بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تابع كتاب الأمور المنهي عنها
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
باب تحريم الغدر
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُود) المائدة: 1.
وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئولاً) الإسراء: 34.
O وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربعٌ من كن فيه، كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن، كان فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ، وابن عمر، وأنسٍ رضي الله عنهم قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلانٍ " متفقٌ عليه.
O وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل غادرٍ لواءٌ عند استه يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة " رواه مسلم.
O وعن أبي هيرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حراً فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره " رواه البخاري.
باب النهي عن المن بالعطية ونحوها
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالمَنِّ وَالأذَى) البقرة: 264.
وقال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ الله ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلاَ أَذىً) البقرة: 262.
O وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه، ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ " قال: فقراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ. قال أبو ذرٍ: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله، قال: " المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " رواه مسلم.
وفي روايةٍ له: " المسبل إزاره " يعني: المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء.
باب النهي عن الافتخار والبغي
قال الله تعالى: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن اتَّقَى) النجم: 32.
وقال تعالى: (إنَّما السَّبيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَيَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ) الشورى: 42.
O وعن عياض بن حمارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ " رواه مسلم.
قال أهل اللغة: البغي: التعدي والاستطالة.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم " رواه مسلم.
الرواية المشهورة: أهلكهم برفع الكاف، وروي بنصبها. وهذا النهي لمن قال ذلك عجباً بنفسه، وتصاغراً للناس، وارتفاعاً عليهم، فهذا هو الحرام. وأما من قاله لما يرى في الناس من نقصٍ في أمر دينهم، وقاله تحزناً عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به. هكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام: مالك بن أنسٍ، والخطابي، والحميدي وآخرون، وقد أوضحته في كتاب الأذكار.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً. ولا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ " متفقٌ عليه.
O وعن أبي أيوبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ: يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعرض الأعمال في كل اثنين وخميسٍ، فيغفر الله لكل امريءٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا " رواه مسلم.
O وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم " رواه مسلم.
التحريش: الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، فمن هجر فوق ثلاثٍ، فمات دخل النار ". رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط البخاري ومسلم.
O وعن أبي خراشٍ حدرد بن أبي حدردٍ الأسلمي، ويقال السلمي الصحابي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من هجر أخاه سنةً فهو كسفك دمه ". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لمؤمنٍ أن يهجر مؤمناً فوق ثلاثٍ، فإن مرت به ثلاثٌ، فليلقه، فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه، فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة " رواه أبو داود بإسناد حسن. قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله تعالى، فليس من هذا في شيءٍ.
باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة،
وهو أن يتحدثا سراً بحيث لا يسمعهما، وفي معناه ما إذا تحدث اثنان بلسان لا يفهمه
قال الله تعالى: (إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ) المجادلة: 10.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كانوا ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دون الثالث " متفقٌ عليه.
ورواه أبو داود وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعةً، قال: لا يضرك.
ورواه مالك في الموطأ: عن عبد الله بن دينارٍ قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجلٌ يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحدٌ غيري، فدعا ابن عمر رجلاً آخر حتى كنا أربعةً، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يتناجى اثنان دون واحدٍ ".
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه " متفقٌ عليه.
باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد
النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب
قال الله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنَ إحْسَاناً، وَبِذِي الْقُرْبى، وَالْيَتَامَى، وَالمَسَاكِينِ، وَالجَارِ ذِي الْقُرْبى، وَالجَارِ الجُنُبِ، وَالصَّاحِبِ بالجَنْبِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ؛ إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء: 36.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عذبت امرأةٌ في هرةٍ سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " متفقٌ عليه.
خشاش الأرض بفتح الخاء المعجمة، وبالشين المعجمة المكرزة: وهي هوامها وحشراتها.
O وعنه أنه مر بفتيانٍ من قريشٍ قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئةٍ من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا، لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً. متفقٌ عليه.
الغرض: بفتح الغين المعجمة، والراء وهو الهدف، والشيء الذي يرمى إليه.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم. متفقٌ عليه. ومعناه: تحبس للقتل.
O وعن أبي عليٍ سويد بن مقرنٍ رضي الله عنه قال: لقد رأيتني سابع سبعةٍ من بني مقرنٍ ما لنا خادمٌ إلا واحدةٌ لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. رواه مسلم. وفي روايةٍ: سابع إخوةٍ لي.
O وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً من خلفي: " اعلم أبا مسعودٍ " فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: " اعلم أبا مسعودٍ أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام "، فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً.
وفي روايةٍ: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي روايةٍ: فقلت: يا رسول الله هو حرٌ لوجه الله تعالى، فقال: " أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار " رواه مسلم بهذه الروايات.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه " رواه مسلم.
O وعن هشام بن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنهما أنه مر بالشام على أناسٍ من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا، قيل: يعذبون في الخراج، وفي روايةٍ: حبسوا في الجزية. فقال هشامٌ: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا " فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا. رواه مسلم.
الأنباط: الفلاحون من العجم.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً موسوم الوجه، فأنكر ذلك، فقال: " والله لا أسمه إلا أقصى شيءٍ من الوجه وأمر بحماره، فكوي في جاعرتيه "، فهو أول من كوى الجاعرتين. رواه مسلم.
الجاعرتان: ناحيتا الوركين حول الدبر.
O وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر عليه حمارٌ قد وسم في وجهه، فقال: " لعن الله الذي وسمه " رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم أيضاً: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه.
باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعثٍ فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين من قريشٍ سماهما فأحرقوهما بالنار " ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج: " إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتوهما فاقتلوهما " رواه البخاري.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرةً معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من فجع هذه بولدها، ردوا ولدها إليها " ورأى قرية نملٍ قد حرقناها، فقال: " من حرق هذه " قلنا: نحن. قال: " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قوله: قرية نملٍ معناه: موضع النمل مع النمل.
باب تحريم مطل الغني بحقٍ طلبه صاحبه
قال الله تعالى: (إنَّ الله يَأْمُرُكُم أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا) النساء: 58.
وقال تعالى: (فإنْ أَمِنَ بعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤتُمِنَ أَمَانَتَهُ) البقرة: 283.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مطل الغني ظلمٌ، وإذا أتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع " متفقٌ عليه.
معنى أتبع: أحيل.
باب كراهة عود الإنسان في الهبة
كراهة عود الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها، وكراهة شرائه شيئاً تصدق به من الذي تصدق عليه، أو أخرجه عن زكاة، أو كفارة ونحوها، ولا بأس بشرائه من شخص آخر قد انتقل إليه
O عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه " متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: " مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه فيأكله ".
وفي روايةٍ: العائد في هبته كالعائد في قيئه.
O وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حملت على فرسٍ في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخصٍ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهمٍ، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه " متفقٌ عليه.
قوله: حملت على فرسٍ في سبيل الله معناه: تصدقت به على بعض المجاهدين.
باب تأكيد تحريم مال اليتيم
قال الله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامى ظُلْماً إنَّمَا يَأْكُلُوْنَ في بُطُونِهِم نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء: 10.
وقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ) الأنعام: 152.
وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُل إصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإنْ تُخالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ المُفسِدَ مِنَ المُصْلِحِ) البقرة: 220.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا: يا رسول الله وما هن، قال: " الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " متفقٌ عليه.
الموبقات: المهلكات.
باب تغليظ تحريم الربا
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إلاَّ كما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللهِ وَمَنْ عَادَ فأُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربي الصَّدَقَاتِ) إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) البقرة: 275.
وأما الأحاديث فكثيرةٌ في الصحيح مشهورةٌ، منها حديث أبي هريرة السابق في الباب قبله.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله رواه مسلم.
زاد الترمذي وغيره: وشاهديه، وكاتبه.
باب تحريم الرياء
قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البينة: 5.
وقال تعالى: (لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى، كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) البقرة: 264.
وقال تعالى: (يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلاً) النساء: 142.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه " رواه مسلم.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد، فأتي به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: قاتلت فيك حتى استشهدت: قال كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريءٌ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها، قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال: هو قاريءٌ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها. قال: فما عملت فيها، قال: ما تركت من سبيلٍ تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جوادٌ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار. رواه مسلمٌ.
جريءٌ بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي: شجاعٌ حاذقٌ.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن ناساً قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
O وعن جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " متفق عليه.
ورواه مسلمٌ أيضاً من رواية ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
سمع بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياءً سمع الله به أي: فضحه يوم القيامة، ومعنى: من راءى أي: من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم راءى الله به أي: أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.
O وعن أبي هيرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني: ريحها. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
والأحاديث في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ.
باب ما يتوهم أنه رياء وليس برياء
عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه، قال: " تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه مسلم.
باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية
تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية
قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور: 30
وقال تعالى: (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) الإسراء: 36.
وقال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر: 19.
وقال تعالى: (إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ) الفجر: 14.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدركٌ ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ". متفقٌ عليه. وهذا لفظ مسلمٍ، ورواية البخاري مختصرةٌ.
O وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والجلوس في الطرقات "، قالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بدٌ: نتحدث فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه " قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " متفقٌ عليه.
O وعن أبي طلحة زيد بن سهلٍ رضي الله عنه قال: كنا قعوداً بالأفنية نتحدث فيها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فقال: " ما لكم ولمجالس الصعدات، اجتنبوا مجالس الصعدات " فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس: قعدنا نتذاكر، ونتحدث. قال: " إما لا فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام " رواه مسلم.
الصعدات بضم الصاد والعين، أي: الطرقات.
O وعن جريرٍ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: " اصرف بصرك " رواه مسلم.
O وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتومٍ، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه " فقلنا: يا رسول الله أليس هو أعمى: لا يبصرنا، ولا يعرفنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه " رواه أبو داود والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
O وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوبٍ واحدٍ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " رواه مسلم.
باب تحريم الخلوة بالأجنبية
قال الله تعالى: (وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الأحزاب: 53.
O وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجلٌ من الأنصار: أفرأيت الحمو، قال: " الحمو الموت " متفقٌ عليه.
الحمو قريب الزوج كأخيه، وابن أخيه، وابن عمه.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخلون أحدكم بامرأةٍ إلا مع ذي محرمٍ " متفقٌ عليه.
O وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، ما من رجلٍ من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى " ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما ظنكم ". رواه مسلم.
باب تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال
تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في لباس وحركة وغير ذلك
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء.
وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم.
معنى كاسيات أي: من نعمة الله عارياتٌ من شكرها. وقيل: معناه: تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهاراً لجمالها ونحوه، وقيل: تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. ومعنى مائلاتٌ قيل: عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن حفظه، مميلاتٌ: أي: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: مائلاتٌ يمشين متبختراتٍ، مميلاتٍ لأكتافهن، وقيل: مائلاتٌ يمتشطن المشطة الميلاء: وهي مشطة البغايا. ومميلاتٌ: يمشطن غيرهن تلك المشطة. رؤوسهن كأسنمة البخت أي: يكبرنها ويعظمنها بلف عمامةٍ أو عصابةٍ أو نحوه.
باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل ويشرب بشماله " رواه مسلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها. فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها " رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم " متفقٌ عليه.
المراد: خضاب شعر اللحية والرأس الأبيض بصفرةٍ أو حمرةٍ، وأما السواد، فمنهيٌ عنه كما سنذكر في الباب بعده، إن شاء الله تعالى.
باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: أتي بأبي قحافة والد أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله: غيروا هذا واجتنبوا السواد رواه مسلم.
باب النهي عن القزع
النهى عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض، وإباحة حلقه كله للرجل دون المرأة
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع. متفقٌ عليه.
O وعنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك وقال: " احلقوه كله، أو اتركوه كله ".
رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ على شرط البخاري ومسلم.
O وعن عبد الله بن جعفرٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفرٍ رضي الله عنه ثلاثاً، ثم أتاهم فقال: " لا تبكوا على أخي بعد اليوم ". ثم قال: " ادعوا لي بني أخي " فجيء بنا كأنا أفرخٌ فقال: " ادعوا لي الحلاق " فأمره، فحلق رؤوسنا. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ على شرط البخاري ومسلمٍ.
O وعن عليٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. رواه النسائي.
باب تحريم وصل الشعر والوشم والوشر
تحريم وصل الشعر والوشم والوشر وهو تحديد الأسنان
قال الله تعالى: (إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاَّ إنَاثاً وَإنْ يَدْعُونَ إلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ: لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً، وَلأُضِلَّنَّهُمْ، وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ، وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ، وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) الآية النساء: 117 - 119.
O وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأةً سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة، فتمرق شعرها، وإني زوجتها، أفأصل فيه، فقال: " لعن الله الواصلة والموصولة " متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: الواصلة، والمستوصلة.
قولها: فتمرق هو بالراء، ومعناه: انتثر وسقط. والواصلة: التي تصل شعرها، أو شعر غيرها بشعرٍ آخر. والموصولة: التي يوصل شعرها. والمستوصلة: التي تسأل من يفعل ذلك لها.
وعن عائشة رضي الله عنها نحوه، متفقٌ عليه.
O وعن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية رضي الله عنه عام حج على المنبر وتناول قصةً من شعرٍ كانت في يد حرسيٍ فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه. ويقول: " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم " متفقٌ عليه.
O وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة. متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فقالت له امرأةٌ في ذلك، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، قال الله تعالى: (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر: 7 متفقٌ عليه.
المتفلجة: هي التي تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها من بعضٍ قليلاً، وتحسنها وهو الوشر، والنامصة: هي التي تأخذ من شعر حاجب غيرها، وترققه ليصير حسناً، والمتنمصة: التي تأمر من يفعل بها ذلك.
باب النهي عن نتف الشيب
النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما، وعن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه
عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم يوم القيامة " حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد حسنةٍ، قال الترمذي: هو حديثٌ حسنٌ.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ " رواه مسلم.
باب كراهية الاستنجاء باليمين
كراهية الاستنجاء باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر
عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا بال أحدكم، فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفس في الإناء ". متفقٌ عليه. وفي الباب أحاديث كثيرةٌ صحيحةٌ.
باب كراهة المشي في نعل واحدة
كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر، وكراهة لبس النعل والخف قائماً لغير عذر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمش أحدكم في نعلٍ واحدةٍ، لينعلهما جميعاً، أو ليخلعهما جميعاً ".
وفي روايةٍ " أو ليحفهما جميعاً " متفقٌ عليه.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا انقطع شسع نعل أحدكم، فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها " رواه مسلم.
O وعن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتعل الرجل قائماً. رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ.
باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم
النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء كانت في سراج أو غيره
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون " متفقٌ عليه.
O وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: احترق بيتٌ بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: " إن هذه النار عدوٌ لكم، فإذا نمتم، فأطفئوها " متفقٌ عليه.
O وعن جابرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " غطوا الإناء، وأوكئوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاءً، ولا يفتح باباً، ولا يكشف إناءً. فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً، ويذكر اسم الله، فليفعل، فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم " رواه مسلم.
الفويسقة: الفأرة، وتضرم: تحرق.
باب النهي عن التكلف
التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة
قال الله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنِ المُتَكَلِّفِينَ) صدق الله العظيم
O وعن عمر رضي الله عنه قال: نهينا عن التكلف. رواه البخاري.
O وعن مسروقٍ قال: دخلنا على عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ) رواه البخاري.
باب تحريم النياحة على الميت
تحريم النياحة على الميت ولطم الخد، وشقٍ الجيب ونتف الشعر، وحلقه، والدعاء بالويل والثبور
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ".
وفي روايةٍ: " ما نيح عليه " متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية " متفقٌ عليه.
O وعن أبي بردة قال: وجع أبو موسى، فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأةٍ من أهله، فأقبلت تصيح برنةٍ فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً؛ فلما أفاق، قال: أنا بريءٌ ممن بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريءٌ من الصالقة، والحالقة، والشاقة، متفقٌ عليه.
الصالقة: التي ترفع صوتها بالنياحة والندب والحالقة: التي تحلق رأسها عند المصيبة. والشاقة: التي تشق ثوبها.
O وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نيح عليه، فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة " متفقٌ عليه.
O وعن أم عطية نسيبة - بضم النون وفتحها - رضي الله عنها قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح. متفقٌ عليه.
O وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: أغمي على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه. فجعلت أخته تبكي، وتقول: واجبلاه، واكذا، واكذا: تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلا قيل لي: أنت كذلك، رواه البخاري.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة رضي الله عنه شكوى، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوفٍ، وسعد بن أبي وقاصٍ، وعبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهم، فلما دخل عليه، وجده في غشيةٍ فقال: " أقضى "، قالوا: لا يا رسول الله. فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، قال: " ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم " متفقٌ عليه.
O وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطرانٍ، ودرعٌ من جربٍ " رواه مسلم.
O وعن أسيد بن أبي أسيدٍ التابعي عن امرأةٍ من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه: أن لا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، وأن لا ننثر شعراً. رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ.
O وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ميتٍ يموت، فيقوم باكيهم، فيقول: واجبلاه، واسيداه، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت " رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
اللهز: الدفع بجمع اليد في الصدر.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس هما بهم كفرٌ: الطعن في النسب، والنياحة على الميت " رواه مسلم.
باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين
النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل، والطوارق بالحصى وبالشعير ونحو ذلك
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسٌ عن الكهان، فقال: " ليسوا بشيءٍ " فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيءٍ، فيكون حقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني. فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبةٍ " متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء، فيسترق الشيطان السمع، فيسمعه، فيوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبةٍ من عند أنفسهم.
قوله: فيقرها هو بفتح الياء، وضم القاف والراء، أي: يلقيها. والعنان بفتح العين.
O وعن صفية بنت عبيدٍ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ، فصدقه، لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً " رواه مسلم.
O وعن قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العيافة، والطيرة، والطرق، من الجبت ". رواه أبو داود بإسنادٍ حسن، وقال: الطرق، هو الزجر، أي: زجر الطير، وهو أن يتيمن أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين، تيمن، وإن طار إلى جهة اليسار تشاءم. قال أبو داود: والعيافة: الخط.
قال الجوهري في الصحاح: الجبت كلمةٌ تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتبس علماً من النجوم، اقتبس شعبةً من السحر زاد ما زاد " رواه أبو داود بإسناد صحيح.
O وعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهدٍ بجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: " فلا تأتهم " قلت: ومنا رجالٌ يتطيرون، قال: " ذلك شيءٌ يجدونه في صدورهم، فلا يصدهم " قلت: ومنا رجالٌ يخطون، قال: " كان نبيٌ من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه، فذاك " رواه مسلم.
O وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان الكاهن متفقٌ عليه.
باب تحريم سب الأموات بغير حقٍ
تحريم سب الأموات بغير حقٍ ومصلحة شرعية وهو التحذير من الاقتداء به في بدعته، وفسقه، ونحو ذلك؛ وفيه الآية والأحاديث السابقة في الباب قبله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " رواه البخاري.
باب تحريم تصوير الحيوان
تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم، أو مخدة، أو دينار، أو وسادة وغير ذلك، وتحريم اتخاذ الصورة في حائط وستر وعمامة وثوب ونحوها، والأمر بإتلاف الصور
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم " متفقٌ عليه.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفرٍ وقد سترت سهوةً لي بقرامٍ فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلون وجهه، وقال: " يا عائشة، أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله " قالت: فقطعناه، فجعلنا منه وسادةً أو وسادتين. متفقٌ عليه.
القرام بكسر القاف، هو: الستر. والسهوة بفتح السين المهملة وهي: الصفة تكون بين يدي البيت، وقيل: هي الطاق النافذ في الحائط.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مصورٍ في النار يجعل له بكل صورةٍ صورها نفسٌ فيعذبه في جهنم " قال ابن عباسٍ: فإن كنت لا بد فاعلاً، فاصنع الشجر وما لا روح فيه. متفقٌ عليه.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صور صورةً في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخٍ " متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون " متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرةً أو ليخلقوا حبةً، أو ليخلقوا شعيرةً " متفقٌ عليه.
O وعن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ " متفقٌ عليه.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه، فراث عليه حتى اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فلقيه جبريل فشكا إليه، فقال: إنا لا ندخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ. رواه البخاري.
راث: أبطأ، وهو بالثاء المثلثة.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعةٍ أن يأتيه، فجاءت تلك الساعة ولم يأته، قالت: وكان بيده عصاً، فطرحها من يده وهو يقول: " ما يخلف الله وعده ولا رسله " ثم التفت، فإذا جرو كلبٍ تحت سريره. فقال: " متى دخل هذا الكلب " فقلت: والله ما دريت به، فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل عليه السلام: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدتني، فجلست لك ولم تأتني فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ رواه مسلم.
O وعن أبي الهياج حيان بن حصينٍ قال: قال لي علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع صورةً إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. رواه مسلمٌ.
باب كراهية تعليق الجرس
كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب الكلب والجرس في السفر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصحب الملائكة رفقةً فيها كلبٌ أو جرسٌ " رواه مسلم.
O وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجرس مزامير الشيطان " رواه مسلمٌ.
باب كراهة ركوب الجلالة
الجلالة هي البعير أو الناقة التي تأكل العذرة، فإن أكلت علفاً طاهراً فطاب لحمها، زالت الكراهة
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
باب النهي عن البصاق في المسجد
النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه، والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار
عن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البصاق في المسجد خطيئةٌ، وكفارتها دفنها ". متفقٌ عليه.
والمراد بدفنها إذا كان المسجد تراباً أو رملاً ونحوه، فيواريها تحت ترابه. قال أبو المحاسن الروياني من أصحابنا في كتابه البحر وقيل: المراد بدفنها إخراجها من المسجد، أما إذا كان المسجد مبلطاً أو مجصصاً، فدلكها عليه بمداسه أو بغيره كما يفعله كثيرٌ من الجهال، فليس ذلك بدفنٍ، بل زيادةٌ في الخطيئة وتكثيرٌ للقذر في المسجد، وعلى من فعل ذلك أن يمسحه بعد ذلك بثوبه أو بيده أو غيره أو يغسله.
O وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطاً، أو بزاقاً، أو نخامةً، فحكه. متفقٌ عليه.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى، وقراءة القرآن " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
باب كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب
كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم، فيفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء
عن معاذ بن أنسٍ الجهني، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. رواه أبو داود، والترمذي وقالا: حديثٌ حسنٌ.
[ كتاب رياض الصالحين : للنووي ]
باب تحريم الغدر
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُود) المائدة: 1.
وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئولاً) الإسراء: 34.
O وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربعٌ من كن فيه، كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن، كان فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ، وابن عمر، وأنسٍ رضي الله عنهم قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلانٍ " متفقٌ عليه.
O وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل غادرٍ لواءٌ عند استه يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة " رواه مسلم.
O وعن أبي هيرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حراً فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره " رواه البخاري.
باب النهي عن المن بالعطية ونحوها
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالمَنِّ وَالأذَى) البقرة: 264.
وقال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ الله ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلاَ أَذىً) البقرة: 262.
O وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه، ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ " قال: فقراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ. قال أبو ذرٍ: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله، قال: " المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " رواه مسلم.
وفي روايةٍ له: " المسبل إزاره " يعني: المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء.
باب النهي عن الافتخار والبغي
قال الله تعالى: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن اتَّقَى) النجم: 32.
وقال تعالى: (إنَّما السَّبيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَيَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ) الشورى: 42.
O وعن عياض بن حمارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ " رواه مسلم.
قال أهل اللغة: البغي: التعدي والاستطالة.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم " رواه مسلم.
الرواية المشهورة: أهلكهم برفع الكاف، وروي بنصبها. وهذا النهي لمن قال ذلك عجباً بنفسه، وتصاغراً للناس، وارتفاعاً عليهم، فهذا هو الحرام. وأما من قاله لما يرى في الناس من نقصٍ في أمر دينهم، وقاله تحزناً عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به. هكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام: مالك بن أنسٍ، والخطابي، والحميدي وآخرون، وقد أوضحته في كتاب الأذكار.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً. ولا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ " متفقٌ عليه.
O وعن أبي أيوبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ: يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعرض الأعمال في كل اثنين وخميسٍ، فيغفر الله لكل امريءٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا " رواه مسلم.
O وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم " رواه مسلم.
التحريش: الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، فمن هجر فوق ثلاثٍ، فمات دخل النار ". رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط البخاري ومسلم.
O وعن أبي خراشٍ حدرد بن أبي حدردٍ الأسلمي، ويقال السلمي الصحابي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من هجر أخاه سنةً فهو كسفك دمه ". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لمؤمنٍ أن يهجر مؤمناً فوق ثلاثٍ، فإن مرت به ثلاثٌ، فليلقه، فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه، فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة " رواه أبو داود بإسناد حسن. قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله تعالى، فليس من هذا في شيءٍ.
باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة،
وهو أن يتحدثا سراً بحيث لا يسمعهما، وفي معناه ما إذا تحدث اثنان بلسان لا يفهمه
قال الله تعالى: (إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ) المجادلة: 10.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كانوا ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دون الثالث " متفقٌ عليه.
ورواه أبو داود وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعةً، قال: لا يضرك.
ورواه مالك في الموطأ: عن عبد الله بن دينارٍ قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجلٌ يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحدٌ غيري، فدعا ابن عمر رجلاً آخر حتى كنا أربعةً، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يتناجى اثنان دون واحدٍ ".
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه " متفقٌ عليه.
باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد
النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب
قال الله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنَ إحْسَاناً، وَبِذِي الْقُرْبى، وَالْيَتَامَى، وَالمَسَاكِينِ، وَالجَارِ ذِي الْقُرْبى، وَالجَارِ الجُنُبِ، وَالصَّاحِبِ بالجَنْبِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ؛ إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء: 36.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عذبت امرأةٌ في هرةٍ سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " متفقٌ عليه.
خشاش الأرض بفتح الخاء المعجمة، وبالشين المعجمة المكرزة: وهي هوامها وحشراتها.
O وعنه أنه مر بفتيانٍ من قريشٍ قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئةٍ من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا، لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً. متفقٌ عليه.
الغرض: بفتح الغين المعجمة، والراء وهو الهدف، والشيء الذي يرمى إليه.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم. متفقٌ عليه. ومعناه: تحبس للقتل.
O وعن أبي عليٍ سويد بن مقرنٍ رضي الله عنه قال: لقد رأيتني سابع سبعةٍ من بني مقرنٍ ما لنا خادمٌ إلا واحدةٌ لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. رواه مسلم. وفي روايةٍ: سابع إخوةٍ لي.
O وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً من خلفي: " اعلم أبا مسعودٍ " فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: " اعلم أبا مسعودٍ أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام "، فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً.
وفي روايةٍ: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي روايةٍ: فقلت: يا رسول الله هو حرٌ لوجه الله تعالى، فقال: " أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار " رواه مسلم بهذه الروايات.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه " رواه مسلم.
O وعن هشام بن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنهما أنه مر بالشام على أناسٍ من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا، قيل: يعذبون في الخراج، وفي روايةٍ: حبسوا في الجزية. فقال هشامٌ: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا " فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا. رواه مسلم.
الأنباط: الفلاحون من العجم.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً موسوم الوجه، فأنكر ذلك، فقال: " والله لا أسمه إلا أقصى شيءٍ من الوجه وأمر بحماره، فكوي في جاعرتيه "، فهو أول من كوى الجاعرتين. رواه مسلم.
الجاعرتان: ناحيتا الوركين حول الدبر.
O وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر عليه حمارٌ قد وسم في وجهه، فقال: " لعن الله الذي وسمه " رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم أيضاً: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه.
باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعثٍ فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين من قريشٍ سماهما فأحرقوهما بالنار " ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج: " إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتوهما فاقتلوهما " رواه البخاري.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرةً معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من فجع هذه بولدها، ردوا ولدها إليها " ورأى قرية نملٍ قد حرقناها، فقال: " من حرق هذه " قلنا: نحن. قال: " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قوله: قرية نملٍ معناه: موضع النمل مع النمل.
باب تحريم مطل الغني بحقٍ طلبه صاحبه
قال الله تعالى: (إنَّ الله يَأْمُرُكُم أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا) النساء: 58.
وقال تعالى: (فإنْ أَمِنَ بعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤتُمِنَ أَمَانَتَهُ) البقرة: 283.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مطل الغني ظلمٌ، وإذا أتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع " متفقٌ عليه.
معنى أتبع: أحيل.
باب كراهة عود الإنسان في الهبة
كراهة عود الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها، وكراهة شرائه شيئاً تصدق به من الذي تصدق عليه، أو أخرجه عن زكاة، أو كفارة ونحوها، ولا بأس بشرائه من شخص آخر قد انتقل إليه
O عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه " متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: " مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه فيأكله ".
وفي روايةٍ: العائد في هبته كالعائد في قيئه.
O وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حملت على فرسٍ في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخصٍ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهمٍ، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه " متفقٌ عليه.
قوله: حملت على فرسٍ في سبيل الله معناه: تصدقت به على بعض المجاهدين.
باب تأكيد تحريم مال اليتيم
قال الله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامى ظُلْماً إنَّمَا يَأْكُلُوْنَ في بُطُونِهِم نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء: 10.
وقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ) الأنعام: 152.
وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُل إصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإنْ تُخالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ المُفسِدَ مِنَ المُصْلِحِ) البقرة: 220.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا: يا رسول الله وما هن، قال: " الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " متفقٌ عليه.
الموبقات: المهلكات.
باب تغليظ تحريم الربا
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إلاَّ كما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللهِ وَمَنْ عَادَ فأُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربي الصَّدَقَاتِ) إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) البقرة: 275.
وأما الأحاديث فكثيرةٌ في الصحيح مشهورةٌ، منها حديث أبي هريرة السابق في الباب قبله.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله رواه مسلم.
زاد الترمذي وغيره: وشاهديه، وكاتبه.
باب تحريم الرياء
قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البينة: 5.
وقال تعالى: (لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى، كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) البقرة: 264.
وقال تعالى: (يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلاً) النساء: 142.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه " رواه مسلم.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد، فأتي به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: قاتلت فيك حتى استشهدت: قال كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريءٌ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها، قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال: هو قاريءٌ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها. قال: فما عملت فيها، قال: ما تركت من سبيلٍ تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جوادٌ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار. رواه مسلمٌ.
جريءٌ بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي: شجاعٌ حاذقٌ.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن ناساً قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
O وعن جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " متفق عليه.
ورواه مسلمٌ أيضاً من رواية ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
سمع بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياءً سمع الله به أي: فضحه يوم القيامة، ومعنى: من راءى أي: من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم راءى الله به أي: أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.
O وعن أبي هيرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني: ريحها. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
والأحاديث في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ.
باب ما يتوهم أنه رياء وليس برياء
عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه، قال: " تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه مسلم.
باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية
تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية
قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور: 30
وقال تعالى: (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) الإسراء: 36.
وقال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر: 19.
وقال تعالى: (إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ) الفجر: 14.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدركٌ ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ". متفقٌ عليه. وهذا لفظ مسلمٍ، ورواية البخاري مختصرةٌ.
O وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والجلوس في الطرقات "، قالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بدٌ: نتحدث فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه " قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " متفقٌ عليه.
O وعن أبي طلحة زيد بن سهلٍ رضي الله عنه قال: كنا قعوداً بالأفنية نتحدث فيها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فقال: " ما لكم ولمجالس الصعدات، اجتنبوا مجالس الصعدات " فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس: قعدنا نتذاكر، ونتحدث. قال: " إما لا فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام " رواه مسلم.
الصعدات بضم الصاد والعين، أي: الطرقات.
O وعن جريرٍ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: " اصرف بصرك " رواه مسلم.
O وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتومٍ، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه " فقلنا: يا رسول الله أليس هو أعمى: لا يبصرنا، ولا يعرفنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه " رواه أبو داود والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
O وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوبٍ واحدٍ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " رواه مسلم.
باب تحريم الخلوة بالأجنبية
قال الله تعالى: (وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الأحزاب: 53.
O وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجلٌ من الأنصار: أفرأيت الحمو، قال: " الحمو الموت " متفقٌ عليه.
الحمو قريب الزوج كأخيه، وابن أخيه، وابن عمه.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخلون أحدكم بامرأةٍ إلا مع ذي محرمٍ " متفقٌ عليه.
O وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، ما من رجلٍ من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى " ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما ظنكم ". رواه مسلم.
باب تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال
تحريم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في لباس وحركة وغير ذلك
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء.
وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
O وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم.
معنى كاسيات أي: من نعمة الله عارياتٌ من شكرها. وقيل: معناه: تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهاراً لجمالها ونحوه، وقيل: تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. ومعنى مائلاتٌ قيل: عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن حفظه، مميلاتٌ: أي: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: مائلاتٌ يمشين متبختراتٍ، مميلاتٍ لأكتافهن، وقيل: مائلاتٌ يمتشطن المشطة الميلاء: وهي مشطة البغايا. ومميلاتٌ: يمشطن غيرهن تلك المشطة. رؤوسهن كأسنمة البخت أي: يكبرنها ويعظمنها بلف عمامةٍ أو عصابةٍ أو نحوه.
باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل ويشرب بشماله " رواه مسلم.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها. فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها " رواه مسلم.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم " متفقٌ عليه.
المراد: خضاب شعر اللحية والرأس الأبيض بصفرةٍ أو حمرةٍ، وأما السواد، فمنهيٌ عنه كما سنذكر في الباب بعده، إن شاء الله تعالى.
باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: أتي بأبي قحافة والد أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله: غيروا هذا واجتنبوا السواد رواه مسلم.
باب النهي عن القزع
النهى عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض، وإباحة حلقه كله للرجل دون المرأة
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع. متفقٌ عليه.
O وعنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك وقال: " احلقوه كله، أو اتركوه كله ".
رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ على شرط البخاري ومسلم.
O وعن عبد الله بن جعفرٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفرٍ رضي الله عنه ثلاثاً، ثم أتاهم فقال: " لا تبكوا على أخي بعد اليوم ". ثم قال: " ادعوا لي بني أخي " فجيء بنا كأنا أفرخٌ فقال: " ادعوا لي الحلاق " فأمره، فحلق رؤوسنا. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ على شرط البخاري ومسلمٍ.
O وعن عليٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. رواه النسائي.
باب تحريم وصل الشعر والوشم والوشر
تحريم وصل الشعر والوشم والوشر وهو تحديد الأسنان
قال الله تعالى: (إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاَّ إنَاثاً وَإنْ يَدْعُونَ إلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ: لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً، وَلأُضِلَّنَّهُمْ، وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ، وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ، وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) الآية النساء: 117 - 119.
O وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأةً سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة، فتمرق شعرها، وإني زوجتها، أفأصل فيه، فقال: " لعن الله الواصلة والموصولة " متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: الواصلة، والمستوصلة.
قولها: فتمرق هو بالراء، ومعناه: انتثر وسقط. والواصلة: التي تصل شعرها، أو شعر غيرها بشعرٍ آخر. والموصولة: التي يوصل شعرها. والمستوصلة: التي تسأل من يفعل ذلك لها.
وعن عائشة رضي الله عنها نحوه، متفقٌ عليه.
O وعن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية رضي الله عنه عام حج على المنبر وتناول قصةً من شعرٍ كانت في يد حرسيٍ فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه. ويقول: " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم " متفقٌ عليه.
O وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة. متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فقالت له امرأةٌ في ذلك، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، قال الله تعالى: (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر: 7 متفقٌ عليه.
المتفلجة: هي التي تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها من بعضٍ قليلاً، وتحسنها وهو الوشر، والنامصة: هي التي تأخذ من شعر حاجب غيرها، وترققه ليصير حسناً، والمتنمصة: التي تأمر من يفعل بها ذلك.
باب النهي عن نتف الشيب
النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما، وعن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه
عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم يوم القيامة " حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد حسنةٍ، قال الترمذي: هو حديثٌ حسنٌ.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ " رواه مسلم.
باب كراهية الاستنجاء باليمين
كراهية الاستنجاء باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر
عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا بال أحدكم، فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفس في الإناء ". متفقٌ عليه. وفي الباب أحاديث كثيرةٌ صحيحةٌ.
باب كراهة المشي في نعل واحدة
كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر، وكراهة لبس النعل والخف قائماً لغير عذر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمش أحدكم في نعلٍ واحدةٍ، لينعلهما جميعاً، أو ليخلعهما جميعاً ".
وفي روايةٍ " أو ليحفهما جميعاً " متفقٌ عليه.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا انقطع شسع نعل أحدكم، فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها " رواه مسلم.
O وعن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتعل الرجل قائماً. رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ.
باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم
النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء كانت في سراج أو غيره
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون " متفقٌ عليه.
O وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: احترق بيتٌ بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: " إن هذه النار عدوٌ لكم، فإذا نمتم، فأطفئوها " متفقٌ عليه.
O وعن جابرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " غطوا الإناء، وأوكئوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاءً، ولا يفتح باباً، ولا يكشف إناءً. فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً، ويذكر اسم الله، فليفعل، فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم " رواه مسلم.
الفويسقة: الفأرة، وتضرم: تحرق.
باب النهي عن التكلف
التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة
قال الله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنِ المُتَكَلِّفِينَ) صدق الله العظيم
O وعن عمر رضي الله عنه قال: نهينا عن التكلف. رواه البخاري.
O وعن مسروقٍ قال: دخلنا على عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ) رواه البخاري.
باب تحريم النياحة على الميت
تحريم النياحة على الميت ولطم الخد، وشقٍ الجيب ونتف الشعر، وحلقه، والدعاء بالويل والثبور
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ".
وفي روايةٍ: " ما نيح عليه " متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية " متفقٌ عليه.
O وعن أبي بردة قال: وجع أبو موسى، فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأةٍ من أهله، فأقبلت تصيح برنةٍ فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً؛ فلما أفاق، قال: أنا بريءٌ ممن بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريءٌ من الصالقة، والحالقة، والشاقة، متفقٌ عليه.
الصالقة: التي ترفع صوتها بالنياحة والندب والحالقة: التي تحلق رأسها عند المصيبة. والشاقة: التي تشق ثوبها.
O وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نيح عليه، فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة " متفقٌ عليه.
O وعن أم عطية نسيبة - بضم النون وفتحها - رضي الله عنها قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح. متفقٌ عليه.
O وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: أغمي على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه. فجعلت أخته تبكي، وتقول: واجبلاه، واكذا، واكذا: تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلا قيل لي: أنت كذلك، رواه البخاري.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة رضي الله عنه شكوى، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوفٍ، وسعد بن أبي وقاصٍ، وعبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهم، فلما دخل عليه، وجده في غشيةٍ فقال: " أقضى "، قالوا: لا يا رسول الله. فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، قال: " ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم " متفقٌ عليه.
O وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطرانٍ، ودرعٌ من جربٍ " رواه مسلم.
O وعن أسيد بن أبي أسيدٍ التابعي عن امرأةٍ من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه: أن لا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، وأن لا ننثر شعراً. رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ.
O وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ميتٍ يموت، فيقوم باكيهم، فيقول: واجبلاه، واسيداه، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت " رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
اللهز: الدفع بجمع اليد في الصدر.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس هما بهم كفرٌ: الطعن في النسب، والنياحة على الميت " رواه مسلم.
باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين
النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل، والطوارق بالحصى وبالشعير ونحو ذلك
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسٌ عن الكهان، فقال: " ليسوا بشيءٍ " فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيءٍ، فيكون حقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني. فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبةٍ " متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء، فيسترق الشيطان السمع، فيسمعه، فيوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبةٍ من عند أنفسهم.
قوله: فيقرها هو بفتح الياء، وضم القاف والراء، أي: يلقيها. والعنان بفتح العين.
O وعن صفية بنت عبيدٍ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ، فصدقه، لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً " رواه مسلم.
O وعن قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العيافة، والطيرة، والطرق، من الجبت ". رواه أبو داود بإسنادٍ حسن، وقال: الطرق، هو الزجر، أي: زجر الطير، وهو أن يتيمن أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين، تيمن، وإن طار إلى جهة اليسار تشاءم. قال أبو داود: والعيافة: الخط.
قال الجوهري في الصحاح: الجبت كلمةٌ تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتبس علماً من النجوم، اقتبس شعبةً من السحر زاد ما زاد " رواه أبو داود بإسناد صحيح.
O وعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهدٍ بجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: " فلا تأتهم " قلت: ومنا رجالٌ يتطيرون، قال: " ذلك شيءٌ يجدونه في صدورهم، فلا يصدهم " قلت: ومنا رجالٌ يخطون، قال: " كان نبيٌ من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه، فذاك " رواه مسلم.
O وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان الكاهن متفقٌ عليه.
باب تحريم سب الأموات بغير حقٍ
تحريم سب الأموات بغير حقٍ ومصلحة شرعية وهو التحذير من الاقتداء به في بدعته، وفسقه، ونحو ذلك؛ وفيه الآية والأحاديث السابقة في الباب قبله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " رواه البخاري.
باب تحريم تصوير الحيوان
تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم، أو مخدة، أو دينار، أو وسادة وغير ذلك، وتحريم اتخاذ الصورة في حائط وستر وعمامة وثوب ونحوها، والأمر بإتلاف الصور
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم " متفقٌ عليه.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفرٍ وقد سترت سهوةً لي بقرامٍ فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلون وجهه، وقال: " يا عائشة، أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله " قالت: فقطعناه، فجعلنا منه وسادةً أو وسادتين. متفقٌ عليه.
القرام بكسر القاف، هو: الستر. والسهوة بفتح السين المهملة وهي: الصفة تكون بين يدي البيت، وقيل: هي الطاق النافذ في الحائط.
O وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مصورٍ في النار يجعل له بكل صورةٍ صورها نفسٌ فيعذبه في جهنم " قال ابن عباسٍ: فإن كنت لا بد فاعلاً، فاصنع الشجر وما لا روح فيه. متفقٌ عليه.
O وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صور صورةً في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخٍ " متفقٌ عليه.
O وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون " متفقٌ عليه.
O وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرةً أو ليخلقوا حبةً، أو ليخلقوا شعيرةً " متفقٌ عليه.
O وعن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ " متفقٌ عليه.
O وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه، فراث عليه حتى اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فلقيه جبريل فشكا إليه، فقال: إنا لا ندخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ. رواه البخاري.
راث: أبطأ، وهو بالثاء المثلثة.
O وعن عائشة رضي الله عنها قالت: واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعةٍ أن يأتيه، فجاءت تلك الساعة ولم يأته، قالت: وكان بيده عصاً، فطرحها من يده وهو يقول: " ما يخلف الله وعده ولا رسله " ثم التفت، فإذا جرو كلبٍ تحت سريره. فقال: " متى دخل هذا الكلب " فقلت: والله ما دريت به، فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل عليه السلام: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدتني، فجلست لك ولم تأتني فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ رواه مسلم.
O وعن أبي الهياج حيان بن حصينٍ قال: قال لي علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع صورةً إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. رواه مسلمٌ.
باب كراهية تعليق الجرس
كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب الكلب والجرس في السفر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصحب الملائكة رفقةً فيها كلبٌ أو جرسٌ " رواه مسلم.
O وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجرس مزامير الشيطان " رواه مسلمٌ.
باب كراهة ركوب الجلالة
الجلالة هي البعير أو الناقة التي تأكل العذرة، فإن أكلت علفاً طاهراً فطاب لحمها، زالت الكراهة
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
باب النهي عن البصاق في المسجد
النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه، والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار
عن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البصاق في المسجد خطيئةٌ، وكفارتها دفنها ". متفقٌ عليه.
والمراد بدفنها إذا كان المسجد تراباً أو رملاً ونحوه، فيواريها تحت ترابه. قال أبو المحاسن الروياني من أصحابنا في كتابه البحر وقيل: المراد بدفنها إخراجها من المسجد، أما إذا كان المسجد مبلطاً أو مجصصاً، فدلكها عليه بمداسه أو بغيره كما يفعله كثيرٌ من الجهال، فليس ذلك بدفنٍ، بل زيادةٌ في الخطيئة وتكثيرٌ للقذر في المسجد، وعلى من فعل ذلك أن يمسحه بعد ذلك بثوبه أو بيده أو غيره أو يغسله.
O وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطاً، أو بزاقاً، أو نخامةً، فحكه. متفقٌ عليه.
O وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى، وقراءة القرآن " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
باب كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب
كراهية الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم، فيفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء
عن معاذ بن أنسٍ الجهني، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. رواه أبو داود، والترمذي وقالا: حديثٌ حسنٌ.
[ كتاب رياض الصالحين : للنووي ]