من طرف همسات الأربعاء أبريل 11, 2018 10:22 am
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر محرم سنة 1217 }
محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشره هجرية استهل بيوم الاثنين فيه تواترت الاخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعا ورفع الحروب فيما بينهم
وفيه ترادفت الاخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحيةنجد ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الارض ويزعم انه يدعو الى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس ومشوا عليها الى غير ذلك
وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة الى الديار الرومية ونزل الى بولاق وضربوا له عدة مدافع وأخذ صحبته الخزينة وسافر معه مختار افندي ابن شريف افندي دفتردار مصر
وفي هذه الايام حصلت امطار متتابعة وغيام ورعود وبروق عدة أيام وذلك في اواسط نيسان الرومي
وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من الغد الى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانا كبيرا ببركة الازبكية وحضر العساكر الوجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه الى ذلك الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقعطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا الاكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتا مشهودا
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر كبير الانكليز من الاسكندرية ونصبوا وطاقهم ببرانبابة فلما كان يوم الاربعاء يوم عاشوراء عدي كبير الانكليز ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل الانكلز الى الازبكية وطلعوا الى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلا وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا الى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد
وفيه وردت الاخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع بالاسكندرية وسلموها لاحمد بك خورشيد وذلك يوم الاثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتينه ايضا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برا وبحرا وأخذ الباشا في الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين الى السويس والقصير وما يحتاجون اليه من الجمال والادوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز الى عند الباشا فدعوه الى الحضور الى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدي الى الجيزة بعد الظهر ووقفت عساكر الانكليز صفوفا رجالا وركبانا وبأيديهم البنادق والسيوف واظهروا زينتهم وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفا بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم اليه فلقد أخبرني بعض خواصهم ان الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه الى الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في ذلك الوقت لملكوا الاقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك واذا تأمل العاقل في هذه القضية يرى فيها أعظم الاعتبارات والكرامة لدين الاسلام حيث سخر الطائفة الذين هم اعداء للملة هذه الدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث الشريف وقوله صلى الله عليه و سلم ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فسبحان القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله
وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش
وفيه وصلت مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا ابي مرق وانه احدث عليهم مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبا من المذكور وفي ضمن المكاتبات انه حفر قبور المسلمين والاشارف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم وشرع يبنى في تلك الجبانة سورا يتحصن به واذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم ايضا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ منهم مالا عظيما على ذلك وفعل من امثال هذه الفعال اشياء كثيرة
وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤس من المصرلية وفيهم رأس على كاشف ابي دياب وتواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانية والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند ارمنت وراس عصبة المصرلية الالفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية والعثمانية طمعا في بذلهم وان عثمان بك حسن انفرد عنهم وارسل يطلب امانا ليحضر فأرسلوا له امانا فحضر الى باشة الصعيد وخلع عبيه فروة سمور وقدم له خيلا وهدية
وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك خازنداره وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون الى جهة السويس في تعدية البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم جهة البر الغربي متوجهين الى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم الى اماكنهم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان الى الجيزة وتسلمها من الانكليز واقام بها وسكن بالقصر
وفي خامس عشرينه وصل الى ساحل بولاق اغا وعلى يده مثالات واوامر وحضر ايضا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم الى الجيزة فركب ذلك الاغا في موكب من بولاق الى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمه وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر ططرى من ناحية قبلي بالاخبار بما حصل بين العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها
وفيه وصلت الاخبار بان احمد باشا ارسل عسكر الى ابي مرق من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا عنها الجالب واستمروا على حصاره
وفيه اتخذ الباشا عسكرا من طائفة التكرور الذين يأتون الى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش قصارا من جوخ احمر والبسة من جوخ ازرق وصدريات وجميعها ضيقة مقمطة مثل ملابس الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر واعطوهم سلاحا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع الظهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرا يركب فرسا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا ايضا العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما تقدم وأركبهم خيلا وجعلهم فرقتين صغارا وكبارا واختارهم للركوب اذا خرج الى الخلاء وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والاشارات بمرش واردبوش وكذلك طلب المماليك وعصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس المماليك المصرلية وعمائم شبه البحرية الاروام وبلكات وشراويل وادخل فيهم ما وجده من الفرنسيس وجعل لهم كبيرا ايضا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي بعض الاحيان يلبسون زرديات وخودا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام الجديد
{ أحداث شهر صفر سنة 1217 }
واستهل شهر صفر الخير بيوم الاربعاء
في ثانيه وصل سعيد اغا وكيل دار السعادة وهو فحل اسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع ايضا
وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانا وحضر القاضي والعلماء والاعيان وقرأوا خطا شريفا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بانه ناظر اوقاف الحرمين
وفي يوم الاثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة اشخاص من النصارى المشاهير وهم ألطون ابو طاقية وابراهيم زيدان وبركات معلم الديوان سابقا وفي الحال ارسل الدفتردار فختم على دورهم واملاكهم وشرعوا في نقل ذلك الى بيت الدفتردار على الجمال ليباع في المزاد فبدأوا باحضار تركة ألطون ابي طاقية فوجد له موجود كثير من ثياب وامتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك عدة ايام
وفيه تواترت الاخبار بان بونابارته خرج بعمارة كبيرة ليحارب الجزائر وانه انضم الى طائفة الفرنسيس الاسبانيول والنامرطان وتفرقوا في البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز الى قلاع الاسكندرية واستمرت هذه الاشاعة مدة ايام ثم ظهر عدم صحة هذه الاخبار وان ذلك من اختلافات الانكليز
وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش وصحبته مكاتبات الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع واخبروا بالامن والرخاء والراحة ذهابا وايابا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر
وفي صبحها دخل امير الحج وصحبته المحمل
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين اغا شنن وزين الفقار كتخدا وصحبتهما على كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فارسل اليه الباشا اعيان اتباعه من الاغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة الباشا وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب الى الدار التي اعدت له وحضر صحبته صالح بك غيطاء وخلافه من الامراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل من الامراء والكشاف في مساكن ازواجهم فكانوا يركبون في كل يوم الى بيت عثمان بك ويذهبون صحبته الى ديوان الباشا ورتب له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر
{ أحداث شهر ربيع الاول سنة 1217 }
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس
فيه شرعوا في عمل المولد النبوي وعملوا صوارى ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ البكري ونصبوا خياما في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح الاسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال اولها صبح يوم الجمعة وآخرها الاحد ليلة المولد الشريف فكان كذلك
وفي ليلة المولد حضر الباشا الى بيت الدفتردار باستدعاء وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل
وفيه وصلت الاخبار بكثرة عربدة الامراء القبالى وتجمع عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا الى غربي اسيوط وخافتهم العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور اهل الريف منهم وانضامهم الى المصرلية ومن جملة افاعيلهم التي ضيقت المنافس واحرجت الصدور حتى اعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الاسباب وامتنع حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت اسعارها وامر بان لا يدخلوا الى الشون والحواصل شيئا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا وفي كل وقت يرسلون اوراقا وفرمانات الى العساكر باطلاق المراكب فلا يمتثلون ويحجز الواحد منهم او الاثنان المركب التي تحمل الالف اردب ويربطونها بساحل الجهة التي هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم شرعوا في تسفير عساكر ايضا وسارى عسكرهم طاهر باشا واخذ في المراكب المشحونة بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس يستخدمونه في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي ما بها من الغلال على بعض السواحل ان لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب فيربطونها عندهم وامثال ذلك مما تقصر عنه العبارة ولما تواترت هذه الاخبار عن الامراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم الخميس خامس عشره عدى الى البر الغربي وتبعته العساكر
وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الامراء القبالي ملخصها أن الارض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن الى ما كان منهم وانهم في طاعة الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب ابعادهم وطردهم وقتلهم فأنهم خدموا وجاهدوا وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس الذل والاقبال على الموت فأما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها الى جهة الحجاز او تعينوا لنا جهة نقيم بها نحو خمسة اشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب ونعمل بمقتضى ذلك فان لم تجيبونا لشيء من ذلك فيكون ذنب الخلائق في رقابكم لا رقابنا وورد الخبر عنهم انهم رجعوا القهقرى الى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة فاشتوروا في ذلك وكتبوا لهم جوابا بامضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الامان لما عدا ابراهيم بك والالفي والبرديسي وابادياب فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى يرسلوا الى الدولة ويأتي الاذن بما تقتضيه الاراء وأما بقيتهم فلهم الامان والاذن بالحضور الى مصر ولهم الاعزاز والاكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما يكفيهم من التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك حسن فانهم رتبوا له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان وهذه اول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر باشا مقيما بالبر الغربي
وفي هذا الشهر كمل تنميم عمارة المقياس على ما كان عمره الفرنسيس على طرف الميري وأنشا به الباشا طيارة في علوه عوضا عن الطيارة القديمة التي هدمها الفرنسيس وأنشأ ايصا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكا لطيفا مزينا بالاصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة
● ● ومن الحوادث بسكندرية
أنه حضر قليون وفيه تجار وبزرجانية يقال له قليون مهر الدار الدولة فأرسى بالمينة الغربية وطلع منه قبطان وبعض التجار الى البلدة وأقام نحو يومين او ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز انه مات به رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة ايضا فطلبوا القبطان فهرب فأرسلوا الى المركب وأحضروا اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه وسحبوه بينهم في الاسواق وكلما مروا به على جماعة من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربا شديدا ولم يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه
ووقع ايضا ان خورشيد حاكم الاسكندرية أحدث مظالم ومكوسا على الباعة والمحترفين فذهب بعض الانكليز يشتري سمكا فطلب السماك منه زيادة في الثمن عن المعتاد فقال له الانكليزي لاي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءة فتحققوا القضية وأحضروا المنادي وأمروه بالمناداة بأبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال حسبما رسم الوزير محمد باشا وخورشيد أغا بان جميع الحوادث المحدثة بطاله فسمعوه يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربا شديدا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك حسبما رسم سارى عسكر الانكليز
ووقع ايضا ان جماعة من العسكر ارادوا القبض على امرأة من النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من الانكليز اثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا الى خورشيد بان يخرج الى خارج البلدة ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة واسكنوه في دار بالبلد ومنعوا عسكره من حمل السلاح مطلقا مثل الانكليزية واستمروا على ذلك
{ أحداث شهر ربيع الثانى سنة 1217 }
واستهل شهر ربيع الثانى
فيه حضر أحمد أغا شويكار من عند القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الالفي ومعهم مكاتبات وأشيع طلبهم الصلح فأقاموا عدة ايام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في أواسطه ولم يظهر كيفية ما حصل وبطل سفر طاهر باشا الى الجهة القبلية ورجع الى داره بعد أيام من رجوعهم
وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا في خامسه وتعشى هناك ورجع الى داره
وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي امين الضربخانة وفرق ذهبا كثيرا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسه فخلع عليه الباشا فروة سمور
وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الاماكن المجاورة لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر المختصة به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك من قبالة منزله من المكان المعروف بالساكت الى جامع عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتماما عظيما ورسم بعمل فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد مع ما الفلاحون فيه من الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرق وفرد الانكليز
وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع وكان من خبره ان هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك الى ان ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا اعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقى على حالته الى أن خرج الفرنسيس من ارض مصر وحضرت الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح الى الوزير يوسف باشا فأمر باتمامه واكماله على طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك الى ان استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فأهتم لذلك فشرعوا في اكماله وتنميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على أحسن ما كان واحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والاصباغ ولما كان يوم الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا الدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الامير المالكي درس وظيفته وأملى انما يعمر مساجد الله الاية والاحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك خلعة وكذا الامام
وفيه نصب للباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الانقاض فلما عاينه الاغوات والجوخدارية بادروا الى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك حضر طاهر باشا واعيان العساكر فنقلوا ايضا وطلبوا المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك فقال له المحتسب ذو الفقار هؤلاء طائفة من طوائفي حضروا لاجل المساعدة فشكرهم على ذلك وأمرهم بالذهاب فبقى منهم طائفة وأخذوا في شيل التراب بالاغلاق ساعة والطبول تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن القرناء للباشا المساعدة وان الناس تحب ذلك فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم ارباب الحرف التي كتبت ايام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم بالحضور فأول ما بدأوا بالنصارى الاقباط فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس الجوهري وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور واحضر لهم ايضا مهتار باشا النوبة التركية وانواع الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم ايضا كذلك طائفة
ولما انقضت طوائف الاقباط حضر النصارى الشوام والاروام ثم طلبوا ارباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون الى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك خلاف ما رتبه مهتار باشا فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك في الشمس والغبار والعفار وزادوا في الطنبور نغمة وهي انهم بعد ان يفرغوا من الشغل ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدراهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك الطبالين والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه واختياره فيأتي على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم ويذهب الى خطتهم ويلزمهم باحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه واذا حضرت طائفة ولم تقدم بين يديها هدية أو جعالة طولوا عليهم المدة واتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة كما وقع لتجار الغورية والحريرية واذا قدموا بين ايديهم شيئا خففوا عليهم واكرموهم ومنعوا اعيانهم وشيوخهم من الشغل واجلسوهم بخيمة مهتار باشا واحضر لهم الآلات والمغاني فضربت بين ايديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر هذا العمل بقية الشهر الماضي الى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة اشياء من الرذالة وهي السخرة والمعونة واجرة الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الاعداء من النصارى وتعطيل معاشهم وعاشرها اجرة الحمام
وفي يوم الاربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب اذية العساكر العثمانية
وفي منتصفه حضر قصاد من الططر وعلى يدهم مكاتبات من الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين على الدولة ومن جهة الروملي فعملوا شنكا ومدافع ثلاثة ايام تضرب في كل وقت من الاوقات الخمسة وكتبوا اوراقا بذلك والصقوها في مفارق الطرق بالاسواق وقد تقدم مثل ذلك واظنه من المختلقات
وفي اواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما اثنتان احداهما معتوقة ام السلطان والاخرى معتوقة اخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما عدة سراري فاسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه بانواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانا وكذلك جرجس الجوهري فرش مكانا واحمد بن محرم واعتنوا بذلك اعتناء زائدا حتى ان جرجس فرش بساطا من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن واحد بحضرة القاضي والمشايخ واهدوا لكل من الحاضرين بقجة من ظرائف الاقمشة الهندية والرومية وعملوا شنكا وحراقة بالازبكية عدة ليال
{ أحداث شهر جمادى الاولى سنة 1217 }
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الاثنين
في يوم الاثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الاروام احدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق والثالث بالازبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا ايضا شخصا بالنحاسين
وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانا وفرق الجامكية على الوجاقلية
وفيه وردت الاخبار بوقوع حادثة بين الامراء القبالي والعثمانية وذلك ان شخصا من العثمانية يقال له أجدر موصوفا بالشجاعة والاقدام أراد أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الالف من العسكر المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين الى الامراء وأخبرهم بذلك فلما توسطوا سطح الجبل واذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير فأحاطوا بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقا واحدا لا غير ونظروا واذا بهم في وسطهم وتحت سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم الا القليل وأخذ كبيرهم أجدر المذكور أسيرا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الالفي فقال له لاي شيء سموك أجدر فقال الاجدر معناه الافعى العظيم وقد صرت من اتباعك فقال لكن يحتاج الى تطريمك واخراج سمك أولا وأمر به فأخذوه وقلعوا اسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان معهم ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار
وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم امارة اسيوط وعزل أميرها مقدار بك العثماني بسبب شكوى اهل النواحي من ظلمه
وفي منتصفه تواترت الاخبار برجوع الامراء القبالي الى بحري وانهم وصلوا الى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا اموالها وأعطوهم وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع العثمانية بمصر في تشهيل جريدة وعساكر
وفيه حضرت ايضا عساكر كثيرة من هبود الاتراك والارنؤد فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم باخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس وأخرجوهم من دورهم بالقهر فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا الى غيرها فيفعلون بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن داره وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون الفرنسيس وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا في تشهيل التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمارة المكارية وأمروهم باحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل انهم لما جمعوها أعطوهم أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون ريالا خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من اولاد البلد بالقهر وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤن بالكلية وبلغ ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة انصاف فضة وتعدى بالخطف ايضا من ليس بمسافر فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها الى الساحة ويبيعونها والبعض تبعهم واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي الجماعة من العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض شياطينهم يقف على الدار ويقول زر ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من البيت فأما اخذوه او افتداه صاحبه ببما ارادوه وغير ذلك
وفيه حضر قاضي سكندرية الى مصر وذلك أنه لما حضر من اسلامبول طلع الى داره وحضرت اليه الدعاوي فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد فأرسل اليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره اليهم وقت قدومه وقالوا له ان أقمت هنا بتقليدنا اياك فلا نأخذ من أحد شيئا ونرتب لك ثلاثة قروش في كل يوم والا فأذهب حيث شئت فحضر الى مصر بذلك السبب
{ أحداث شهر جمادى الثانية سنة 1217 }
شهر جمادى الثانية
في خامسه سافرت العساكر الى الامراء القبالي وسافر ايضا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل ابراهيم كاشف الشرقية بجواب اليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الالفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل تلك الرسالة كما تقدم الامان لجميع الامراء المصرلية وانهم يحضرون الى مصر ويقيمون بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الاربعة الامراء وهم ابراهيم بك والالفي والبرديسي وأبا دياب فانهم مطلوبون الى حضرة السلطان يتوجهون اليه مع الامن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فان لم يرضوا بذلك فيأخذوا اقطاع اسنا ويقيمون بها فلما وصل ابراهيم اغا المذكور الى أسيوط وأرسل اليهم ارسلوا اليه أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الالفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج اليهم ولاقوه وأخذوه وصحبتهم الى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما اصبح الصباح طلبوه الى ديوانهم فحضر ووقفت عساكرهم صفوفا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس وعملوا له شنكا ومدافع ثم اعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤها ثم تكلم الالفي وقال أما قولكم نذهب الى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وان كان مراده أن ينعم علينا فاننا في بلاده وانعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه واما بقية اخواننا فهم بالخيار ان شاؤا أقاموا معنا والا ذهبوا وكل انسان امير نفسه واما كون حضرة الباشا يعطينا اقطاع اسنا فلا يكفينا هذا وانما يكفينا من اسيوط الى آخر الصعيد ونقوم بدفع خراجه فان لم يرضوا بذلك فان الارض لله ونحن خلق الله نذهب حيث شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى الينا حاربناه حتى يكون من امرنا ما يكون ثم استقروا بقنطرة اللاهون وكسروا القنطرة وشرعوا في قبض اموال من بلاد الفيوم فلما رجع ابراهيم كاشف بذلك الجواب ركب الباشا في صبحها الى الآثار واستعجل العسكر بالذهاب فعدوا الى البر الغربي وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية وباتوا بطرا
وفيه شنق الباشا رجلا طبجيا في المشنقة التي عند قنطرة المغربي ثم ان عثمان بك ارسل الى الباشا يطلب حسين اغا شنن ومصطفى اغا الوكيل ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له ابراهيم اغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي خلعها عليه الباشا ودراهم الترحيلة وقال له سلم علي افندينا واخبره اني جاهدت الفرنسيس وبلوت معهم ثم اني حضرت بامان طائعا فلم اجاز ولم يحصل ما كنت اؤمله ولم يوفوا معي وعدا وانا لا اقاتل اخواني المسلمين واختم عملي بذلك ولا اقيم بمصر آكل الصدقة وانما اذهب سائحا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك انه اذا اتى الى مصر على هذه الصورة يجعله الباشا امير البلد أو امير الحاج
وفيه امر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر الى جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال ان له حرمة وقد كان في السابق كتخدا لافندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره الى جهة البحيرة محافظا فسافر من يومه واما عثمان بك فانه ركب وذهب الى جهة قبلي مشرقا على غير الرسم واشيع ذلك في الناس ولغطوابه فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق واوقفوا حراسا على ابواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخياله والمصرلية فمن خرج الى بولاق او غيرها فلا يخرج الا بورقة من كتخدا الباشا
وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الامراء الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح
وفيه حضر اغات التبديل الى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤسهم وأحاطت بهم عساكره وسحبوهم واخذوا ما وجدوه في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى انتهوا بهم الى الازبكية على حارة النصارى ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعلمون لهم ذنبا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم فتحوا طاقا صغيرا يطل على الدير فقالوا لا علم لنا بذلك وأخبروا ان جماعة من الارنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة الشنيعة ومرورهم بهم الى حارة النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والامر لله وحده
وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالي على جهة الجيزة الى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية الى قبلي
وفيه تداعي مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه سعد بسبب ميراث اخته فقال مصطفى أنا أحاسبه علىخمسين ألف ريال فقال سعد انا استخرج منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر وذهب بهم الى طندتا فعاقبوا الخادم فاقر على مكان اخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئر مردومة بالاتربة واخرجوا منها ريالات فرانسه وانصافا وارباعا وفضة عددية كلها مخلوطة بالاتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورا وآخر الامر اخرجوا خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر واخذوا كراء طريقهم وأخذوا من اولاد عمه عشرة اكياس
وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب من العمارة وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية وارباب الملاعيب وبطل الزمر والطبل واستمر الفعلة في حفر الاساس ورشح عليهم الماء بادنى حفر لكون ان ذلك في وقت النيل والبركة ملائة بالماء حول ذلك
وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة ايضا وسافروا الى قبلي
وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الاربعين مركبا الى جهة البحيرة بسبب عرب بنى على فأنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور
● ومن الحوادث السماوية: ان في تلك الليلة وهي ليلة الاربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة مشوبة بصفرة ثم انجلت وظهر في اثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع وازداد وتتابع من غير فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء واستمر ذلك الى ثالث ساعة من الليل ثم تحول الى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على طريقة البرق المعتاد واستمر الى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن تشرين اول الرومي ولعل ذلك من الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث
وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الالجي وصحبته خمسة من اكابر الفرنسيس الى ساحل بولاق فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والازبكية وركبوا الى دار أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها الى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلا معدة واهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان بونابارته
وفيه وردت الاخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرا واما العثمانية الكائنون بالفيوم فانهم تحصنوا بالبلدة عملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها
{ أحداث شهر رجب سنة 1217 }
شهر رجب الفرد استهل بيوم الجمعة فيه رموا اساس عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين ان يختاروا له وقتا لوضع الاساس ففعلوا ذلك وكان بعد اثني عشر يوما من يوم تاريخه فأستبعده وأمر برمي الاساس في اليوم المذكور ورب النجم يفعل ما يشاء
وفيه احضروا أربعة رؤس فوضعت عند باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية
وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الالجي الفرنساوي وأصحابه فنزلوا الى بولاق وامامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود وبايديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤسهم طراطير حمر وبايديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم رجعوا ثم نزلوا المراكب الى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن
وفيه أشيع انتشار الامراء القبالي الى جهة بحري وحضروا الى اقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا الى وردان
وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا الباشا وتقدم أنه كان أمره بالسفر الى قبلي فأمتنع وأذن له بالسفر الى البحيرة محافظا فلما تقدم طوائف الامراء الى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا الزربة المذكورة فلم يتعرض لهم مع قدرته على تعويقهم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل اليه وطلبه الى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار فلما أحضر أمر بقتله فنزل به العسكر ورموا رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه الى بين المفارق قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر مرميا عريانا الى قبيل الظهر ثم شالوه الى بيته وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه وعند موته ارسل الدفتردار فختم على داره واخرج حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار
وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل افندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول فحزن الناس لذلك حزنا عظيما فأن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية الى مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فأنه أرضى خواطر الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الانبار عينا وكيلا وكان كثير الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبا في نفسه بشوشا متواضعا وهو الذي أرسل يطلب الاستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا
وفي يوم الاثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا الى برانبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضى ببرانبابة على ساحل البحر وأشيع وصول الامراء الى ناحية الجسر الاسود وقطعوا الجسر لاجل تصفية المياه وانحدارها من الملق لاجل مشى الحافر ثم رجعوا الى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر والعثمانية التي كانت جهة قبلي الى برانبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقساط والجبخانة على الجمال والحمير ليلا ونهارا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من السفن قهرا وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببرانبابة حتى ملؤا الفضاء بحيث يظن الرائي لهم انهم متى تلاقوا مع الغز المصرلية اخذوهم تحت اقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث كان اوائل العرضي عند الوراريق وآخرهم بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم ان الامراء رجعوا الى ناحية وردان والطرانة
وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من برانبابة وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد اخرى
وفيه رسم الباشا بالف اردب فتح انعام تفرق على طلبة العلم المجاورين والاروقة بالجامع الازهر ففرقت بحسب الاغراض وانعم ايضا بعد أيام بالف اردب اخرى فعل بها كذلك ... وانها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما ...
وفي يوم الاحد سابع عشره وصلت جماعة ططر واخبروا بتقليد شريف محمد افندي الدفتردار ولاية جدة
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة ايضا متباعدين عن بعضهم البعض واستمروا على ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال له حجان وهو رجل عظيم من ارباب الاقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا الى شريف افندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرىء عليهم ذلك الفرمان وهو خطاب الى حضرة الباشا وملخصه اننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية ولمانعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وارسلنا اليك عساكر كثيرة وامرناك بقتال الخائنين واخراج الاربعة انفار من الاقليم المصري بشرط الامان عليهم من القتل وتقليدهم ما يختارونه من المناصب في غير اقليم مصر واكرامهم غاية الاكرام ان امتثلوا الاوامر السلطانية واطلقنا لك التصرف في الاموال الميرية لنفقة العسكر واللوازم وما عرفنا موجب تأخير امرهم لهذا الوقت فان كان لقلة العساكر أرسلنا اليك كذلك ان لم يمتثلوا وكل من انضم اليهم كان مثلهم ومن شذ عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الامان الى آخر ما ذكر من ذلك المعنى
وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت اوراق بمعنى ذلك وألصقت بالطرقات
وفي خامس عشرينه تواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانيين والامراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك انه لما تراءى الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان الالفي بطائفة من الاجناد نحو الثلاثمائة قريبا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز فلما رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم قال الانكليز انظر واما تقولون ان عساكرهم الموجهين اليكم اربعة عشر الفا وانتم قليلون قالواالنصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا اليهم خيولهم واقتحموا الى الخيالة فقتل منهم من قتل فأنهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على الرجالة فلم يتحركوا بشيء وطلبوا الامان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الاغنام واخذوا الجبخانة والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علة ينظرون الى الفريقين بالنظارات فلما تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا الى بر انبابة ونصبوا وطاقهم هناك وانتقل ظاهر باشا الى ناحية الجيزة
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة