من طرف همسات السبت مارس 31, 2018 10:34 am
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ احداث شهر ربيع الاول سنة 1213 }
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاثنين
في ثانيه وصل الفرنساويه الى نواحي القرين وكان ابراهيم بك ومن معه وصلوا الى الصالحية وأودعوا مالهم وحريمهم هناك وضمنوا عليها العربان وبعض الجند فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة فركب صارى عسكر واخذ معه الخيالة وقصد الاغارة على الحملة وعلى ابراهيم بك بذلك ايضا فركب هو وصالح بك وعدة من الامراء والمماليك وتحاربوا معهم ساعة أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة لكونهم على الخيول واذا بالخبر وصل الى ابراهيم بك بان العرب مالوا على الحملة يقصدون نهبها فعند ذلك فر بمن معه على أثره وتركوا قتال الفرنسيس ولحقوا بالعرب وجلوهم عن متاعهم وقتلوا منهم عدة وارتحلوا الى قطيا ورجع صارى عسكر الى مصر وترك عدة من عساكره متفرقين في البلاد فدخل مصر ليلا وذلك ليل الخميس رابعه
وفي يوم الجمعة خامسه الموافق لثالث عشر مسرى القبطي كان وفاء الفيل المبارك فأمر صارى عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة وكذلك زينوا عدة مراكب وغلايين ونادوا على الناس بالخروج الى النزهة في النيل والمقياس والروضة على عادتهم وأرسل صحارى عسكر اوراقا لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب الديوان وأصحاب المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صبحها وركب صحبتهم بموكبه وزينته وعساكره وطبوله وزموره الى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر بحضرتهم وعملوا شنك مدافع ونفوطا حتى جرى الماء في الخليج وركب وهم صحبته حتى رجع الى داره وأما أهل البلد فلم يخرج منهم أحد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام والقبط والأروام والافرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين حضروا في صبحها
وفيه تواترت الاخبار بحضور عدة مراكب من الانكليز الى ثغر الاسكندرية وانهم حاربوا مراكب الفرنساوية الراسية بالمينا وكانت أشيعت هذه الاخبار قبل وتحدث الناس بها فصعب ذلك على الفرنساوية واتفق ان بعض النصارى الشوام نقل عن رجل شريف يسمى السيد احمد الزر ومن أعيان التجار بوكالة الصابون أنه تحدث بذلك فأمروا باحضاره وذكروا له ذلك فقال أنا حكيت ما سمعته من فلان النصراني فأحضروه ايضا وامروا بقطع لسانيهما أو يدفع كل واحد منهما مائة ريال فرانسة نكالا لهما وزجرا عن الفضول فيما لا يعنيهما فتشفغ المشايخ فلم يقبلوا فقال بعضهم أطلقوهما ونحن نأتيكم بالدراهم فلم يرضوا فأرسل الشيخ مصطفى الصاوي وأحضر مائتي ريال ودفعها في الحضرة فلما قبضها الوكيل ردها ثانيا اليه وقال فرقها على الفقراء كما أشار وردها الى صاحبها فانكف الناس عن التكلم في شأن ذلك والواقع ان الانكليز حضروا في أثرهم الى الثغر وحاربوا مراكبهم فنالوا منهم واحرقوا لقايق الكبير المسمى بنصف الدنيا وكان به أموالهم وذخائرهم وكان مصفحا بالنحاس الاصفر واستمر الانكليز بمراكبهم بميناء الاسكندرية يغدون ويروحون يرصدون الفرنسيس وفي ذلك اليوم سافر عدة من عساكرهم الى بحري والى الشرقية ولما جرى الماء في الخليج منعوا دخول الماء الى بركة الازبكية وسدوا قنطرة الدكة بسبب وطاقهم ومدافعهم وآلتهم التي فيها
وفيه سأل صارى عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الامور وتوقف الاحوال فلم يقبل وقال لا بد من ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وامر بتعلق تعاليق واحبال وقناديل واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة الكبيرة الى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة الاصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة وسواريخ تصعد في الهواء
وفي ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة الاشراف ونودي في المدينة بان كل من كان له دعوى على شريف فليرفعها الى النقيب
وفيه ورد الخبر بأن ابراهيم بك والامراء المصرية استقروا بغزة
وفي خامس عشرة سافر عدة كبيرة من عسكر الفرنساوية الى جهة الصعيد وكبيرهم ديزة وصحبتهم يعقوب القبطي ليعرفهم الامور ويطلعهم على المخباءات
وفيه حضر القاصد الذي كان أرسله كبير الفرنساوية بمكاتبات وهدية الى أحمد باشا الجزار بعكا وذلك عند استقرارهم بمصر وصحبته أنفار من النصارى الشوام في صفة تجار ومعهم جانب أرز ونزلوا من ثغر دمياط في سفينة من سفائن أحمد باشا فلما وصلوا الى عكا وعلم بها احمد باشا أمر بذلك الفرنساوي فنقلوه الى بعض التقارير ولم يواجهه ولم يأخذ منه شيئا وأمره بالرجوع من حيث أتى وعوق عنده نصارى الشوام الذين كانوا بصحبته
وفيه حضر جماعة من عسكر الفرنساوية الى بيت رضوان كاشف بباب الشعرية وصحبتهم ترجمان ومهندس فانزعجت زوجته وكانت قبل ذلك بأيام صالحت على نفسها وبيتها بألف ريال وثلثمائة ريال وأخذت منهم ورقة ألصقتها على باب دارها وردت ماكانت وزعته من المال والمتاع عند معارفها وأطمأنت فلما حضر اليها الجماعة المذكورون قالوا لها بلغ صارى عسكران عندك اسلحة وملابس للمماليك فانكرت ذلك فقالوا لازم من التفتيش فقالت دونكم فطلعوا الى مكان وفتحوا مخبأة فوجدوا بها أربعة وعشرين شروالا وبلكات وأمتعة وغير ذلك ووجدوا في أسفلها مخبأة أخرى بها عدة كثيرة من الطبنجات والاسلحة والبنادق وصناديق بارود وغير ذلك فاستخرجوا جميع ذلك ثم نزلوا الى تحت السلالم وفجروا الارض وأخرجوا منها دراهم كثيرة وحجاب ذهب في داخله دنانير ثم أنزلوا صاحبة الدار ومعها جارية بيضاء وأخذوهما مع الجواري السود وذهبوا بهن فأقمن عندهم ثلاثة ايام ونهبوا ما وجدوه بالدار من فرش وأمتعة ثم قرروا عليها أربعة آلاف ريال آخرى قامت بدفعها وأطلقوها رجعت الى دارها وبسبب هذه الحادثة شددوا في طلب الاسلحة ونادوا بذلك وانهم بعد ثلاثة ايام يفتشون البيوت وقال الناس ان هذه حيلة على نهب البيوت ثم بطل ذلك وحصل بينها وبين مباشرها القبطي منافسة فذهب وأغرى بها ودل على ذلك
وفي عشرينه قلدوا مصطفى بك كتخدا الباشا على امارة الحاج فحضروا الى المحكمة عند القاضي ولبس هناك الخلعة بحضرة مشايخ الديوان والتزم بونابارته بتسهيل مهمات الحج وعمل محلا جديدا
وفيه سأل أصحاب الحصص الالتزام في التصرف في حصصهم فطلبوا منهم حلوانا فلم يرتضوا بذلك فواعدهم لتمام التحرير والاملاء وقالوا كل من كان له التزام وتقسيط ناطق باسمه يحضره ويمليه ففعلوا ذلك في عدة أيام
وفيه قدروا فرضة من المال على القرى والبلاد ونشروا بذلك أوراقا وذكروا فيها انها تحسب من المال وقيدوا بذلك الصيارف من القبط
وفيه طلب صارى عسكر بونابارته المشايخ فلما استقروا عنده نهض بونابارته من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة الوان كل طيلسان ثلاثة عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به الى الارض واستعفى وتغير مزاجه ونزلوا في البلاد مثل الحكام يحبسون ويضربون ويشددون في الطلب وانتفع لونه واحتد طبعه فقال الترجمان يا مشايخ انتم صرتم أحبابا لصارى عسكر وهو يقصد تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فان تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم منزلة في قولهم فقالوا له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند اخواننا من المسلمين فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين انه قال عن الشيخ الشرقاوي انه لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال ان لم يكن ذلك فلازم من وضعكم الجوكار في صدروكم وهي العلامة التي يقال لها الوردة فقالوا أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يوما
وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صارى عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه الترجمان واهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار أوثقه بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على ان ذلك لا يخل بالدين
وفي ذلك اليوم نادى جماعة القلقات على الناس بوضع العلامات المذكورة المعروفة بالوردة وهي اشارة الطاعة والمحبة فانف غالب الناس من وضعها وبعضهم رأى ان ذلك لا يخل بالدين اذ هو مكره وربما ترتب على عدم الامتثال الضرر فوضعها ثم في عصر ذلك اليوم نادوا بابطالها من العامة والزموا بعض الاعيان ومن يريد الدخول عندهم لحاجة من الحاجات بوضعها فكانوا يضعونها اذا حضرا عندهم ويرفعونها اذا انفصلوا عنهم وذلك ايام قليلة وحصل ما يأتي ذكره فتركت
وفي اواخره كان انتقال الشمس لبرج الميزان وهو الاعتدال الخريفي فشرع الفرنساويه في عمل عيدهم ببركة الازبكية وذلك اليوم كان ابتداء قيام الجمهور ببلادهم فجعلوا ذلك اليوم عيدا وتاريخا فنقلوا اخشابا وحفروا حفرا وأقاموا بوسط بركة الازبكية صاريا عظيما بآلة وبناء وردموا حوله ترابا كثيرا عاليا بمقدار قامة وعملوا في أعلاه قالبا من الخشب محددا لاعلى مربع الاكان ولبسوا باقيه على سمت القالب قماشا تخينا طلوه بالحمرة الجزعة وعملوا اسفله قاعدة نقشوا عليها تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة شبه بوابة كبيرة عالية من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري وفي أعلى القوصرة طلاء ابيض وبه تصاوير بالأسود مصور فيه مثل حرب المماليك المصرية معهم وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض وبعضهم متلفت الى خلف وعلى موازاة ذلك من الجهة الاخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء الى البركة مثال بوابة اخرى على غير شكلها لاجل حراقة البارود وأقاموا أخشابا كثيرة منتصبة مصطفة منها الى البوابة الاخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم قضاء البركة بحيث صار عامود الصاري الكبير المنتصف المذكور في المركز وربطوا بين تلك الاخشاب حبالا ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود ايضا وأقاموا في عمل ذلك عدة أيام
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1213 }
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاربعاء
فيه وردت الاخبار بان مراد بك ومن معه لما بلغه ورود الفرنسيس عليهم رجعوا الى جهة الفيوم وان عثمان بك الاشقر عدى الى البر الشرقي وذهب من خلف الجبل الى استاذه ابراهيم بك بغزة وخرج جماعة من الفرنساوية الى جهة الشرق ومعهم عدة جمال وأحمال فخرج عليهم الغزو العرب الذين يصحبونهم فأخذوا منهم عدة جمال باحمالها ولم يلحقوهم
وفي ثالثه حضرت مكاتبة من ابراهيم بك خطابا للمشايخ وغيرهم مضمونها انكم تكونون مطمئنين ومحافظين على انفسكم والرعية وان حضرة مولانا السلطان وجه لنا عساكر وان شاء الله تعالى عن قريب نحضر عندكم فلما وردت تلك المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابارته فأرسلوها له وقرئت عليه فقال المماليك كذابون ووافق ايضا انه حضر آغا رومي وكان معوقا بالاسكندرية فمر بالشارع وذهب لزيارة المشهد الحسيني فشاهده الناس فاستغربوا هيئته وفرحوا برؤيته وقالوا هذا رسول الحي حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر واختلفت رواياتهم وآراؤهم واخبارهم وتجمعوا بالمشهد الحسيني وتبع بعضهم بعضا وصادف ذلك ان بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل بين الناس انه ورد مكتوب الى المشايخ ايضا وأخفوه فركب من فوره وحضر الى بيت الشيخ السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل اليه وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن ذلك المكتوب فقال لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جميعتهم داخله امر من ذلك فصاحوا باجمعهم وقالوا بصوت عال الفاتحة فشخص اليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له انهم يدعون لك وذهب الى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها فتنة
وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة ايضا ونقلوا الجميع الى بركة الازبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين ويرفعونها بالعتالين الى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدا وامتلأ من رصيف الخشاب الى قريب وسط البركة
وفي يوم السبت حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة ووضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفا علىطرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام فاجتمعوا ببيت صارى عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على اكتافها الى أكمامها وعلى صدره شمسات قصب بازرار وكذلك فلتيوس وتعمموا بالعمائم الكشميري وركبوا البغال الفارهة وأظهروا البشر والسرور في ذلك اليوم الى الغاية ثم نزل عظماؤهم وصحبتهم المشايخ والقاضي وكتخدا الباشا فركبوا وذهبوا عند الصاري الكبير الموضوع بوسط البركة وقد كانوا فرشوا في أسفله بسطا كثيرة ثم ان العساكر لعبوا ميدانهم وعملوا هيئة حربهم وضربوا البنادق والمدافع فلما انقضى ذلك اصطفت العساكر صفوفا حول ذلك الصاري وقرأ عليهم كبير قسوسهم ورقة بلغتهم لا يدري معناها الاهم وكأنها كالوصية أو النصيحة أو الوعظ ثم قاموا وانفض الجمع ورجع صارى عسكر الى داره فمد سماطا عظيما للحاضرين فلما كان عند الغروب أوقدوا جميع القناديل التي على الحبال والتماثيل والاحمال التي على البيوت وعند العشاء عملوا حراقة بارود وسواريخ ونفوط وشبه سواقي ودواليب من قار ومدافع كثيرة نحو ساعتين من الليل واستمرت القناديل موقدة حتى طلع النهار ثم فكوا الحبال والتعاليق والتماثيل المصنوعة وبقيت البوابة المقابلة لباب الهواء والصاري الكبير وتحته جماعة ملازمون الاقامة عنده ليلا ونهار من عساكرهم لأنه شعارهم واشارة الى قيام دولتهم في زعمهم
وفي ثاني ليلة منه ركب كبيرهم الى بر الجيزة وسفر عساكر الى الجهة التي بها مراد بك وكذلك الى جهة الشرقية ومعهم مدافع على عجل وفيه ارسل دبوي قائممقام الى الست نفيسة وطلب منها احضار زوجة عثمان بك الطنبرجي فأرسلت الى المشايخ تستغيث بهم فحضر اليها الشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي وقصدوا منعها فلم يمكنهم فذهبوا صحبتها ونظروا في قصتها والسبب في طلبها انهم وجدوا رجلا فراشا معه جانب دخان وبعض ثياب فقبضوا عليه وقرروه فأخبر انه تابعها وانها أعطته ذلك ووعدته بالرجوع اليها لتسلمه شبكي دخان وفروة وخمسمائة محبوب ليوصل ذلك الى سيده فهذا هو السبب في طلبها فقالوا وأين الفراش فبعثوا لاحضاره وسألوها فانكرت ذلك بالمرة فانتظروا حضور الفراش الى بعد الغروب فلم يحضر فقال لهم المشايخ دعوها تذهب الى بيتها وفي غد تأتي وتحقق هذه القضية فقال دبوى نونو ومعناه بلغتهم النفي أي لا تذهب فقالوا له دعها تذهب هي ونحن نبيت عوضا عنها فلم يرض ايضا وعالجوا في ذلك بقدر طاقتهم فلما أيسوا تركوها ومضوا فباتت عندها في ناحية من البيت وصحبتها جماعة من النساء المسلمات والنساء الافرنجيات فلما اصبح النهار ركب المشايخ الى كتخدا الباشا والقاضي فركبا معا وذهبا الى بيت صاري عسكر الكبير فاحضرها وسلمها الى القاضي ولم يثبت عليها شيء من هذه الدعوة وقرروا عليها ثلاثة آلاف ريال فرانسة وذهبت الى بيت لها مجاور لبيت القاضي وأقامت فيه لتكون في حمايته
وفي يوم الخميس نادوا في الاسواق بان كل من كان عنده بغلة يدهب بها الى بيت قائمقام ببركة الفيل ويأخذ ثمنها واذا لم يحضرها بنفسه تؤخذ منه قهرا ويدفع ثلثمائة ريال فرانسا وكان احضرها باختياره يأخذ في ثمنها خمسين ريالا قلت قيمتها او كثرت فغنم صاحب الخسيس وخسر صاحب النفيس ثم ترك ذلك وفيه نادوا بوقود قناديل سهارى بالطرق والاسواق وان يكون على كل دار قنديل وعلى كل ثلاثة دكاكين قنديل وان يلازموا الكنس والرش وتنظيف الطرق من العفوشات والقاذورات
وفيه نادوا على الاغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين والبطالين ليسافروا الى بلادهم وكل من وجد بعد ثلاثة ايام يستأهل الذي يجري عليه وكرروا المناداة بذلك وأجلوهم بعدها أربعة وعشرين ساعة فذهبت جماعة من المغاربة الى صارى عسكر وقالوا له ارنا طريقا للذهاب فان طريق البرغير مسلوكة والانكليز واقفون بطريق البحر يمنعون المسافرين ولا نقدر على المقام في الاسكندرية من الغلاء وعدم الماء بها فتركهم
وفيه جعلوا ابراهيم اغات المتفرقة المعمار قبطان السويس وسافر معه انفار ببيرق فرنساوي فخرج عليهم العربان في الطريق فنهبوهم وقتلوا ابراهيم اغا المذكور ومن بصحبته ولم يسلم منهم الا القليل وفيه أهمل آمر الديوان الذي يحضره المشايخ ببيت قائد آغا فاستمروا آياما يذهبون فلم يأتهم أحد فتركوا الذهاب فلم يطلبوا
وفيه شرعوا في ترتيب ديوان آخر وسموه محكمة القضايا وكتبوا في شأن ذلك طومارا وشرطوا فيه شروطا ورتبوا فيه ستة أنفار من النصارى القبط وستة أنفار من تجار المسلمين وجعلوا قاضيه الكبير ملطى القبطي الذي كان كاتبا عند ايوب بك الدفتردار وفوضوا اليهم القضايا في امور التجار والعامة والمواريث والدعاوي وجعلوا لذلك الديوان قواعد واركانا من البدع السيئة وكتبوا نسخا من ذلك كثيرة ارسلوا منها الى الاعيان ولصقوا منها نسخا في مفارق الطرق ورؤوس العطف وابواب المساجد وشرطوا في ضمنه شروطا وفي ضمن تلك الشروط شروطا اخرى بتعبيرات سخيفة يفهم منها المراد بعد التأمل الكثير لعدم معرفتهم قوانين التراكيب العربية ومحصله التحيل على أخذ الاموال كقولهم بان أصحاب الاملاك يأتون بحججهم وتمسكاتهم الشاهدة لهم بالتمليك فإذا احضروها وبينوا وجه تملكهم لها اما بالبيع أو الانتقال لهم بالارث لا يكتفي بذلك بل يؤمر بالكشف عليها في السجلات ويدفع على ذلك الكشف دراهم بقدر عينوه في ذلك الطومار فان وجد تمسكه مقيدا بالسجل طلب منه بعد ذلك الثبوت ويدفع على ذلك الاشهاد بعد ثبوته وقبوله قدرا آخر ويأخذ بذلك تصحيحا ويكتب له بعد ذلك تمكين وينظر بعد ذلك في قيمته ويدفع على كل مائة اثنين فان لم يكن له حجة او كانت ولم تكن مقيدة بالسجل أو مقيدة ولم يثبت ذلك التقييد فانها تضبط لديوان الجمهور وتصير من حقوقهم وهذا شيء متعذر وذلك ان الناس انما وضعوا أيديهم على أملاكهم اما بالشراء أو بايلولتهالهم من مورتهم او نحو ذلك بحجة قريبة او بعيدة العهد او بحجج اسلافهم ومورثيهم فاذا طولبوا باثبات مضمونها تعسر أو تعذر لحادث الموت او الاسفار او ربما حضرت الشهود فلم تقبل فان قبلت فعل به ما ذكر ومن جملة الشروط مقررات على المواريث والموتى ومقاديرها متنوعة في القلة والكثرة كقولهم اذا مات الميت يشاورون عليه ويدفعون معلوما لذلك ويفتحون تركته بعد أربع وعشرين ساعة فإذا بقيت اكثر من ذلك ضبطت للديوان ايضا ولا حق فيها للورثة وان فتحت على الرسم بأذن الديوان يدفع على ذلك الاذن مقررا أو كذلك على ثبوت الوراثة ثم عليهم بعد قبض ما يخصهم مقرر وكذلك من يدعي دينا على الميت يثبته بديوان الحشريات ويدفع على اثباته مقرر او يأخذ له ورقة يستلم بها دينه فاذا استلمه رفع مقررا ايضا ومثل ذلك في الرزق والاطيان بشروط وانواع وكيفية اخرى غير ذلك والهبات والمبايعات والدعاوي والمنازعات والمشاجرات والاشهادات الجزئيات والكليات والمسافر كذلك لا يسافر الا بورقة ويدفع عليها قدرا وكذلك المولود اذا ولد ويقال له اثبات الحياة وكذلك المؤاجرات وقبض أجر الاملاك وغير ذلك
وفيه نادى أصحاب الدرك على العامة بترك الفضول والكلام في أمور الدولة فإذا مر عليهم جماعة من العسكر مجروحون او منهزمون لا يسخرون بهم ولا يصفقون عليهم كما هي عادتهم
وفيه نهبوا أمتعة عسكر القلينجية الذين كانوا عسكر عند الامراء فأخذوا مكانا بوكالة علي بساحل بولاق وبالجمالية واخذوا متاعهم ومتاع شركائهم محتجين بانهم قاتلوا مع المماليك وهربوا معهم
وفيه أحضروا محمد كتخدا اباسيف الذي كان سردارا بدمياط من طرف الامراء المصريين وكان سابقا كتخدا حسن بك الجداوي فلما حضر حبسوه في القلعة وحبسوا معه فراشا لابراهيم بك
وفيه أمروا سكان القلعة بالخروج من منازلهم والنزول الى المدينة ليسكنوا بها فنزلوا وأصعدوا الى القلعة مدافع ركزوها بعدة مواضع وهدموا بها ابنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك واسوار وهدموا أبنية عالية واعلوا مواضع متخفضة وبنوا على بدنات باب العزب بالرميلة وغيروا معالمها وأبدلوا محاسنها ومحوا ما كان بها من معالم السلاطين وآثار الحكماء والعظماء وما كان في الابواب العظام من الاسلحة والدرق والبلط والحوادث والحرب الهندية وأكر الفداوية وهدموا قصر يوسف صلاح الدين ومحاسن الملوك والسلاطين ذوات الأركان الشاهقة والاعمدة الباسقة
وفيه عينت عساكر الى مراد بك وذهبوا اليه ببجر يوسف جهة الفيوم
وفي يوم الخميس سادس عشرة نودي بان كل من تشاجر مع نصراني او يهودي يشهد احد الخصمين على الاخر ويطلبه لبيت صارى عسكر
وفيه قتلوا شخصين وطافوا برؤسهما و هم ينادون عليهما ويقولون هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك او يذهب اليهم بمكاتيب
وفيه نبهوا على الناس بالمنع من دفن الموتى بالترب القريبة من المساكن كتربة الازبكية والرويعي ولا يدفنون الموتى الا في القرافات البعيدة والذي ليس له تربة بالقرافة يدفن ميته في ترب المماليك وإذا دفنوا يبالغون في تسفيل الحفر ونادوا ايضا بنشر الثياب والامتعة والفرش بالاسطحة عدة أيام وتبخير البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدوه ويقولون ان العفونة تنحبس باغوار الارض فاذا دخل الشتاء وبردت الاغوار بسريان النيل والامطار والرطوبات خرج ما كان منحبسا بالارض من الابخرة الفاسدة فيتعفن الهواء فيحصل الوباء والطاعون ومن قولهم ايضا ان مرض مريض لابد من الاخبار عنه فيرسلون من جهتهم حكيما للكشف عليه ان كان مرضه بالطاعون او بغيره ثم يرون رأيهم فيه
وفي يوم السبت ثامن عشره ذهبت جماعة من القواسة الذين يخدمون الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية على المقابر بتربة الازبكية وتمهيدها بالارض فشاع الخبر بذلك وتسامع أصحاب الترب بتلك البقعة فخرجوا من كل حدب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارات المدابغ وباب اللوق وكرم الشيخ سلامة والفوالة والمناصرة وقنطرة الامير حسين وقلعة الكلاب الى أن صاروا كالجراد المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا بالازبكية ووقفوا تحت بيت صارى عسكر فنزل لهم المترجمون واعتذروا بان صارى عسكر لاعلم له بذلك الهدم ولم يأمر به وانما أمر بمنع الدفن فقط فرجعوا الى أماكنهم ورفع الهدم عنهم
وفيه كتبوا من المشايخ كتابا ليرسلوه الى السلطان وآخر الى شريف مكة ثم انهم بصموا منه عدة نسخ ولصقوها بالطرق والمفارق وصورته ملخصا بعد الصدر وذكر ورودهم وقتالهم مع المماليك وهروبهم وان جماعة من العلماء ذهبت اليهم بالبر الغربي فأمنوهم وكذلك الرعية دون المماليك وذكروا فيه انهم من اخصاء السلطان العثماني وأعداء اعدائه وان السكة والخطبة بأسمه وشعائر الاسلام مقامة على ما هي عليه وباقية بمعنى الكلام السابق من قولهم انهم مسلمون وانهم محترمون القرآن والنبي وانهم اوصلوا الحجاج المتشتتين واكرموهم وأركبوا الماشي واطعموا الجيعان وسقوا العطشان واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر وعملوا له شأنا ورونقا استجلا بالسرور المؤمنين وانفقوا أموالا برسم الصدقة على الفقراء وكذلك اعتنوا بالمولد النبوي وأنفقوا اموالا في شأن انتظامه وتفق راينا ورأيهم على لبس حضرة الجناب المحترم مصطفى أغا كتخدا بكر باشا والي مصر حالا فاستحسنا ذلك لبقاء علقة الدولة العلية وهم ايضا مجتهدون في اتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام
وفيه وقعت حادثة جزئية من جملة الجزئيات وهو ان رجلا صيرفيا بجوار حارة الجوانية وقع من لفظه انه قال السيد احمد البدوي بالشرق والسيد ابراهيم الدسوقي بالغرب يقتلان كل من يمر عليهما من النصارى وكان هذا الكلام بمحضر النصارى الشوام فجاوبه بعضهم واسمعه قبيح القول ووقع بينهما التشاجر فقام النصراني وذهب الى دبوى وأخبره بالقصة فأرسل وقبض على ذلك الصيرفي وحبسه وسمر حانوته وختم على داره وتشفع فيه المشايخ عدة مرار فأطلقوه بعد يومين وأرسلوه الى بيت الشيخ البكري ليؤدب هناك بالضرب او يدفع خمسمائة ريال فرانسة فضرب مائة سوط وأطلق سبيله وكذلك أفرجوا عن بقية المسجونين
وفي يوم الاثنين طاف أصحاب الدرك على الاخطاط والوكائل فكتبوا أسماءها وأسماء البوابين وامروهم ان لا يسكنوا احدا من الاغراب ولا يطلقوا احدا بلا أذن من اغات مستحفظان
وفي يوم الثلاثاء عمل المولد الحسيني وكان من العزم تركه في هذا العام فدس بعض المنافقين دسيسة عند الفرنسيس وذلك انه وقعت المذاكرة بان من المعتاد أن يعمل المولد الحسيني بعد مولد النبي فقال بونابارته ولم لم يعملوه فقال ذلك المنافق غرض الشيخ السادات عدم عمله الا أذا حضر المسلمون فبلغ شيخ السادات ذلك فشرع في عمله عل سبيل الاختصار وحضر صارى عسكر وشاهد الوقدة ورجع الى داره بعد العشاء
وفيه حضر علماء الاسكندرية واعيانها وكذلك رشيد ودمياط وبقية البنادر باستدعاء صارى عسكر ليحضروا الديوان الشارعين فيه لترتيب النظام الذي سبقت الاشارة اليه
وفيه سافر ايضا جماعة من الفرنسيس الى جهة مراد بك ومن معه التقوا معهم وتراموا ساعة ثم انهزموا عنهم واطمعوهم في أنفسهم فتتبعوهم الى اسفل جبل اللاهون ثم خرجوا عليهم على مثل حالهم رجالا وتراموا معهم واكمنوا لهم وثبتوا معهم وظهر عليهم المصريون وقتل من الفرنساوية مقتلة كبيرة
وفيه سقطت البوابة المصنوعة ببركة الازبكية المقابلة لباب الهواء التي كانوا وضعوها في يوم عيدهم وقد تقدم شرحها ووصفها وسبب سقوطها انهم لما منعوا الماء من دخوله للبركةوسدوا القنطرة كما تقدم علا الماء في أرض البركة وتخلخلت الارض فسقطت تلك البوابة
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه نبهوا على المشايخ والاعيان التجار ومن حضر من الاقطار بالحضور الى الديوان العام ومحكمة النظام بكرة تاريخه وذلك ببيت مرزوق بك بحارة عابدين فلما أصبح يوم السبت أعادوا التنبيه بحضورهم بالديوان القديم ببيت قائد أغا بالازبكية فتوجه المشايخ المصرية والذين حضروا من الثغور والبلاد وحضر الوجاقات وأعيان التجار ونصارى القبط والشوام ومديروا الديوان من الفرنسيس وغيرهم جمعا موفورا فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطى القبطي الذي عملوه قاضي في قراءة فرمان الشروط وفي المناقشة فابتدر كبير المدبرين في اخراج طومار آخر وناوله للترجمان فنشره وقرأه وملخصه ومضمونه الاخبار بان قطر مصر هو المركز الوحيد وانه اخصب البلاد وكان يجلب اليه المتاجر من البلاد البعيدة وان العلوم والصنائع والقراءة والكتابة التي يعرفها الناس في الدنيا أخذت عن أجداد أهل مصر الاول ولكون قطر مصر بهذه الصفات طمعت الامم في تملكه فملكه أهل بابل وملكه اليونانيون والعرب والترك الان الا ان دولة الترك شددت في خرابه لانها اذا حصلت الثمرة قطعت عروقها فلذلك لم يبقوا بأيدي الناس الا القدر اليسير وصار الناس لاجل ذلك مختفين تحت حجاب الفقر وقاية لانفسهم من سوء ظلمهم ثم ان طائفة الفرنساوية بعدما تمهد امرهم وبعد صيتهم بقيامهم بأمور الحروب اشتاقت أنفسهم لاستخلاص مصر مما هي فيه واراحة أهلها من تغلب هذه الدولة المفعمة جهلا وغباوة فقدموا وحصل لهم النصرة ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد من الناس ولم يعاملوا الناس بقسوة وان غرضهم تنظيم امور مصر واجراء خلجانها التي دثرت ويصير لها طريقان طريق الى البحر الاسود وطريق الى البحر الاحمر فيزداد خصبها وريعها ومنع القوى من ظلم الضعيف وغير ذلك استجلا بالخواطر أهلها وابقاء للذكر الحسن فالمناسب من اهلها ترك الشغب واخلاص المودة وان هذه الطوائف المحضرة من الاقاليم يترتب على حضورها أمور جليلة لانهم اهل خبرة وعقل فيسألون عن امور ضرورية ويجيبون عنها فينتج لصارى عسكر من ذلك ما يليق صنعه الى آخر ما سطروه من الكلام قلت ولم يعجبني في هذا التركيب الا قوله المفعمة جهلا وغباوة بعد قوله بعد ذلك ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد الى آخر العبارة ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصا منكم يكون كبيرا ورئيسا عليكم ممتثلثين أمره واشارته فقال بعض الحاضرين الشيخ الشرقاوي فقال نونو وإنما ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة باوراق فطلع الاكثر على الشيخ الشرقاوي فقال حينئذ يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الامر حتى زالت الشمس فأدنوا لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم
وفيه وقعت كائنة الحاج محمد بن قيمو المغربي التاجر الطرابلسي وهو انه كان بينه وبين بعض نصارى الشوام المترجمين منافسة فانهى الى عظماء الفرنسيس انه ذو مال وانه شريك عبد الله المغربي تابع مراد بك فأرسلوا بطلبه فذهب الى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي لنسابة بينهما فقال الشيخ للقواسة المرسلين بعد سؤالهم عن سبب طلبهم له فقالوا لدعوة ليست شرعية فقال لهم في غدا حضروا خصمه ويتداعى معه فان توجه الحق عليه الزمناه بدفعه فرجعت الرسل وتغيب الرجل لخوفه فبعد مضي مقدار نحو ساعة حضر نحو الخمسين عسكريا من الفرنسيس الى بيت الشيخ وطالبوه به فأخبرهم انه هرب فلم يقبلوا عذره والحوا في طلبه ووقفوا ببنادقهم وأرهبوا فركب المهدي والدواخلي الى صاري عسكر وأخبروه بالقضية وبهروب الرجل فقال ولاي شيء يهرب فقالوا من خوفه فقال لولا ان جرمه كبير لما هرب وأنتم غيبتموه وأظهر الحنق والغيظ فلاطفاه واستعطفا خاطر الترجمان فكلمه وسكن غيظه ثم سأل عن منزله ومخزنه فأخبراه عنهما فقال نذهب معكما من يختم عليهما حتى يظهر في غد فاطمأنوا لذلك ورجعوا عن الغروب وختموا على مخزنه ومنزله فلما أصبح النهار فلم يظهر الرجل فأخذوا ما وجدوه فيهما من البضائع والامانات
وفي يوم الاحد ذهبوا الى الديوان وعملوا مثل عملهم الاول حتى تمموا أسماء المنتخبين بديوان مصر من الثغور والمشايخ والوجاقلية والقبط والشوام وتجار الملسلمين وذلك الترتيب غير ترتيب الديوان السابق
وفي يوم الاثنين اجتمعوا بالديوان ونادى المنادي في ذلك اليوم بالاسواق على الناس باحضارهم حجج املاكهم الى الديوان والمهلة ثلاثون يوما فان تأخر عن الثلاثين يضاعف المقرر ومهلة البلاد ستون يوما ولما تكامل الجميع شرع ملطي في قراءة المنشور وتعداد ما به من الشروط مسطور وذكر من ذلك أشياء منها أمر المحاكم والقضايا الشرعية وحجج العقارات وأمر المواريث وتناقشوا في ذلك حصة من الزمن وكتبوا هذه الاربعة أشياء أرباب ديوان الخاصة يدبرون رأيهم في ذلك وينظرون المناسب والاحسن وما فيه الراحة لهم وللرعية ثم يعرضون مادبروه يوم الخميس وما بين ذلك له مهلة وانفض المجلس
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة