من طرف همسات الأحد فبراير 11, 2018 4:06 pm
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ من نهب جمال السقائين الى ختام سنة احدى وثلاثين }
فلما كان يوم الاحد ثالث ربيع الاول ارسلوا ايوب بك ومحمد بك الى العزبان ليأخذوا جمال السقائين وحميرهم ومنع الماء عن البلد فأخذوا جميع ما وجدوه فعز الماء ووصل ثمن القربة خمسة أنصاف فضة فأمر الامراء الآخرون طائفة من العسكر أن يركبوا الى جهة قصر العيني ويستخلصوا الجمال ممن نهبهم فتوجهوا وجلسوا بالمساطب ينتظرون من يمر عليهم بالجمال
فلما بلغ محمد بك حضورهم هناك مع طائفة هوارة وهجموا عليهم وهم غير مستعدين فأندهشوا ودافعوا عن أنفسهم ساعة ثم فروا وتأخر عنهم جماعة لم يجدوا خيلهم لكون سواسهم أخذوها وفروا فقتلهم محمد بك وأرسل رؤوسهم للباشا فانسر سرورا عظيما واعطى ذهبا كثيرا
فلما رجع المنهزمون الى منزل قانصوه بك وايواظ بك لم يسهل عليهم ذلك واتفقوا على البروز اليهم فركبوا في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الثاني وخرج الفريقان الى جهة قصر العيني والروضة فتلاقيا وتحاربا وتقاتلا قتالا عظيما تجندلت فيقالا بطل وقتل من الجند خاصة زيادة عن الاربعمائة نفر من الفريقين خلاف العربان والهوارة وغيرهم
وقصد ايواظ بك محمد بك الصعيدي فأنهزم الى جهة المجراة فساق خلفه وكان الصعيدي قد اجلس أنفارا فوق المجراة مكيدة وحذرا فضربوا على ايواظ بك بالرصاص ليردوه فأصيب برصاصة في صدره فسقط عن جواده وتفرقت جموعه واخذ الاخصام رأسه
وبينما القوم في المعركة اذ ورد عليهم الخبر بموت ايواظ بك فانكسرت نفوسهم وذهبوا في طلبه فوجدوه مقتولا مقطوع الرأس فحمله أتباعه ورجع القوم الى منازلهم
ولما قطعوا رأس ايواظ بك وذهبوا بها الى محمد بك قال هذه رأس من قالوا رأس قليدهم ايواظ بك فأخذها وذهب بها عند أيوب بك ورضوان
فقال أيوب بك هذه رأس من قال رأس قليدهم
فبكى أيوب بك وقال حرم علينا عيش مصر
قال محمد بك هذا رأس قليدهم وراحت عليهم
قال له ايوب بك أنت ربيت في أين اما تعلم ان ايواظ بك وراءه رجال وأولاد ومال
وهذه الدعوة ليس للقاسمية فيها جناية والان جرى الدم فيطلبون ثأرهم ويصرفون مالا ولا يكون الا ما يريده الله
ولما ذهبوا بالرأس الى الباشا فرح فرحا شديدا وظن تمام الامر له ولمن معه واعطى ذهبا وبقاشيش ودفنوا ايواظ بك وطلبوا من أيوب بك الرأس فأرسلها لهم بعد ما سلخها الباشا فدفنوها مع جثته
ثم ان ايوب بك كتب تذكرة وأرسلها الى ابراهيم أبو شنب يعزيه في ايواظ بك ويقول له ان شاء الله تعالى بعد ثلاثة ايام نأخذ خاطر الباشا ويقع الصلح
وأرادوا بذلك التثبيط حتى يأخذوا من الباشا دراهم يصرفونها ويرتبوا أمرهم
وام ما كان من امر اتباع ايواظ بك فركب يوسف الجزار واخذ معه اسمعيل بن ايواظ بك المتوفي واحمد كاشف وذهبوا عند قانصوه بك فوجدوا عنده ابراهيم بك واحمد بك مملوكه وقيطاس بك وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك الصغير المعروف بقطامش جالسين وعليهم الحزن والكآبة
فلما استقر بهم الجلوس بكى قيطاس بك فقال له يوسف الجزار وما فائدة البكاء دبروا امركم
قالوا كيف العمل
قال يوسف الجزار هذه الواقعة ليس لنا فيها علاقة انتم فقارية في بعضكم واننا الآن انجرحنا ومات منا واحد خلف الفا وخلف مالا اعملوني صنجقا وامير حاج وسر عسكر واعملوا ابن سيدي اسمعيل صنجقا يفتح بيت ابيه وفيه البركة واعطوني فرمانا من الذي جعلتموه قائمقام وحجة من نائب الشرع الذي اقمتموه ايضا على ان الذي سقطت عدالته يسقط عنه حلوان البلاد ونحن نصرف الحلوان على العسكر والله يعطي النصر لمن يشاء من عباده
ففعلوا ذلك وراضوا امورهم في الثلاثة ايام وتهيأ الفريقان للمبارزة وخرجوا يوم السبت تاسع عشر ربيع الثاني وكان ايوب بك حصن منزله فاتفق رايهم على محاربة العسكر المجتمعة اولا ثم محاصرة المنزل فخرج ايوب بك على جهة طولون ووقعت حروب وامور ثم رجعوا الى منازلهم فلما رأى طائفة العزب تطاول الامر وعدم التوصل الى القلعة وامتناع من فيها وضرب المدافع عليهم ليلا ونهارا اجمع رأيهم على ان يولوا كتخدا على الينكجرية ويجلسوه بباب الوالي بطائفة من العسكر وينادوا في الشوارع بان كل من كانت له علوفة في وجاقات مستحفظان يأتي تحت البيرق بالبوابة ومن لم يأت بعد ثلاثة ايام ينهب بيته
ففعلوا ذلك وعملوا حسن جاويش قريب المرحوم جلب خليل كتخدا لكونها نوبته والبسه قانصوه بك قائمقام قفطانا وركب وامامه الوالي والبيرق والعسكر والمنادي امامه ينادي بما ذكر الى ان نزل بيت الوالي واحضروا الاودة باشا المتولي اذ ذاك واجلسوه محله وطاف البلد بطائفته وكذلك العسكر
وفي يوم الخميس هجمت الينكجرية من البذرم على باب العزب ومعهم محمد بك الكبير وكتخدا الباشا وافرنج احمد فعندما نزل اولهم من البذرم وكان العزب قد اعدوا في الزاوية التي تحت قصر يوسف مدفعين ملآنين بالرش والفلوس الجدد فضربوا عليهم فوقع محمد اغا سر كدك والبيرقدار وانفار منهم فولوا منهزمين يطأ بعضهم بعضا
فاخذت العزب رؤوس المقتولين فارسلوها الى قانصوه بك
ثم ان قائمقام والصناجق اتفقوا على تولية علي اغا مستحفظان لضبطه واهتمامه فلما ارسلوا له ابى ان يقبل ذلك فتغيب من منزله فركب يوسف بك الجزار ومحمد بك الصغير وعثمان بك في عدة كبيرة ودخلوا على منزل علي اغا فلم يجدوه واخبروا بالمكان الذي هو فيه فطلبوه فاتى بعد امتناع وتخويف وتوجه معهم الى قائمقام فالبسه قفطان الاغاوية يوم الخميس رابع عشري ربيع الثاني وعاد الى منزله بالقفطان يقدمه العسكر مشاة بالسلاح والملازمون معلنين بالتكبير وبلفظ الجلالة كما هي عادتهم في المواكب
وفي صبيحة ذلك اليوم عين قائمقام بمعرفة حسن كتخدا مستحفظان طائفة من العسكر الى بولاق صحبة احمد جربجي ليجلسوه في التكية وصحبته والي بولاق واغا من المتفرقة عوضا عن اغات الرسالة الذي بها من جانب الباشا
فاجلسوه في منزله ونهبوا ما وجدوه لأغات الرسالة الاول من فرش وامتعة وخيل وغير ذلك
وفي صبيحة يوم السبت سادس عشريه خرج الفريقان الى خارج القاهرة من باب قناطر السباع واجتمعوا بالقرب من قصر العيني ومعهم المدافع وآلات الحرب فتحارب الفريقان من ضحوة النهار الى العصر وقتل من الفريقين من دنا اجله وايوب بك ومحمد بك بالقصر
ثم تراجع الفريقان الى داخل البلد وتاخرت طائفة من العزب فأتى اليهم محمد بك الصعيدي واحتاط بهم وحاصرهم وبلغ الخبر قانصوه بك فارسل اليهم يوسف بك ومحمد بك وعثمان بك فتقاتلوا مع محمد بك الصعيدي وهزموه وتبعوه الى قنطرة السد وقد كان ايوب بك داخل التكية المجاورة لقصر العيني فلما رأى الحرب ركب جواده ونجا بنفسه فبلغ يوسف بك انه بالتكية فقصدوه واحتاطوا بالقصر فاخبرهم الدراويش بذهابه فلم يصدقوهم ونهبوا القصر واخرجوه واحرقوه وعادوا الى منازلهم
وفي صبيحة يوم الاحد ذهب يوسف بك الجزار ونهب غيظ افرنج احمد الذي بطريق بولاق ثم اجتمعوا في محل الحرب وتحاربوا ولم يزالوا على ذلك وفي كل يوم يقتل منهم ناس كثير
وفي ثاني جمادي الاولى اجتمع الامراء الصناجق بمنزل قائمقام وتنازعوا بسبب تطاول الحرب وامتداد الايام ثم اتفقوا على ان ينادوا في المدينة بان من له اسم في وجاق من الوجاقات السبعة ولم يحضر الى بيت اغاته نهب ماله وقتل
وامهلوهم ثلاثة ايام ونودي بذلك في عصريتها وكتب قائمقام بيورلدى الى من في القلعة من طائفة الينكجرية والكتخدائية والجربجية والاوده باشية والنفر باننا امهلناكم ثلاثة ايام فمن لم ينزل منكم بعدها ولم يمتثهل نهبنا داره وهدمناها وقتلنا من ظفرنا به ومن فر رفعنا اسمه من الدفتر فتلاشى امرهم واختلفت كلمتهم
وفي رابعه خرج الامراء والاغوات الى محل الحرب وارسلوا طائفة كبيرة من العسكر المشاة لمحاصرة منزل ايوب بك فتحارب الفرسان الى آخر النهار واما الرجالة فانهم تسلقوا من منزل ابراهيم بك وتوصلوا الى منزل عمر اغا الجراكسة فتحاربوا مع من فيه الى ان اخلوه ودخلوا فيه وشرعوا ليلا في نقب الربع المبني على علو منزل ايوب بك فنقبوه وكمنوا فيه
فلما كان صبيحة يوم الاحد خامس عشره حملوا حملة واحدة على منزل ايوب بك وضربوا البنادق فلم يجدوا من يمنعهم بل فر كل من فيه وركب ايوب بك وخرج هاربا من باب الجبل فلم يعلم اين توجه فملوا منزله ونهبوه مع كونه كان مستعدا وركب في اعالي منزله المدافع وفي قلعة الكبش فارسل له افرنج احمد بيرقا وعساكر فلم يفده ذلك شيئا ونهبوا ايضا منزل احمد اغا التفكجية بعدما قتلوه ببيت قائمقام ولحق من لحق بايوب بك وفر الجميع الى جهة الشام وفر محمد بك الى جهة الصعيد ووقع النهب في بيوت من كان من حزبهم ونهبوا بيت يوسف اغا ناظر الكسوة سابقا وبيت محمد اغا متفرقة باشا وبيت محمد بك الكبير واحرقوه وبيت احمد جربجي القونيلي واحرقوا بيت ايوب بك وما لاصقه من الربع والدكاكين
فلما حصل ذلك واجتمع العساكر بمنزل قائمقام بالاسلحة وآلات الحرب وذلك سادس جمادى الاولى فارسلوا طائفة الى جبل الجيوشي فركبوا مدافع على محل الباشا ومدافع على قلعة المستحفظان واحاطوا بالقلعة من اسفل وضربوا ستة مدافع على الباشا ورموا بنادق
فنصب الباشا بيرقا ابيض يطلب الامان وفر من كان داخل القلعة من العسكر فبعضهم نزل بالحبال من السور وبعضهم خرج من باب المطبخ فعند ذلك هجمت العساكر الخارجة على الباب ودخلوا الديوان فارسل الباشا القاضي ونقيب الاشراف يأخذان له امانا من الصناجق والعسكر فتلقوهما واكرموهما وسألوهما عن قصدهما فقالا لهم ان الباشا يقرئكم السلام ويقول لكم انا كنا اغتررنا بهؤلاء الشياطين وقد فروا المراد ان تعلمونا بمطلوبكم فلا نخالفكم
فقالوا لهما اعلموه ان الصناجق والامراء والاغوات والعسكر قد اتفقوا على عزله وان قانصوه بك قائمقام واما الباشا فانه ينزل ويسكن في المدينة الى ان نعرض الامر على الدولة ويأتينا جوابهم
فارسل القاضي نائبه الى الباشا يعرفه عن ذلك فاجابه بالطاعة واستأمنهم على نفسه وماله واتباعه وركب من ساعته في خوصه يقدمه قائمقام واغات مستحفظان عن يمينه واغات المتفرقة عن شماله واختيارية الوجاقات من خلفه وامامه ونزل من باب الميدان وشق من الرميلة على الصليبة والعامة قد اصطفت بشافهونه بالسب واللعن الى ان دخل بيت على اغا الخازندار بجوار المظفر وهجم العسكر على باب مستحفظان فملكوه ونهبوا بعض اسباب حسين اغا مستحفظان
وخرج حسين اغا من باب المطبخ فلما رآه يوسف بك اشار الى العسكر فقطعوه وقطعوا اسمعيل افندي بالمحجر وكذلك عمر اغات الجراكسة بحضرة اسمعيل بن ايواظ وخازنداره ذو الفقار وقع في عرض بلدية علي خازندار وحسن كتخدا الجلفي فحمياه من القتل وذو الفقار هذا هو الذي قتل اسمعيل بك بن ايواظ وصار اميرا كما يأتي ذكر ذلك في موضعه فقتلوه بباب العزب ونزل افرنج احمد وكجك احمد اوده باشا الى المحجر متنكرين فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليهما وذهبوا بهما الى باب العزب وقطعوا رؤوسهما وذهبوا بهما الى بيت ايواز بك
وطلع علي اغا الى محل حكمه وطلع حسن كتخدا من باب الوالي
وامامه العساكر بالاسلحة الى باب مستحفظان والبيرق امامه ونزل جاويش الى احمد كتخدا برمقس فوجده في بيت اسمعيل كتخدا عزبان فاخذه وطلع به الى الباب فخنقوه واخذوه الى منزله في تابوت
وركب علي اغا وامامه الملازمون بالبيرشان فطاف البلد وامر بتنظيف الاتربة واحجار المتاريس وبناء النقوب والبس قائمقام اغوات البلكات السبع قفاطين وطلع الذين كانوا بباب العزب من الينكجرية الى بابهم وعدتهم ستمائة انسان
وفي حادي عشر جمادى الاولى لبس يوسف بك الجزار على امارة الحاج ومحمود بك على السويس وعين يوسف بك المذكور مصطفى اغات الجراكسة للتجريدة على الشرقية
وفي رابع عشره لبس محمد بك الصغير على ولاية الصعيد وخرج من بيته بموكب الى الاثر وصحبته الطوائف الذين عينوا معه من السبع بلكات بسر دارياتهم وبيارقهم وعدتهم خمسمائة نفر منهم مائتان من الينكجرية والعزب وثلثمائة نفر من الخمس بلكات اعطوا كل نفر من المائتين الف نصف فضة ترحيلة ولكل شخص من الثلثمائة الف وخمسمائة نصف فضة وسافروا رابع جمادي الآخرة وكان محمد بك الكبير خرج مقبلا وصحبته الهوارة فخرج وراءه يوسف بك الجزار وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش فوصلوا دير الطين فلاقاهم شيخ الترابين فاخبرهم انه مر من ناحية التبين نصف الليل فرجعوا الى منازلهم وبلغهم في حال رجوعهم ان خازندار رضوان اغا تخلف عند الدراويش بالتكية فقبضوا عليه وقطعوا دماغه ولم يزل محمد بك الصعيدي حتى وصل اخميم وصحبته الهوارة وقتل ما بها من الكشاف ونهب البلاد وفعل افعالا قبيحة
ثم ذهب الى اسيوط وارسل الى قامئمقام جرجا فتصرف في جميع تعلقاته وارسلها اليه نقودا ونزل مختفيا الى بحري ومر من انيابة نصف الليل ولم يزل سائرا الى دمياط ونزل في مركب افرنجي وطلع الى حلب ووصل خبره الى السردار فجمع السردارة والعسكر ولحقوه على البرج فلم يدركوه ثم انه ركب من حلب وذهب الى دار السلطنة من البروكان ايوب بك ومحمد اغا متفرقة وكتخدا الجاويشة سليمان اغا وحسن الوالي وصلوا قبله وقابلوا الوزير واعلموه بقصتهم وعرضوا عليه الفتوى وعرض الباشا والقاضي فاكرمهم وانزلهم في مكان ورتب لهم تعيينا ثم اتاهم محمد بك وقابل معهم الوزير ايضا فخلع عليه وولاه منصبا واما رضوان اغا فانه تخلف ببلاد الشام ومحمد اغا الكور صحبته
وفي تاسع عشر جمادى الاولى رجع يوسف بك ومصطفى اغا من الشرقية
وفي سابع جمادى الآخرة تقلد محمد بك ابن اسمعيل بك ابن ايواظ بك الصنجقية ثم انهم اجتمعوا في بيت قائمقام وكتبوا عرضحال بصورة ما وقع وطلبوا ارسال باشا واليا على مصر وذكروا فيه ان الخزنة تصل صحبة محمد بك الدالي وانقضت الفتنة وما حصل بها من الوقائع التي لخصنا بعضها وذكرناه على سبيل الاختصار واستمر خليل باشا بمصر حتى حضر والي باشا وحاسبوه وسافر في ثامن عشر جمادى الاولى سنة اربع وعشرين ومائة والف وكانت ايام فتن وحروب وشرور
ثم تولى على مصر والي باشا فوصل الى مصر وطلع الى القلعة في اواخر رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
وفي شوال قلدوا احمد بك الاعسر تابع ابراهيم بك صنجقية وزادوه كشوفية البحيرة وكان قانصوه بك قائمقام قبل وصول الباشا رسم باخراج تجريدة الى هوارة المفسدين الذين اتوا الى مصر صحبة محمد بك الصعيدي ورجعوا صحبته واخربوا اخميم وقتلوا الكشاف وامير التجريدة محمد بك قطامش وصحبته الف عسكري واعطوا كل عسكري ثلاثة آلاف نصف فضة من مال البهار سنة تاريخه وان يكون محمد بك حاكم جرجا عن سنة ثلاث وعشرين واربعة وعشرين وقضى اشغاله وبرز خيامه الى الآثار ثم طلب الوجه البلي الى ان وصل الى اسيوط فقبض على كل من وجده من طرف محمد بك الصعيدي وقتله ومنهم حسين اوده باشا ابن دقماق ثم انتقل الى منفلوط وهربت طوائف الهوارة باهلها الى الجبل الغربي واتت اليه هوارة بحري صحبة الامير حسن فاخبروه بما وقع لهم وساروا صحبته الى جرجا فنزل بالصيوان وابرز فرمانا قرىء بحضرة الجميع باهراق دم هوارة قبلي وامر بالركوب عليهم الى اسنا وتسلط عليهم هوارة تجري ونهبوا مواشيهم واغنامهم ومتاعهم وطواحينهم واشتفوا منهم وكل من وجدوه منهم قتلوه ولم يزل في سيره حتى وصل قنا وقوص ثم رجع إلى جرجا ثم أن هوارة قبلي التجأوا إلى إبراهيم بك أبو شنب والتمسوا منه ان ياخذ لهم مكتوبا من قيطاس بك بالامان ومكتوبا الى حاكم الصعيد كذلك وفرمانا من الباشا بموجب ذلك فارسل الى قيطاس بك تذكرة صحبة احمد بك الاعسر يترجى عنده فاجاب الى ذلك وارسلوا به محمد كاشف كتخدا وبرجوع التجريدة والعفو عن الهوارة
ورجع محمد كاشف والتجريدة وصحبته التقادم والهدايا وارسلوا الى ابراهيم بك مركب غلال وخيولا مثمنة واغناما
وفي اواخر شوال ورد اغا من الدولة وعلى يده مرسومات منها محاسبة خليل باشا واستعجال الخزينة وبيع بلاد من قتل في ايام الفتنة وكذلك املاكهم
وفي شهر رمضان قبل ذلك جلس بجامع المؤيد فكثر عليه الجمع وازدحم المسجد واكثرهم اتراك ثم انتقل من الوعظ وذكر ما يفعله اهل مصر بضرايح الاولياء وايقاد الشموع والقناديل على قبور الاولياء وتقبيل اعتابهم وفعل ذلك كفر يجب على الناس تركه وعلى ولاة الامور السعي في ابطال ذلك
وذكر ايضا قول الشعراني في طبقاته ان بعض الاولياء اطلع على اللوح المحفوظ انه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن الاولياء على اللوح المحفوظ وانه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن والتكايا ويجب هدم ذلك
وذكر ايضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان
فلما سمع حزبه ذلك خرجوا بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والاسلحة فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والاكر المعلقة وهم يقولون اين الاولياء
فذهب بعض الناس الى العلماء بالازهر واخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى واجاب عليها الشيخ احمد النفراوي والشيخ احمد الخليفي بأن كرامات الاولياء لا تنقطع بالموت وأن انكاره على اطلاع الاولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك
واخذ بعض الناس تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو في مجلس وعظه فلما قرأها غضب وقال يا ايها الناس ان علماء بلدكم افتوا بخلاف ما ذكرت لكم واني اريد ان اتكلم معهم واباحثهم في مجلس قاضي العسكر فهل منكم من يساعدني على ذلك وينصر الحق
فقال له الجماعة نحن معك لا نفارقك فنزل عن الكرسي واجتمع عليه العامة زيادة عن الف نفس ومر بهم من وسط القاهرة الى ان دخل بيت القاضي قريب العصر فانزعج القاضي وسألهم عن مرادهم فقدموا له الفتوى وطلب منه احضار المفتين والبحث معهما
فقال القاضي اصرفوا هؤلاء الجموع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم
فقالوا ما تقول في هذه الفتوى قال باطلة
فطلبوا منه ان يكتب لهم حجة ببطلانها
فقال ان الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا الى منازلهم وخرج الترجمان
فقال لهم فضربوه واختفى القاضي بجريمة
فما وسع النائب الا انه كتب لهم حجة حسب مرادهم ثم اجتمع الناس في يوم الثلاثاء عشرينه وقت الظهر بالمؤيد لسماع الوعظ على عادتهم فلم يحضر لهم الواعظ فاخذوا يسألون عن المانع من حضوره
فقال بعضهم اظن ان القاضي منعه من الوعظ
فقام رجل منهم وقال ايها الناس من اراد ان ينصر الحق فليقم معي
فتبعه الجم الغفير فمضى بهم الى مجلس القاضي فلما رآهم القاضي ومن في المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر من بها من الشهود ولم يبق الا القاضي فدخلوا عليه وقالوا له اين شيخنا فقال لا ادري
فقالوا له قم واركب معنا الى الديوان ونكلم الباشا في هذا الامر ونسأله ان يحضر لنا اخصامنا الذين افتوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فان اثبتوا دعواهم نجوا من ايدينا والا قتلناهم
فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وامامه الى ان طلعوا الى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره في غير وقته
فقال انظر الى هؤلاء الذين ملأوا الديوان والحوش فهم الذين اتوا بي وعرفه قصتهم وما وقع منهم بالامس واليوم وانهم ضربوا الترجمان واخذوا مني حجة قهرا واتوا اليوم واركبوني قهرا
فارسل الباشا الى كتخدا الينكجرية وكتخدا العزب وقال لهما اسألوا هؤلاء عن مرادهم
فقالوا نريد احضار النفراوي والخليفي ليبحثا مع شيخنا فيما افتيا به عليه فاعطاهم الباشا بيورلديا على مرادهم ونزلوا الى المؤيد واتوا بالواعظ واصعدوه الى الكرسي فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم في غد بالمؤيد ويذهبون بجمعيتهم الى القاضي وحضهم على الانتصار للدين وقمع الدجالين
وافترقوا على ذلك واما الباشا فانه لما اعطاهم البيورلدي ارسل بيورلديا الى ابراهيم بك وقيطاس بك بعرفهم ما حصل وما فعله العامة من سوء الادب وقصدهم تحريك الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي وقد عزمت انا والقاضي على السفر من البلد
فلما قرأ الامراء ذلك لم يقر لهم قرار وجمعوا الصناجق والاغوات ببيت الدفتردار واجمعوا رايهم على ان ينظروا هذه العصبة من اي وجاق ويخرجوا من حقهم وينفي ذلك الواعظ من البلد وأمروا الاغا ان يركب ومن رآه منهم قبض عليه وان يدخل جامع المؤيد ويطرد من يسكنه من السفط
فلما كان صبيحة ذلك اليوم ركب الاغا وارسل الجاويشية الى جامع المؤيد فلم يجدوا منهم احدا وجعل يفحص ويفتش على افراد المتعصبين فمن ظفر به ارسله الى باب اغاته فضربوا بعضهم ونفوا بعضهم وسكنت الفتنة
{ سنة اربع وعشرين ومائة والف }
وفي ثالث المحرم سنة اربع وعشرين ومائة والف ورد مرسوم سلطاني بطلب ثلاثة آلاف من العساكر المصرية الى الغزو
وفي ثامنه تشاجر رجل شريف مع تركي في سوق البندقانيين فضرب التركي الشريف فقتله ولم يعلم اين ذهب فوضع الاشراف المقتول في تابوت وطلعوا به الى الديوان واثبتوا القتل على القاتل فلما كان يوم عاشره قامت الاشراف وقفلوا اسواق القاهرة وصاروا يرجمون اصحاب الدكاكين بالحجارة ويأمرونهم بقفل الدكاكين وكل من لقوه من الرعية او من أمير يضربونه ومكثوا على ذلك يومهم واصبحوا كذلك يوم الجمعة وارسلوا خبرا للاشراف القاطنين بقرى مصر ليحضروا واجتمعوا بالمشهد الحسيني ثم خرجوا وامامهم بيرق وذهبوا الى منزل قيطاس بك الدفتردار فخرج عليهم ابتاعه بالسلاح فطردوهم وهزموهم ثم فقرة جديدة فلما تفاقم أمرهم تحركت عليهم اغوات الاسباهية الثلاث واغات الينكجرية في عددهم وعددهم وطافوا البلد فعند ذلك تفرقت الجمعية ورجع كل الى مكانه ونادوا بالامن والامان وفتحت الدكاكين ثم اجتمع راي الامراء على نفي طائفة من اكابر الاشراف فتشفع فيهم المشايخ والعلماء فعفوا عنهم
وفي هذا الشهر وقع ثلج بقريتي سرسنة وعشما من بلاد المنوفية كل قطعة منه مقدار نصف رطل واقل واكثر ثم نزلت صاعقة احرقت مقدارا عظيما من زرع الناحية وقتلت اناسا
وفي يوم الخميس ثامن ربيع الاول سافر مصطفى بك تابع يوسف اغا من بولاق بالعسكر صحبة المعينين للغزو وحضرت العساكر الذين كانوا في سفر الموسقو صحبة سردارهم اسمعيل بك ولما عادوا الى اسلامبول بالنصر وضعوا لهم على رؤوسهم ريشا في عمائمهم سمة لهم ومات اميرهم اسمعيل بك باسلامبول ودخلوا مصر وعلى رؤوسهم تلك الريش المسماة بالشلنجات
وفي ثاني عشرينه قبل الغروب خرجت فرتينة بريح عاصف اظلم منها الجو وسقط منها بعض منازل
وفي غرة ربيع الثاني ورد اغا ومعه مرسوم مضمونه حصول الصلح بين السلطنة والموسقو ورجوع العسكر المصري ولما رجعوا اخذوا منهم ثلثي النفقة وتركوا لهم الثلث وكذلك التراقي من الجوامك التي تعطى للسردارية واصحاب الدركات
وفي ثامن عشره ورد قابجي باشا وعلى يده مرسوم بتقليد قيطاس بك الدفتردار اميرا على الحاج عوضا عن يوسف بك الجزار وان يكون ابراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب دفتردار فامتثلوا ذلك ولبسوا الخلع ومرسوم آخر بانشاء سفينتين ببحر القلزم لحمل غلال الحرمين وان يجهزوا الى مكة مائة وخمسين كيسا من الاموال السلطانية برسم عمارة العين على يد محمد بك ابن حسين باشا ثم ان قيطاس بك اجتمع بالامراء وشكا اليهم احتياجه لدراهم يستعين بها على لوازم الحاج ومهماته فعرضوا ذلك على الباشا وطلبوا منه ان يمده بخمسين كيسا من مال الخزينة ويعرض في شأنها بعد تسليمها الى الدولة وان لم يمضوا ذلك يحصلوها من الوجاقات بدلا عنها وفي يوم الاربعاء وصل من طريق الشام باشا معين لمحافظة جدة يسمى خليل باشا فدخل القاهرة في كبكبة عظيمة وعساكر رومية كثيرة يقال لهم سارجه سليمان وجمال محملة بالاثقال يقدمهم ثلاثة بيارق وخرج لملاقاتة الباشا وقيطاس بك امير الحاج في طائفة عظيمة من الامراء والاغوات والصناجق وقابلوه وانزلوه بالغيظ المعروف بحسن بك ومدوا هناك سماطا عظيما حافلا وقدموا له خيولا وساروا معه الى ان دخلوا الى المدينة في موكب عظيم الى ان انزلوه بمنزل المرحوم اسمعيل بك المتوفي في سفر الموسقو بجوار الحنفي فلم يزل هناك حتى سافر في اوائل رجب سنة تاريخه وخرج بموكب عظيم ايضا
وفي منتصف شعبان تقلد احمد بك الاعسر على ولاية جرجا عوضا عن محمد بك الصغير المعروف بقطامش ثم ورد امر بتقليد امارة الحج لمحمد بك قطامش عوضا عن سيده وطلع بالحج سنة اربع وعشرين ورجع سنة خمس وعشرين وذلك من فعل قيطاس بك سرا وتقلد ولاية جرجا مصطفى بك قزلار
وفي يوم الخميس عشرينه تقلد محمد بك المعروف بجركس تابع ابراهيم بك ابي شنب الصنجقية وكذلك قيطاس تابع قيطاس بك امير الحاج
وفي عاشر شوال ورد عبد الباقي افندي وتولى كتخدائية والي باشا ومعه تقرير للباشا على ولاية مصر
وفي ثالث عشر ذي القعدة ورد ايضا مرسوم صحبة اغا معين بطلب ثلاثة الاف من العسكر المصري لسفر الموسقو لنقضهم المهادنة وقرىء ذلك بالديوان بحضرة الجميع فالبسوا حسين بك المعروف بشلاق سردار عوضا عن عثمان بك ابن سليمان بك بارم ذيله وقضى اشغاله وسافر في اوائل المحرم
{ سنة خمس وعشرين ومائة والف }
ورد ايضا اغا باستعجال الخزينة ورجع الحجاج في شهر صفر صحبة محمد بك قطامش وانتهت رياسة مصر الى قيطاس بك ومحمد بك وحسن كتخدا النجدلي وكور عبدالله وابراهيم الصابونجي
فسولت لقيطاس بك نفسه قطع بيت القاسمية واخذ يدبر في ذلك واغرى سالم بن حبيب فهجم على خيول اسمعيل بك ابن ايواز بك في الربيع وجم أذناب الخيول ومعارفها ما عدا الخيول الخاص فانها كانت بدوار الوسية وذهب ولم يأخذ منها شيئا وحضر في صبحها امير اخور فاخبروه وكان عنده يوسف بك الجزار فلاطفة وسكن حدته واشار عليه بتقليد حسن ابي دفية قائمقام الناحية ففعل ذلك وجرت له مع ابن حبيب امور ستذكر في ترجمة ابن حبيب فيما يأتي
ثم انه كتب عرضحال ايضا على لسان الامير منصور الخبيري يذكر فيه ان عرب الضعفاء اخربوا الوادي وقطعوا درب الفيوم وارسل ذلك العرضحال صحبة قاصد يأمنه فختمه منصور وارسله الى الباشا صحبة البكاري خفير القرافة
فلما طلع قيطاس بك في صبحها الى الباشا واجتمع باقي الامراء وكان قيطاس بك رتب مع الباشا امرا سرا وأغراه وأطعمه في القاسمية وما يؤول اليه من حلوان بلاد ابراهيم بك ويوسف بك وابن ايواظ بك واتباعهم فلما استقر مجلسهم دخل البكاري بالعرضحال فاخذه كاتب الديوان وقرأه على اسماع الحاضرين فاظهر الباشا الحدة وقال انا أذهب لهؤلاء المفاسيد الذين يخربون بلاد السلطان ويقطعون الطريق
فقال ابراهيم بك اقل ما فينا يخرج من حقهم وانحط الكلام على ذهاب ابراهيم بك واسمعيل بك ويوسف بك وقيطاس بك وعثمان بك ومحمد بك قطامش
وكان قانصوه بك في بني سويف في الكشوفية واحمد بك الاعسر في اقليم البحيرة فلما وقع الاتفاق على ذلك خلع عليهم الباشا قفاطين ونزلوا فأرسلوا خيامهم ومطابخهم الى تحت ام خنان ببر الجيزة وعدوا بعد العصر ونزلوا بخيلهم
واتفق قيطاس بك مع عثمان بك انهم يعدون خلفهم بعد المغرب ويكونون اكلوا العشاء وعلوا على الخيول وعندما ينزلون الى الصيوان زياده يتركون الخيول ملجمة والمماليك والطوائف باسلحتها
فاذا اتى الينا الثلاثة صناجق نقتلهم ثم نركب على طوائفهم وخيولهم مربوطة فنقتل كل من وقع ونخلص ثار الفقارية الذين قتلهم خال ابراهيم بك في الطرانة
فلما فعلوا ذلك وعدوا واوقدوا المشاعل وذلك وقت العشاء ونزلوا بالصيوان قال ابراهيم بك ليوسف بك واسمعيل بك قوموا بنا نذهب عند قيطاس بك قالا له انت فيك الكفاية
فذهب ابراهيم بك وهو ماش ولم يخطر بباله شيء من الخيانة فلما دخل عندهم وسلم وجلس سأله قيطاس بك عن رفقائه فقال انهم جالسون محلهم فلم يتم ما ارادوه فيهم من الخيانة
فعند ذلك قام محمد بك وعثمان بك الى خيامهما وقلعا سلاحهما وخلعا لجامات الخيل وعلقا مخالي التبن ورجعا اليهما فقال قيطاس بك لابراهيم بك اركبوا انتم الثلاثة في غد وانصبوا عند وسيم ونحن نذهب الى جهة سقارة فنطرد العرب فيأتون الى جهتكم فاركبوا عليهم فأجابه الى ذلك ثم قام وذهب الى رفقائه فاخبرهم بذلك وباتوا الى الصباح
وفي الصباح حملوا وساروا الى جهة وسيم كما اشار اليهم قيطاس بك فنزلت اليهم الزيدية بالفطور فسألوهم عن العرب فقالوا لهم الوادي في امن وامان بحمد الله لا عرب ولا حرب ولا شر
واما قيطاس بك ومن معه فانه رجع الى مصر وارسل الى ابن حبيب بأن يجمع نصف سعد وعرب بلي ويرسلهم مع ابنه سالم يدهمون الجماعة بناحية وسيم ويقتلونهم فتلكأ ابن حبيب في جمع العربان لصداقة قديمة بينه وبين ابراهيم بك وحضر لهم رجل من الاجناد كان تخلف عنهم لعذر حصل له فأخبرهم برجوع قيطاس بك ومن معه الى مصر فركب ابراهيم بك ويوسف بك واسمعيل بك ونزلوا بالجيزة عند ابي هريرة وصحبتهم خيالة الزيدية وباتوا هناك وعادوا في الصباح الى منازلهم سالمين
وفي هذه السنة حصل طاعون وكان ابتداؤه في القاهرة في غرة ربيع الاول وتناقص في اواخر جمادى الآخرة
ووصل عابدين باشا الى الاسكندرية وتقلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع على ابن سيده اسمعيل بك ولما حضر الباشا الى الحلى وطلع الى العادلية واحضر الامراء تقادمهم وقدم له اسمعيل بك تقدمة عظيمة واحبه الباشا واختص به ومال قلبه الى فرقة القاسمية فقلدهم المناصب والكشوفيات
وحضر مرسوم بامارة الحج لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وعابدين باشا هذا هو الذي قتل قيطاس بك بقراميدان كما يأتي خبر ذلك في ترجمة قيطاس بك
وهرب محمد بك قطامش تابعه بعد قتل سيده الى بلاد الروم واقام هناك مدة ثم عاد الى مصر وسيأتي خبر ذلك في ترجمته
وفي ولايته تقلد عبدالله كاشف وصاري علي وعلي الأرمني واسمعيل كاشف صناجق الاربعة ايواظية وتقلد منهم ايضا عبدالرحمن اغا ولجه اغات جملية واسمعيل اغا كتخدا وايواظ بك كتخدا جاويشية ومن اتباع ابراهيم بك ابي شنب قاسم الكبير وابراهيم فارسكور وقاسم الصغير ومحمد جلبي بن ابراهيم بك ابي شنب وجركس محمد الصغير خمستهم صناجق واستقر الحال وطلع بالحج الامير اسمعيل بك ابن ايواظ سنة سبع وعشرين
{ سنة ثمان وعشرين }
في امن وامان وسخاء ورخاء سنة ثمان وعشرين
وفي سنة ثمان وعشرين ورد اغا من اسلامبول وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم امير فادر وكانت النوبة على محمد بك جركس الكبير فلما اجتمعوا بالديوان وقرىء المرسوم خلع الباشا على محمد بك جركس القفطان ونزل الى داره فطوى القفطان وارسله الى سيده ابراهيم بك ويقول له عندك خلافي صناجق كثيرة فاني قشلان
فتكدر خاطره ثم ارسل اليه صحبة احمد بك الاعسر عشرين كيسا فاستقلها فاعطاه ايضا وصولا بعشرة اكياس على الطرانة فجهز حاله وركب الى قصر الحلى بالموكب واحضر عنده الحريم فاقام اياما في حظه وصفائه والاغا المعين يستعجل السفر وفي كل يوم يأتيه فرمان من الباشا بالاستعجال والذهاب وهو لا يبالي بذلك
ثم ان الباشا تكلم مع ابراهيم بك في شأن ذلك فلما نزل الى بيته ارسل اليه احمد بك الاعسر وقاسم بك الكبير فاخبراه بتقريظ الباشا والاستعجال فقال في جوابه جلوسي هنا احسن من اقامتي تحت الطرانة حتى يدفعوا لي العشرة اكياس فلا ارتحل حتى تأتيني العشرة اكياس
ورمى لهم الوصول نرجع أحمد بك إلى إبراهيم بك وأخبره بمقالته ورد إليه الوصول فما وسعه الا انه دفع ذلك القدر اليه نقدا وقال سوف يخرب هذا بيتي بعناده
فلما وصله ذلك نزل الى المراكب وسافر ثم ورد مسلم علي باشا واخبر بولايته مصر
{ سنة تسع وعشرين ومائة والف }
فاجتمعوا بالديوان وتقلد ابراهيم بك ابو شنب قائمقام ونزل الى بيته وخلع على احمد بك الاعسر وجعله امين السماط
ونزل عابدين باشا من القلعة عندما وصل الخبر بوصول علي باشا الى اسكندرية وسافرت اليه ارباب الخدم والعكاكيز وسافر عابدين باشا قبل حضور علي باشا بمصر
وحضر علي باشا وطلع الى القلعة على الرسم المعتاد واستقر في ولاية مصر والامور صالحة والفتن ساكنة ورياسة مصر للامير ابراهيم بك ابي شنب الكبير والامير اسمعيل بك ابن ايواظ بك ومحمد كتخدا جدك مستحفظان وابراهيم جربجي الصابونجي عزبان واتباع حسن جاويش القازدغلي وهم عثمان اوده باشا وسليمان اوده باشا وتابع مصطفى كتخدا وخلافهم من رؤساء باب العزب وباقي البلكات ومات الامير ابراهيم بك الكبير
{ سنة ثلاثين }
فاستقل بالرياسة اسمعيل بك ابن ايواظ بك وسكن محمد بك ابن ابراهيم بك بمنزل ابيه وفي نفسه ما فيها من الغيرة والحمد لاسمعيل بك ابن خشداش ابيه
وفي اواخر سنة تسع وعشرين ورد قابجي وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من عسكر مصر وعليهم امير لسفر الجهاد وكان الدور على نمحمد بك ابن ايواظ اخي اسمعيل بك فعلم اخوه انه خفيف العقل فلا يستر نفسه في السفر فقلد احمد كاشف صنجقية وجعله امير العسكر وجعل مملوكه علي الهندي كتخدا اليه وقضوا اشغالهم
وركب الامير والسدادرة بالموكب ونزلوا الى بولاق وسافروا بعد ثلاثة ايام وادركوا عسكر الاورام وسافروا صحبتهم سنة ثلاثين
وحضر محمد جركس من السفر في سنة ثلاثين فوجد سيده ابراهيم بك توفي وامير مصر اسمعيل بك فتاقت نفسه للرياسة فضم اليه جماعة من الفقارية مثل حسين ابو يدك وذي الفقار تابع عمر اغا وأصلان وقيلان ومن يلوذ بهم من امثالهم واتخذ لهم سراجا قبيحا يقال له الصيفي وكان الدفتردار في ذلك الوقت احمد بك الاعسر تابع ابراهيم بك ابي شنب وكلما رأى تحرك محمد بك جركس لاثارة الفتن يهدي عليه ويلاطفه ويطفيء ناريته
وكان ذو الفقار لما قتل سيده عمر اغا واراد اسمعيل بك قتله ايضا في ذلك اليوم فوقع على خازندار حسن كتخدا الجلفي وحماه من القتل واخرج له حسن كتخدا حصة في قمن العروس بالمحلول عن سيده وهي شركة اسمعيل بك ابن ايواظ ولم يقدر حسن كتخدا ان يذاكر اسمعيل بك في فائظها لعلمه بكراهته لذي الفقار ويريد قتله
فلما مات حسن كتخدا الجلفي وحضر محمد بك جركس من السفر انضم اليه ذو الفقار المذكور وخاطب في شأنه اسمعيل بك فلم يفد ولم يرض ان يعطيه شيئا من فائظه وتكرر هذا مرارا حتى ضاق خناق ذي الفار من الفشل فدخل على محمد بك جركس في وقت خلوة وشكا اليه حاله وفاوضه في اغتيال اسمعيل بك
فقال له افعل ما تريد فاخذ معه في ثاني يوم اصلان وقيلان وجماعة خيالة من الفقارية ووقفوا لاسمعيل بك في طريق طريق الرميلة عند سوق الغلة وهو طالع الى الديوان فمر اسمعيل بك وصحبته يوسف بك الجزار واسمعيل بك جرجا وصاري علي بك فرموا عليهم بالرصاص فلم يصب منهم الا رجل قواس ورمح اسمعيل بك ومن بصحبته الى باب القلعة ونزل هناك وكتب عرضحال ملخصه الشكوى من محمد بك جركس وانه قد جمع عنده المفسدين ويريد اثارة الفتن في البلد وارسله الى الباشا صحبة يوسف بك
فامر علي باشا بكتابة فرمان خطابا للوجاقات باحضار محمد بك جركس وان ابى فحاربوه واقتلوه
فلما وصل الخبر الى جركس ركب مع المنضمين اليه فقارية وقاسمية ووصل الى الرميلة فصادف الموجهين اليه فحاربهم وحاربوه وقتل حسين بك ابو يدك وآخرون وانهزم جركس وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول الى داره
فذهب على طريق الناصرية ولم يزل سائرا حتى وصل الى شبرا ولم يبق صحبته سوى مملوكين فلاقاه جماعة من عرب الجزيرة فقبضوا عليهم واخذوا سلاحهم واتوا بهم الى بيت اسمعيل بك ابن ايواظ بك وكان عند احمد كتخدا امين البحرين والصابونجي فاشارا عليه بقتله فلم يرض
وقال انه دخل بيتي وخلع عليه فروة سمور واعطاه كسوة وذهبا ونفاه الى جزيرة قبرص ورجع العسكر الذين كانوا بالسفر واستشهد امير العسكر احمد بك فقلدت الدولة علي كتخدا الهندي صنجقا عوضا عن مخدومه احمد بك واعطوه نظر الخاصكية قيد الحياة واطلقوا له بلاده من غير حلوان
فلما وصلوا الى مصر عمل له يوسف بك الجزار سماطا بالحلى ثم ركب وطلع الى القلعة وخلع الباشا على علي بك الهندي خلعة السلامة ونزل الى بيت اسمعيل بك وانعم عليه بتقاسيط بلاد فائظها اثنا عشر كيسا استمر صنجقا وناظرا على الخاصكية
وفي هذه السنة اعني سنة ثلاثين حصلت حادثة ببولاق وهو ان سكان حارة الجوابر تشاجروا مع بعض الجمالة اتباع اوسية امير الحاج فحضر اليهم اميراخور فضربوه ووصل الخبر الى الامير اسمعيل بك فارسل اليهم اغات الينكجرية والوالي فضربوهم فركب الصنجق بطائفته وقتلوا منهم جماعة وهرب باقيهم واخرجوا النساء بمتاعهن وسمروا الدرب من الجهتين
وكانت حادثة مهولة واستمر الدرب مقفولا ومسمرا نحو سنتين وفيها كان موسم سفر الخزينة واميرها محمد بك ابن ابراهيم بك ابو شنب وكان وصل اليه الدور وخرج بالموكب وارباب المناصب والسدادرة ولما وصل الى اسلامبول واجتمع بالوزير ورجال الدولة اوشى اليهم في حق اسمعيل بك ابن ايواظ وعرفهم انه ان استمر امره بمصر ادعى السلطنة بها وطرد النواب فان الامراء وكبار الوجاقات والدفتردار وكتخدا الجاويشية صاروا كلهم اتباعه ومماليكه ومماليك ابيه
وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل شيء ونفي وابعد كل من كان ناصحا في خدمة الدولة مثل جركس ومن يلوذ به وعمل للدولة اربعة آلاف كيس على ازالة اسمعيل بك والباشا وتولية وال آخر يكون صاحب شهامة فاجابوه الى ذلك وكان قبل خروجه من مصر اوصى قاسم بك الكبير على احضار محمد بك جركس فارسل اليه واحضره خفية واختفى عنده
ثم ان اهل الدولة عينوا رجب باشا امير الحاج الشامي ورسموا له عند حضوره الى مصر ان يقبض على علي باشا ويحاسبه ويقتله ثم يحتال على قتل اسمعيل بك ابن ايواظ وعشيرته ما عدا علي بك الهندي
ورجع محمد بك ابن ابي شنب الى مصر وعمل دفتردار وحضر مسلم رجب باشا ومعه الأمر بحبس علي باشا بقصر يوسف قائمقامية الى احمد بك الأعسر
وبعد ايام وصل الخبر بوصول رجب باشا الى العريش وسافرت له الملاقاة وتقلد ابراهيم بك قارسكور امين السماط وطلع اسمعيل بك اميرا بالحج
{ سنة احدى وثلاثين }
وهي سنة احدى وثلاثون ومائة والف وذبك عند وصول رجب باشا إلى العريش ثم حضر رجب باشا إلى مصر وعملوا له الشنك والموكب على العادة فلما اسقر بالقلعة أحضر إليه ابن علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وامرهم بعمل حسابه ثم قطع راسه ظلما وسلخها وارسلها الى الباب ودفن علي باشا بمقام ابي جعفر الطحاوي بالقرافة ويعرف الى الان قبره بعلي باشا المظلوم وامر بضبط جميع مخلفاته ثم احضر له محمد جركس خفية وامر الاغا والوالي بالمناداة عليه وكل من آواه يشنق على باب داره
ثم اختلى به وقال له كيف العمل والتدبير في قتل ابن ايواظ بك وجماعته فقال له الرأي في ذلك ان ترسل الى العرب يقفون في طريق الوشاوشة فانهم يرسلون يعرفونكم بذلك فارسلوا لهم عبدالله بك وبعد عشرة ايام ارسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك ابن ايواظ بك واسمعيل بك جرجا وعبدالرحمن اغا ولجه اغات الجملية فعندما يرتحلون من البركة يقتل اسمعيل بك الدفتردار كتخدا الجاويشية وعند ذلك انا اظهر ونقلد امارة الحج الى محمد بك ابن اسمعيل بك ونرسله بتجريدة الى ابن ايواظ بك يقتلونه مع جماعته وهذا هو الرأي والتدبير
ففعلوا ذلك ولم يتم بل اختفى اسمعيل بك ودخل الى مصر ثم ظهر بعد ان دبر اموره وعزل رجب باشا وانزلوه الى بيت مصطفى كتخدا عزبان وفسد تدبيره وكتبوا عرضحال بصورة الواقع وارسلوه الى اسلامبول وسيأتي تتمة خبر ذلك في ترجمة اسمعيل بك
وكان رجب باشا اخذ من مال دار الضرب مائة وعشرين كيسا صرفها على التجريدة
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة