منتدى همسات الحموات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أحداث سنة ثلاث وعشرين

    avatar
    همسات
    Admin


    المساهمات : 1997
    تاريخ التسجيل : 18/02/2015

    أحداث سنة ثلاث وعشرين Empty أحداث سنة ثلاث وعشرين

    مُساهمة من طرف همسات الإثنين أبريل 29, 2019 9:04 pm

    أحداث سنة ثلاث وعشرين Alathe10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    أحوال البلاد وأخبار العباد
    أحداث سنة ثلاث وعشرين
    أحداث سنة ثلاث وعشرين 1410
    ● [ ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ] ●

    قال بعضهم: كانفتح إصطخر سنة ثلاث وعشرين. وقيل: كان فتحها بعد توج الآخرة.
    ● [ ذكر الخبر عن فتح توج ] ●

    لما خرج أهل البصرة الذين توجهوا إلى فارس أمراء عليها وكان معهم سارية ابن زنيم الكناني فساروا وأهل فارس مجتمعن بتوج فلم يقصدهم المسلمون بل توجه كل أمير إلى الجهة التي أمر بها. وبلغ ذلك أهل فارس، فافترقوا إلى بلدانهم كما افترق المسلمون، فكانت تلك هزيمتهم وتشتت أمورهم. فقصد مجاشع بن مسعود لسابور وأردشير خرة، فالتقى هو والفرس بتوج فاقتتلوا ما شاء الله، ثم انهزم الفرس وقتلهم المسلمون كيف شاؤوا كل قتلة وغنموا ما في عسكرهم وحصروا توج فافتتحوها وقتلوا منهم خلقاً كثيراً وغنموا ما فيها، وهذه توج الآخرة، والأولى هي التي استقدمتها جنود العلاء بن الحضرمي أيام طاووس. ثم دعوا إلى الجزية فرجعوا وأقروا بها. وأرسل مجاشع بن مسعود السلمي بالبشارة والأخماس إلى عمر بن الخطاب.
    ● [ ذكر فتح إصطخر وجور وغيرهما ] ●

    وقصد عثمان بن أبي العاص الثقفي لإصطخر فالتقى هو وأهل إصطخر بجور فاقتتلوا وانهزم الفرس وفتح المسلمون جور ثم إصطخر وقتلوا ما شاء الله، ثم فر منهم من فر، فدعاهم عثمان إلى الجزية والذمة، فأجابه الهربذ إليها، فتراجعوا، وكان عثمان قد جمع الغنائم لما هزمهم فبعث بخمسها إلى عمر وقسم الباقي في الناس.
    وفتح عثمان كازرون والنوبندجان وغلب على أرضها؛ وفتح هو وأبو موسى مدينة شيراز وأرجان، وفتحا سينيز على الجزية والخراج. وقصد عثمان أيضاً جنابا ففتحها، ولقيه جمع الفرس بناحية جهرم فهزمهم وفتحها.
    ثم إن شهرك خلع في آخر خلافة عمر وأول خلافة عثمان. فوجه إليه عثمان بن أبي العاص ثانيةً وأتته الأمداد من البصرة وأميرهم عبيد الله بن معمر وشبل بن معبد، فالتقوا بأرض فارس. فقال شهرك لابنه وهما في المعركة، وبينهما وبين قرية لهما تدعى ريشهر ثلاثة فراسخ: يا بني أين يكون غداؤنا ههنا أم بريشهر؟ قال له: يا أبه، إن تركونا فلا يكون غداؤنا ههنا ولا بريشهر ولا نكونن إلا في المنزل، ولكن والله ما أراهم يتركوننا. فلما فرغا من كلامهما حتى أنشب المسلمون الحرب فاقتتلوا قتالاً شديداً وقتل شهرك وابنه وخلق عظيم. والذي قتل شهرك الحكم بن أبي العاص أخو عثمان. وقيل: قتله سوار بن همام العبدي حمل عليه فطعنه فقتله. وحمل ابن شهرك على سوار فقتله.
    وقيل: إن إصطخر كانت سنة ثمان وعشرين، وكانت فارس الآخرة سنة تسع وعشرين.
    وقيل: إن عثمان بن أبي العاص أرسل أخاه الحكم من البحرين في ألفين إلى فارس ففتح جزيرة بركاوان في طريقه ثم سار إلى توج، وكان كسرى أرسل شهرك فالتقوا مع شهرك، وكان الجارود وأبو صفرة على مجنبتي المسلمين، وأبو صفرة هذا هو والد المهلب، فحمل الفرس على المسلمين فهزموهم. فقال الجارود: أيها الأمير ذهب الجند. فقال: سترى أمرك. قال: فما لبثوا حتى رجعت خيلٌ لهم ليس عليها فرسانها والمسلمون يتبعونهم يقتلونهم، فنثرت الرؤوس بين يدي ومعي بعض ملوكهم يقال المكعبر فارق كسرى ولحق بي فرأى المكعبر رأساً ضخماً فقال: أيها الأمير هذا رأس الازدهاق، يعني شهرك. وحوصر الفرس بمدينة سابور، فصالح عليها ملكها أرزنبان، فاستعان به الحكم على قتال أهل إصطخر. ومات عمر. وبعث عثمان بن عفان عبيد الله بن معمر مكانه، فبلغ عبيد الله أن أرزنبان يريد الغدر به، فقال له: أحب أن تتخذ لأصحابي طعاماً وتذبح لهم بقرة وتجعل عظامها في الجفنة التي تليني فإني أحب أن أتمشش العظام، ففعل وجعل يأخذ العظم الذي لا يكسر إلا بالفؤوس فيكسره بيده ويأخذ مخه، وكان من أشد الناس، فقام أرزنبان فأخذ برجله وقال: هذا مقام العائذ بك! فأعطاه عهداً. وأصاب عبيد الله منجنيق فأوصاهم وقال: إنكم ستفتحون هذه المدينة إن شاء الله فاقتلوهم بي ساعة فيها، ففعلوا، فقتلوا منهم بشراً كثيراً، ومات عبيد الله بن معمر. وقيل: إن قتله كان سنة تسع وعشرين.
    ● [ ذكر فتح فسا ودارابجرد ] ●

    وقصد سارية بن زنيم الدئلي فسا ودار ابجرد حتى انتهى إلى عسكرهم فنزل عليهم وحاصرهم ما شاء الله، ثم إنهم استمدوا وتجمعوا وتجمعت إليهم أكراد فارس، فدهم المسلمين أمر عظيم، وجمعٌ كثير، وأتاهم الفرس من كل جانب، فرأى عمر فيما يرى النائم تلك الليلة معركتهم وعددهم في ساعة من النهار، فنادى من الغد: الصلاة جامعة! حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم، وكان ابن زنيم والمسلمون بصحراء إن أقاموا فيها أحيط بهم، وإن استندوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد. فقام فقال: يا أيها الناس، إني رأيت هذين الجمعين، وأخبر بحالهما. وصاح عمر وهو يخطب: يا سارية بن زنيم، الجبل الجبل! ثم أقبل عليهم وقال: إن لله جنوداً، ولعل بعضها أن يبلغهم. فسمع سارية ومن معه الصوت فلجؤوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم، فهزمهم الله وأصاب المسلمون مغانمهم، وأصابوا في الغنائم سفطاً فيه جوهر، فاستوهبه منهم سارية وبعث به وبالفتح مع رجل إلى عمر. فقدم على عمر وهو يطعم الطعام، فأمره فجلس وأكل، فلما انصرف عمر اتبعه الرسول، فظن عمر أنه لم يشبع، فأمره فدخل بيته، فلما جلس أتي عمر بغدائه خبز وزيت وملح جريش فأكلا. فلما فرغا قال الرجل: أنا رسول سارية يا أمير المؤمنين. قال: مرحباً وأهلاً. ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته، وسأله عن المسلمين، فأخبره بقصة الدرج، فنظر إليه وصاح به: لا ولا كرامة حتى يقدم على ذلك الجند فيقسمه بينهم. فطرده، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد أنضيت جملي واستقرضت في جائزتي فأعطني ما أتبلغ به. فما زال به حتى أبدله بعيراً من إبل الصدقة وجعل بعيره في إبل الصدقة ورجع الرسول مغضوباً عليه محروماً. وسأل أهل المدينة الرسول هل سمعوا شيئاً يوم الوقعة؟ قال: نعم سمعنا: يا سارية، الجبل الجبل، وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه ففتح الله علينا.
    ● [ ذكر فتح كرمان ] ●

    ثم قصد سهيل بن عدي كرمان، ولحقه أيضاً عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وعلى مقدمة سهيل بن عدي النسير بن عمرو العجلي وحشد لهم أهل كرمان واستعانوا عليهم بالقفص، فاقتتلوا في أداني أرضهم، ففض الله تعالى المشركين وأخذ المسلمون عليهم الطريق. وقتل النسير ابن عمرو العجلي مرزبانها، فدخل النسير من قبل طريق القرى اليوم إلى جيرفت، وعبد الله بن عبد الله من مفازة سير، فأصابوا ما أرادوا من بعير أو شاء، فقوموا الإبل والغنم فتحاصوها بالأثمان لعظم البخت على العراب، وكرهوا أن يزيدوا، وكتبوا إلى عمر بذلك، فأجابهم: إذا رأيتم أن في البخت فضلاً فزيدوا.
    وقيل: إن الذي فتح كرمان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي في خلافة عمر، ثم أتى الطبسين من كرمان، ثم قدم على عمر فقال: أقطعني الطبسين، فأراد أن يفعل، فقيل: إنهما رستاقان عظيمان، فامتنع عمر من ذلك.
    ● [ ذكر فتح سجستان ] ●

    وقصد عاصم بن عمرو سجستان، ولحقه عبد الله بن عمير، فاستقبلهم أهلها، فالتقوا هم وأهل سجستان في أداني أرضهم، فهزمهم المسلمون، ثم اتبعوهم حتى حصروهم بزرنج ومخروا أرض سجستان ماه، ثم إنهم طلبوا الصلح على زرنج وما احتازوا من الأرضين فأعطوا، وكانوا قد اشترطوا في صلحهم أن فدافدها حمىً، فكان المسلمون يتجنبونها خشية أن يصيبوا منها شيئاً فيخفروا، وأقيم أهل سجستان على الخراج، وكانت سجستان أعظم من خراسان وأبعد فروجاً، يقاتلون القندهار والترك وأمماً كثيرة، فلم يزل كذلك حتى كان زمن معاوية، فهرب الشاه من أخيه رتبيل إلى بلد فيها يدعى آمل، ودان لسلم بن زياد، وهو يومئذ على سجستان، ففرح بذلك وعقد لهم وأنزلهم البلاد وكتب إلى معاوية بذلك يري أنه فتح عليه. فقال معاوية: إن ابن أخي ليفرح بأمرٍ إنه ليحزنني وينبغي له أن يحزنه. قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: إن آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة وتضايق، وهؤلاء قوم غدر، فإذا اضطرب الحبل غداً فأهون ما يجيء منهم أنهم يغلبون على بلاد آمل بأسرها. وأقرهم على عهد سلم بن زياد. فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على آمل واعتصم منه رتبيل بمكانه، ولم يرضه ذلك حين تشاغل عنه الناس حتى طمع في زرنج فغزاها وحصر من بها حتى أتتهم الأمداد من البصرة، وصار رتبيل والذين معه عصبة، وكانت تلك البلاد مذللة إلى أن مات معاوية.
    وقيل في فتح سجستان غير هذا، وسيرد ذكره إن شاء الله تعالى.
    ● [ ذكر فتح مكران ] ●

    وقصد الحكم بن عمرو التغلبي مكران حتى انتهى إليها، ولحق به شهاب ابن المخارق وسهيل بن عدي وعبد الله بن عبد الله بن عتبان، فانتهوا إلى دوين النهر، وأهل مكران على شاطئه، فاستمد ملكهم ملك السند، فأمده بجيش كثيف، فالتقوا مع المسلمين فانهزموا وقتل منهم في المعركة مقتلة عظيمة واتبعهم المسلمون يقتلونهم أياماً حتى انتهوا إلى النهر، ورجع المسلمون إلى مكران فأقاموا بها. وكتب الحكم إلى عمر بالفتح وبعث إليه بالأخماس مع صحار العبدي. فلما قدم المدينة سأله عمر عن مكران، فقال: يا أمير المؤمنين، هي أرض سهلها جبل، وماؤها وشلٌ، وتمرها دقلٌ، وعدوها بطل؛ وخيرها قليلٌ، وشرها طويلٌ، والكثير فيها قليلٌ، والقليل فيها ضائع، وما وراءها شر منها، فقال: أسجاع أنت أم مخبر؟ لا والله لا يغزوها جيش لي أبداً. وكتب إلى سهيل والحكم بن عمرو: أن لا يجوزن مكران أحد من جنودكما. وأمرهما ببيع الفيلة التي غنمها المسلمون ببلاده الإسلام وقسم أثمانها على الغانمين، مكران بضم الميم وسكون الكاف.
    ● [ ذكر خبر بيروذ من الأهواز ] ●

    ولما فصلت الخيول إلى الكور، اجتمع ببيروذ جمعٌ عظيمٌ من الأكراد وغيرهم. وكان عمر قد عهد إلى أبي موسى أن يسير إلى أقصى ذمة البصرة حتى لا يؤتى المسلمون من خلفهم، وخشي أن يهلك بعض جنوده أو يخلفوا في أعقابهم، فاجتمع الأكراد ببروذ، وأبطأ أبو موسى حتى تجمعوا، ثم سار فنزل بهم ببيروذ، فالتقوا في رمضان بين نهر تيري ومناذر، فقام المهاجر بن زياد وقد تحنط واستقتل، وعزم أبو موسى على الناس فأفطروا، وتقدم المهاجر فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل. ووهن الله المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة، واشتد جزع الربيع بن زياد على أخيه المهاجر وعظم عليه فقده، فرق له أبو موسى فاستخلفه عليهم في جند، وخرج أبو موسى حتى بلغ أصبهان واجتمع بها بالمسلمين الذين يحاصرون جياً، فلما فتحت رجع أبو موسى إلى البصرة، وفتح الربيع بن زياد الحارثي بيروذ من نهر تيري وغنم ما معهم.
    ووفد أبو موسى وفداً معهم الأخماس، فطلب ضبة بن محصن العنزي أن يكون في الوفد فلم يجبه أبو موسى، وكان أبو موسى قد اختار من سبي بيروذ ستين غلاماً، فانطلق ضبة إلى عمر شاكياً، وكتب أبو موسى إلى عمر يخبره، فلما قدم ضبة على عمر سلم عليه. فقال: من أنت؟ فأخبره. فقال: لا مرحباً ولا أهلاً! فقال: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل. ثم سأله عمر عن حاله فقال: إن أبا موسى انتقى ستين غلاماً من أبناء الدهاقين لنفسه وله جارية تغدى جفنةً وتعشى جفنةً تدعى عقيلة، وله قفيزان وله خاتمان، وفوض إلى زياد بن أبي سفيان أمور البصرة، وأجاز الحطيئة بألف.
    فاستدعى عمر أبا موسى. فلما قدم عليه حجبه أياماً ثم استدعاه فسأل عمر ضبة عما قال فقال: أخذ ستين غلاماً لنفسه. فقال أبو موسى: دللت عليهم وكان لهم فداء ففديتهم وقسمته بين المسلمين. فقال ضبة: ما كذب ولا كذبت. فقال: له قفيزان. فقال أبو موسى: قفيزٌ لأهلي أقوتهم به وقفيز للمسلمين في أيديهم يأخذون به أرزاقهم. فقال ضبة: ما كذب ولا كذبت. فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى ولم يعتذر. فعلم أن ضبة قد صدقه، قال: وولى زياداً. قال: رأيت له رأياً ونبلاً فأسندت إليه عملي. قال: وأجاز الحطيئة بالف. قال: سددت فمه بمالي أن يشتمني. فرده عمر وأمره أن يرسل إليه زياداً وعقيلة، ففعل. فلما قدم عليه زياد سأله عن حاله وعطائه والفرائض والسنن والقرآن، فرآه فقيهاً، فرده وأمر أمراء البصرة أن يسيروا برأيه، وحبس عقيلة بالمدينة.
    وقال عمر: ألا إن ضبة غضب على أبي موسى وفارقه مراغماً أن فاته أمر من أمور الدنيا فصدق عليه وكذب، فأفسد كذبه صدقه، فإياكم والكذب فإنه يهدي إلى النار.
    بيروذ: بفتح الباء الموحدة، وسكون الياء تحتها نقطتان، وضم الراء، وسكون الواو، وآخره ذال معجمة.
    ● [ ذكر خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد ] ●

