرج الباشا في صبح يوم الخميس وكسر السد وجرى الماء في الخليج وتكلف ارباب الدور المطلة على الخليج كلفة ثانية لضيفانهم
{ أحداث شهر رمضان سنة 1228 }
واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة
وفي خامسة يوم الثلاثاء حضر ابن الباشا المسمى باسمعيل من الديار الرومية ووصل الى ساحل النيل وبشبرا وضربوا لوصوله مدافع من القلعة وبولاق وشبرا والجيزة وتقدم انه توجه ببشارة الحرمين واكرمته الدولة واعطوه اطواخا
وفي عاشره حضر قاصد من الديار الرومية ووصل الى ساحل النيل وصحبته بشارة بمولودة ولدت لحضرة السلطان فعملوا الديوان بالقلعة واجتمع به المشايخ والاعيان واكابر الدولة وقرئ الفرمان الواصل في شأن ذلك وفي مضمونه الامر للكافة بالفرح والسرور وعمل الشنك وبعد الفراغ من ذلك ضربت المدافع من ابراج القلعة واستمر ضربها في كل وقت آذان خمسة ايام وهذا لم يعهد في الدولة الماضية الا للاولاد الذكور واما الاناث فليس لهن ذكر
وفي ليلة الاربعاء سابع عشرينه عمل الباشا جمعية ببيت الازبكية وحضر الاعيان والمشايخ والقضاة الثلاثة وهم بهجت افندي المنفصل عن قضاء مصر وصديق افندي المتوجه الى قضاء مكة المنفصل عن قضاء مصر العام الذي قبله والقاضي المتوجه الى المدينة فعقدوا عقد ابنه اسمعيل باشا على ابنة عارف بك التي حضرت بصحبته من الديار الرومية وعقدوا عقد اخته ابنة الباشا على محمد افندي الذي تقلد الدفتردارية ولما تم ذلك قدموا لهم تعابي بقج في كل واحدة اربع قطع من الاقمشة الهندية وهي شال كشميري وطاقة مسجر وطاقة قطني هندي وطاقة شاهي وفرقوا على الدون من الناس الحاضرين محارم ثم أن الباشا شرع في الاهتمام الى سفر الحجاز وتشهيل المطاليب واللوازم فمن جملة ذلك اربعون صندوقا من الصفيح المشمع داخلها بالشمع والمصطكي وبالخشب من خارج وفوق الخشب جلود البقر المدبوغ ليودع بها ماء النيل المغلي ليشربه وشرب خاصته ومثلها في كل شهر يتقيد بعمل ذلك وغيره السيد المحروقي ويرسله في كل شهر
{ أحداث شهر شوال سنة 1228 }
واستهل شهر شوال بيوم الاحد
في سابعه يوم السبت اداروا كسوة الكعبة وكانت مصنوعةمن نحو خمس سنوات ومودوعه في مكان بالمشهد الحسيني فأخرجوها في مستهل الشهر وقد توسخت لطول المدة فحلوها ومسحوها وكانت عليها اسم السلطان مصطفى فغيروه وكتبوا اسم السلطان محمود فاجتمع الناس للفرجة عليها وكان المباشر لها الريس حسن المحروقي فركب في موكبها
وفي ليلة السبت رابع عشره خرج محمد علي باشا مسافرا الى الحجاز وكان خروجه وقت طلوع الفجر من يوم السبت المذكور الى بركة الحاج وخرج الاعيان والمشايخ لوداعه بعد طلوع النهار فاخذوا خأطره ورجعوا آخر النهار وركب هو متوجها الى السويس بعد مضي ثمان ساعات وربع من النهار وبرزت الخيالة والسفاشية الى خارج باب النصر ليذهبوا على طريق البر وقبل خروج الباشا بيومين قدمت هجانة مبشرون بالقبض على عثمان المضايفي بناحية الطائف وكان قد جرد على الطائف فبرز اليه الشريف غالب وصحبته عساكر الاتراك والعربان فحاربوه وحاربهم فأصيب جواده فنزل على الارض واختلط بالعسكر فلم يعرفوه فخرج من بينهم ومشى وتباعد عنهم نحو اربع ساعات فصادفه جماعة من جند الشريف فقبضوا عليه واصابته جراحة وعندما سقط من بين قومه ارتفع الحرب فيما بين الفريقين اخريات النهار ولما احضروه الى الشريف غالب جعل في رقبته الجنزير والمضايفي هذا زوج اخت الشريف وخرج عنه وانضم الى الوهابيين فكان اعظم اعوانهم وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجه السرايا على المخالفين ونما امره واشتهر لذلك ذكره في الاقطار وهو الذي كان افتتح الطائف وحاربها وحاصرها وقتل الرجال وسبى النساء وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل والوصف وكان هو المحارب للعسكر مع عربان حرب في العام الماضي بناحية الصفراء والجديدة وهزمهم وشتت شملهم ولما قبضوا عليه احضروه الى جدة واستمر في الترسيم عند الشريف ليأخذ بذلك وجاهة عند الاتراك الذي هو على ملتهم ويتحقق لديهم نصحه لهم ومسالمته اياهم وسيلقى قريبا منهم جزاء فعله ووبال امره كما سيتلى عليك بعضه بعد قليل
{ أحداث شهر ذي القعدة سنة 1228 }
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الثلاثاء سنة 1228
وفي اوائله وردت اخبار من الجهة الرومية بأن عساكر العثمانيين استولوا على بلاد بلغارد من ايدي طائفة الصرب وكانوا استولوا عليها نيفا واربعين سنة والله اعلم بصحة ذلك
وفيه عزل محمود حسن من الحسبة وتقلدها عثمان أغا المعروف بالورداني
وفي خامس عشره وصل عثمان المضايفي صحبة المتسفرين معه الى الريدانية اخر الليل واشيع ذلك فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من القلعة اعلاما وسرورا بوصوله اسيرا وركب صالح بك السلحدار في عدة كبيرة وخرجوا لملاقاته واحضاره فلما واجهه صالح بك نزع من عنقه الحديد واركبه هجينا ودخل به الى المدينة وامامه الجاويشية والقواسة الاتراك وبأيديهم العصي المفضضة وخلفه صالح بك وطوائفه وطلعوا به الى القلعة وادخله الى مجلس كتخدا بك وصحبته حسن باشا وطاهر باشا وباقي اعيانهم ونجيب افندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة وكان متأخرا عن السفر ينتظر قدوم المضايفي ليأخذه بصحبته الى دار السلطنة فلما دخل عليهم اجلسوه معهم فحدثوه ساعة وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب وافصح جواب وفيه سكون وتؤدة في الخطاب وظاهر عليه اثار الامارة والحشمة والنجابة ومعرفة مواقع الكلام حتى قال الجماعة لبعضهم البعض يا اسفا على مثل هذا اذا ذهب الى اسلامبول يقتلونه ولم يزل يتحدث معهم حصة ثم احضروا الطعام فواكلهم ثم اخذه كتخدابك الى منزله فاقام عننده مكرما ثلاثا حتى تمم نجيب افندي أشغاله فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق وانزلوه في سفينة مع نجيب أفندي ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية وذلك يوم الاثنين حادي عشرينه
وفي اواخره وصلت اخبار بأن مسعود الوهابي ارسل قصادا من طرفه الى ناحية جدة فقابلوا طوسون باشا والشريف غالب خلع عليهم واخذهم الى ابيه فخاطبهم وسألهم عما جاؤا فيه فقالوا الامير مسعود الوهابي يطلب الافراج عن المضايفي ويفتديه بمائة ألف فرانسة وكذلك يريد اجراء الصلح بينه وبينكم وكف القتال فقال لهم فإنه سافر الى الدولة واما الصلح فلا نأباه بشروط وهو أن يدفع لنا كل ما صرفناه على العساكر من اول ابتداء الحرب الى وقت تاريخه وان ياتي بكل ما اخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة وكذلك ثمن ما استهلك منها وان يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي واتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك وان أبي ذلك ولم يأتى فنحن ذاهبون اليه فقالوا له اكتب له جوابا فقال لااكتب جوابا لانه لم يرسل معكم جوابا ولا كتابا وكما ارسلكم بمجرد الكلام فعودوا اليه كذلك فلما اصبح الصباح وقت انصرافهم امر باجتماع العساكر فاجتمعوا ونصبوا ميدان الحروب والرمي المتتابع من البنادق والمدافع ليشاهد الرسل ذلك ويروه ويخبروا عنه مرسلهم
{ أحداث شهر ذي الحجة سنة 1228 }
واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الاربعاء
وفي ليلة الاحد تاسع عشره وقعت كائنة لطيف باشا وذلك أن المذكور مملوك الباشا اهداه له عارف بك وهو عارف افندي بن خليل باشا المنفصل عن قضاء مصر نحو خمس سنوات واختص به الباشا واحبه ورقاه في الخدم والمناصب الى أن جعله انختار اغاسي اي صاحب المفتاح وصار له حرمة زائدة وكلمة في باب الباشا وشهرة فلما حصلت النصرة للعسكر واستولوا على المدينة واتوا بمفاتيح زعموا انها مفاتيح المدينة كان هو المتعين بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة وارسلوا صحبته مضيان الذي كان متأمرا بالمدينة ولما وصل الى دار السلطنة ووصلت اخباره احتفل اهل الدولة بشأنه احتفالا زائدا ونزلوا لملاقاته في المراكب في مسافة بعيدة ودخلوا الى اسلامبول في موكب جليل وابهة عظيمة الى الغاية وسعت اعيان الدولة وعظماؤها بين يديه مشاة وركبانا وكان يوم دخوله يوما مشهودا وقتلوا مضيان المذكور في ذلك اليوم وعلقوه اعلى باب السراية وعملوا شنانك ومدافع وافراحا وولائم وانعم السلطان على لطيف المذكور واعطاه اطواخا وارسل اليه اعيان الدولة الهدايا والتحف ورجع الى مصر في ابهة زائدة وداخله الغرور وتعاظم في نفسه ولم يحتفل الباشا بأمره وكذلك اهل دولته لكونه من جنس المماليك وايضا قد تأسست عدواتهم في نفوسهم وكراهتهم له اشد من كراهتهم لابنائنا وخصوصا كتخدا بك فإنه اشد الناس عداوة وبغضا في جنس المماليك وطفق يلقي لمخدومه ما يغير خاطره عليه ومنها انه يضم اليه اجناسه من المماليك البطالين ليكونوا عزونه ويغترونه به حيث أن الباشا فوض اليه الامر أن ظهر منه شىء في غيابه وسافر الباشا في اثر ذلك واستمر لطيف باشا مع الجماعة في صلف وهم يحدقون عليه ويرصدون حركاته ويتوقعون ما يوجب الايقاع به وهو في غفلة وتيه لا يظن بهم سوا فطلب من الكتخدا الزيادة في رواتبه وعلائفه لسعة دائرته وكثرة حواشيه ومصاريفه فقال له الكتخدا انا لست صاحب الامر وقد كان هنا ولم يزدك شيئا فراسله وكاتبه فإن امر بشىء فأنا لا اخالف مأمورياته وتزايد هو والحاضرون في الكلام والمفاقمة ففارقهم على غير حالة ونزل الى داره وارسل في العشية الى مماليك الباشا ليحضروا اليه في الصباح ليعمل معهم ميدان رماحه على العادة واسر اليهم أن يصبحوا ما خف من متاعهم واسلحتهم فما اصبحوا استعدوا كما اشار اليهم وشدوا خيولهم ووصل خبرهم الى الكتخدا فطلب كبيرهم وسأله فأخبره أن لطيف باشا طلبهم ليعمل معهم رماحة فقال أن هذا اليوم ليس هو موعد الرماحة ومنعهم من الركوب وفي الحال احضر حسن باشا وطاهر باشا واحمد أغا المسمى بونابارته الخازندار وصالح بك السلحدار وابراهيم أغا آغات الباب ومحو بك وخلافهم ودبوس اوغلي واسمعيل باشا بن الباشا ومحمود بك الدويدار وتوافق الجميع على الايقاع به واصبحوا يوم السبت مجتمعين وقد بلغه الخبر واخذوا عليه الطرق وارسلوا يطلبونه للحضور في مجلسهم فامتنع وقال ما المراد من حضوري فنزل اليه دبوس اوغلي وخدعه فلم يقبل فركب وعاد اليه ثانيا يأمره بالخروج من مصر أن لم يحضر مجلسهم فقال اما الحضور فلا يكون واما الخروج فلا اخالف فيه بشرط أن يكون بكفالة حسن باشا او طاهر باشا فإني لا آمن أن يتبعوني ويقتلوني خصوصا وقد اوقفوا بجميع الطرق ففارقه دبوس اوغلي فتحير في امره وامر بشد الخيول واراد الركوب فلم يتسع له ذلك ولم يزل في نقض وابرام الى الليل فشركوا الجهات وابواب المدينة أيضا بالعساكر وكثر جمعهم بالقلعة وابوابها
وفي تاسع ساعة من الليل نزل حسن باشا ومحو بك في نحو الالفين من العسكر واحتاطوا بداره بسويقة العزى وقد اغلق داره فصاروا يضربون بالبنادق والقرابين الى آخر الليل فلما اعياهم ذلك هجموا على دور الناس التى حوله وتسلقوا عليه من الاسطحة ونزلوا الى سطح داره وقتلوا من صادفوه من عسكره واتباعه واختفى هو في مخباة اسف الدار مع ستة اشخاص من الجواري ومملوك واحد وعلم بمكانهم آغات الحريم فداروا بالدار يفتشون عليه فلم يجدوه فنهبوا جميع ما في الدار ولم يتركوا بها شيئا وسبوا الحريم والجواري والمماليك والعبيد وكذلك ما حوله وما جاوره من دور الناس ودور حواشيه وهم نيف وعشرون دارا حتى حوانيت الباعة وغيرهم التى بالخطة ودار علي الكتخدا صالح الفلاح هذا ما جرى بتلك الناحية وباقي نواحي المدينة لا يدورون بشىء من ذلك الا انهم لما طلع نهار يوم الاحد وخرج الناس الى الاسواق والشوارع وجدوا العساكر مائجة وابواب البلد مغلقة وحولها العساكر مجتمعة ومنهم من يعدو ومعه شىء من المنهوبات فامتنع الناس من فتح الحوانيت والقهاوي التى من عادتهم التبكير بفتحها وظنوا ظنا واستمر لطيف باشا بالمخباة الى الليل واشتد به الخوف وتيقن أن العبد الطواشي سينم عليه ويعرفهم بمكانه فلما اظلم الليل وفرغوا من النهب والتفتيش وخلا المكان خرج من المخباة بمفرده ونط من الاسطحة حتى خلص الى دار خازنداره وصحبته كبير عسكره وآخر يسمى يوسف كاشف دياب من بقايا الاجناد المصرية وباتوا بقية تلك الليلة ويوم الاثنين والكتخدا واهل دولته يدأبون في الفحص والتفتيش عليه ويتهمون كثيرا من الناس بمعرفة مكانه ومحمود بك داره بالقرب من داره اوقف اشخاصا من عسكره على الاسطحة ليلا ونهارا لرصده وكان المذكور له اعتقاد في شخص يسمى حسن افندي اللبلبي ولبلب لفظ تركي علم على الحمص المجوهر اي المقلي ومن شأن حسن افندي هذا انه رجل درويش يدخل الى بيوت الاعيان والاكابر من الناس الاتراك وغيرهم وفي جيوبه من ذلك الحمص فيفرق على اهل المجلس منه ويلاطفهم ويضاحكم ويمزح معهم ويعرف باللغة التركية ويجانس الفريقين فمن اعطاه شيئا اخذه ومن لم يعطه لم يطلب منه شيئا وبعضهم يقول له انظر ضميري او فإلي فيعد على سبحته ازواجا وافرادا ثم يقول ضميرك كذا وكذا فيضحكون منه فوشى بحسن افندي هذا الى كتخدا بك وباقي الجماعة بأنه كان يقول لطيف باشا انه سيلي سيادة مصر واحكامها ويقول له هذا وقت انتهاز الفرصة في غيبة الباشا ونحو ذلك وجسموا الدعوى وانه كان يعتقد صحة كلامه ويزوره في داره وترب له ترتيبا وأشاعوا انه اراد أن يضم اليه اجناس المماليك والخاملين من العساكر وغيرهم ويعطيهم نفقات ويريد اثارة فتنة ويعتال الكتخدا بك وحسن باشا وامثالهما على حين غفلة ويتملك القلعة والبلد وان اللبلبي يغريه على ذلك وكل وقت يقول له جاء وقتك ونحو ذلك من الكلام الذي المولى جل جلاله أعلم بصحته فارسل كتخدا بك الى اللبلبي فحضر بين يديه في يوم الاثنين فسأله عنه فقال لا ادري فقال انظر في حسابك هل نجده ام لا فأمسك سبحته وعدها كعادته وقال انكم تجدونه وتقتلونه ثم أن الكتخدا اشار الى اعوانه فأخذوه ونزلوا به واركبوه على حماره وذهبوا به الى بولاق فانزلوه في مركب وانحدروا به الى شلقان وشلحوه من ثيابه واغرقوه في البحر
وفي ذلك اليوم عرفهم آغات حريم لطيف باشا بعد أن هددوه وقرروه عن محل استاذه واخبرهم انه في المخباة واراهم المكان ففتحوه فوجدوا به الجواري الستة والمملوك ولم يجدوه معهم فسألوهم عنه فقالوا انه كان معنا وخرج في ليلة امس ولم نعلم اين ذهب فأخرجوهم واخذوا ما وجدوه في المخباة من متاع وسروج ومصاغ ونفوذ وغير ذلك فلما كان بعد الغروب من ليلة الثلاثاء اشتد بلطيف باشا الخوف والقلق فأراد أن ينتقل من بيت الخازندار الى مكان أخر فطلع الى السطح وصعد على حائط يريد النزول منها هو ورفيقه البيوكباشي ليخلص الى حوش مجاور لتلك الدار فنظرهما شخص من العسكر المرصد باعلى سطح دار محمود بك الدويدار فصاح على القريبين منه لينتبهوا له فعندما صاح ضربه لطيف باشا رصاصة فأصابه وتسارعوا اليه من كل ناحية وقضوا عليه وعلى رفيقه واتوا بهما الى محمود بك فبات عنده ورمحت المبشرون الى بيوت الاعيان يبشرونهم بالقبض عليه ويأخذون على ذلك البقاشيش فلما طلع نهار يوم الثلاثاء طلع به محمود بك الى القلعة وقد اجتمع اكابرهم بديوان الكتخدا واتفقوا على قتله ووافقهم على ذلك اسمعيل ابن الباشا بما نقموه عليه لانه في الاصل مملوك صهره عارف بك فعندما وصل الى الدرج قبض عليه الاعوان وهو بجانب محمود بك فقبض بيده على علاقة سيفه وهو يقول بالتركي عرظندايم يعني انا في عرضك وماتت يده على قيطان السيف فأخرج بعضهم سكينا وقطع القيطان وجذبوه الى اسفل سلم الركوبة واخذوا عمامته وضربه المشاعلي بالسيف صربات ووقع الى الارض ولم ينقطع عنقه فكملوا ذبحه مثل الشاة وقطعوا رأسه وفعلوا برفيقه كذلك وعلقوا رؤسهما تجاه باب زويلة طول النهار
وفي ثاني يوم وهو يوم الاربعاء ثاني عشرينه احضروا أيضا يوسف كاشف دياب وقتلوه أيضا عند باب زويلة وانقضى امرهم والله اعلم بحقيقة الحال وفتح اهل الاسواق حوانيتهم بعدما تخيل الناس بانها ستكون فتنة عظيمة وان العسكر ينهبون المدينة وخصوصا الكائنون بالعرضي خارج باب النصر فإنهم جياع وبردانون وغالبهم مفلس لان معظمهم من الجدد الواردين الذين لم يحصل لهم كسب من نهب او حادث واقع ادركوه ولولا انهم اوقفوا عساكر عند الابواب منعتهم من العبور لحصل منهم غاية الضرر
وانقضت السنة وحوادثها التى ربما استمرت الى ما شاء الله بدوامها وانقضائها
فمنها أن الباشا لما فرغ من امر الجهة القبلية بعدما ولى ابنه ابراهيم باشا عليها وحرر اراضي الصعيد وقاس جملة ارضيه وفدنه وضبطه بأجمعه ولم يترك منه الا ما قل وضبط لديوانه جميع الاراضي والميرية والاقطاعات التى كانت للملتزمين من امراء والهوارة وذوى البيوت القديمة والرزق الاحباسية والسراوي والمتأخرات والمرصد على الاهالي والخيرات وعلى البر والصدقة وغير ذلك مثل مصارف الولاية التى رتبها اهالي الخير المتقدمون لاربابها رغبة منهم في الخير وتوسعه على الفقراء المحتاجين وذوى البيوت والدواوير المفتوحة المعدة لاطعام الطعام للضيفان والواردين والقاصدين وابناء السبيل والمسافرين فمن ذلك ان نباحية سهاج دار الشيخ عارف وهو رجل مشهور كأسلافه ومعتقد بتلك الناحية وغيرها ومنزله محط الرجال الوافدين والقاصدين من الاكابر والاصناغر والفقراء والمحتاجين فيقرى الكل بما يليق بهم ويرتب لهم التراتيب والاحتياجات وعند انصرافهم بعد قضاء اشغالهم يزودهم ويهاديهم بالغلال والسمن والعسل والتمر والاغنام وهذا دأبه ودأب اسلافه من قبله على الدوام والاستمرار ورزقته المرصدة التى يزرعها وينفق منها ستمائة فدان فضبطوها ولم يسمحوا له منها الا بمائة فدان بعد التوسط والترجي والتشفع وامثال ذلك بجرجا واسيوط ومنفلوط وفرشوط وغيرها واذا قال المتشفع والمترجي للمتأمر ينبغي مراعاة مثل هذا ومسامحته لانه يطعم الطعام وتنزل بداره الضيفان فيقول ومن كلفه بذلك فيقال له وكيف يفعل اذا نزلت به الضيوف على حسب ما اعتادوه فيقول يشترون ما يأكلون بدراهمهم من اكياسهم او يغلقون ابوابهم ويستقلون بأنفسهم وعيالهم ويقتصدون في معايشهم فيعتادون ذلك وهذا الذي يفعلونه تبذير واسراف ونحو ذلك على حسب حالهم وشأنهم في بلادهم ويقول الديوان احق بهذا فإن عليه مصاريف ونفقات ومهمات ومحاربات الاعداء وخصوصا افتتاح بلاد الحجاز ولما حضر ابراهيم باشا الى مصر وكان ابوه على اهبة السفر الى الحجاز حضر الكثير من اهالي الصعيد يشكون ما نزل بهم ويستغيثون ويتشفعون بوجهاء المشايخ وغيرهم فإذا خوطب الباشا في شىء من ذلك يعتذر بانه مشغول البال واهتمامه بالسفر وانه اناط امر الجهة القبلية واحكامها وتعلقاتها بإبنه ابراهيم باشا وان الدولة قلدته ولاية الصعيد فأنا لا علاقة لي بذلك واذا خوطب ابنه اجابهم بعد المحاججة بما تقدم ذكره ونحو ذلك وذا قيل له هذا على مسجد فيقول كشفت على المساجد فوجدتها خرابا والنظار عليها يأكلون الايراد والخزينه أولى منهم ويكفيهم اني أسامحهم فيما اكلوه في السنين الماضية والذي وجدته عامرا اطلقت له ما يكفيه وزيادة واني وجدت لبعض المساجد اطيانا واسعة وهي خراب ومعطلة والمسجد يكفيه مؤذن واحد واجرته نصفان وامام مثل ذلك واما فرشه واسراجه فإنى ارتب له راتبا من الديوان في كل سنة فاذا تكرر عليه الرجاء احال الامر على ابيه ولا يمكن العود اليه لحركاته وتنقلاته وكثرة اشغاله وزوغانه ولما زاد الحال بكثرة المكتشين والواردين وبرزالباشا للسفر بل وسافر بالفعل فلم يمكث بعده ابنه الا اياما قليلة يبيت بالجيزة ليلة وعند اخيه ببولاق ليلة اخرى ثم سافر راجعا الى الصعيد يتمم ما بقي عليه لاهله من العذاب الشديد فإنه فعل بهم فعل التتار عندما جالوا بالاقطار واذل اعزة اهله واساء لسوء معهم في فعله فيسلب نعهم واموالهم ويأخذ ابقارهم واغنامهم ويحاسبهم على ما كان في تصرفهم واستهلكوه أو يحتج عليهم بذنب لم يقترفوه ثم يفرض عليهم المغارم الهائلة والمقادير من الاموال التي ليست ايديهم اليها طائلة ويلزمهم بتحصيلها وغلاقها وتعجيلها فتعجز ايديهم عن الاتمام فعند ذلك يجري عليهم انواع الالام من الضرب والتعليق والكي بالنار والتحريق فانه بلغني والعهدة على الناقل انه ربط الرجل ممدودا على خشبة طويله وامسك بطرفيها الرجال وجعلوا يقلبونه على النار المضرمة مثل الكباب وليس ذلك ببعيد على شاب جاهل سنه دون العشرين عاما وحضر من بلده ولم ير غير ما هو فيه لم يؤدبه مؤدب ولايعرف شريعة ولا مأمورات ولا منهيات وسمعت أن قائلا قال له وحق من اعطاك قال ومن هو الذي اعطاني قال له ربك قال له انه لم يعطني شيئا والدي اعطاني أبي فلو كان الذي قلت فإنه كان يعطيني وانا ببلدي وقد جئت وعلى رأسي قبع مزفت مثل المقلاة فلهذا لم تبلغه دعوى ولم يتخلق الا باخلاف الي داربه عليها والده وهي تحصيل المال بأي وجه كان فأنزل بأهل الصعيد الذل والهوان فلقد كان به من المقادم والهوارة كل شهم يستحي الرئيس من مكالمته والنظر اليه بالملابس الفاخرة والاكراك السمور والخيول المسمومة والانعام والاتباع والجند والعبيد والاكمام الواسعة والمضايف والانعامات والاغداقات والتصدقات وخصوصا اكابرهم المشهورون وهمام ما ادراك ما همام وقد تقدم في ترجمته ما يغني عن الاعادة فخرجت دور الجميع وتشتتوا وماتوا غرباء ومن عسر عليه مفارقة وطنه جرى عليه ما جرى على غيره وصار في عداد المزارعين وقد رأيت بعض بني همام وقد حضروا الى مصر ليعرضوا حالهم على الباشا لعله يرفق بهم ويسامحهم في بعض ما ضبطه ابنه من تعلقاتهم يتعيشون به وهم اولاد عبد الكريم وشاهين ولدي همام الكبيرومعهم حريمهم وجواريهم وزوجة عبد الكريم ويقولون لها الست الكبيرة وهي ام اولاده فلما وصلوا الى ساحل مصر القديمة ورأى ارباب ديوان المكس الجواري وعدتهن ثلاثة حجزوهن وطالبوهم بكمركهن فقالوا هؤلاء جوارنا للخدمة وليسوا مجلوبين للبيع فلم يعبئوا بذلك وقبضوا منهم ما قبضوه ثم انهم لم يتمكنوا من الباشا وكان إذا ذاك قد توجه الى الفيوم وعاد الى العرضي مسافرا الى الحجاز فاستمروا بمصر حتى نفذت نفقاتهم ورايتهم مرة مارين بالشارع وهم هكذا وردت وفيهم صغير مراهق واتفق انهم تفاقموا مع ابن عمهم وهو عمر وشكوه الى مصطفى بك دالي باشا بانه حاف عليهم في اشياء من استحقاقهم دعوى مفلس على مفلس فأحضره وحبسه دة وما ادرى ما حصل لهم بعد ذلك وهكذا تخفض العالى العال وتعلى من سفل
اللهم انا نعوذ بك من زوال النعم ونزول النقم
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة