من طرف همسات الأحد أبريل 29, 2018 5:18 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر شعبان سنة 1222 }
واستهل شهر شعبان بيوم السبت
في ثالثه يوم الإثنين وصل الباشا الى ساحل بولاق فضربوا لقدومه مدافع من القلعة وعملوا له شنكا ثلاثة ايام واتفق أن الباشا في حال رجوعه من الإسكندرية نزل في سفينة صغيرة وصحبته حسن باشا طاهر وسليمان أغا الوكيل سابقا فانقلبت بهم واشرف ثلاثتهم على الغرق وتعلق بعضهم بحرف السفينة فلحقتهم مركب اخرى انقذتهم من الغرق وطلعوا سالمين وكان ذلك عند زفيتة
وفيه كتبوا أوراق البشارة بذهاب الانكليز وسفرهم من الاسكندرية وارسلوها الى البلاد والقرى وعليها حق الطريق اربعة ألاف والفين فضة وصورة ما حصل انه لما وصل الباشا الى ناحية الإسكندرية راسل الإنكليز وحضر اليه انفار منهم واختلى معهم ولم يعلم احد ما دار بينهم من الكلام وذهبوا من عنده واشيع الصلح وفرحت العسكر لانهم لما رأوا صورة المتاريس والطوابي والخنادق وجري المياه بين ذلك بالأوضاع المتقنة هالهم ذلك ثم حضر من عظمائهم اشخاص ولما علم الباشا بوصولهم رتب العساكر ونظم ديوانا وهيأه واوقف العساكر صفوفا يمنة ويسره وعندما وصلوا ضربوا لهم مدافع كثيرة وشنكا وقدم لهم خيولا وهدايا واقمشة هندية وخلع عليهم خلعا وشيلانا كشميرية وغير ذلك ثم ركب معهم في قلة الى حيث منزلة ساري عسكرهم وكبيرهم فتلاقى معهم وقدم له الآخر هدايا وظرائف ثم ركب معه الى الإسكندرية وتسلم القلعة وذلك بعد دخول كتخدار بك بخمسة ايام وكان في اسرى الإنكليز انفار من عظمائهم فأحضرهم الباشا مع باقي الأسرى وتم الصلح على رد المذكورين على انهم لم يأتوا طمعا في البلاد كما تقدم ولما نزلوا بالمراكب لم يبعدوا عن الثغر إلا مسافة قليلة واستمروا يقطعون على المركب الواردين على الثغور وذلك لما بينهم وبين العثماني من المفاقمة
هذا ما كان من امر الإنكليز واما العساكر فإنهم افحشوا في التعدي على الناس وغصب البيوت من اصحابها فتأتي الطائفة منهم الى الدار المسكونة ويدخلونها من غير احتشام ولا اذن ويهجمون على سكن الحرم بحجة انهم يتفرجون على اعالي الدار فتصرخ النساء ويجتمع اهل الخطة ويكلمونهم فلا يلتفتون اليهم فيعالجونهم مرة بالملاطفة و أخرى بكثرة الجمع إن كان بهم قوة أو بمعونة ذي مقدرة و إذا انفصلوا فلا يخرجون من الدار الا بمصلحة او هدية لها قدر ويشترطون في ذلك الشيلان الكشميري فإذا احضروا لهم مطلوبهم فلا يعجب كبيرهم ويطلب خلافه احمر او اصفر واتفق أن بعضهم دخل عليه بينباشا بجماعته فلم يزل به حتى صالحه على شال يأخذه ويترك له داره فأتاه بشال اصفر فاظهر انه لا يريد الا الأحمر الدودة فلم يسعه الا الرضا واراد أن يرد الأصفر ويأتيه بالأحمر فحجزه وقال دعه حتى تأتتي بالأحمر ضمه إلى الاصفر و اخذ الإثنين ثم انصرف عنه وذلك خلاف ما يأخذونه من الدراهم فإذا انصرفوا وظن صاحب الدار انهم انجلوا عنه فيأتيه بعد يومين او ثلاثة خلافهم ويقع في ورطة اخرى مثل الأولى او اخف او اعظم منها وبعضهم يدخل الدار ويسكنها بالتحيل والملاطفة مع صاحب الدار فيقول له يا اخي يا حبيبي انا معي ثلاثة انفار واربعة لا غير ونحن مسافرون بعد عشرة ايام والقصد أن تفسح لنا نقيم في محل الرجال وانت بحريمك في مكانهم اعلى الدار فيظن صدقهم ويرضى بذلك على تخوف وكره فيعبرون ويجلسون كما قالوا في محل الرجال ويربطون خيولهم في الحوش ويعلقون اسلحتهم ويقولون نحن صرنا ضيوفك فإذا اراد أن يرفع فرش المكان يقولون نحن نجلس على الحصير والبلاط واي شيء يصيب الفرش فيتركه حياء وقهرا ثم يطلبون الطعام والشراب فما يسعه الا أن يتكلف لهم ذلك في اوقاته ويستعملون الأواني ويطلبون ما يحتاجون اليه مثل الطشت والأبريق وغير ذلك ثم تأتيهم رفقاؤهم شيئا فشيئا ويدخلون ويخرجون وبأيديهم الأسلحة ويضيق عليهم المكان فيقولون لصاحب المكان اخل لنا محلا اخر في الدار فوق لرفقائنا فإن قال ليس عندنا محل اخر او قصر في مطلوب ابتداؤه بالقسوة فعند ذلك يعلم صاحب الدار انهم لا انفكاك لهم عن المكان وربما مضت العشرة ايام او اقل او اكثر وظهرت قبائحهم وقذروا المكان واحرقوا البسط والحصر بما يتساقط عليها من الجمر من شربهم النارجيلات والتنباك والدخان وشربوا الشراب وعربدوا وصرخوا وصفقوا وغنوا بلغاتهم المختلفة وفقعت رائحة العرقي في المنزل فيضيق صدر الرجل وصدر اهل بيته ويطيب خاطرهم على الخروج والنقلة فيطلبون لأنفسهم مسكنا ولو مشتركا عند اقاربهم ومعارفهم وتخرج النساء في غفلة بثيابهن وما يمكنهن حمله ثم يشرعون في اخراج المتاع والأواني والنحاس والفرش فيحجزونه منهم ويقولون اذا اخذتم ذلك فعلى اي شيء نجلس وفي اي شيء نطبخ وليس معنا فرش ولا نحاس والذي كان معنا استهلك منا في السفر والجهاد ودفع الكفار عنكم وانتم مستريحون في بيوتكم وعند حريمكم فيقع النزاع وينفصل الأمر بينهم وبين صاحب الدار اما بترك الدار بما فيها او بالمقاسمة والمصالحة بالترجي والوسايط ونحو ذلك وهذا الأمر يقع لأعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد المصريين واتباعهم ونحوهم ثم انهم تعدوا الى الحارات والنواحي التى لم يتقدم لهم السكنى بها قبل ذلك مثل نواحي المشهد الحسيني وخلف الجامع المؤيدي والخرنفش والجمالية حتى ضاقت المساكن بالناس لقلتها وصار بعض المحتشمين اذا سكن بجواره عسكر يرتحل من داره ولو كانت ملكه بعد امن جوارهم وخوفا من شرهم وتسلقهم على الدار لأنهم يصعدون على الأسطح والحيطان ويتطلعون على من بجوارهم ويرمون بالبندقيات والطبنجات ومما اتفق أن كبيرا منهم دخل بطائفته الى منزل بعض الفقهاء المعتبرين وامره بالخروج منها ليسكن هو بها فأخبره انه من مشايخ العلم فلم يلتفت لقوله فتركه ولبس عمامته وركب بغلته وحضر إلى اخوانه المشايخ واستغاث بهم فركب معه جماعته منهم وذهبوا الى الدار ودخلوا اليها راكبين بغالهم فعندما شاهدهم العسكر وهم واصلون في كبكبة اخذوا اسلحتهم وسحبوا عليهم السيوف فرجع البعض هاربا وثبت الباقون ونزلوا عن بغالهم وخاطبوا كبيرهم وعرفوه انها دار العالم الكبير وهذا لا يناسب وان النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم وانتم اولى بذلك لأنكم مسلمون فقالوا لهم في الجواب انتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون انهم خير منا ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى واخرجناهم من البلاد فنحن احق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع ثم لم يزالوا في معالجتهم الى ثاني يوم ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة واخذ منها اكثر من ذلك ومنها دار اسمعيل افندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر اخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو وامثاله ولما اكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا اناس قاتلوا وجاهدوا اشهرا واياما وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم الكفار واجلوهم عن بلاد افلا تسعونهم في السكنى ونحو ذلك من القول
ولما انقضى هذا الامر واستقر الباشا واطمأن خاطره وخلص له الاقليم المصري وثغر الاسكندرية الذي كان خارجا عن حمهحتى قبل مجيء الإنكليز فإن الإسكندرية كانت خارجة عن حكمه فلما حصل مجيء الإنكليز وخروجهم صار الثغر في حكمه أيضا فاول ما بدأ به انه ابطل مسموح المشايخ والفقهاء معا في البلاد التى التزموا بها لأنه لما ابتدع المغارم والشهريات والفرض التى فرضها على القرى ومظالم الكشوفية جعل ذلك عاما على جميع الالتزامات والحصص التى بأيدي جميع الناس حتى اكابر العسكر واصاغرهم ما عدا البلاد والحصص التى للمشايخ خارجة عن ذلك ولا يؤخذ منها نصف الفائظ ولا ثلثه ولا ربعه وكذلك من ينتسب لهم او حتى يحتمي فيهم ويأخذون الجعالات والهدايا من اصحابها ومن فلاحيهم تحت حمايتها ونظير صيانتها واغتروا بذلك واعتقدوا دوامه واكثروا من شراء الحصص من اصحابها المنجاحين بدون القيمة وافتتنوا بالدنيا وهجروا مذاكرة المسائل ومدارسة العلم الا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية وصار بيت احدهم مثل بيت احد الأمراء الألوف الأقدمين واتخذوا الخدم والمقدمين واعوان واجروا الحبس والتعزيز والضرب بالفلقة والكرابيج المعروفة بزب الفيل واستخدموا كتبة الأقباط وقطاع الجرائم في الإرساليات للبلاد وقدروا حق طرق لأتباعهم وصارت لهم استعجالات وتحذيرات وانذارات عن تأخر المطلوب مع عدم سماع شكاوي الفلاحين ومخاصمتهم القديمة مع بعضهم بموجبات التحاسد والكراهية المجبولة والمركوزة في طباعهم الخبيثة وانقلب الوضع فيهم بضده وصار ديدنهم واجتماعهم ذكر الامور الدنيوية والحصص والالتزام وحساب الميري والفائظ والمضاف الرماية والمرافعات والمراسلات والتشكي والتنجي مع الأقباط واستدعاء عظمائهم في جمعياتهم وولائمهم والاعتناء بشأنهم والتفاخر بتردادهم والترداد عليهم والمهاداة فيما بينهم الى غير ذلك مما يطول شرحه واوقع مع ذلك زيادة عما هو بينهم من التنافر والتحاسد والتحاقد على الرياسة والتفاقم والتكالب على سفاسف الأمور وحظوظ الأنفس على الأشياء الواهية مع ما جلبوا عليه من الشح والشكوى والإستجداء وفراغ الاعين والتطلع للأكل في ولائم الأغنياء والقراء و المعاتبة عليها إن لم يدعوا اليها والتعريض بالطلب واظهر الإحتياج لكثرة العيال والأتباع واتساع الدائرة وارتكابهم الأمور المخلة بالمروءة المسقطة للعدالة كالإجتماع في سماع الملاهي والأغاني والقيان والآلات المطربة واعطاء الجوائز والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله واعلاماه في السامر وهو يقول في سامر الجمع بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم برفع الصوت الذي يسمعه القاصى والداني وهو يخاطب رئيسةالمغاني ياستي حضرة شيخ الإسلام والمسلمين مفيد الطالبين الشيخ العلامة فلان منه كذا وكذا من النصفيات الذهب قدر مسماه كثير وجرمه قليل نتيجته التفاخر الكذب والإزدراء بمقام العلم بين العوام واوباش الناس الذين اقتدوا بهم في فعل المحرمات الواجب عليهم النهي عنها كل ذلك من غير احتشام ولا مبالاة مع التضاحك والقهقهة المسموعة من البعد في كل مجمع ومواظبتهم على الهزليات والمضحكات والفاظ الكتابة المعبر عنها عند اولاد البلد بالإنقاط والتنافس في الأحداث الى غير ذلك
وفيه فتحوا الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على اربع سنوات ماضية
وفي عاشره فتحوا أيضا دفاتر الطلب بميري السنة القابلة ووجهوا الطلب بها الى العسكر فدهى الناس بدواه متوالية منها خراب القرى بتوالي المظالم والمغارم والكلف وحق الطرق والاستعجالات والتساويف والبشارات فكان اهل القرية النازل بها ذلك يتنقلون الى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ وقد بطلت الحماية أيضا حينئذ ثم انزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة وذلك عقب فرصة البشارة مثل دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة مائة كيس وخمسون كيسا ومائة وخمسون واكثر واقل
وفي اثناء ذلك قرروا أيضا فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى وان لم يجد المعينون للطلب شيئا من الدراهم عند الفلاحين اخذوا مواشيهم وابقارهم لتأتي اربابها ويدفعوا ما تقرر عليهم ويأخذوها ويتركونها بالجوع والعطش فعند ذلك يبيعونها على الجزارين ويرمونها عليهم قهرا بأقصى القيمة ويلزمونهم بإحضار الثمن فإن تراخوا وعجزوا شددوا عليهم بالحبس والضرب
وفي يوم الخميس ثالث عشره مر الباشا في ناحية سويقة العزى سائرا الى ناحية بيت بليغا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع الى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا في مروره فحيثما أتى مقابلا لذلك المكتب اطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه واصابت احدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وامر الخدم باحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا اليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر الى الباشا بانهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب الى داره
وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وارسل السيد عمر الى اهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا واغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل الى بيت الباشا طائفة الدلاتية وضربوا أيضا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة اربعة انفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح الا بعد طلوع الشمس واصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا امتعته الثمينة تلك الليلة الى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم انه طلع الى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا الى القلعة ورجع الى داره ويقال أن طائفة من العسكر الذين معه بالدار ارادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم باشارة بعضهم لبعض رمزا فغالطهم وخرج مستخفيا من البيت ولم يعلم بخروجه الا بعض خواصه الملازمين له واكثرهم اقاربه وبلدياته ولما تحققوا خروجه من الدار وطلوعه الى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني الى القلعة واشيع في اللبلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم احد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل اشخاص واصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون باسلحتهم وطلع افراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل الى الأتراك وفرقة تميل الى جنسها والدلاة تميل الى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم
وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ الى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا
وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب
المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة واصبح يوم الحد والناس مفطرون فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم
{ أحداث شهر رمضان سنة 1222 }
واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين
وفي ليلته بين العصر والمغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة فعلوا كفعلهم من كل ناحية ومن اسطحة الدور والمساكن وكان شيئا هائلا واستمر ذلك الى بعد الغروب وذلك شنك لقدوم رمضان في دخوله وانقضائه
وفي رابعه انكشفت القضية عن طلب مبلغ الفي كيس بعد جمعيات ومشاورات تارة ببيت السيد عمر النقيب وتارة في امكنة اخرى كبيت السيد المحروقي وخلافه حتى رتبوا ذلك ونظموه فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا وجانب على المشايخ الملتزمين نظير مسموحهم في فرض حصصهم التى اكلوها وهي مبلغ مائتي كيس وزعت على القراريط على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض لأجل ان ترد او تحسب لهم في الكشوفات من رفع المظالم ومال الجهات يأخذونها من فلاحيهم وفرض من ذلك مبالغ على ارباب الحرف واهل الغورية ووكالة الصابون ووكالة القرب والتجار الآفاقية واستقر ديوان الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء واسمعيل الطوبجي بالمطلوب من طائفة الأتراك واهل خان الخليلي والمرجع في الطلب والدفع والرفع الى السيد عمر النقيب واجتمع الكثير من اهل الحرفكالصرماتية و أمثالهم والتجؤا إلى الجامع الأزهر و أقاموا به ليالي واياما فلم ينفعهم ذلك وانبث المعينون بالطلب وبايديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص وعليها حق الطريق وهم قواسة اتراك وعسكر ودلاة وقواسة بلدي ودهى الناس بهذه الداهية في الشهر المبارك فيكون الإنسان نائما في بيته ومتفكرا في قوت عياله فيدهمه الطلب ويأتيه المعين قبل الشروق فيزعجه ويصرخ عليه بل ويطلع الى جهة حريمه فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح ويلاطف المعين ويعده ويأخذ بخاطره ويدفع له كراء طريقة المرسوم له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء فما يفارقه الا ومعين آخر واصل اليه على النسق المتقدم وهكذا
وفيه حضر محمد كتخدا شاهين بك الألفي بجواب عن مراسلة ارسلها الباشا الى مخدومه فأقام اياما يتشاور مع الباشا في مصلحته مع شاهين بك وحصل الإتفاق على حضور شاهين بك الى الجزيرة ويتراضى مع الباشا على امر وسافر في ثاني عشره وصحبته صالح أغا السلحدار
وفي يوم الخميس ثامن عشره قصد الباشا نفي رجب أغا الأرنؤدي وارسل اليه يأمره بالخروج والسفر بعد أن قطع خرجه واعطاه علوفته فامتنع من الخروج وقال انا لي عنده خمسون كيسا ولا اسافر حتى اقبضها وذلك انه في حياة الألفي الكبير اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألفي وينضم اليه ويتحيل في اغتياله وقتله فان فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه اعطاه خمسين كيسا فذهب عند الألفي والتجأ اليه واظهر انه راغب في خدمته وكره الباشا و ظلمه فرحب به وقبله واكرمه مع التحذر منه ظلما طال به الأمد ولم يتمكن من قصده رجع الى الباشا فلما امره بالذهاب اخذ يطالبه بالخمسين كيسا من فامتنع الباشا وقال جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله لم يخرج من يده فعله فلا وجه لمطالبته به واستمر رجب أغا في عناده وذلك انه لا يهون بهم مفارقة مصر التى صاروا فيها امراء واكابر بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ثم انه جمع جيشه اليه من الأرنؤد بناحية سكنه وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق فأرسل اليه الباشا من يحاربه فحضر حسن أغا سرششمة من ناحية قنطرة باب الخرق وحضر أيضا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من جهة المدابغ وعمل كل منهم متاريس من الجهتين وتقدموا قليلا حتى قربوا من مساكن الأرنؤد تجاه بيت البارودي فلم يتجاسروا على الاقدام عليهم من الطريق بل دخلوا من البيوت التى في صفهم ونقبوا من بيت الى اخر حتى انتهوا الى اول منزل من مساكنهم فنقبوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري ونفذوا منه الى المنزل الذي بجواره ثم منه إلى منزل علي أغا الشعراوي الى بيت سيدي محمد واخيه سيدي محمود المعروف بابي دفية الملاصق لمسكن طائفة من الأرنؤد وعبثوا في الدورء وازعجوا اهلها بقبح افعالهم فإنهم عندما يدخلون في اول بيت يصعدون الى الحريم بصورة منكرة من غير دستور ولا استئذان وينقبون من مساكن الحريم العليا فيهدمون الحائط ويدخلون منها الى محل حريم الدار الأخرى وتصعد طائفة منهم الى السطح وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا ولا يخفى ما يحصل للنساء من الإنزعاج ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن ويهربن الى الحارات الأخرى مثل حارة قواديس وناحية حارة عابدين بظاهر الدور المذكورة بغاية الخوف والرعب والمشقة وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش ويكسرون الصناديق ويأخذون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام ولقد شاهدت اثر قبح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة وانتشار حشو الوسائد والمراتب التى فتقوها واخذوا ظروفها ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم وبعيدا عنها او وزعوه قبل الحادثة واصيب محمد افندي أبو دفية برصاصة اطلقها بعضهم من النقيب الذي نقب عليهم نفذت من كتفه وكذلك فعل العساكر التى اتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة ايام بلياليها فلما كان ليلة الاثنين ثاني عشرينه حضر عمر بك كبير الأرنؤد الساكن ببولاق و صالح قوج إلى رجب أنما المذكور و أركباه و أخذاه إلى بولاق وبطل الحرب بينهم ورفعوا المتاريس في صبحها وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها وازعاج اهلها ومات فيما بينهم انفار قليلة وكذلك مات اناس وانجرح اناس من اهل البلد
وفي يوم السبت وصل شاهين بك الألفي إلى دهشور ووصل صحبته مراكب بها سفار وهدية من ابراهيم بك ومحمد بك المرادي المعروف بالمنفوخ برسم الباشا وهي نحو الثلاثين حصانا ومائة قنطار بن قهوة ومائة قنطار سكر واربع خصيان وعشرون جارية سوداء فلما وصل شاهين بك الى دهشور فحضر محمد كتخداه وعلي كاشف الكبير فأرسل الباشا اليه صحبتهما هدية ومعهما ولده وديوان افندي
وفي خامس عشرينه سافر رجب أغا وتخلف عنه كثير من عساكره واتباعه وذهب من ناحية دمياط
وفيه حضر ديوان افندي من دهشور وابن الباشا أيضا وخلع شاهين بك علي ابن الباشا فردة وقدم له تقدمة وسلاحا نفيسا انكليزيا
وفي ثاني عشرينه وصل شاهين بك الى شبرامنت وقد امر الباشا بأن يخلوا له الجيزة وينتقل منها الكاشف والعسكر فعدى الجميع الى البر الشرقي وتسلم علي كاشف الكبير الألفي القصر وما حوله وما به من الجبخانة والمدافع والات الحرب وغيرها
{ أحداث شهر شوال سنة 1222 }
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء
ولم يعمل العسكر شنكهم تلك الليلة من رميهم الرصاص والبارود الكثير المزعج من سائر النواحي والبيوت والأسطحة لانقباض نفوسهم وانما ضربوا مدافع من القلعة مدة ثلاثة ايام العيد في الأوقات الخمسة
وفي خامسه اعتني الباشا بتعمير القصر لسكن شاهين بك بالجيزة وكان العسكر اخربوه وكذلك بيوت الجيزة ولم يتركوا بها دارا عامرة الا القليل فرسم الباشا للمعمارجية بعمارة القصر فجمعوا البنائين والنجارين والخراطين وحملوا الاخشاب من بولاق وغيرها وهدموا بيت أبي الشوارب واحضروا الجمال والحمير لنقل اخشابه وانقاضه واخرجوا منه اخشابا عظيمة في غاية العظم ولاثخن ليس لها نظير في هذا الوقت والاوان
وفي سابعه حضر شاهين بك الى بر الجيزة وبات بالقصر وضربوا لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة وعمل له علي جربجي موسى الجيزاوي وليمة وفرض مصروفها وكلفتها على اهل البلدة واعطاه الباشا اقليم الفيوم بتمامه التزاما و كشوفية و أطلق له فيها التصرف و أنعم عليه أيضا بثلاثين بلدة من إقليم البهنسامع وكشوفيتها وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التي ينتقيها ويختارها وتعجبه مع كشوفية الجيزة وكتب له بذلك تقاسيط ديوانية وضم له كشوفية البحيرة بتمامها الى حد الإسكندرية واطلق له التصرف في جميع ذلك ومرسوماته نافذة في سائر البر الغربي
وفي صبح يوم الأربعاء تاسعه ركب السيد عمر افندي النقيب والمشايخ وطلعوا الى القلعة باستدعاء ارسالية ارسلت اليهم في تلك الليلة فلما طلعوا الى القلعة ركب معهم ابن الباشا طوسون بك ونزل الجميع وساروا الى ناحية مصر القديمة وكان شاهين بك عدى الى البر الشرقي بطائفة من الكشاف والمماليك والهوارة فسلموا عليه وكان بصحبتهم طائفة من الدلاة ساروا امام القوم بطبلاتهم وسفافيرهم ومن خلفهم طائفة من الهوارة ومن خلفهم الكشاف والمماليك والسيد عمر النقيب والمشايخ ثم شاهين بك وبجانبه ابن الباشا وخلفهم الطوائف والأتباع والخدم وخلفهم النقاقير فساروا الى ناحية جهة القرافة وزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم ركبوا وساروا الى القلعة وطلعوا من باب العزب الى سراية الديوان وانفصل عنهم المشايخ ونزلوا الى دورهم وقابلوا الباشا وسلم شاهين بك عليه فخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة وسيفا وخنجرا مجوهرا وتعابي وقدم له خيولا بسروجها وعزم عليه ابن الباشا فأذن له أن يتوجه صحبته الى سرايته فركب معه وتغدى عنده ثم ركب بصحبته ونزلا من القلعة وذهب عند حسن باشا فقابله أيضا وسلم عليه وخلع عليه أيضا و قدم له خيولا و ركب صحبتها و ذهبوا عند طاهر باشا ابن اخت الباشا فسلم عليه أيضا وقدم له تقادم ثم ركب عائدا الى الجيزة وذهب الى مخيمه بسبرامنت واستمر مقيما بالمخيم حتى تمم عمارة القصر وتردد كشافهم واجنادهم الى بيوتهم بالمدينة فيبيتون الليلة والليلتين ويرجعون الى مخيمهم
وفيه قطع الباشا رواتب طوائف من الدلاة وامروا بالسفر الى بلادهم
وفي يوم الجمعة انتقل الألفية بعرضيهم وخيامهم الى بحري الجيزة
وفي يوم السبت ثاني عشره وصل اربعة من صناجق الألفية وهم احمد بك ونعمان بك وحسين بك ومراد بك فطلعوا الى القلعة وخلع عليهم الباشا فراوي و قلدهم سيوفا وقدم لهم تقادم ثم نزلوا إلى حسن باشا فسلموا عليه وخلع عليهم أيضا خلعا ثم ذهبوا الى بيت صالح أغا السلحدار فأقاموا عنده الى اواخر النهار ثم ذهبوا الى البيوت التى بها حريمهم فباتوا وذهبوا في الصباح الى الجيزة
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره عملت وليمة وعقدوا لأحمد بك الألفي على عديلة هانم بنت ابراهيم بك الكبير والوكيل في العقد شيخ السادات وقبل عنه محمد كتخدا بوكالته عن احمد بك ودفع الصداق الباشا من عنده وقدره ثمانية ألاف ريال
وفيه اتفقوا على ارسال نعمان بك ومحمد كتخدا وعلي كاشف الصابونجي الى ابراهيم بك الكبير لإجراء الصلح
وفيه أيضا ارادوا اجراء عقد زينب هانم ابنة ابراهيم بك علي نعمان بك فامتنعت وقالت لا يكون ذلك الا عن اذن أبي وها هو مسافر اليه فليستاذنه ولا اخالف امره فأجيبت الى ذلك واراد شاهين بك أن يعقد لنفسه على زوجة حسين بك المقتول المعروف بالوشاش وهو خشداشه وهي ابنة السفطي فاستأذن الباشا فقال اني اريد أن ازوجك ابنتي وتكون صهري وهي واصلة عن قريب ارسلت بحضورها من بلدي قوله فإن تأخر حضورها جهزت لك سرية وزوجتك اياها
وفي يوم الأربعاء نزل الباشا من القلعة وذهب الى مضرب النشاب واستدعى شاهين بك من الجيزة وعمل معه ميدانا وترامحوا وتسابقوا ولعبوا بالرماح والسيوف ثم طلع الجميع الى القلعة واستمر شاهين بك عند الباشا الى بعد الظهر ثم نزل مع نعمان بك الى بيت عديلة هانم فمكثا الى قبيل المغرب ثم ارسل اليهما الباشا فطلعا الى القلعة فباتا عنده ونزلا في الصباح و عديا الى الجيزة
قال الشاعر:
أمور تضحك السفهاء منها ● ويبكي من عواقبها اللبيب
وفيه تقلد حسن أغا سرششمه امارة دمياط عرضا عن احمد بك وتقلد عبدالله كاشف الدرندلي امارة المنصورة عوضا عن عزيز أغا
وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه وصل قابجي ومعه مرسومات يتضمن احدها التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر واخر بالدفتردارية باسم ولده ابراهيم واخر بالعفو عن جميع العسكر جزاء عن اخراجهم الإنكليز من ثغر الإسكندرية واخر بالتأكيد في التشهيل والسفر لمحاربة الخوارج بالحجاز واستخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار وصحبته أيضا خلع وشلنجات فأركبوه في موكب في صبح يوم الخميس وطلع الى القلعة وقرئت المراسيم المذكورة بحضرة الباشا والمشايخ وكبار العسكر وشاهين بك وخشداشينه الألفية وضربوا مدافع وشنكا
وفيه سافر ابراهيم بك ابن الباشا على طريق القليوبية وصحبته طائفة من مباشري الأقباط وفيهم جرجس الطويل وهو كبيرهم وافنديه من افندية الروزنامة وكتبة مسلمين للكشف على الأطيان التى رويت من ماء النيل والشرقي فأنزلوا بالقرى النوازل من الكلف وحق الطرقات وقرروا على كل فدان رواه النيل اربعمائة وخمسين نصف فضة تقبض للديوان وذلك خلاف ما للملتزم والمضاف والبراني وما يضاف الى ذلك من حق الطرق والكلف المتكررة
{ أحداث شهر ذي القعدة سنة 1222 }
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء
وفيه فرضوا على مساتير الناس سلف اكياس ويحسب لهم ما يؤخذ منهم من اصل ما يتقرر على حصصهم من المغارم في المستقبل وعينوا العساكر بطلبها فتغيب غالبهم وتوارى لعدم ما بأيديهم وخلو اكياسهم من المال والتجأ الكثير منهم الى ذوي الجاه ولازموا اعتابهم حتى شفعوا فيهم وكشفوا غمتهم
وفي عاشره ورد الخبر من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين تحاربوا مع ياسين بك بناحية المنية وذلك عن امر الباشا وهزموه فدخل الى المنية ونهبوا حملته ومتاعه
وفي اثر ذلك حضر أبو ياسين بك الى مصر وعينت عساكر الى جهة قبلي واميرها بونابارته الخازندار وتقدمهم سليمان بك الألفي في اخرين
وفي عشرينه تعين أيضا عدة عساكر الى ناحية بحري وفيهم عمر بك تابع الأشقر المصرلي لمحافظة رشيد وآخرين الى الأسكندرية ثم تعوق عمر بك عن السفر وسبب ذلك انه ورد قائد الإنكليز الى ثغر سكندرية واخبر بخروج عمارة الفرنسيس الى البحر بسيسيليه وربما استولوا عليها وكذلك مالطه فلما ورد هذا الخبر حضر البطروش قنصل الانكليز المقيم برشيد الى مصر بأهله وعياله
وفي اواخره جمعوا عدة كبيرة من البنائين والنجارين وارباب الأشغال لعمارة اسوار وقلاع الإسكندرية وابي قير والسواحل
{ أحداث شهر ذي الحجة سنة 1222 }
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة
في ثاني عشره ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل الى المنية ونزل بفنائها خرج اليه ياسين بك بجموعه وعساكره وعربانه فوقع بينهما وقعة عظيمة وانهزم ياسين بك وولى هاربا الى المنية فتبعه سليمان بك في قلة وعدى الخندق خلفه فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بك وجماله واثقاله وشتت جموعه وانحصر هو وعساكره وعربانه وما بقي منهم بداخل المنية وكانت الواقعة يوم الأربعاء سادس الشهر فلما ورد الخبر بذلك على الباشا اظهر انه اغتم على سليمان بك وتأسف على موته واقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة وفي بيوتهم وطفق الباشا يلوم على جراءة المصريين واقدامهم وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه ويلقي بنفسه من داخل الخندق ويقول انا ارسلت اليه احذره واقول له أن ينتظر بونابارته الخازندار ويرسل ياسين بك ويطلعه على ما بيده من المراسيم فان أبى وخالف ما في ضمنها فعند ذلك يجتمعون على حربه وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الابنية فلم يستمع لما قلت له غرر بنفسه وايضا ينبغي لكبير الجيش التاخر عن عسكره فإن الكبير عبارة عن المدير الرئيس وبمصابه تنكسر قلوب قومه وهؤلاء القوم بخلاف ذلك يلقون بأنفسهم في المهالك ولما ارسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم وانهم مجتعون على حالتهم ومقيمون بعرضهم ومحطتهم على المنية وانهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسا مكانه فعند ذلك ارسل الباشا الى شاهين بك يعزيه ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا امارة سليمان بك فتشاور شاهين بك مع خشداشينه فلم يرض احد من الكبار أن يتقلد ذلك ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى وارسلوه الى باشا فخلع عليه وامره بالسفر الى المنية فأخذ في قضاء اشغاله وعدى الى بر الجيزة
وفي منتصفه ورد الخبر بأن بونابارته الخازندار وصل الى المنية بعد الواقعة وياسين بك محصور بها فأرسل اليه يستدعيه الى الطاعة واطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابا له وللأمراء الحاضرين والغائبين المصرية وفي ضمنها أن ابى ياسين بك عن الدخول في الطاعة واستمر على عناده وعصيانه فأن بونابارته والأمراء المصرية يحاربونه فعند ذلك نزل ياسين بك على حكم بونابارته وحضر عنده بعد أن استوثق منه الأمان ووصلت الأخبار بذلك الى مصر وخرجت العربان المحصورون بالمنية بعد أن صالحوا على انفسهم وفتحوا لهم طريقا وذهبوا الى اماكنهم واستلم بونابارته المنيا فأقام بها يومين وارتحل عنها وحضر الى مصر
وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشره حضر ياسين بك الى ثغر بولاق وركب في صبحها وطلع الى القلعة فعوقه الباشا واراد قتله فتعصب له عمر بك الأرنؤدي وصالح قوج وغيرهما وطلعوا في يوم الجمعة وقد رتب الباشا عساكره وجنده واوقفهم بالأبواب الداخلة والخارجة وبين يديه وتكلم عمر بك وصالح أغا مع الباشا في امره وان يقيم بمصر فقال الباشا لا يمكن أن يقيم بمصر والساعة اقتله وانظر اي شيء يكون فلم يسع المتعصبين له الا الإمتثال ثم احضره وخلع عليه فروة وانعم عليه بأربعين كيسا ونزلوا بصحبته بعد الظهر الى بولاق وسافر الى دمياط ليذهب الى قبرص ومعه محافظون
وفي يوم الأحد حضر بونابارته الخازندار من المنية الى مصر وانقضت السنة
{ من مات فى هذه السنة ممن له ذِكر }
واما من مات فيها ممن له ذكر فمات الشيخ العلامة بقية العلماء والفضلاء والصالحين الورع القانع الشيخ احمد بن علي بن محمد بن عبدالرحمن بن علاء الدين البرماوي الذهبي الشافعي الضرير ولد ببلده برما بالمنوفية سنة 1138 ونشأ بها وحفظ القرآن والمتون على الشيخ المعاصري ثم انتقل الى مصر فجاور بالمدرسة الشيخونية بالصليبة وتخرج في الحديث على الشيخ احمد البرماوي وحضر دروس مشايخ الأزهر كالشيخ محمد فهرس والشيخ علي قايتباوي والشيخ الدفري والشيخ سليمان الزيات والشيخ الملوي والشيخ المدابغي والشيخ الغنيمي و الشيخ محمد الحنفي و أخيه الشيخ يوسف و عبد الكريم الزيات والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ سالم النفراوي والشيخ عمر الشنواني والشيخ احمد رزة والشيخ سليمان البسوسي والشيخ علي الصعيدي واقرأ الدروس وافاد الطلبة ولازم الإقراء وكان منجمعا عن الناس قانعا راضيا بما قسم له لا يزاحم على الدنيا ولا يتداخل في امورها واخبرني ولده العلامة الفاضل الشيخ مصطفى انه ولدا بصيرا فأصابه الجدري فطمس بصره في صغره فاخذه عم ابيه الشيخ صالح الذهبي ودعا له فقال في دعائه اللهم كما اعميت بصره نور بصيرته فاستجاب الله دعاءه وكان قوي الإدراك ويمشي وحده من غير قائد ويركب من غير خادم ويذهب في حوائجه المسافة البعيدة ويأتي الى الأزهر ولا يخطيء الطريق وينتحي عما عساه يصيبه من راكب او جمل او حمار مقبل عليه او شيء معترض في طريقه اقوى من ذي بصر فكان يضرب به المثل في ذلك مع شدة التعجب كما قال القائل ما عماء العيون مثل عمى القلوب فهذا هو العمى والبلاء فعماء العيون تغميض عين وعماء القلوب فهو الشفاء ! ولم يزل ملازما على حالته من الإنجماع والإشتغال بالعلم والعمل به وتلاوة القرآن وقيام الليل فكان يقرأ كل ليلة نصف القرآن الى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول من هذه السنة وله من العمر اربع وثمانون سنة وصلي عليه بجامع ابن طولون ودفن بجوار المشهد المعروف بالسيدة سكينة رضى الله عنها بجانب الشيخ البرماوي رحمه الله وبارك في ولده الشيخ مصطفى واعانه على وقته ومات العمدة الفاضل حاوى الكمالات والفضائل الشيخ محمد بن يوسف ابن بنت الشيخ محمد بن سالم الحفناوي الشافعي ولد سنة 1163 وتربى في حجر جده وتخلق بأخلاقه وحفظ القرآن والألفية والمتون وحضر دروس جده واخي جده الشيخ يوسف الحفناوي وحضر اشياخ الوقت كالشيخ علي العدوى والشيخ احمد الدردير والشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي وغيرهم وتمهر وانجب واخذ طريق الخلوتية عن جده ولقنه الأسماء ولما توفي جده القى الدروس في محله بالأزهر ونشأ من صغره على احسن طريقة وعفة نفس وتباعد عن سفاسف الأمور الدنيئة ولازم الإشتغال بالعلم وفتح بيت جده وعمل به ميعاد الذكر كعادته وكان عظيم النفس مع تهذيب الأخلاق والتبسيط مع الإخوان والممازحة مع تجنبه ما يخل بالمروءة وله بعض تعليقات وحواش وشعر مناسب ولم يزل على حالته الى أن توفي يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن مع جده في تربة واحدة بمقبرة المجاورين ولم يخلف ذكورا رحمه الله ومات الشيخ العلامة المفيد والتحرير المجيد محمد الحصافي الشافعي الفقيه النحوي الفرضي تلقى العلوم وحضر اشياخ الطبقة الأولى ودرس العلوم بالأزهر وافاد الطلبة وقرأ الكتب المفيدة وعاش طول عمره منعكفا في زوايا الخمول منعزلا عن الدنيا وهي منعزلة عنه راضيا بما قسم الله له قانعا بما يسره له مولاه لا يدعي في وليمة ولا ينهمك على شيء من امور الدنيا ولم يزل على حالته حتى توفي يوم الأثنين ثالث عشر شوال من السنة ومات العمدة المفضل الشيخ محمد عبدالفتاح المالكي من اهالي كفر حشاد بالمنوفية قدم من بلده صغيرا فجاور بالأزهر وحضر على اشياخ الوقت ولازم دروس الشيخ الامير وبه تخرج وتفقه عليه وعلى غيره من علماء المالكية وتمهر في المعقولات وانجب وصارت له ملكه واستحضار ثم سافر الى بلده واقام بها يفيد ويفتي ويرجعون اليه في قضاياهم ودعاويهم فيقضي بينهم ولا يقبل من احد جعالة ولا هدية فاشتهر ذكره بالاقليم واعتقدوا فيه الصلاح والعفة وانه لايقضي الا بالحق ولا يأخذ رشوة ولا جعالة ولا يجابي في الحق فامتثلوا لقضاياه واوامره فكان اذا قضى قاض من قضاة البلدان بين خصمين رجعا الى المترجم واعادا عليه دعواهما فان رأى القضاء صحيحا موافقا للشرع امضاه وامتثل الخصم الآخر ولا يمانع بعد ذلك ابدا ويذعن لما قضاه الشيخ لعلمه انه لا لغرض دنيوي والا اخبرهم أن الحق خلافه فيمتثل الخصم الآخر ولم يزل على حالته حتى كان المولد المعتاد بطندتا فذهب ابن الشيخ الأمير الى هناك فأتى لزيارة ابن شيخه ونزل في الدار التى هو نازل فيها فانهدمت الجهة التى هو بها وسقطت عليه فمات شهيدا مردوما ومعه ثلاثة انفار من اهالي قرية العكروت وذلك في اوائل شهر الحجة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومات الأمير سعيد أغا دار السعادة العثماني الحبشي قدم الى مصر بعد مجيء يوسف باشا الوزير في ابهة ونزل بدرب الجماميز في البيت الذي كان نزل به شريف افندي الدفتردار بعد انتقاله منه وفتح باب التفتيش على جهات اوقاف الحرمين وغيرها واخاف الناس وحضر اليه كتبة الأوقاف وجلسوا لمقارفة الناس والتعنت عليهم بطلب السندات ويهولون عليهم بالأغا المذكور ويأخذون منهم المصالحات ثم ينهون اليه الأمر على حسب اغراضهم ويعطونه جزأ ويأخذون لأنفسهم الباقي ثم تنبه لذلك فطرد غالبهم وسدد على الباقين وتساهل مع الناس وكان رئيسا عاقلا معدودا في الرؤساء تعمل عنده الدواوين والاجتماعات في مهمات الامور والوقائع كما تقدم ذكر ذلك في مواضعه ثم انه تمرض بذات الرئة شهورا ومات في يوم الاثنين رابع شهر صفر ومات الامير سليمان بك المرادي وهو من الامراء الذين تأمروا بعد مراد بك وكان ظالما غشوما ويعرف بريحه بتشديد الياء كان اذا اراد قتل انسان ظلما يقول لأحد اعوانه خذه وريحه فيأخذه ويقتله ومات في واقعة اسيوط الاخيرة اخذت جلة المدفع دماغه وقطع ذراعه وعرفوا قتله بخاتمه الذي في إصبعه في ذراعه المقطوع ومات سليمان بك الألفي الذي قتل في واقعة ياسين بك بالمنية عند الخندق وغير هؤلاء والله اعلم
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة