التأريخ في اللغة تعريف الوقت مطلقا يقال أرخت الكتاب تأريخا وورخته توريخا كما في الصحاح قيل هو معرب من ماه روز وحرفا هو تعيين وقت لينسب إليه زمان يأتي عليه أو مطلقا يعني سواء كان ماضيا أو مستقبلا وقيل تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع من ظهور ملة أو دولة أو أمر هائل من الآثار العلوية والحوادث السفلية مما يندر وقوعه جعل ذلك مبدأ لمعرفة ما بينه وبين أوقات الحوادث والأمور التي يجب ضبط أوقاتها في مستأنف السنين وقيل عدد الأيام والليالي بالنظر إلى ما مضى من السنة والشهر وإلى ما بقي وعلم التأريخ هو معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم إلى غير ذلك
وموضوعه أحوال الأشخاص الماضية من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والشعراء والملوك والسلاطين وغيرهم والغرض منه الوقوف على الأحوال الماضية وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن ليحترز عن أمثال ما نقل من المضار ويستجلب نظائرها من المنافع وهذا العلم كما قيل عمر آخر للناظرين والإنتفاع في مصره بمنافع تحصل للمسافرين كذا في مفتاح السعادة
وقد جعل صاحبه لهذا العلم فروعا كعلوم الطبقات والوفيات لكن الموضوع مشتمل عليها فلا وجه للإفراز والتفصيل في مقدمة الفذلكة من مسودات جامع المجلة وأما الكتب المصنفة في التأريخ فهي تربوا على أكثر من ألف وثلاثمائة
قال خليفة بن خياط وبالتأريخ عرف الناس أمر حجمهم وصومهم
وانقضاء عدد نسائهم ومحل ديونهم يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج
قال خليفة حدثنا يزيد بن زريع قال إنا سعيد بن قتادة يسألونك عن الأهلة فأنزل الله ما تسمعون { هي مواقيت للناس والحج } ومحال ديونهم في أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه قال { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب }
وقال القرماني في مقدمة كتابه أخبار الدول وأثار الأول في التاريخ عن معرفة علم التأريخ قال الفصل الأول في بيان معنى التأريخ وموضوعه أعلم أن علم التأريخ هو الأخبار عن الكائنات السابقة في العالم والحادثات سواء عهد حالها أو تقادم فهو السبيل إلى معرفة أخبار من مضى من الأمم وكيف حل بالمعاند السخط والغضب فأل أمره إلى التلف والعطب وكشف عورات الكاذبين وتمييز حال الصادقين وقال ولولا التواريخ لماتت معرفة الدول بموت ملوكها وخفي عن الأواخر عرفان حال الأول وسلوكها وما وقع من الحوادث في كل حين وما سطر فيها كتب به من فعل الملوك وأنه لم يخل من التواريخ كتاب من كتب الله المنزلة فمنها ما ورد بأخباره المجملة ومنها ما ورد بأخباره المفصلة واختلفوا في معنى التأريخ ذكر صاحب مفاتيح العلوم التأريخ النظام وهو معرب وعن الصولي تأريخ الشيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه ومنه فعل فلان تاريخ قومه أي انتهى إليه شرفهم ومعرفة غايتهم وقال الجواليقي في المعرب أن التاريخ ليس بعربي وإشتقاقه من الأرخ وهو ولد البقرة الوحشية إذا كان أنثى بفتح الهمزة وكسرها كأنه شيء حدث كما يحدث الولد وفي مفاتيح العلوم التأريخ كلمة فارسية أصلها ماروز فعرب ويقال أن الأرخ الوقت والتاريخ كأنه التوقيت وفي نور المقاييس وتاريخ الكتاب ليس عربيا ولا سمع من فصيح وفي الصحاح التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله وأرخت الكتاب يوم كذا وورخته بمعنى واحد وقد فرق الأصمعي بين اللغتين فقال بنو تميم يقولون ورخت الكتاب توريخا وقيس تقول أرخته تاريخا وقال ابن عباس رضي الله عنه قد ذكر الله تعالى التاريخ في كتابه فقال { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } وقال الدكتور إبراهيم السامرائي في النسخة المطبوعة كان العرب على علم بشيء يتصل بهذا فقد كانوا في جاهليتهم يؤرخون بأيامهم وبالأحداث الشهيرة التي كانت تقع لهم غير أن العصر الإسلامي وما جد فيه من أسباب الحضارة اقتضى أن يكون المسلمون مجتمعين على طريقة واحدة في تاريخهم فانتهوا إلى ما انتهوا إليه وفي هذه الرسالة الموجزة عرض للمراحل التي مرت وكيف استقرت الحال على اتخاذ الهجرة بداية لتاريخ تؤرخ بها الأحداث والوقائع
ومن الطبيعي أن ينتهي الأمر إلى هذا وأن يكون للمسلمين شيء واضح في هذا السبيل فقد تقدمت أحوالهم وكان لعلوم المسلمين من القرآن والحديث تأثير في تقدم مادة التاريخ وكتابة التاريخ وما أظن أن أحدا يجهل مقدار ما أفاد علم التاريخ من طريقة المحدثين في الرواية والنقل والضبط
وتتعلق مادة هذه الرسالة ب التاريخ وكيف اهتدى المسلمون منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة التي أرخوا بها وكيف استقروا على أن تكون هجرته صلى الله عليه وسلم مبدأ لتاريخ المسلمين
● [ الشماريخ في علم التاريخ ] ●بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الفضل الشامل العام والصلاة والسلام على رسوله المحبو بمزيد الإكرام وبعد
فقد وقعت لبعض شيوخنا على كتاب في علم التاريخ فلم أر فيه قليلا ولا كثيرا ولا جليلا يستفاد ولا حقيرا فوضعت في هذا الكتاب من فوائده ما تقر به الأعين وتمتليء به الألسن وسميته بالشماريخ في علم التاريخ ورتبته على أبواب
الباب الأول في مبدأ التاريخ
قال ابن خيثمة في تاريخه قال علي بن محمد المدايني عن
علي بن مجاهد ابن إسحاق عن الزهري وعن محمد بن صالح عن الشعبي قالا لما هبط آدم من الجنة وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحا فأرخوا ببعث نوح حتى كان الغرق فهلك من هلك ممن كان على وجه الأرض فلما هبط نوح وذريته وكل من كان في السفينة قسم الأرض بين ولده أثلاثا فجعل الشام وسطا من الأرض ففيها بيت المقدس والنيل والفرات ودجلة وسيحان وجيحان وميمون وذلك ما بين ميمون إلى شرقي النيل وما بين منخر ريح الجنوب إلى منخر الريح الشمالي وجعل لحام قسمة إلى غربي النيل فما وراءه إلى منخر ريح الدبور وجعل قسم يافث في الدبور فما وراءه منخر ريح الصبا فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم فلما كثر بنو إسماعيل افترقوا فأرخ بنوا إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى إلى مبعث ملك سليمان ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى بن مريم ومن مبعث عيسى بن مريم إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت حتى بناه إبراهيم وإسماعيل ثم أرخ بنو إسماعيل من بنيان البيت إلى أن تفرقت بعد فكان كلما خرج قوم من هامه أرخو بخروجهم ومن بقي من ولد إسماعيل يؤرخون من خروج سعد ومهده وجهينة حتى مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته إلى الفيل فكان التاريخ من الفيل إلى أن أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة وكان ذلك سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة أخرجه ابن جرير في تاريخه مختصرا إلى قوله من مبعث عيسى إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينبغي أن يكون هذا على تاريخ اليهود فأما أهل الإسلام فلم يؤرخوا إلا من الهجرة ولم يؤرخوا بشيء قبل ذلك غير أن قريشا كانوا يؤرخون قبل الإسلام بعام الفيل قال وكان ساير العرب يؤرخون بأيامهم المذكورة كيوم جبلة والكلاب الثاني وكانت النصارى تؤرخ بعهد الإسكندر ذي القرنين وكان الفرس يؤرخون بملوكهم وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق خليفة بن خياط حدثني يحيى بن محمد الكعبي عن عبد العزيز بن عمران قال لم يزل للناس تاريخ كانوا يؤرخون من هبوط آدم من الجنة فلم يزل ذلك حتى بعث الله نوحا فأرخوا من الطوفان ثم لم يزل كذلك حتى حرق إبراهيم فأرخوا من تحريق إبراهيم وأرخت بنوا إسماعيل من بنيان الكعبة ولم يزل ذلك حتى مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته فلم يزل ذلك حتى كان عام الفيل فأرخوا منه ثم أرخ المسلمون بعد الهجرة
● [ ذكر مبدأ التاريخ الهجري ] ●قال أبو القاسم بن عساكر في تاريخه أنا أبو الكرم الشهرزوري وغيره إجازة أنا ابن طلحة أنا الحسن بن الحسين أنا إسماعيل الصفار ثنا محمد بن إسحق ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي سلمة عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتاريخ يوم قدوم المدينة في شهر ربيع الأول رواه يعقوب بن سفيان حدثنا يونس ثنا ابن وهب عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال التاريخ من يوم قدوم النب صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا قال ابن عساكر هذا أصوب والمحفوظ أن
الآمر بالتاريخ عمر قلت وقفت على ما يعضد الأول فرأيت بخط ابن القماح في مجموع له قال ابن الصلاح وقفت على كتاب في الشروط للأستاذ أبي ظاهر محمد بن محمد الزيادي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ بالهجرة حين كتب الكتاب لنصارى نجران واقر عليا أن يكتب فيه أنه لخمس من الهجرة فالمؤرخ بالهجرة إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر تبعه في ذلك وقد يقال هذا صريح في أنه أرخ سنة خمس والحديث الأول فيه أنه أرخ يوم قدوم المدينة ويجاب بأنه لا منافاة فإن الظرف وهو قوله يوم قدم المدينة ليس متعلقا بالفعل وهو أمر بل بالمصدر وهو التاريخ أي أمر بأن يؤرخ بذلك اليوم لأن الأمر في ذلك اليوم فتأمله بأنه نفيس
وقال البخاري في تاريخه الصغير ثنا ابن أبي مريم ثنا يعقوب بن إبراهيم هو القلزمي ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري ثنا ابن أبي خازم عن أبيه عن سهل عن سعد قال أخطأ الناس العدد لم يعدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من متوفاه وإنما عدوا من مقدمة المدينة قال مصعب وكان تاريخ قريش من متوفى هشام ابن المغيرة يعني آخر تواريخهم
وأخرج البخاري في صحيحه حديث سهل بلفظ ما عدوا إلى آخره ولم يقل ما عدوا أخطأ الناس وقال أحمد بن حنبل ثنا روح ثنا زكريا بن إسحق ثنا عمرو بن دينار أن أول من أرخ يعلي بن أمية وهو باليمن وكان يعلي أميرا عليها لعمر
وقال البخاري في الكتاب الصغير ثنا عبد الله بن عبد الوهاب ثنا عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن رافع سمعت سعيد بن المسيب يقول قال عمر متى نكتب التاريخ فجمع المهاجرين فقال له علي من يوم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم نكتب التاريخ رواه الواقدي عن أبي سبرة عن عثمان بن عبد الله بن رافع فكأنه نسب إلى جده
وأخرج ابن عساكر عن الشعبي قال كتب ابن موسى إلى عمر أنه تأتينا من قبلك كتب ليس لها تاريخ فأرخ فاستشار عمر في ذلك فقال بعضهم أرخ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بوفاته فقال عمر لا بل نؤرخ بمهاجره فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل فأرخ به
وأخرج عن أبي الزناد قال استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة وأخرج عن سعيد بن المسيب قال أول من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته فكتبه لست عشرة من المحرم بمشورة علي بن أبي طالب
وقال ابن أبي خيثمة ثنا علي بن محمد المدايني ثنا قرة بن خالد عن أبي سيرين أن رجلا من المسلمين قدم من اليمن فقال لعمر رأيت باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبون من عام كذا وشهر كذا
فقال عمر إن هذا لحسن فأرخوا فلما أجمع على أن يؤرخ شاور فقال قوم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وقال قوم بالمبعث وقال قوم حين خرج مهاجرا من مكة وقال قائل من الوفاة حين توفى فقال عمر أرخوا من خروجه من مكة إلى المدينة ثم قال بأي شهر نبدأ فنصيره أول السنة فقالوا رجب فإن أهل الجاهلية كانوا يعظمونه وقال آخرون: شهر رمضان وقال بعضهم ذو الحجة وقال آخرون الشهر الذي خرج فيه من مكة وقال آخرون الشهر الذي قدم فيه فقال عثمان أرخوا من المحرم أول السنة وهو شهر حرام وهو أول الشهور في العدة وهو منصرف الناس عند الحج فصار أول السنة المحرم وكان ذلك سنة سبع عشرة ويقال سنة ست عشرة في نصف ربيع الأول
قلت وقفت على نكتة أخرى في جعل المحرم أول السنة فروى سعيد بن منصور في سنته قال ثنا نوح بن قيس ثنا عثمان بن محصن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال في قوله تعالى { والفجر } قال الفجر شهر المحرم هو فجر السنة أخرجه البيهقي في الشعب وإسناده حسن
قال شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر في أماليه بهذا يحصل الجواب عن الحكمة في تأخير التاريخ من ربيع الأول إلى المحرم بعد أن اتفقوا على جعل التاريخ من الهجرة وإنما كانت عن الأسود عن عبيد بن عمير قال المحرم شهر الله وهو رأس السنة فيه يكسى البيت ويؤرخ التاريخ ويضرب فيه الورق وسيأتي السبب في وضع التاريخ في الباب الآتي
قال ابن عساكر وذكر أبو الحسن محمد بن أحمد الوراق المعروف بابن القواس إن أول المحرم سنة الهجرة كان يوم الخميس اليوم الثامن من أيار سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة لذي القرنين
● [ الباب الثاني ] ●
في فوائدهمنها معرفة الأجيال وحلولها وإنقضاء الأجل وأوقات التعاليق ووفيات الشيوخ ومواليدهم والرواة عنهم فيعرف بذلك كذب الكاذبين وصدق الصادقين قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } وأخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم عن ميمون بن مهران قال رفع إلي عمر صك محله إلي شعبان فقال أي شعبان الذي نحن فيه أو الذي مضى أو الذي
هو آت ثم قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ضعوا للناس شيئا يعرفونه من التاريخ فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم فقالوا أن الروم يطول تاريخهم يكتبون من ذي القرنين فقال اكتبوا على تاريخ فارس فقال إ فارس كلما قام ملك طرح من كان قبله فأجمع رأيهم على أن الهجرة كانت عشر سنين فكتبوا التاريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
وقال ابن عدي ثنا عبد الوهاب بن عصام ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا موسى بن حميد ثنا أبو بحر الخرساني قال قال سفيان الثوري لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ وقال حفص بن غياث إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين يعني سنة وسن من كتب عنه
وقال حماد بن زيد لم يستعن على الكذابين بمثل التاريخ
● [ الباب الثالث ] ●
في فوائد شتى تتعلق بهالأولى إنما يؤرخ بالأشهر الهلالية التي قد تكون ثلاثين وقد تكون تسعا وعشرين كما ثبت في الصحيح دون الشمسية الحسابية التي هي ثلاثون أبدا فتزيد عليها قال الله تعالى في قصة أهل الكهف { ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا } قال المفسرون زيادة التسعة بإعتبار الهلالية وهي ثلاث مائة فقط شمسية وإنما كان التاريخ لحديث أنا أمة لا نحسب ولا نكتب وحديث إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا ودخل عليهن في التاسع والعشرين فقيل له فقال الشهر تسع وعشرون
قال والد شيخنا البلقيني في التدريب كل شهر في الشرع
فالمراد به الهلالي الأشهر الإستحاضة وتخليق الحمل
الثانية إنما يؤرخ بالليالي لأن الليلة سابقة على يومها إلا يوم عرفة شرعا قال الله تعالى { كانتا رتقا ففتقناهما } قالوا ولا يكون مع الإرتقاق إلا الظلام فهو سابق على النور
قال السدي عن أبي إسحاق أول ما خلق الله النور والظلمة ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا والنور نهارا قلت وقد ثبت أن القيامة لا تقوم إلا نهارا فدل على أن ليلة اليوم سابقة إذ كل يوم له ليلة
الثالثة يقال أول ليلة في الشهر كتب لأول ليلة منه أو لغرته أو لمستهله أول يوم لليلة خلت ثم لليلتين خلتا ثم لثلاث خلون إلى العشر فخلت إلى النصف وللنصف من كذا وهو أجود من لخمس عشرة خلت أو بقيت ثم الأربعة عشرة بقيت إلى العشرين ثم لعشر بقين إلى آخره فلآخر ليلة أو لسلخه أو لإنسلاخه وفي اليوم بعدها لآخر يوم أو لسلخه أو لإنسلاخه
وقيل إنما يؤرخ بما مضى مطلقا وإنما قيل للعشرة وما دونها خلون وبقين لأنه مميز بجميع فيقال عشر ليال إلى ثلاث ليال ولما فوق ذلك خلت لأنه مميز بمفرد نحو إحدى عشرة ليلة ويقال في العشر الأول والأواخر ولا يقال الأوائل والأواخر
وقد أجاب ابن الحاجب عن حكمه ذلك بجواب طويل وحاصلة أنه قيل الأول لأن مفرد العشر الأولى لأن لليالي والأولى يجمع على فعل قياسا مطردا كالفضلى والفضل ولا يجمع على الأوائل إلا أول المذكر ومفرد العشر مؤنث وأما الأواخر فهو جمع آخره كفاطمة وفواطم والآخر جمع أخرى وإنما يعين تقدير الآخرة دون الأخري لأن المقصود هنا الدلالة على التأخر الوجودي ولا يفيده إلا ذلك بخلاف الأخرى لأنها أنثى آخر وهما إنما يدلان على وصف مغاير متقدم ذكره سواء كان في الوجود متأخرا أو متقدما تقول مررت بزيد ورجل آخر فلا يفهم من ذلك إلا وصفه لمغاير وهو زيد دون كونه متأخرا وجودا ولهذا عدلوا عن ربيع الآخر بفتح الخاء وجمادى الآخرة إلى ربيع الآخر بالكسر وجمادى الآخرة حتى تحصل الدلالة على مقصودهم في التأخر الوجودي
( الرابعة ) تحذف تاء التأنيث من لفظ العدد ويقال إحدى وإثنتان أن أرخت بالليله أوالسنة وتثبت ويقال إحدى وإثنان أن أرخت باليوم أو العام فإن حذفت المعدود جاز حذف التاء ومنه الحديث وأتبعه ستا من شوال قال المتأخرون ويذكر شهر فيما أوله راء فيقال شهر ربيع مثلا دون غيره ولا يقال شهر صفر والمنقول عن سيبويه جواز إضافة شهر إلى كل الشهور المختار
( الخامسة ) في ألفاظ الأيام والشهور السبت هو أول الأيام وفي شرح المهذب ما يقتضي أنه أول الأسبوع وروى إبن عساكر في تاريخه بسنده إلى إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال أول ما خلق الله الأحد وكانت العرب يسمونه الأول وقال متأخروا أصحابنا أن أول الأسبوع السبت وهو الذي في الشرح
والروضة والمنهاج لحديث مسلم خلق الله التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الإثنين والمكروه يوم الثلاثاء والنور يوم الاربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة وقال أبن إسحاق يقول أهل التوراة إبتداء الله الخلق يوم الأحد ويقول أهل الإنجيل يوم الإثنين ونقول نحن المسلمون فيما إنتهى الينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت
وروى إبن جرير عن السدي عن شيوخه إبتدأ الله الخلق يوم الأحد وإختاره وما إليه طائفة قال إبن كثير وهو أشبه بلفظ الأحد ولهذا أكمل الخلق يوم الجمعة فاتخذه المسلمون عيدهم وهو اليوم الذي ضل عنه أهل الكتاب قال أما حديث مسلم السابق ففيه غرابة شديدة لأن الأرض خلقت في أربعة ثم السموات في يومين وقد قال البخاري قال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح
( فائدة ) يكره صوم الأحد على إنفراده صرح به إبن يونس في مختصر التنبيه الإثنين قال في شرح المهذب سمي به لأنه ثاني الأيام وتجمع على أثانين وكانت العرب تسميه أهون وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم الإثنين فقال فيه ولد وفيه أنزل علي وروى الطبراني عن عاصم بن عدي قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين وروى إبن أبي الدنيا مثله عن فضاله بن عبيد
( الثلاثاء ) بالمد يجمع على ثلاثاوات وأثالث وكانت العرب تسميه جبار
( الأربعاء ) ممدود مثلث الباء وجمعة أربعاوات وأرابيع وكان اسمه عند العرب دبارا واشتهر على ألسنة الناس أنه المراد في قوله تعالى { يوم نحس مستمر } وتشأموا به كذلك وهو خطأ فاحش لأن الله تعالى قال { في أيام نحسات } وهي ثمانية أيام فيلزم أن تكون الأيام كلها نحسات وإنما نحس عليهم
( الخميس ) جمعة أخمسة وأخماس وكانوا يسمونه مؤنسا
( الجمعة ) يجمع على جمعات وفي ميمها الضم والسكون وكانت تدعى العروبة وفي الصحيح خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفي رواية وفيه مات وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شئيا إلا أعطاه وفي حديث عند الطبراني أفضل الأيام يوم الجمعة وأفضل الليالي ليلة القدر
وأفضل الشهور رمضان وفي حديث رواه البيهقي في شعب الإيمان إنه كان يقول ليلة الجمعة ليلة غراء ويوم أزهر
( فائده ) يكره أفراده بالصوم لأحاديث في ذلك في الصحيحين وغيرهما وأما حديث البزار نا أفطر صلى الله عليه وسلم قط يوم الجمعة فضعيف
السبت يجمع على أسبت وسبوت وكان يدعى سيارا ويكره أفراده بالصوم
( فائدة ) فإن ضم إلى الجمعه أو الأحد فلا وقد الغزا بذلك مكروهان إذا إجتمعا زالت الكراهة وقصة اليهود في السبت مشهورة
( فائده ) روى أبو يعلي في مسنده عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال يوم الأحد يوم غرس وبناء ويوم الاثنين يوم سفر ويوم الثلاثاء يوم دم ويوم الأربعاء يوم أخذ ولا عطاء فيه ويوم الخميس يوم الدخول على السلطان ويوم الجمعة يوم تزويج ورأيت بخط الحافظ شرف الدين الدمياطي أبياتا ذكر أنها تعزي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي هذه
فنعم اليوم يوم السبت حقا . لصيد إن أردت بلا إمتراء
وفي الأحد البناء لأن فيه . تبدأ الله في خلق السماء
وفي الاثنين إن سافرت فيه . فترجع بالنجاح والثراء
وأن يرد الحجامة في الثلاثا . ففي ساعاته هرق الدماء
وإن شرب إمرء يوما دواء . فنعم اليوم يوم الأربعاء
وفي يوم الخميس قضاء حاج . فإن الله يأذن بالقضاء
وفي الجمعات تزويج وعرس . ولذات الرجال مع النساءقلت في نسبتها إلى الإمام علي رضي الله عنه نظر
المحرم يجمع على محرمات ومحارم ومحاريم ومن العرب من يسميه مؤتمر والجمع مامر ومامير وفي الصحيحين أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم
صفر جمعة أصفار قال ابن الأعرابي الناس كلهم يصرفونه إلا أبا عبيدة فخرق الإجماع بمنع صرفه فقال للعلمية والتأنيث بمعنى الساعة قال ثعلب سلح وهو لا يدري لأن الأزمنة كلها ساعات ومن العرب من تسميه فاجر وكانوا يتقاسمون به ولهذا ورد في الحديث ردا عليهم لا عدوى ولا طيرة ولا صفر
ربيع الأول قال الفراء يقال الأول ردا على الشهر والأولى ردا ربيع وفيه ولد صلى الله عليه وسلم وهاجر ومات ومنهم من يسميه خوانا والجمع أخونة ويسمى الآخر بصانا والجمع بصانات
جمادى جمعه جماديات قال الفراء كل الشهور مذكرة إلا جماديان تقول جمادى الأولى والآخرة ومنهم من يسمي الأولى حنين والجمع حناين وأحنة وحنن الآخرة وزنه الجمع وزنات
مسألة أحل السلم إلى ربيع أو جمادى فقيل لا يصح للإبهام والأصح الصحة ويحمل على الأول
رجب جمعه أرجاب ورجاب ورجبات ويقال له الأصم إذ لم يكن يسمع فيه قعقعة سلاح لتعظيمهم والاصب ومصل الأسنة وورد في فصل صومة أحاديث لم يثبت منها شيء بل هي ما بين منكر وموضوع
شعبان جمعه شعابين وشعبانات ومنهم من يسميه وعلا والجمع أوعال ووعلان لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا كاملا بعد رمضان سواه ويحرم الصوم إذا انتصف لمن لم يصله بما قبله
رمضان مشتق من الرمضاء وهي شدة الحر وجمعه رمضانات وأرمضه ورماض قال النحاة وشهر رمضان أفصح من ترك الشهر قلت روى ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أبي هريرة قال لا تقولوا رمضان فإنه من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان ومن العرب من يسميه ناتقا والجمع نواتق
شوال جمعه شواويل وشواول وشوالات وكان يسمى عادلا والجمع عوادل عقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وتزوج بها فيه وكانت عائشة تستحب النكاح فيه وهو أول أشهر الحج
ذو القعدة وذو الحجة وفي أول كل منهما الفتح والكسر وفتح الأول وكسر الثاني أفصح من العكس وجمعهما ذوات القعدة وذوات الحجة وكان يسمى الأول بواعا والجمع ابوعه وبواعات والثاني بركا والجمع بركات
فائدة اخرج ابن عساكر من طريق الأصمعي قال كان أبو عمرو ابن العلاء يقول إنما سمي المحرم لأن القتال حرم فيه وصفر لأن العرب كانت تنزل فيه بلادا يقال لها صفر وشهرا ربيع كانوا يربعون فيهما أي يقيمون فيهما وجماديان كان يجمد فيهما الماء ورجب كانوا يرجبون فيه النخل وشعبان تشعبت فيه القبائل ورمضان رمضت فيه الفصال من الحر وشوال شالت الإبل بأذنابها للضراب وذو القعدة قعدوا فيه عن القتال وذو الحجة كانوا يحجون فيه وإنما سقنا هذه الفوائد هنا لأنها مهمة ولا يليق بالكاتب والمؤرخ جهلها وبالله التوفيق
قال المؤلف رحمه الله علقه يوم الأربعاء لعشر خلون من ذي القعدة سنة اثنين وسبعين وثمانمائة
● [ بحمد الله تم الكتاب ] ●
في فوائده
في فوائد شتى تتعلق به
وفي الأحد البناء لأن فيه . تبدأ الله في خلق السماء
وفي الاثنين إن سافرت فيه . فترجع بالنجاح والثراء
وأن يرد الحجامة في الثلاثا . ففي ساعاته هرق الدماء
وإن شرب إمرء يوما دواء . فنعم اليوم يوم الأربعاء
وفي يوم الخميس قضاء حاج . فإن الله يأذن بالقضاء
وفي الجمعات تزويج وعرس . ولذات الرجال مع النساء