منتدى همسات الحموات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المقالة الأولى [ نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس ]

    avatar
    همسات
    Admin


    المساهمات : 1997
    تاريخ التسجيل : 18/02/2015

    المقالة الأولى [ نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس ] Empty المقالة الأولى [ نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس ]

    مُساهمة من طرف همسات السبت مايو 15, 2021 3:16 pm

    المقالة الأولى [ نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس ] Manaze10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة العلمية
    المناظر لابن الهيثم
    المقالة الأولى
    كيفية الإبصار بالجملة
    نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس
    المقالة الأولى [ نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس ] 1410
    ● [ نهاية الفصل الثالث ] ●
    البحث عن خواص الأضواء
    وعن كيفية إشراق الأضواء

    فأقول إن هذه الصور التي تظهر على الأجسام المقابلة للجسم المتلون المضيء ليس يدركها البصر بالانعكاس وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة، وإن هذه الصور هي في المواضع التي يدركها البصر فيها: وذلك أن هذه الصور إذا ظهرت للبصر على الجسم المقابل للجسم المتلون، وكان سطح الجسم الذي تظهر عليه الصورة سطحاً مستوياً، ثم انتقل البصر عن موضعه إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح، فإنه يدرك الصورة من جميع الجهات في ذلك السطح وعلى هيئتها. وإذا كان الجسم المتلون ساكناً، والجسم المقابل له الذي تظهر عليه الصورة ساكناً، وكان السطح الذي تظهر عليه الصورة مستوياً، فإن انعكاس صورة الجسم المتلون عن ذلك السطح المستوي إنما يكون إلى جهة واحدة مخصوصة فقط، لا إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح وتنعكس عنه أو كان شعاع يخرج من البصر إلى ذلك السطح وينعكس عنه إلى الجسم المتلون، لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية وإلى جهة مخصوصة. وسنبين ذلك عند كلامنا في الانعكاس.
    فإذا كان البصر يدرك هذه الصور من جميع الجهات المقابلة للسطح الذي فيه اللون مع سكون هذا السطح وسكون الجسم المتلون فليس إدراك البصر لصورة اللون في السطح الذي تظهر فيه صورة اللون بالانعكاس، وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة.
    وأيضاً فإنه إن أخذ المعتبر إناءً من الزجاج الرقيق المشف الأبيض النقي، وجعل فيه شراباً أحمر صافي اللون، وقابل به ضوء الشمس في البيت الذي وصفناه، فإن اعتبار هذه الألوان في المواضع القليلة الضوء يكون أبين. وإن كان الثقب الذي يدخل منه الضوء إلى البيت ضيقاً في اعتبار الجسام المشفة أو ضيق كان أجود، بعد أن لا يكون في غاية الضيق، ثم يجعل في ظل الإناء ثوباُ أبيض، فإنه يجد لون الشراب على ذلك الثوب مع الضوء النافذ في شفيف الزجاج وشفيف ذلك الشراب وممازجاً له، ويجد اللون الذي يظهر على الثوب أرق من لون الشراب وأصفى منه. وإذا بعد الثوب عن الإناء ازداد اللون الذي يظهر عليه رقة وضعفاً.
    وكذلك إن جعل في الإناء بدل الشراب ماء متلون أزرق أو أخضر أو غير ذلك من الألوان المشرقة الصافية التي لا تبطل شفيف الماء بالكلية ويمكن أن ينفذ فيها الضوء، ثم اعتبر على الصفحة التي قدمناها، وجد لون ذلك الماء ممتداً مع الضوء النافذ في شفيفه وممازجاً له.
    وكذلك إن قرب هذا الإناء الذي فيه الشراب أو الماء الملون إلى ضوء النار في الليل، وقرب إليه من ورائه ثوب أبيض، فإن لون الشراب يظهر على الثوب مع ضوء النار النافذ فيه. وينبغي أن يتحرى المعتبر عند اعتبار ذلك أن لا يشرق على الثوب ضوء قوي من جهة أخرى ، بل يكون في ظل رقيق الضوء.
    فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون الذي في الأجسام المشفة أيضاً يمتد مع الأضواء النافذة فيه في الهواء المتصل به.
    فجميع الأجسام المتلونة الكثيفة والمشفة إذا كان لونها قوياً واعتبرت على الوجه الذي بيناه فإن ألوانها توجد أبداً ممتدة مع الأضواء التي تصدر عنها وممازجة لها. وإذا كان ذلك يوجد أبداً عند الاعتبار ومطرداً في جميع الألوان فهو خاصة طبيعية تخص الألوان. وإذا كان ذلك طبيعياً للألوان فهو يلزم في جميع الألوان قويها وضعيفها. وإذا كانت الألوان تصحب الأضواء وتمتد بامتدادها فهي تصحب جميع الأضواء قويها وضعيفها قليلها وكثيرها. وإن لم يظهر ضعيفها للبصر فلقصور قوة الحس عن إدراك المعاني اللطيفة.
    وقد يحتمل أن يكون الهواء والأجسام المشفة تقبل صور الألوان كما تقبل صور الأضواء حضر الضوء معها أم لم يحضر، وتكون الألوان تشرق من جميع الأجسام المتلونة وتمتد في الهواء وفي الأجسام المشفة في جميع الجهات كما تشرق الأضواء، وتكون خاصتها كخاصة الأضواء، ويكون امتدادها في الهواء وفي الأجسام المشفة وانبساطها فيها دائماً حضر الضوء معها أو لم يحضر، ويكون ليس يظهر منها للبصر إلا ما كان مصاحباً للضوء لأن البصر ليس يدرك شيئاً إلا إذا كان مضيئاً.
    ويحتمل أن تكون الألوان ليس يصدر عنها هذه الصور ولا تمتد في الهواء ولا يقبلها الهواء إلا بعد إشراق الضوء عليها.
    إلا أن الذي ليس يتداخله الشك ولا يقع فيه ريب هو أن صورة اللون وصورة الضوء يصدران معاً عن الأجسام المضيئة المتلونة ويمتدان في الهواء وفي الأجسام المتلونة والمقابلة لها، ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وينفذان فيها على جميع السموت المستقيمة التي تمتد من تلك الأجسام المتلونة في ذلك الهواء وفي تلك الأجسام المشفة.
    وقد اعتقد قوم أن اللون لا حقيقة له وأنه شيء يعرض بين البصر والضوء كما تعرض التقازيح وليس اللون صورة في الجسم المتلون. وليس الأمر على ما يعتقد أصحاب هذا الرأي. وذلك أن التقازيح إنما تكون بالانعكاس، والانعكاس ليس يكون إلا من وضع مخصوص وليس يكون من جميع الأوضاع، والتقازيح التي تظهر في أرياش بعض الحيوانات إنما هي انعكاس الأضواء عن سطوح أرياش تلك الحيوانات، ولذلك تختلف صورها بحسب اختلاف الأضواء، وهذه الحيوانات إذا ظهر في أرياشها ثم تغيرت أوضاعها من البصر أو تغير وضع البصر منها اختلفت صور التقازيح التي تظهر فيها عند البصر، واختلفت المواضع من أرياشها التي تظهر فيها ألوان التقازيح. وإذا أنعم المعتبر النظر واستقصى التأمل للتقازيح التي تظهر في أرياش الحيوانات، وتلطف في تأملها، وجد كل لون من هذه التقازيح يتغير موضعه من الجسم الذي يظهر عليه عند تغير وضع ذلك الجسم من البصر، أعني الجزء من الريش الذي يظهر فيه اللون من التقازيح، وربما تغيرت كيفية اللون أيضاً عند تغير الموضع . ومع ذلك فإن هذه الحيوانات إذا حصلت في المواضع المغدرة والضعيفة الضوء لم يظهر فيها تلك التقازيح وظهرت ألوانها الأصلية.وليس كذلك الألوان التي في الأجسام المتلونة، لأن الجسم المتلون يدركه البصر من جميع الأوضاع في الوقت الواحد على صورة واحدة. وإن اختلف الذي يظهر على الجسم المتلون باختلاف أوضاع البصر منه من أجل انعكاس الأضواء فإنما يختلف لون ذلك الجسم المتلون باختلاف أوضاع البصر في القوة والضعف فقط، فأما مائية اللون فليس تختلف عند البصر باختلاف الوضع. فليس إدراك البصر للألوان التي يدركها في الأجسام الكثيفة المتلونة بالانعكاس، فليس هذه الألوان كالتقازيح.
    ومما يظهر ظهوراً بيناً أن الألوان لها حقيقة وهي صورة في الجسم المتلون وليست شيئاً يعرض البصر والضوء ما يظهر في وجه الإنسان من حمرة الخجل وصفرة الوجل. فإن الإنسان قد يكون ساكن اللون وليس في وجهه حمرة مفرطة، فإذا عرض له الخجل ظهرت في وجهه حمرة لم تكن قبل ذلك، حتى يستدل من حمرة وجهه على خجله . فالناظر يراه في الحالتين قد أدرك في وجهه في الحالة الثانية حمرة لم تكن في وجهه في الحالة الأولى، والضوء الذي على ذلك الوجه قبل الخجل وبعده ضوء واحد، ووضع البصر في الحالتين من ذلك الوجه وضع واحد، وبعده منه بعد واحد، ووضع الوجه أيضاً من الجهة التي منها يرد الضوء إلى الوجه ومن الوجه المضيء الذي منه يرد الضوء والمواضع المضيئة التي منها يرد الضوء إلى ذلك الوجه وضع واحد لم يتغير، وليس للحمرة التي تظهر في الوجه عند الخجل علة غير الخجل، وليس الخجل أمراً من خارج ولا يتعلق بالضوء ولا بالبصر الناظر إلى ذلك الوجه، فالحمرة التي تظهر في وجه الإنسان هي صورة في جسمه لا شيء يعرض بين البصر الناظر إليه وبين الضوء.
    وكذلك الرجل قد يكون ساكن اللون قبل الوجل، فإذا بلغه أمر يفزعه ووجل منه وجلاً شديداً ظهرت في لونه صفرة بينة لم تكن قبل الوجل.
    فاحمرار الخجل واصفرار الوجل مع تساوي أحوال البصر والمبصر قبل الخجل وبعده وقبل الوجل وبعده في الوضع والبعد والضوء دليل ظاهر على أن اللون صورة في الجسم المتلون وليس هو شيئاً يعرض بين البصر والضوء.فليس اللون على ما أعتقد من رأى اللون لا حقيقة له، وليس هو إلا صورة في الجسم المتلون. وقد يحتمل أن تختلف الآراء ويقع الالتباس في مائية صورة اللون التي في الجسم المتلون، فأما أنيتها وأنها صورة في الجسم لا صورة تعرض من خارج فليس يقع فيه لبس.
    وكذلك قد يحتمل أن يكون البصر ليس يدرك حقيقة اللون على ما هي عليه من أجل انه ليس يدرك اللون إلا مع الضوء ومن أجل اختلاف إدراكه للون بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق على الجسم المتلون، فأما إن اللون له في نفسه حقيقة فليس يبطل من اجل إدراك البصر له.
    وإذ قد تبين ذلك فإننا نقول إن الصورة التي تظهر على الجسم المقابل للجسم المتلون ليس هي شيئاً يعرض بين البصر والضوء ولا بين البصر واللون وإنما هي صورة اللون الذي في الجسم المتلون ممتدة من الجسم المتلون إلى ذلك الجسم المقابل له، وليس امتدادها إلى ذلك الجسم وإلى الجهات المقابلة للجسم المتلون بتوسط البصر ولا من أجل حضور البصر، ولا حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. ولا حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وذلك انه قد تبين أن هذه الصور ليس توجد إلا مع الضوء الذي يصدر من الجسم المتلون وممازجة له، وأن هذه الصورة توجد في جميع الجهات التي يشرق عليها ضوء ذلك الجسم، والضوء ليس يشرق من الجسم، ولا من أجل حضور البصر، بل إنما يشرق إشراقاً طبيعياً. وإذا كان الضوء ليس يمتد إلى جميع الجهات المقابلة له من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر، وكانت صورة اللون الذي في الجسم المتلون توجد أبداً ممازجة للضوء الذي يشرق من ذلك الجسم وتوجد في جميع الجهات التي يمتد عليها ذلك الضوء، فليس امتداد صورة اللون إلى جميع الجهات المقابلة للجسم المتلون من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر.
    وأيضاً فإنه قد تبين ان البصر يدرك هذه الصور على الجسم المقابل للجسم المتلون بالانعكاس. وقد تبين أن اللون الذي في الجسم المتلون هو صورة في الجسم المتلون لا شيء يعرض من أجل البصر.
    وإذا كان اللون صورة في الجسم المتلون، وليس لون الجسم المتلون من أجل البصر ولا بتوسط البصر، وكانت صورة هذا اللون تمتد إلى الجهات المقابلة للجسم المتلون لا من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر، وكان البصر يدرك هذه الصورة على الجسم المقابل للجسم المتلون لا بالانعكاس بل كما يدرك الألوان في الأجسام المتلونة، فصورة اللون إذن التي يدركها البصر على الجسم المقابل للجسم المتلون هي صورة في سطح الجسم المقابل للجسم المتلون هي صورة في سطح الجسم المقابل للجسم المتلون لا شيء يعرض بين البصر والضوء ولا بين البصر واللون، وليس حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر.وإذا كان جميع ذلك كذلك فإن كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة الضوء واللون اللذين فيه تكون أبداً ممتدة في جميع الجهات المقابلة لذلك الجسم في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بذلك الجسم والمقابلة له ومشرقة على جميع الأجسام المقابلة لذلك الجسم حضر البصر أم لم يحضر.
    وأيضاً فإنه قد تبين أن صورة الضوء تمتد من كل نقطة من سطح الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة. وإذا كان الضوء يمتد من كل نقطة من سطح الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة، وكانت الألوان تصحب أبداً الأضواء، وكان اللون والضوء يصدران معاً وينفذان في الهواء وفي الأجسام المشفة على جميع السموت المستقيمة التي تمتد من تلك الأجسام، فصورة اللون أيضاً تمتد من كل نقطة من سطح الجسم المتلون المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة.
    فكل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن كل نقطة من سطحه يمتد منها صورة الضوء وصورة اللون اللذين فيها على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بتلك النقطة والمقابلة لها، وتشرق على كل جسم مقابل لتلك النقطة، وتكون أبداً ممتدة في جميع الجهات، وتشرق على الأجسام المقابلة لها ما دامت مضيئة والأجسام المتصلة بها مشفة ومتصلة الشفيف حضر البصر أم لم يحضر.
    فأما لم ليس تظهر هذه الصورة على جميع المقابلة للأجسام المتلونة وتظهر على الأجسام المقابلة البيض والمسفرة الألوان، ولم ليس يظهر على الجسم الأبيض لون كل جسم متلون مقابل له ويظهر عليه اللون المشرق القوي، ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون ضعيفاً
    فأما لما ليس تظهر هذه الصورة على جميع الأجسام المقابلة الأجسام المتلونة وتظهر على الأجسام البيض والمسفرة الألوان، ولم ليس يظهر على الجسم الأبيض لون كل جسم متلون مقابل له ويظهر عليه اللون المشرق القوي، ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون ضعيفاً ويظهر إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون قوياَ، ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الجسم الأبيض في ضوء الشمس وفي ضوء قوي ويظهر عليه إذا كان الجسم الأبيض في الظل وفي الأضواء الضعيفة، فإن جميع ذلك لعلة تخص البصر، لا أن صور الألوان تشرق على جميع الأجسام المقابلة لها. ونحن نشرح هذا المعنى من بعد ونبينه بياناً مستقصىً ونبين علله ونوضحها عند كلامنا في كيفية الأبصار. فهذا الذي بيناه من خواص الأضواء وما يصحب الأضواء ويقترن بها من صور الألوان كاف فيما نشرع فيه من البحث عن كيفية الإبصار.
    ● [ الفصل الرابع ] ●
    فيما يعرض بين البصر والضوء

    نجد البصر إذا نظر إلى الأضواء القوية التي في غاية القوة تألم بها واستضر. فإن الناظر إذا نظر إلى جرم الشمس لم يستطع النظر إليها فإن لمحها تألم بصره بضوئها واستضر به. وكذلك إذا نظر إلى مرآة صقيلة قد أشرق عليها ضوء الشمس، وكان بصره في الموضع الذي إليه ينعكس الضوء عن تلك المرآة ، فإنه يتأذى بالضوء المنعكس الذي يصل إلى بصره عن المرآة ولا يستطيع أن يفتح بصره ويباشر ذلك الضوء.
    ونجد أيضاً الناظر إذا نظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه ضوء الشمس، وأطال النظر إليه، ثم صرف بصره عنه إلى موضع مغدر ضعيف الضوء، فإنه لا يكاد يدرك ما في ذلك الموضع من المبصرات إدراكاً صحيحاً ويجد كأن بينه وبينها ستراً. ثم ينجلي ذلك عن تدريج ويعود البصر إلى حاله. وكذلك إذا نظر الناظر إلى نار قوية وحدق إليها، وأطال النظر زماناً، ثم صرف بصره إلى موضع مغدر ضعيف الضوء، فإنه يجد أيضاً في بصره مثل ذلك.
    وأيضاً فإننا نجد الناظر إذا نظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه ضوء النهار، وكان الضوء الذي عليه قوياً وإن لم يكن ضوء الشمس، وأطال النظر إليه زماناً، ثم صرف بصره إلى موضع مظلم، فإنه يجد صورة ذلك الضوء في ذلك الموضع المظلم، ويجد مع ذلك شكله. ثم إن أطبق بصره وتأمل ساعة فإنه يجد في بصره صورة ذلك الضوء وشكله. ثم ينجلي ذلك ويعود البصر إلى حاله. وكذلك يكون حال البصر إذا نظر إلى جسم قد أشرق عليه ضوء الشمس وأطال النظر إليه.
    وكذلك إن نظر الناظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه ضوء النار، وكان ضوء النار قوياً، وأطال النظر إليه، ثم انصرف إلى موضع مظلم،فإنه يجد أيضاً في بصره مثل ذلك. وكذلك إذا كان الناظر في بين وكان في البيت ثقب واسع منكشف للسماء، ونظر إلى السماء من ذلك الثقب في ضوء النهار، وأطال النظر، ثم عطف ببصره إلى موضع مظلم، فإنه يجد صورة الضوء الذي كان يدركه من الثقب مع شكل الثقب في الموضع . وإن أطبق بصره وجد أيضاً فيه تلك الصورة.
    فتدل جميع هذه الأحوال على أن الضوء يؤثر في البصر أثراً ما.
    وأيضاً فإننا نجد الناظر إذا نظر إلى روضة خضراء متكاثفة وقد أشرق عليها ضوء الشمس، وأطال النظر إليها، ثم صرف بصره إلى موضع مظلم، فإنه يجد في الموضع المظلم صورة ذلك الضوء ومتلوناً بخضرة الزرع. ثم إن نظر في هذه الحال إلى مبصرات بيض، وكانت تلك المبصرات في الظل وفي موضع ضعيف الضوء، فإنه يجد ألوانها ملتبسة بلون الخضرة. فإن أطبق بصره أيضاً في هذه الحال وتأمل فإنه يجد في بصره صورة الضوء وصورة الخضرة ثم ينحل ذلك ويزول. وكذلك إذا نظر إلى جسم متلون بلون أرجواني أو لازوردي أو لون من الألوان المشرقة القوية وقد أشرق عليه ضوء الشمس وأطال النظر إليه ثم عطف ببصره إلى مبصرات بيض في موضع ضعيف الضوء وجد ألوانها ملتبسة بذلك اللون.
    فتبين من هذا الاعتبار أن الألوان المضيئة تؤثر أيضاً في البصر.
    وأيضاً فإننا نرى الكواكب في ضوء النهار، وليس الفرق بين الوقتين إلا أن الهواء المتوسط بين أبصارنا وبين السماء مضيء بالنهار وهو بالليل مظلم، فما دام الهواء مظلماً فنحن نرى الكواكب، فإذا أضاء الهواء المتوسط بين أبصارنا وبين الكواكب بضوء النهار خفيت عنا الكواكب.وكذلك إذا كان الناظر في الليل في موضع مضيء بضوء النار وكان ضوء النار منبسطاً على الأرض، وكان في الموضع مبصرات لطيفة أو مبصرات فيها معان لطيفة، وكانت في ظل من الأظلال، ولم يكن الضوء الذي عليها قوياً، ولم تكن النار متوسطة بين البصر وبين تلك المبصرات، وكان الناظر يدرك تلك المبصرات ويدرك المعاني اللطيفة التي فيها، ثم تحرك الناظر من موضعه حتى تصير النار متوسطة بين بصره وبين تلك المبصرات، فإن تلك المبصرات تخفى عنه إن كانت لطيفة، أو تخفى المعاني اللطيفة التي تكون فيها ولا يكاد يدركها ما دامت النار متوسطة بين بصره وبينها. وإن ستر النار عن بصره أدرك في الحال تلك المبصرات اللطيفة التي كانت تخفى عنه. وإن رفع الساتر الذي بين النار وبين بصره خفيت تلك المبصرات عنه.
    فتدل هذه الأحوال على أن الأضواء القوية إذا أشرقت على البصر أو على الهواء المتوسط بين البصر والمبصر فإنها تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات التي أضواؤها ضعيفة.
    وأيضاً فإنه إذا نظر الناظر إلى جسم صقيل، وكان في الجسم نقوش دقيقة، ولم تكن النقوش مخالفة اللون للون الجسم بل كانت النقوش بل كانت النقوش من لون ذلك الجسم، وكان الناظر في مكان معتدل الضوء، وكان ذلك المكان مقابلاً للسماء أو لبعض الجدران المضيئة بضوء قوي، ثم قابل بذلك الجسم السماء أو الجدار المضيء، فإنه ينعكس منه ضوء ما إلى البصر ويجد الضوء الذي يظهر في سطح الجسم وفي الموضع الذي ينعكس منه الضوء قد قوي وأشرق وفي هذه الحال إذا تأمل الناظر إلى الجسم الصقيل لم يظهر له فيه شيء من النقوش التي في موضع الضوء القوي المشرق من ذلك الجسم.ثم إن ميل الناظر الجسم عن ذلك الموضع حتى يصير الانعكاس إلى موضع غير الموضع الذي فيه بصره، ويكون مع ذلك على الجسم ضوء معتدل، فإن الناظر حينئذ يدرك النقوش التي فيه كانت تخفى عنه عند انعكاس الضوء عن الجسم إلى بصره.
    وكذلك الخط الدقيق الذي في الورق الصقيل إذا انعكس الضوء عن الورق إلى البصر ذلك الخط ولم يفهمه ما دام الضوء منعكساً عنه إلى البصر. فإذا ميل سطح الورق حتى يتغير وضعه، فلا ينعكس الضوء عنه إلى البصر، أدرك البصر ذلك الخط وفهمه.
    وأيضاً فإن النار الضعيفة إذا كانت في ضوء ضعيف ظهرت وأدركها البصر، وإذا كانت في ضوء الشمس ظهر الجسم الذي فيه النار ولم تظهر النار.وإن كان في تلك النار دخان ظهر الدخان ولم تظهر النار.
    وأيضاً فإنه إن حصل في ضوء الشمس جسم كثيف متلون بلون مشرق قوي، وقرب من ذلك الجسم جسم أبيض نقي البياض، وكان هذا الجسم في الظل وفي ضوء ضعيف، ظهر عليه لون ذلك الجسم كما وصفنا من قبل. ثم إن قرب الجسم الأبيض حتى يصير في ضوء الشمس أو يقوى الضوء الذي عليه، خفي ذلك اللون الذي عليه. وإن رد إلى الظل وإلى الضوء الضعيف ظهر اللون عليه. وعند كونه في الضوء القوي أيضاً وخفاء اللون الذي عليه: إن ظلل الجسم بجسم كثيف وهو في مكانه حتى يضعف الضوء الذي عليه ظهر اللون عليه، وإن رفع الجسم المظل حتى يقوى الضوء على الجسم الأبيض خفي اللون الذي عليه.
    وكذلك إذا قربنا جسماً مشفاً متلوناً لون بشرق إلى نار قوية وقربنا إلى ظل ذلك الجسم ثوباً أبيض، ظهر لون ذلك الجسم المشف على ذلك الثوب كما وصفنا من قبل. ثم قربنا إلى ذلك الثوب ناراً غير تلك النار حتى يشرق ضوؤها على ذلك الثوب خفي ذلك اللون الذي كان يظهر على الثوب فلم ير إلا بياض الثوب فقط. وإذا غيبنا تلك النار الثانية ظهر اللون على الثوب.
    وأيضاً فإن بعض الحيوانات البحرية قد يكون لها أصداف وأغشية إذا حصلت في موضع مظلم لا ضوء فيه ظهرت تلك الأصداف كأنها نار، وإذا نظر إليها ناظر في ضوء النهار أو في ضوء النار أدرك تلك الأصداف ولم ير فيها شيئاً من النار وكذلك الحيوان المسمى اليراع إذا طار في الليل ظهر كأنه نار تخطف، وإذا نظر إليه ناظر في ضوء النهار أو في ضوء النار أدرك الحيوان ولم ير فيه ناراً.
    فتدل هذه الأحوال كلها التي شرحناها على أن الأضواء القوية التي تكون المبصرات قد تخفي بعض المعاني التي في بعض المبصرات، وأن الأضواء الضعيفة التي تكون في المبصرات قد تظهر بعض المعاني التي في بعض المبصرات.
    وأيضاً فإن المبصرات التي فيها نقو دقيقة أو وشوم أو معان لطيفة قد كثير من المعاني التي فيها إذا كانت في الأضواء الضعيفة وفي المواضع المغدرة، وإذا أبرزت إلى المواضع المضيئة وقوي الضوء الذي عليها أو جعلت في ضوء الشمس ظهرت المعاني التي تكون فيها التي كانت تخفى في المواضع المغدرة وفي الأضواء الضعيفة وكذلك الخط الدقيق قد يعجز البصر عن إدراكه في المواضع المغدرة وفي الأضواء الضعيفة، وإذا أبرز إلى الأضواء القوية أدركه البصر.
    فتدل هذه الحال على أن الأضواء القوية قد تظهر كثيراً من المعاني التي في المبصرات، وأن الأضواء الضعيفة قد تخفي كثيراً من المعاني التي في المبصرات.
    وأيضاً فإننا نجد الأجسام الكثيفة المتلونة بألوان مشرقة كالأرجوانية واللازوردية والخمرية والفرفيرية، إذا كانت في مواضع مغدرة وفي أضواء ضعيفة ظهرت ألوانها كدرة ، وإذا كانت في ضوء قوي ظهرت ألوانها مشرقة صافية، وكلما ازداد الضوء الذي عليها قوة ازدادت ألوانها إشراقاً وصفاءً. وإذا كان واحد من الأجسام في مكان مظلم، وليس فيه إلا ضوء يسير جداً، فإن ذلك الجسم يظهر مظلماً ولا يتيقن البصر لونه ويظن به انه أسود. فإذا اخرج إلى المواضع المضيئة وقوي الضوء الذي عليه ظهر لونه وتميز للبصر.
    ونجد أيضاً الأجسام البيض الكثيفة إذا أشرق عليها ضوء قوي ازدادت بياضا ًوإشراقاً عند الحس، ونجد الأجسام الكدرة الألوان إذا أشرقت عليها الأضواء القوية صفت ألوانها وأسفرت.
    وأيضاً فإننا نجد الأجسام المشفة المتلونة بألوان قوية، كالأشربة القوية الحمرة التي في الأواني المشفة، إذا كانت في مواضع مغدرة وفي أضواء ضعيفة فإنها تظهر سوداً مظلمة وكأنها غير مشفة وإن استشقت، وإذا كانت في الأضواء القوية أو أشرق عليها ضوء الشمس صفت ألوانها وأشرقت وظهر شفيفها.
    وكذلك الجواهر المشفة المتلونة المشبعة الألوان إذا كانت في المواضع المغدرة ظهرت ألوانها كدرة، وإذا أشرق عليها ضوء قوي أو قوبل بها الضوء حتى ينفذ الضوء فيها صفت ألوانها وأشرقت وظهر شفيفها.
    وأيضاً فإن الأجسام المشفة المتلونة إذا قوبل بها الضوء وقوبلت من الجهة المضادة لجهة الضوء بجسم أبيض، كما ذكرنا من قبل، فإنه إن كان الضوء قوياً ظهرت صورة ذلك اللون في ظله على الجسم الأبيض المقابل له، وإن كان الضوء الذي يشرق عليه ضعيفاً ظهر على الجسم الأبيض المقابل له ظل ولم يظهر اللون.
    وأيضاً فإننا نجد أرياش الطواويس والثوب المسمى أبا قلمون تختلف ألوانها عند البصر في الأوقات المختلفة من النهار بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق عليها.
    فتدل هذه الأحوال التي تظهر في الألوان على أن الأجسام المتلونة إنما يدرك البصر ألوانها بحسب الأضواء المشرقة عليها.
    فإذا كانت الأضواء القوية التي في المبصرات وقد تظهر بعض المعاني التي في بعض المبصرات،وكانت الأضواء الضعيفة التي تكون المبصرات قد تظهر بعض المعاني التي في بعض المبصرات وقد تخفي بعض المعاني التي في بعض المبصرات، وكانت الأجسام المتلونة قد تتغير ألوانها بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق عليها، وكانت الأضواء القوية المشرقة على البصر قد تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات، وكان البصر مع جميع ذلك ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان مضيئاً، فإن الصورة إذن التي يدركها البصر من المبصر إنما تكون بحسب الضوء الذي في المبصر وبحسب الأضواء التي تشرق على البصر في حال إدراكه لذلك المبصر وعلى الهواء المتوسط بين البصر والمبصر.
    فأما لم الأضواء القوية تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات فإننا نشرح علة ذلك عند كلامنا في كيفية الإبصار.

    ● [ الفصل الخامس ] ●
    هيئة البصر

    البصر مركب من طبقات وأغشية وأجسام مختلفة، ومبدؤه ومنشؤه من مقدم الدماغ،
    ينشق من مقدم الدماغ عصبتان جوفاوان متشابهتان يبتدئان من موضعين عن جنبتي مقدم الدماغ ويقال إن كل واحدة منهما طبقتان وأنهما ينشآن من غشائي الدماغ فينتهيان إلى الوسط من ظاهر مقدم الدماغ، ثم يلتقيان فيصيران عصبة واحدة جوفاء، ثم تنقسم هذه العصبة فتصير أيضاً عصبتين جوفاويين متساويتين، ثم تمتد هاتان العصبتان حتى تنتهيا إلى حدبتي العظمين المقعرين المحيطين بجملتي العينين.
    وفي وسطي تقعيري هذين العظمين ثقبان متساويان نافذان وضعهما من العصبة المشتركة وضع متشابه. فتدخل العصبتان في هذين الثقبين وتخرجان إلى تقعيري العظمين، فإذا وصلا إلى تقعيري العظمين انتشرا واتسعا وصار طرف كل واحد منهما كالقمع. وكل واحدة من العينين مركبة على هذا الطرف من العصبة الذي هو كالقمع وملتحم به. ووضع كل واحدة من العينين من العصبة المشتركة وضع متشابه.
    وجملة كل واحدة من العينين مركبة من عدة طبقات.
    فأولها شحمة بيضاء تملأ مقعر العظم وهي معظم العين وتسمى الملتحمة.
    وفي داخل هذه الشحمة كرة مستديرة جوفاء سوداء في الأكثر وزرقاء وشهلاء في بعض الأبصار. وجسم هذه الكرة رقيق، ومع ذلك صفيق ليس بالسخيف، وظاهرها ملتصق بالملتحمة، وداخلها أجوف وفي باطن داخلها شبيه بالخمل، والملتحمة مشتملة على هذه الكرة ما سوى مقدمها فإن الملتحمة ليس تغطي مقدم هذه الكرة بل تستدير على مقدمها. وتسمى هذه الطبقة العنبية لأنها تشبه العنبة.وفي وسط مقدم العنبية ثقب مستدير نافذ إلى تجويفها، وهو مقابل لطرف تجويف العصبة التي العين مركبة عليها.
    ويغطي هذا الثقب وجميع مقدم العنبية الذي حوله الملتحمة من خارج طبقة متينة بيضاء تسمى القرنية لأنها تشبه بالقرن الأبيض في المشف.
    وفي صدر مقعر العنبية كرة صغيرة بيضاء رطبة متماسكة الرطوبة ومع ذلك ترفة وفيها شفيف ليس في الغاية بل فيها بعض الغلظ، ويشبه شفيفها شفيف الجليد، وتسمى الجليدية. وسميت بهذا الاسم من أجل شبه شفيفها وهي مركبة على طرف تجويف العصبة . وفي مقدم هذه الكرة تسطيح يسير يشبه تسطيح ظاهر العدسة، فسطح مقدمها قطعة من سطح كري أعظم من السطح الكري المحيط ببقيتها. وهذا السطح مقابل للثقب الذي في مقدم العنبية ووضعه منه وضع متشابه.
    وهذه الرطوبة تنقسم بجزء ين مختلفي الشفيف ، أحدهما يلي مقدمها والجزء الآخر يلي مؤخرها. والجزء المتأخر منها يشبه شفيفه شفيف الزجاج المرضوض، فيسمى هذا الجزء بالرطوبة الزجاجية. وشكل مجموع الجزءين رقيق في غاية الرقة والسخافة يسمى العنكبوتية لنه يشبه بنسج العنكبوت.
    وفي صدر مقعر العنبية ثقب مستدير هو على طرف تجويف العصبة، والجليدية مركبة في هذا الثقب. واستدارة هذا الثقب، وهو طرف العصبة، تحيط بوسط كرة الجليدية، وتلتحم العنبية بالجليدية من الدائرة المحيطة بهذا الثقب. ويقال إن العنبية منشأها من الطبقة الداخلة من طبقتي العصبة المجوفة وأن القرنية منشأها من الطبقة الخارجة من طبقتي هذه العصبة.
    ويملأ تجويف العنبية رطوبة بيضاء رقيقة صافية مشفة تسمى الرطوبة البيضية لأنها تشبه بياض البيض في رقته وبياضه وشفيفه. وهي تمل تجويف العنبية وتماس مقدم الجليدية وتمل الثقب الذي في مقدم العنبية وتماس مقعر القرنية.
    وكرة الجليدية مركبة على تجويف العصبة، ويلي تجويف العصبة الرطوبة الزجاجية، فتكون القرنية والرطوبة البيضية والرطوبة الجليدية والزجاجية متوالية متماسة. وجميع هذه الطبقات مشفة، والثقب الذي في مقدم العنبية مقابل لمقدم تجويف العصبة ، فيكون بين سطح القرنية وبين مقدم تجويف العصبة سموت مستقيمة تملأها أجسام مشفة متماسة.
    ويقال عن الروح الباصرة تنبعث من مقدم الدماغ وتملأ تجويف العصبتين الأوليين المتصلتين بالدماغ، وتنتهي إلى العصبة المشتركة فتملأ تجويف هذه العصبة، وتمتد في العصبتين الثانيتين الجوفاوين فتملأهما وتنتهي إلى الجليدية فتغطيها القوة الباصرة.
    وبين محيط الجليدية الملتحم بالعنبية وبين الثقب الذي في مقعر العظم الذي منه تخرج العصبة مسافة مقتدرة، والعصبة تمتد في هذه المسافة من نهاية الثقب إلى محيط الجليدية على انخراط واتساع، وكلما بعدت عن الثقب اتسعت إلى أن تنتهي إلى محيط كرة الجليدية وتلتحم بمحيطها.
    وجسم الملتحمة مشتمل على هذا الجزء المنخرط من العصبة وعلى كرة العنبية، وكرة العنبية عن وسط الملتحمة إلى ما يلي ظاهر البصر، وجسم الملتحمة ملتحم بكرة العنبية وبالطرف المنخرط المتسع من العصبة وحافط لوضعها. فإذا تحركت العين تحركت بجملتها، فتنحني العصبة التي العين مركبة عليها عند حركتها ويكون انحناؤها عند الثقب الذي في مقعر العظم، لأن مقعر العظم يشتمل على جملة العين والعين تتحرك بجملتها في هذا التقعير.
    والملتحمة ملتحمة بما في داخلها من العصبة ومن الطبقات الباقية وحافظة لأوضاعها وغير مفارقة لها. فانحناء العصبة عند حركة العين إنما يكون من وراء جملة العين، فهو عند الثقب الذي في مقعر العظم. وكذلك إذا كانت العين ساكنة ، وكانت العصبة منحنية، فإنما يكون انحناؤها عند الثقب الذي في مقعر العظم، لأن جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عند بعض لا عند حركتها ولا عند سكونها. فانحناء العصبة التي العين مركبة عليها ليس يكون إلا عند الثقب الذي في مقعر العظم تحركت العين ام سكنت.
    والسطح الظاهر من القرنية سطح كري، ومع ذلك متصل بالسطح المحيط بالملتحمة وبجملة العين، وجملة العين أعظم من كرة العنبية التي هي بعضها ، فالسطح الظاهر من القرنية هو من سطح كري اعظم من كرة العنبية، فنصف قطره اعظم من نصف قطر العنبية.
    والسطح الداخل من القرنية المنطبق على ثقب العنبية سطح مقعر كري موازي للسطح الظاهر منها، لأن هذا الموضع متساوي السمك، فمركز هذا السطح المقعر أيضاً هو مركز السطح المحدب الظاهر . وهذا السطح المقعر يقطع سطح كرة العنبية على محيط الثقب، فمركزه أبعد في العمق من مركز العنبية، لأن ذلك يلزم في خواص الأكر.
    وأيضاً فلأن كرة العنبية ليست في وسط الملتحمة، وهي متقدمة إلى ما يلي سطح ظاهر البصر، وسطح ظاهر البصر من كرة اعظم من كرة العنبية، يكون مركز السطح الظاهر ابعد في العمق من مركز العنبية، فمركز سطح القرنية أبعد في العمق من مركز العنبية.
    والخط المستقيم الذي يصل بين المركزين، أعني مركز سطح القرنية ومركز العنبية، إذا خرج على استقامة انتهى إلى مركز الثقب الذي في مقدم العنبية وإلى وسطي سطحي القرنية المتوازيين، لأن السطح المقعر من القرنية والسطح المحدب من العنبية سطحان كريان يتقاطعان، وكل سطحين كريين متقاطعين فإن الخط الذي يصل بين مركزيهما يمر بمركز الدائرة ويكون عموداً على سطحها يمر بمركزي الكرتين.
    والسطح المقعر من القرنية مماس لسطح الرطوبة البيضية التي في داخل ثقب العنبية ومنطبق عليه، فسطح الرطوبة البيضية أيضاً سطح كري مركزه مركز السطح المنطبق عليه. فالسطح الظاهر من القرنية والسطح الداخل منها وسطح الرطوبة البيضية المماس لمقعر القرنية سطوح كرية متوازية مركزها نقطة واحدة مشتركة، وهي أبعد في العمق من مركز العنبية.
    والخط الذي يمر بمركز العنبية وبمركز القرنية وبمركز الثقب الذي في مقدم العنبية، إذا امتد على استقامة ، فإنه يمر بوسط تجويف العصبة التي العين مركبة عليها، لأن الثقب الذي في مقدم العنبية مقابل للثقب الذي في صدر العنبية الذي هو طرف تجويف العصبة.
    وسطح مقدم الجليدية أيضاً سطح كري، وهو يقطع كرة العنبية، فمركزه أبعد في العمق من مركز العنبية. والخط المستقيم الذي يصل بين مركزيهما يمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عموداً عليها، دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين سطح كرة العنبية هي إما الدائرة التي تحد نهاية الالتحام بين الجليدية وبين العنبية وإما موازية لها لأن التسطيح الذي في مقدم الجليدية مقابل للثقب الذي في مقدم العنبية ووضعه منه وضع متشابه، فنهاية هذا السطح، وهي دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية، إما أن تكون هي دائرة الالتحام نفسها أو موازية لها. فإن كانت هذه الدائرة، اعني دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية، وهي دائرة الالتحام فهذه الدائرة هي دائرة التقاطع بين سطحي مقدم الجليدية وبين العنبية . وإن كانت دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية موازية لدائرة الالتحام فإن سطح مقدم الجليدية إذا توهم منبسطاً على ما هو عليه من كريته فإنه يقطع كرة العنبية على دائرة موازية لهذه الدائرة، أعني دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية، لتشابه وضع هذه الدائرة من محيط كرة العنبية. وهذه الدائرة موازية لدائرة الالتحام. فتكون دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين مركز العنبية موازية لدائرة الالتحام. فدائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين كرة العنبية إما هي دائرة الالتحام نفسها أو موازية لها. فإن كانت هذه الدائرة هي دائرة الالتحام نفسها فإن الخط المستقيم الذي يمر بمركز مقدم الجليدية ويمر بمركز العنبية يمر بمركز هذه الدائرة فيكون عموداً عليها، لأن هذه الدائرة تكون دائرة التقاطع بين السطحين الكريين. وإن كانت هذه الدائرة موازية لدائرة الالتحام، وهي موازية لدائرة التقاطع بين سطحي الجليدية، فهي مع دائرة الالتحام في سطح واحد كري وهو سطح كرة العنبية، وهي موازية لها، وهي مع دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح مقدم الجليدية، وهي موازية لها، فالخط المستقيم الذي يمر بمركز كرة العنبية وبمركز سطح مقدم الجليدية ويمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عموداً عليها هو يمر بمركز دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية ويكون عموداً عليها لن هذه الدائرة مع دائرة التقاطع بين كرة العنبية وبين سطح مقدم الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح مقدم الجليدية، وهي موازية لها، وكل دائرتين متوازيتين في سطح كرة فإن الخط الذي يمر بمركز إحديهما ويكون عموداً عليها فهو يمر بمركز الدائرة الأخرى ويكون عموداً عليها. وهذا الخط أيضاً يمر بمركز دائرة الالتحام ويكون عموداً عليها لن دائرة التقاطع بين كرة العنبية وبين سطح مقدم الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح كرة العنبية، وهي موازية لها، فالخط الذي يمر بمركز كرة العنبية وبمركز السطح المتقدم من الجليدية يمر بمركز دائرة الالتحام على تصاريف الأحوال، ويكون عموداً عليها،كانت دائرة الالتحام نفس دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين كرة العنبية أو موازية لهذه الدائرة.
    وأيضاً فإن سطح مقدم الجليدية وسطح بقية الجليدية سطحان كريان متقاطعان، فمركز السطح المتقدم ابعد في العمق من مركز السطح المتأخر. والخط المستقيم الذي يصل بين هذين المركزين يمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عموداً عليها قد تبين أنه يمر بمركز دائرة الالتحام ويكون عموداً عليها لأن هذه الدائرة إما هي دائرة الالتحام أو موازية لها، فالخط إذن الذي يمر بمركز العنبية وبمركز مقدم الجليدية وبمركز دائرة الالتحام ويكون عموداً على هذه الدائرة يمر بمركز بقية الجليدية.
    وإذا كان هذا الخط يمر بمركز بقية الجليدية وبمركز دائرة الالتحام، وهو قائم على سطح دائرة الالتحام على زوايا قائمة، فهو يمتد في وسط تجويف العصبة التي العين مركبة عليها، لن دائرة الالتحام هي طرف تجويف العصبة.وقد نبين أن الخط الذي يمر بمركز العنبية وبمركز القرنية وبمركز الثقب الذي في مقدم العنبية يمتد في وسط تجويف العصبة، فهذا الخط إذن الذي يمر بمركزي سطحي الجليدية وبمركز كرة العنبية هو الخط الذي يمر بمركز القرنية وبمركز العنبية وبمركزي سطحي الجليدية وبمركز الثقب الذي في مقدم العنبية وبمركز دائرة الالتحام، ويمر بأوساط جميع الطبقات المقابلة لثقب العنبية، وهو عمود على سطوح جميع الطبقات المقابلة لثقب العنبية وعمود على سطح ثقب العنبية وعمود على سطح دائرة الالتحام، ويمتد في وسط تجويف العصبة التي العين مركبة عليها.
    وإذ قد تبين أن مركز القرنية ومركز سطح مقدم الجليدية هما جميعاً على هذا الخط، وهما جميعاً أبعد في العمق من مركز العنبية، فالأشبه أن يكون مركز سطح مقدم الجليدية وهو مركز القرنية لتكون مراكز جميع السطوح المقابلة لثقب العنبية نقطة واحدة مشتركة، فتكون جميع الخطوط الخارجة من المركز إلى سطح البصر أعمدة على جميع السطوح المقابلة للثقب، ومع ذلك فإنه يتبين من بعد بالدليل عند كلامنا في كيفية الإبصار أن مركز سطح القرنية ومركز السطح المتقدم من الجليدية هو نقطة واحدة مشتركة. طبقات البصر المقابلة لثقب العنبية سطوح كرية مركزها نقطة واحدة مشتركة.
    وأيضاً فلأن هذا المركز هو مركز السطح الظاهر من البصر المتصل بالسطح المشتمل على جملة العين، فهو في داخل جملة العين، فمركز سطوح طبقات البصر المقابلة لثقب العنبية هو في داخل جملة العين.
    فإذا تحركت العين فليس تتغير النقطة من العين التي هي مركز سطوح طبقات البصر، ولا يتغير وضعها من هذه السطوح بل تكون حافظة لوضعها، لأن العين إذا تحركت إنما تتحرك بجملتها، وأوضاع أجزاء جملتها بعضها عند بعض ليس تتغير عند الحركة . وهذا المركز هو في داخلها، فوضعه لا يتغير عند جملتها. وكذلك وضع طبقات البصر عند جملة العين ليس يتغير عند حركة البصر. فوضع هذا المركز عند سطوح طبقات البصر ليس يتغير عند حركة البصر ولا عند سكونه.
    وقد تبين أن انحناء العصبة عند حركة البصر وعند سكونه إنما يكون عند الثقب الذي في مقعر العظم لأنه إنما يكون من وراء جملة العين،فانحناء العصبة إذن عند حركة البصر وعند سكونه ليس يكون إلا من وراء مركز البصر.
    وأيضاً فإن جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عند بعض لا في حال حركتها ولا في حال سكونها، فأوضاع مراكز طبقات البصر عند جملة العين ليس تتغير عند حركة البصر ولا عند سكونه. فالخط المستقيم الذي يمر بالمراكز ليس يتغير وضعه عند جملة العين ولا عند أجزائها لا في حال حركة البصر ولا في حال سكونه. وإذا كان وضع هذا الخط ليس يتغير عند جملة العين ولا عند أجزائها فوضع هذا الخط إذن ليس يتغير عند سطح دائرة الالتحام ولا عند محيطها، وهذه الدائرة هي طرف تجويف العصبة، فوضع سطحها من سطح تجويف العصبة وضع متشابه، وميل الجزء المنخرط من العصبة على سطح هذه الدائرة ميل متشابه، لان وضع الجليدية من هذه العصبة وضع متشابه.
    وإذا كانت جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عن بعض فسطح تجويف العصبة من لدن محيط دائرة الالتحام إلى وضع انحناء العصبة الذي هو الجزء المنخرط من العصبة لي يتغير وضعه عند جملة العين ولا عند دائرة الالتحام.
    وقد تبين أن وضع الخط الذي يمر بالمراكز ليس يتغير عند دائرة الالتحام، وإنه يمتد في وسط تجويف العصبة. وإذا كان وضع هذا الخط ليس يتغير عند دائرة الالتحام، وكان سطح تجويف العصبة الذي من لدن محيط دائرة الالتحام إلى موضع الانحناء ليس يتغير وضعه عند سطح تجويف العصبة إلى أن ينتهي إلى موضع الانحناء، فالخط الذي يمر بمراكز طبقات البصر يمر بمركز دائرة الالتحام ويكون قائماً عليها على زوايا قائمة، فيمتد في وسط تجويف العصبة المنخرطة إلى أن ينتهي إلى موضع انحناء العصبة، ويكون وضعه أبداً من سطح تجويف العصبة الذي في داخل جملة العين ومن جميع أجزاء العين ومن جميع سطوح طبقات البصر وضعاً واحداً لا يتغير في حال حركة البصر ولا في حال سكونه.
    فهذه هي أوضاع طبقات البصر وأوضاع مراكزها ووضع الخط المستقيم الذي يمر بمركزها.
    والعينان جميعاً متشابهتان في جميع أحوالهما وطبقاتهما وفي أشكال طبقاتهما وفي وضع كل واحد من الطبقات عند جملة العين. وإذا كان ذلك كذلك فوضع كل واحد من المراكز التي تقدم تفصيلها عند جملة العين وعند أجزائها وضع المركز النظير لذلك المركز من العين الأخرى عند جملة العين شبيهة بنظائرها في العين الأخرى كان وضع الخط الذي يمر بالمراكز في إحدى العينين عند جملة العين وعند أجزائها وعند طبقاتها شبيهاً بوضع الخط الذي يمر بالمراكز التي في العين الأخرى عند جملة العين الأخرى وعند أجزائها وعند طبقاتها. فوضع الخطين اللذين يمران بمراكز طبقات البصرين من البصرين معاً وضع متشابه في جميع أحوالهما. وكل واحدة من الملتحمتين تلتحم بها من خارج عضلتان صغيرتان إحديهما مما يلي موق العين والأخرى مما يلي مؤخرها. ويشتمل على كل واحدة من العينين الأجفان والأهداب.
    فهذا الذي شرحناه هو صفة تركيب البصر وهيئته وهيئة طبقاته، وجميع ما ذكرناه من طبقات العين وتركيبها قد بينه وشرحه أصحاب التشريح في كتب التشريح.

    المقالة الأولى [ نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس ] Fasel10

    كتاب : المناظر ● تأليف : ابن الهيثم
    منتدى نافذة ثقافية . البوابة
    المقالة الأولى [ نهاية الفصل الثالث والفصل الرابع والفصل الخامس ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 5:05 pm