منتدى همسات الحموات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر

    avatar
    همسات
    Admin


    المساهمات : 1997
    تاريخ التسجيل : 18/02/2015

    من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر Empty من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر

    مُساهمة من طرف همسات الجمعة يناير 29, 2021 10:16 am

    من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر Cera10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    السيرة النبوية المطهرة
    السيرة النبوية لابن هشام
    المُجلد ألأول
    من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر 1410
    من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ
    إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر

    [ حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ ]
    [ بَلَاءُ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ فِي مَنْزِلِهِمْ الّذِي تَعَاقَدَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَلَيْهِمْ فِي الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبُوهَا ، ثُمّ إنّهُ قَامَ فِي نَقْضِ تِلْكَ الصّحِيفَةِ الّتِي تَكَاتَبَتْ فِيهَا قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَلَمْ يُبْلَ فِيهَا أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْ بَلَاءِ هِشَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ ( جَذِيمَةَ ) بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ ابْنَ أَخِي نَضْلَةَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لِأُمّهِ فَكَانَ هِشَامٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَاصَلًا ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ [ ص 375 ] فَكَانَ - فِيمَا بَلَغَنِي - يَأْتِي بِالْبَعِيرِ وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ فِي الشّعْبِ لَيْلًا ، قَدْ أَوْقَرَهُ طَعَامًا ، حَتّى إذَا أَقْبَلَ بِهِ فَمَ الشّعْبِ خَلَعَ خِطَامَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمّ ضَرَبَ عَلَى جَنْبِهِ فَيَدْخُلُ الشّعْبَ عَلَيْهِمْ ثُمّ يَأْتِي بِهِ قَدْ أَوْقَرَهُ بَزّا ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ .

    [ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ لَهُ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّهُ مَشَى إلَى زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَكَانَتْ أُمّهُ عَاتِكَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقَالَ يَا زُهَيْرُ ، أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تَأْكُلَ الطّعَامَ وَتَلْبَسَ الثّيَابَ وَتَنْكِحَ النّسَاءَ وَأَخْوَالُك حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ لَا يُبَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ وَلَا يُنْكَحُ إلَيْهِمْ ؟ أَمَا إنّي أَحْلِفُ بِاَللّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا أَخْوَالَ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ ، ثُمّ دَعَوْتَهُ إلَى ( مِثْلِ ) مَا دَعَاك إلَيْهِ مِنْهُمْ مَا أَجَابَك إلَيْهِ أَبَدًا ؛ قَالَ وَيْحَك يَا هِشَامُ فَمَاذَا أَصْنَعُ ؟ إنّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَاَللّهِ لَوْ كَانَ مَعِي رَجُلٌ آخَرُ لَقُمْت فِي نَقْضِهَا حَتّى أَنْقُضَهَا ، قَالَ قَدْ وَجَدْت رَجُلًا قَالَ فَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ أَنَا ، قَالَ لَهُ زُهَيْرٌ أَبْغِنَا رَجُلًا ثَالِثًا

    [ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ لَهُ ]
    فَذَهَبَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ ( بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ) فَقَالَ لَهُ يَا مُطْعِمُ أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ يَهْلِكَ بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِقُرَيْشِ فِيهِ أَمَا وَاَللّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ لَتَجِدُنّهُمْ إلَيْهَا مِنْكُمْ سِرَاعًا ؛ قَالَ وَيْحَك فَمَاذَا أَصْنَعُ إنّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ قَدْ وَجَدْت ثَانِيًا ؛ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ أَنَا ، قَالَ أَبْغِنَا ثَالِثًا ، قَالَ قَدْ فَعَلْتُ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ ، قَالَ أَبْغِنَا رَابِعًا .

    [ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ أَبِي الْبَخْتَرِيّ إلَيْهِ ]
    فَذَهَبَ إلَى الْبَخْتَرِيّ بْنِ هِشَامٍ فَسَأَلَ لَهُ نَحْوًا مِمّا قَالَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ ، [ ص 376 ] فَقَالَ وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ ، وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ ، وَأَنَا مَعَك ، قَالَ أَبْغِنَا خَامِسًا .

    [ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ زَمْعَةَ لَهُ ]
    فَذَهَبَ إلَى زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ، فَكَلّمَهُ ذَكَرَ لَهُ قَرَابَتَهُمْ وَحَقّهُمْ فَقَالَ لَهُ وَهَلْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الّذِي تَدْعُونِي إلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ ثُمّ سَمّى لَهُ الْقَوْمَ .

    [ مَا حَدَثَ بَيْنَ هِشَامٍ وَزُمَلَائِهِ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ حَيْن اعْتَزَمُوا تَمْزِيقَ الصّحِيفَةِ ]
    فَاتّعَدُوا خَطْمَ الْحَجُونِ لَيْلًا بِأَعْلَى مَكّةَ ، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ . فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَتَعَاقَدُوا عَلَى الْقِيَامِ فِي الصّحِيفَةِ حَتّى يَنْقُضُوهَا ، وَقَالَ زُهَيْرٌ : أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فَأَكُونُ أَوّلَ مَنْ يَتَكَلّمُ . فَلَمّا أَصْبَحُوا غَدَوْا إلَى أَنْدِيَتِهِمْ وَغَدَا زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ عَلَيْهِ حُلّةٌ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ يَا أَهْلَ مَكّةَ ؟ أَنَأْكُلُ الطّعَامَ وَنَلْبَسُ الثّيَابَ وَبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لَا يُبَاعُ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ وَاَللّهِ لَا أَقْعُدُ حَتّى تُشَقّ هَذِهِ الصّحِيفَةُ . الْقَاطِعَةُ الظّالِمَةُ . قَالَ أَبُو جَهْلٍ : وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ : كَذَبْتَ وَاَللّهِ لَا تُشَقّ ، قَالَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ : أَنْتَ وَاَللّهِ أَكْذَبُ مَا رَضِينَا كِتَابَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ صَدَقَ زَمْعَةُ ، لَا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا ، وَلَا نُقِرّ بِهِ قَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ : صَدَقْتُمَا وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ نَبْرَأُ إلَى اللّهِ مِنْهَا ، وَمِمّا كُتِبَ فِيهَا ، قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلِ تُشُووِرَ فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ ( قَالَ ) : وَأَبُو طَالِبٍ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَقَامَ الْمُطْعِمُ إلَى الصّحِيفَةِ لِيَشُقّهَا ، فَوَجَدَ الْأَرَضَةَ قَدْ أَكَلَتْهَا ، إلّا " بِاسْمِك اللّهُمّ " . [ ص 377 ]

    [ كَاتِبُ الصّحِيفَةِ وَشَلّ يَدِهِ ]
    وَكَانَ كَاتِبَ الصّحِيفَةِ مَنْصُورُ بْنُ عِكْرِمَةَ . فَشُلّتْ يَدُهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ .

    [ إخْبَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَكْلِ الْأَرَضَةِ لِلصّحِيفَةِ وَمَا كَانَ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ ]
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَبِي طَالِبٍ : يَا عَمّ إنّ رَبّي اللّهَ قَدْ سَلّطَ الْأَرَضَةَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهَا اسْمًا هُوَ لِلّهِ إلّا أَثْبَتَتْهُ فِيهَا ، وَنَفَتْ مِنْهُ الظّلْمَ وَالْقَطِيعَةَ وَالْبُهْتَانَ فَقَالَ أَرَبّك أَخْبَرَك بِهَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْك أَحَدٌ ، ثُمّ خَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا ، فَهَلُمّ صَحِيفَتُكُمْ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَخِي فَانْتَهُوا عَنْ قَطِيعَتِنَا ، وَانْزِلُوا عَمّا فِيهَا ؟ وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا دَفَعْت إلَيْكُمْ ابْنَ أَخِي ، فَقَالَ الْقَوْمُ رَضِينَا ، فَتَعَاقَدُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمّ نَظَرُوا ، فَإِذَا هِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ شَرّا . فَعِنْدَ ذَلِك صَنَعَ الرّهْطُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ مَا صَنَعُوا

    [ شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مَدْحِ النّفَرِ الّذِينَ نَقَضُوا الصّحِيفَةَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا مُزّقَتْ الصّحِيفَةُ وَبَطَلَ مَا فِيهَا . قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النّفَرِ الّذِينَ قَامُوا فِي نَقْضِهَا يَمْدَحُهُمْ [ ص 378 ] [ ص 379 ] [ ص 380 ]
    أَلَا هَلْ أَتَى بَحْرِيّنَا صُنْعُ رَبّنَا ربنا23811"id="الشعر" > ... عَلَى نَأْيِهِمْ وَاَللّهُ بِالنّاسِ أَرْوَدُ
    فَيُخْبِرَهُمْ أَنّ الصّحِيفَةَ مُزّقَتْ ... وَأَنْ كُلّ مَا لَمْ يَرْضَهُ اللّهُ مُفْسَدُ
    تُرَاوِحُهَا إفْكٌ وَسِحْرٌ مُجَمّعٌ ... وَلَمْ يُلْفَ سِحْرٌ آخِرَ الدّهْرِ يَصْعَدُ
    تَدَاعَى لَهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِقَرْقَرٍ ... فَطَائِرُهَا فِي رَأْسِهَا يَتَرَدّدُ
    وَكَانَتْ كِفَاءً رَقْعَةٌ بِأَثِيمَةٍ ... لِيُقْطَعَ مِنْهَا سَاعِدٌ وَمُقَلّدُ
    وَيَظْعَنُ أَهْلُ الْمَكّتَيْنِ فَيَهْرُبُوا ... فَرَائِصُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ الشّرّ تُرْعَدُ
    وَيُتْرَكُ حَرّاثٌ يُقَلّبُ أَمْرَهُ ... أَيُتْهِمُ فِيهِمْ عِنْدَ ذَاكَ وَيُنْجِدُ
    وَتَصْعَدُ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ كَتِيبَةٌ ... لَهَا حُدُجٌ سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ
    فَمَنْ يَنْشَ مِنْ حُضّارِ مَكّةَ عِزّهُ ... فَعِزّتُنَا فِي بَطْنِ مَكّةَ أَتْلَدُ
    نَشَأْنَا بِهَا وَالنّاسُ فِيهَا قَلَائِلُ ... فَلَمْ نَنْفَكِكْ نَزْدَادُ خَيْرًا وَنَحْمَدُ
    وَنُطْعِمُ حَتّى يَتْرُكَ النّاسُ فَضْلَهُمْ ... إذَا جُعِلَتْ أَيْدِي الْمُفِيضِينَ تُرْعَدُ
    جَزَى اللّهُ رَهْطًا بِالْحَجُونِ تَبَايَعُوا ... عَلَى مَلَأٍ يُهْدِي لِحَزْمٍ وَيُرْشِدُ
    قُعُودًا لَدَى خَطْمِ الْحَجُونِ كَأَنّهُمْ ... مَقَاوِلَةٌ بَلْ هُمْ أَعَزّ وَأَمْجَدُ
    أَعَانَ عَلَيْهَا كُلّ صَقْرٍ كَأَنّهُ ... إذَا مَا مَشَى فِي رَفْرَفِ الدّرْعِ أَحْرَدُ
    جَرِيّ عَلَى جُلّى الْخُطُوبِ كَأَنّهُ ... شِهَابٌ بِكَفّيْ قَابِسٍ يَتَوَقّدُ
    مِنْ الْأَكْرَمِينَ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ يَتَرَبّدُ
    طَوِيلُ النّجَادِ خَارِجٌ نِصْفُ سَاقِهِ ... عَلَى وَجْهِهِ يُسْقَى الْغَمَامُ وَيُسْعِدُ
    عَظِيمُ الرّمَادِ سَيّدٌ وَابْنُ سَيّدٍ ... يَحُضّ عَلَى مَقْرَى الضّيُوفِ وَيَحْشِدُ
    وَيَبْنِي لِأَبْنَاءِ الْعَشِيرَةِ صَالِحًا ... إذَا نَحْنُ طُفْنَا فِي الْبِلَادِ وَيَمْهَدُ
    أَلَظّ بِهَذَا الصّلْحِ كُلّ مُبَرّأٍ ... عَظِيمِ اللّوَاءِ أَمْرُهُ ثَمّ يُحْمَدُ
    قَضَوْا مَا قَضَوْا فِي لَيْلِهِمْ ثُمّ أَصْبَحُوا ... عَلَى مَهَلٍ وَسَائِرُ النّاسِ رُقّدُ
    هُمٌ رَجَعُوا سَهْلَ بْنَ بَيْضَاءَ رَاضِيًا ... وَسُرّ أَبُو بَكْرٍ بِهَا وَمُحَمّدُ
    مَتَى شُرّكَ الْأَقْوَامُ فِي جُلّ أَمْرِنَا ... وَكُنّا قَدِيمًا قَبْلَهَا نُتَوَدّدُ
    وَكُنّا قَدِيمًا لَا نُقِرّ ظُلَامَةً ... وَنُدْرِكُ مَا شِئْنَا وَلَا نَتَشَدّدُ
    فَيَالَقُصَىّ هَلْ لَكُمْ فِي نُفُوسِكُمْ ... وَهَلْ لَكُمْ فِيمَا يَجِيءُ بَهْ غَدُ
    فَإِنّي وَإِيّاكُمْ كَمَا قَالَ قَائِلٌ ... لَدَيْك الْبَيَانُ لَوْ تَكَلّمْت أَسْوَدُ

    [ شِعْرُ حَسّانَ فِي رِثَاءِ الْمُطْعِمِ وَذِكْرُ نَقْضِهِ الصّحِيفَةَ ]
    وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : يَبْكِي الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيّ حِينَ مَاتَ وَيَذْكُرُ قِيَامَهُ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ
    أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحِي ... بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدّمَا
    وَبَكّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا ... عَلَى النّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلّمَا
    فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلَدُ الدّهْرَ وَاحِدًا ... مِنْ النّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا
    أَجَرْتَ رَسُولَ اللّهِ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا ... عَبِيدَك مَا لَبّى مُهِلّ وَأَحْرَمَا
    فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدّ بِأَسْرِهَا ... وَقَحْطَانُ أَوْ بَاقِي بَقِيّةِ جُرْهُمَا
    لَقَالُوا هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ جَارِهِ ... وَذِمّتِهِ يَوْمًا إذَا مَا تَذَمّمَا
    فَمَا تَطْلُعُ الشّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ ... عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزّ وَأَعْظَمَا
    وَآبَى إذَا يَأْبَى ، وَأَلْيَنَ شِيمَةً ... وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللّيْلُ أَظْلَمَا
    [ ص 381 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " كِلَيْهِمَا " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

    [ كَيْفَ أَجَارَ الْمُطْعِمُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُهُ " أَجَرْت رَسُولَ اللّهِ مِنْهُمْ " ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْصَرَفَ عَنْ أَهْلِ الطّائِفِ ، وَلَمْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ مِنْ تَصْدِيقِهِ وَنُصْرَتِهِ صَارَ إلَى حِرَاءٍ ، ثُمّ بَعَثَ إلَى الْأَخْنَسِ بْن شَرِيقٍ لِيُجِيرَهُ فَقَالَ أَنَا حَلِيفٌ وَالْحَلِيفُ لَا يُجِيرُ . فَبَعَثَ إلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، فَقَالَ إنّ بَنِي عَامِر ٍ لَا تُجِيرُ عَلَى بَنِي كَعْبٍ . فَبَعَثَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ ثُمّ تَسَلّحَ الْمُطْعِمُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَخَرَجُوا حَتّى أَتَوْا الْمَسْجِدَ ، ثُمّ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اُدْخُلْ فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلّى عِنْدَهُ . ثُمّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ . فَذَلِكَ الّذِي يَعْنِي حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ .

    [ مَدْحُ حَسّانَ لِهِشَامِ بْنِ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي الصّحِيفَةِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ( الْأَنْصَارِيّ ) أَيْضًا : يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي الصّحِيفَةِ
    ذمة هَلْ يُوَفّيَنّ بَنُو أُمَيّةَ ذِمّةً ... عَقْدًا كَمَا أَوْفَى جِوَارُ هِشَامِ
    مِنْ مَعْشَرٍ لَا يَغْدِرُونَ بِجَارِهِمْ ... لِلْحَارِثِ بْنِ حُبَيّبِ بْنِ سُخَامِ
    وَإِذَا بَنُو حِسْلٍ أَجَارُوا ذِمّةً ... أَوْفَوْا وَأَدّوْا جَارَهُمْ بِسَلَامِ
    وَكَانَ هِشَامٌ أَحَدَ سُحَامِ ( بِالضّمّ ) [ ص 382 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُخَامٌ

    [قِصّةُ إسْلَامِ الطّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدّوْسِيّ]
    [ تَحْذِيرُ قُرَيْشٍ لَهُ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ يَبْذُلُ لَهُمْ النّصِيحَةَ وَيَدْعُوهُمْ إلَى النّجَاةِ مِمّا هُمْ فِيهِ . وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ ، حِينَ مَنَعَهُ اللّهُ مِنْهُمْ يُحَذّرُونَهُ النّاسَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَرَبِ . وَكَانَ الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدّوْسِيّ يُحَدّثُ أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا ، فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ الطّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا ، فَقَالُوا لَهُ يَا طُفَيْلُ ، إنّك قَدِمْتَ بِلَادَنَا ، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا ، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا ، وَشَتّتْ أَمْرَنَا ، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا ، فَلَا تُكَلّمَنّهُ وَلَا تَسْمَعَنّ مِنْهُ شَيْئًا .
    قَالَ فَوَاَللّهِ مَا زَالُوا بِي حَتّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلّمَهُ حَتّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ . قَالَ فَغَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ . قَالَ فَقُمْت مِنْهُ قَرِيبًا فَأَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ . قَالَ فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : [ ص 383 ] أُمّي ، وَاَللّهِ إنّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الّذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنًا قَبِلْتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ

    [ الْتِقَاؤُهُ بِالرّسُولِ وَقَبُولُهُ الدّعْوَةَ ]
    قَالَ فَمَكَثْت حَتّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ فَاتّبَعْتُهُ حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْت : يَا مُحَمّدُ إنّ قَوْمَك قَدْ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا ، لِلّذِي قَالُوا ، فَوَاَللّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوّفُونَنِي أَمْرَك حَتّى سَدَدْت أُذُنَيّ بِكُرْسُفٍ لِئَلّا أَسْمَعَ قَوْلَك ، ثُمّ أَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَك ، ، فَسَمِعْتُهُ قَوْلًا حَسَنًا ، فَاعْرِضْ عَلَيّ أَمْرَك . قَالَ فَعَرَضَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيّ الْقُرْآنَ فَلَا وَاَللّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ . قَالَ فَأَسْلَمْت وَشَهِدْت شَهَادَةَ الْحَقّ وَقُلْت : يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي ، وَأَنَا رَاجِعٌ إلَيْهِمْ وَدَاعِيهمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ اللّهُمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً قَالَ فَخَرَجْت إلَى قَوْمِي ، حَتّى إذَا كُنْت بِثَنِيّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ فَقُلْت : اللّهُمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي ، إنّي أَخْشَى ، أَنْ يَظُنّوا أَنّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينَهُمْ . قَالَ فَتَحَوّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي . قَالَ فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلّقِ وَأَنَا أَهْبِطُ إلَيْهِمْ مِنْ الثّنِيّةِ ، قَالَ حَتّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ

    [ دَعْوَتُهُ أَبَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ ]
    قَالَ فَلَمّا نَزَلْت أَتَانِي أَبِي ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ، قَالَ فَقُلْت : إلَيْك عَنّي يَا أَبَتِ فَلَسْتُ مِنْك وَلَسْتَ مِنّي قَالَ وَلِمَ يَا بُنَيّ ؟ قَالَ قُلْت : أَسْلَمْتُ وَتَابَعْت دِينَ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَيْ بُنَيّ فَدِينِي دِينُك ؟ قَالَ [ ص 384 ] قَالَ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثِيَابَهُ . قَالَ ثُمّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ . ( قَالَ ) ثُمّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي ، فَقُلْت : إلَيْك عَنّي ، فَلَسْتُ مِنْك وَلَسْت مِنّي ، قَالَتْ لِمَ ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، قَالَ ( قُلْت : قَدْ ) فَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَك الْإِسْلَامُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَتْ فَدِينِي دِينُك ، قَالَ قُلْت فَاذْهَبِي إلَى حِنَا ذِي الشّرَى - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ حِمَى ذِي الشّرَى - فَتَطَهّرِي مِنْهُ . ( قَالَ ) : وَكَانَ ذُو الشّرَى صَنَمًا لِدَوْسٍ وَكَانَ الْحِمَى حِمَى حَمَوْهُ لَهُ ( وَ ) بِهِ وَشَلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ . قَالَ فَقُلْت بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، أَتَخْشَى عَلَى الصّبِيّةِ مِنْ ذِي الشّرَى شَيْئًا ، قَالَ قُلْت : لَا ، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَذَهَبَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمّ جَاءَتْ فَعَرَضْت عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ .
    ثُمّ دَعَوْت دَوْسًا إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبْطَئُوا عَلَيّ ثُمّ جِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَقُلْت لَهُ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ الرّنَا فَادْعُ اللّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اللّهُمّ اهْدِ دَوْسًا ارْجِعْ إلَى قَوْمِك فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ . قَالَ فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ ، ثُمّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ [ ص 385 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ . حَتّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ ، ثُمّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ
    ثُمّ لَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ مَكّةَ ، قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ ابْعَثْنِي إلَى ذِي الْكَفّيْنِ صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ حَتّى أُحْرِقَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ إلَيْهِ فَجَعَلَ طُفَيْلٌ يُوقِدُ عَلَيْهِ النّارَ وَيَقُول :
    يَا ذَا الْكَفّيْنِ لَسْتُ مِنْ عُبّادِكَا عبادكا مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِنْ مِيلَادِكَا
    إنّي حَشَوْتُ النّارَ فِي فُؤَادِكَا

    [جِهَادُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ قَبْضِ الرّسُولِ ثُمّ رُؤْيَاهُ وَمَقْتَلُهُ ]
    قَالَ ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ مَعَهُ بِالْمَدِينَة ِ حَتّى قَبَضَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا ارْتَدّتْ الْعَرَبُ ، خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَسَارَ مَعَهُمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحَةَ ، وَمِنْ أَرْضِ نَجْدٍ كُلّهَا . ثُمّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَمَامَةِ ، وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الطّفَيْلِ ، فَرَأَى رُؤْيَا وَهُوَ مُتَوَجّهٌ إلَى الْيَمَامَةِ ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّي قَدْ رَأَيْت رُؤْيَا فَاعْبُرُوهَا لِي ، رَأَيْتُ أَنّ رَأْسِي حُلِقَ وَأَنّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ وَأَنّهُ لَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا ، وَأَرَى ابْنِي يَطْلُبُنِي حَثِيثًا ، ثُمّ رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنّي ، قَالُوا : خَيْرًا ، قَالَ أَمّا أَنَا وَاَللّهِ فَقَدْ أَوّلْتُهَا ؟ قَالُوا : مَاذَا ؟ قَالَ أَمّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ وَأَمّا الطّائِرُ الّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي ، وَأَمّا الْمَرْأَةُ الّتِي أَدَخَلَتْنِي فَرْجَهَا فَالْأَرْضُ تُحْفَرُ لِي ، فَأُغَيّبُ فِيهَا ، وَأَمّا طَلَبُ ابْنِي إيّايَ ثُمّ حَبْسُهُ عَنّي ، فَإِنّي أُرَاهُ سَيَجْهَدُ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَنِي . فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللّهُ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ ، وَجُرِحَ ابْنُهُ جِرَاحَةً شَدِيدَةً ثُمّ اسْتَبَلّ مِنْهَا ، ثُمّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ شَهِيدًا . [ ص 386 ]

    [ أَمْرُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَة ]
    [ شِعْرُهُ فِي مَدْحِ الرّسُولِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ عَلَيْهِ ]
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بْنِ خَالِدِ السّدُوسِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 387 ] [ ص 388 ]
    أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاك لَيْلَةَ أَرْمَدَا أرمدا ... وَبِتّ كَمَا بَاتَ السّلِيمُ مُسَهّدَا
    وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النّسَاءِ وَإِنّمَا ... تَنَاسَيْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ صُحْبَةَ مَهْدَدَا
    وَلَكِنْ أَرَى الدّهْرَ الّذِي هُوَ خَائِنٌ ... إذَا أَصْلَحَتْ كَفّايَ عَادَ فَأَفْسَدَا
    كُهُولًا وَشُبّانًا فَقَدْتُ وَثَرْوَةً ... فَلِلّهِ هَذَا الدّهْرُ كَيْفَ تَرَدّدَا
    وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ ... وَلِيدًا وَكَهْلًا حِينَ شِبْت وَأَمْرَدَا
    وَأَبْتَذِلُ الْعِيسَ الْمَرَاقِيلَ تَغْتَلِي ... مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النّجَيْرِ فَصَرْخَدَا
    أَلَا أَيّهَذَا السّائِلِي أَيْنَ يَمّمَتْ ... فَإِنّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
    فَإِنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَا رُبّ سَائِلٍ ... حَفِيّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
    أَجَدّتْ بِرِجْلَيْهَا النّجَاءَ وَرَاجَعَتْ ... يَدَاهَا خِنَافًا لَيّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا
    وَفِيهَا إذَا مَا هَجّرَتْ عَجْرَفِيّةٌ ... إذَا خِلْت حِرْبَاءَ الظّهِيرَةِ أَصْيَدَا
    وَآلَيْتُ لَا آوِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ ... وَلَا مِنْ حَفًى حَتّى تُلَاقِي مُحَمّدَا
    مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ ... تُرَاحِي وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى
    نَبِيّا يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ ... أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا
    لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبّ وَنَائِلٌ ... وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا
    أَجِدّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمّدٍ ... نَبِيّ الْإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا
    إذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادِ مَنْ الْتَقَى ... وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوّدَا
    نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ ... فَتُرْصِدَ لِلْأَمْرِ الّذِي كَانَ أَرْصَدَا
    فَإِيّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبَنّهَا ... وَلَا تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتُفْصِدَا
    وَذَا النّصَبَ الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنّهُ ... وَلَا تَعْبُدْ الْأَوْثَانَ وَاَللّهَ فَاعْبُدَا
    وَلَا تَقْرَبَنّ حُرّةً كَانَ سِرّهَا ... عَلَيْكَ حَرَامًا فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبّدَا
    وَذَا الرّحِمِ الْقُرْبَى فَلَا تَقْطَعَنّهُ ... لِعَاقِبَةِ وَلَا الْأَسِيرَ الْمُقَيّدَا
    وَسَبّحْ عَلَى حِينِ الْعَشِيّاتِ وَالضّحَى ... وَلَا تَحْمَدْ الشّيْطَانَ وَاَللّهَ فَاحْمَدَا
    وَلَا تَسْخَرًا مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ ... وَلَا تَحْسَبَنّ الْمَالَ لِلْمَرْءِ مُخْلِدَا
    فَلَمّا كَانَ بِمَكّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ، اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ جَاءَ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَصِيرٍ ، إنّهُ يُحَرّمُ الزّنَا ، فَقَالَ الْأَعْشَى : وَاَللّهِ إنّ ذَلِكَ لَأَمْرٌ مَا لِي فِيهِ مِنْ أَرَبٍ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَصِيرٍ ، فَإِنّهُ يُحَرّمُ الْخَمْرَ فَقَالَ الْأَعْشَى : أَمّا هَذِهِ فَوَاَللّهِ إنّ فِي النّفْسِ مِنْهَا لَعُلَالَاتٍ وَلَكِنّي مُنْصَرِفٌ فَأَتَرَوّى مِنْهَا عَامِي هَذَا ، ثُمّ آتِيهِ فَأُسْلِمُ . فَانْصَرَفَ فَمَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

    [ذُلّ أَبِي جَهْلٍ لِلرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ عَدُوّ اللّهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ مَعَ عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبُغْضِهِ إيّاهُ وَشِدّتِهِ عَلَيْهِ يُذِلّهُ اللّهُ لَهُ إذَا رَآهُ . [ ص 389 ]

    [ أَمْرُ الْإِرَاشِيّ الّذِي بَاعَ أَبَا جَهْلٍ إبِلَهُ ]
    [مُمَاطَلَةُ أَبِي جَهْلٍ لَهُ وَاسْتِنْجَادُهُ بِقُرَيْشِ وَاسْتِخْفَافُهُمْ بِالرّسُولِ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثّقَفِيّ ، وَكَانَ وَاعِيَةً قَالَ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إرَاشَةَ - بِإِبِلِ لَهُ مَكّةَ ، فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْل ٍ فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا . فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ جَالِسٌ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، مَنْ رَجُلٌ يُؤَدّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ ، فَإِنّي رَجُلٌ غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّي ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُ ذَلِك الْمَجْلِسِ أَتَرَى ذَلِك الرّجُلَ الْجَالِسَ - لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ - اذْهَبْ إلَيْهِ فَإِنّهُ يُؤَدّيك عَلَيْهِ .

    [إنْصَافُ الرّسُولِ لَهُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ ]
    فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللّهِ إنّ أَبَا الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّ لِي قِبَلَهُ وَأَنَا ( رَجُلٌ ) غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ سَأَلْت هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤَدّينِي عَلَيْهِ يَأْخُذُ لِي حَقّي مِنْهُ فَأَشَارُوا لِي إلَيْك ، فَخُذْ لِي حَقّي مِنْهُ يَرْحَمُك اللّهُ قَالَ انْطَلِقْ إلَيْهِ وَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ قَالُوا لِرَجُلِ مِمّنْ مَعَهُمْ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ . قَالَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ مُحَمّدٌ فَاخْرُجْ إلَيّ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا فِي وَجْهِهِ مِنْ رَائِحَةٍ قَدْ اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ فَقَالَ أَعْطِ هَذَا الرّجُلَ حَقّهُ قَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُعْطِيَهُ الّذِي لَهُ قَالَ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ . ( قَالَ ) : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِلْإِرَاشِيّ الْحَقْ بِشَأْنِك ، فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَخَذَ لِي حَقّي [ ص 390 ]

    [مَا رَوَاهُ أَبُو جَهْلٍ عَنْ سَبَبِ خَوْفِهِ مِنْ الرّسُولِ]
    قَالَ وَجَاءَ الرّجُلُ الّذِي بَعَثُوا مَعَهُ فَقَالُوا : وَيْحَك مَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ عَجَبًا مِنْ الْعَجَبِ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ لَهُ أَعْطِ هَذَا حَقّهُ فَقَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُخْرِجَ إلَيْهِ حَقّهُ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ . قَالَ ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَبُو جَهْلٍ أَنْ جَاءَ فَقَالُوا ( لَهُ ) وَيْلَك مَا لَك ؟ وَاَللّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْت قَطّ قَالَ وَيْحَكُمْ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيّ بَابِي ، وَسَمِعْت صَوْتَهُ فَمُلِئَتْ رُعْبًا ، ثُمّ خَرَجْتُ إلَيْهِ وَإِنّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنْ الْإِبِلِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطّ ، وَاَللّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي .

    [ أَمْرُ رُكَانَةَ الْمُطّلِبِيّ وَمُصَارَعَتُهُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، قَالَ [ ص 391 ] كَانَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَشَدّ قُرَيْشٍ ، فَخَلَا يَوْمًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكّةَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رُكَانَةُ أَلَا تَتّقِي اللّهَ وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوك إلَيْهِ ؟ قَالَ إنّي لَوْ أَعْلَمُ أَنّ الّذِي تَقُولُ حَقّ لَاتّبَعْتُك ، فَقَالَ ( لَهُ ) رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفَرَأَيْت إنْ صَرَعْتُك ، أَتَعْلَمُ أَنّ مَا أَقُولُ حَقّ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقُمْ حَتْي أُصَارِعَك . قَالَ فَقَامَ إلَيْهِ رُكَانَةُ يُصَارِعُهُ فَلَمّا بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَضْجَعَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمّ قَالَ عُدْ يَا مُحَمّدُ فَعَادَ فَصَرَعَهُ فَقَالَ - يَا مُحَمّدُ . وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْعَجْبُ أَتَصْرَعُنِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إنْ شِئْت أَنْ أُرِيَكَهُ إنْ اتّقَيْتَ اللّهَ وَاتّبَعْت أَمْرِي ، قَالَ مَا هُوَ ؟ قَالَ أَدْعُو لَك هَذِهِ الشّجَرَةَ الّتِي تَرَى فَتَأْتِينِي ، قَالَ اُدْعُهَا ، فَدَعَاهَا ، فَأَقْبَلَتْ حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي إلَى مَكَانِك . قَالَ فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا قَالَ فَذَهَبَ رُكَانَةُ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَسْحَرَ مِنْهُ قَطّ ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِاَلّذِي رَأَى وَاَلّذِي صَنَعَ

    [ أَمْرُ وَفْدِ النّصَارَى الّذِينَ أَسْلَمُوا ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ ، عِشْرُونَ رَجُلًا أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ النّصَارَى ، حِينَ بَلَغَهُمْ خَبَرُهُ مِنْ الْحَبَشَةِ ، فَوَجَدُوهُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسُوا إلَيْهِ وَكَلّمُوهُ وَسَأَلُوهُ وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ؛ فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمّا أَرَادُوا ، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ . فَلَمّا سَمِعُوا [ ص 392 ] كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ . فَلَمّا قَامُوا عَنْهُ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالُوا لَهُمْ خَيّبَكُمْ اللّهُ مِنْ رَكْبٍ بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ لِتَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ الرّجُلِ فَلَمْ تَطْمَئِنّ مَجَالِسُكُمْ عِنْدَهُ حَتّى فَارَقْتُمْ دِينَكُمْ وَصَدّقْتُمُوهُ بِمَا قَالَ مَا نَعْلَمُ رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ . أَوْ كَمَا قَالُوا . فَقَالُوا لَهُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نُجَاهِلُكُمْ لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَلَكُمْ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَمْ نَأْلُ أَنْفُسَنَا خَيْرًا
    وَيُقَالُ إنّ النّفَرَ مِنْ النّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَيُقَالُ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - فِيهِمْ نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ { الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنّا بِهِ إِنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّنَا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } إلَى قَوْلِهِ { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِيمَنْ أُنْزِلْنَ فَقَالَ لِي : مَا أَسْمَعُ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنّهُنّ أُنْزِلْنَ فِي النّجَاشِيّ وَأَصْحَابِهِ . وَالْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْلِهِ { ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } إلَى قَوْلِهِ { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ }

    [تَهَكّمُ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَنُزُولُ آيَاتٍ فِي ذَلِكَ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ إلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَبّابٌ وَعَمّارٌ وَأَبُو فَكِيهَةَ يَسَارٌ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحَرّثٍ ، وَصُهَيْبٌ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَزِئَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ أَهَؤُلَاءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَالْحَقّ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ إلَيْهِ [ ص 393 ] خَصّهُمْ اللّهُ بِهِ دُونَنَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { وَلَا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ وَإِذَا جَاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .

    [ ادّعَاءُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النّبِيّ بِتَعْلِيمِ جَبْرٍ لَهُ وَمَا أَنَزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ ]
    وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إلَى مَبْيَعَةِ غُلَامٍ نَصْرَانِيّ يُقَالُ لَهُ جَبْرٌ عَبْدٌ لِبَنِي الْحَضْرَمِيّ فَكَانُوا يَقُولُونَ وَاَللّهِ مَا يُعَلّمُ مُحَمّدًا كَثِيرًا مِمّا يَأْتِي بَهْ إلّا جَبْرٌ النّصْرَانِيّ ، غُلَامُ بَنِي الْحَضْرَمِيّ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مُبِينٌ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُلْحِدُونَ إلَيْهِ يَمِيلُونَ إلَيْهِ . وَالْإِلْحَادُ الْمَيْلُ عَنْ الْحَقّ . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : إذَا تَبِعَ الضّحّاكَ كُلّ مُلْحِدٍ
    قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي الضّحّاكَ الْخَارِجِيّ ، وَهَذَا الْبَيْتُ أُرْجُوزَةٌ لَهُ .

    [ نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر ]
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ - فِيمَا بَلَغَنِي - إذَا ذُكِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ دَعُوهُ فَإِنّمَا هُوَ رَجُلٌ أَبْتَرُ لَا عَقِبَ لَهُ لَوْ مَاتَ لَانْقَطَعَ ذِكْرُهُ وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ { إِنّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } مَا هُوَ خَيْرٌ لَك مِنْ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا . وَالْكَوْثَرُ الْعَظِيمُ . [ ص 394 ]

    من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر Fasel10

    كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
    المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
    منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة
    من حَدِيثُ نَقْضِ الصّحِيفَةِ إلى نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:05 am