    كان عمر إذا اجتمع إليه جيش من المسلمين أمر عليهم أميراً من أهل العلم والفقه، فاجتمع إليه جيش من المسلمين، فبعث عليهم سلمة بن قيس الأشجعي. فقال: سر باسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله، فإذا لقيتم عدوكم فادعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وأقاموا بدارهم فعليهم الزكاة وليس لهم من الفيء نصيب، وإن ساروا معكم فلهم مثل الذي لكم وعليهم مثل الذي عليكم، وإن أبوا فادعوهم إلى الجزية، فإن أجابوا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم، وإن تحصنوا منكم وسألوكم أن ينزلوا على حكم الله ورسوله أو ذمة الله ورسوله فلا تجيبوهم، فإنكم لا تدرون أتصيبون حكم الله ورسوله وذمتهما أم لا؛ ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليداً، ولا تمثلوا.
    قال: فساروا حتى لقوا عدواً من الأكراد المشركين فدعوهم إلى الإسلام أو الجزية، فلم يجيبوا، فقاتلوهم فهزموهم وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية فقسمه بينهم، ورأى سلمة جوهراً في سفط فاسترضى عنه المسلمين وبعث به إلى عمر. فقدم الرسول بالبشارة وبالسقط على عمر، فسأله عن أمور الناس وهو يخبره، حتى أخبره بالسفط، فغضب غضباً شديداً وأمر به فوجىء به في عنقه، ثم إنه قال: إن تفرق الناس قبل أن تقدم عليهم ويقسمه سلمة فيهم لأسوءنك. فسار حتى قدم على سلمة فباعه وقسمه في الناس. وكان الفص يباع بخمسة دراهم وقيمته عشرون ألفاً.
    وحج بالناس هذه السنة عمر بن الخطاب وحج معه أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي آخر حجة حجها، وفيها قتل عمر، رضي الله عنه.
    ● [ ذكر الخبر عن مقتل عمر ] ●
    رضي الله عنه

    قال المسور بن مخرمة: خرج عمر بن الخطاب يطوف يوماً في السوق، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان نصرانياً، فقال: يا أمير المؤمنين، أعدني على المغيرة بن شعبة فإن علي خراجاً كثيراً. قال: وكم خراجك؟ قال: درهمان كل يوم. قال: وأيشٍ صناعتك؟ قال: نجار، نقاش، حداد. قال: فما أرى خراجك كثيراً على ما تصنع من الأعمال، وقد بلغني أنك تقول: لو أردت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت! قال: نعم. قال: فاعمل لي رحى. قال: لئن سلمت لأعملن لك رحىً يتحدث بها من بالمشرق والمغرب! ثم انصرف عنه. فقال عمر: لقد أوعدني العبد الآن.
    ثم انصرف عمر إلى منزله، فلما كان الغد جاءه كعب الأحبار فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد فإنك ميت في ثلاث ليال. قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب التوراة. قال عمر: الله! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا ولكني أجد حليتك وصفتك وأنك قد فني أجلك. قال: وعمر لا يحس وجعاً! فلما كان الغد جاءه كعب فقال: بقي يومان. فلما كان الغد جاءه كعبٌ فقال: مضى يومان وبقي يوم. فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالاً فإذا استوت كبر، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته، وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه، وقتل جماعة غيره.
    فلما وجد عمر حر السلاح سقط وأمر عبد الرحمن بن عوف فصلى بالناس، وعمر طريح، فاحتمل فأدخل بيته، ودعا عبد الرحمن فقال له: إني أريد أن أعهد إليك. قال: أتشير علي بذلك؟ قال: لا. قال: والله، لا أدخل فيه أبداً. قال: فهبني صمتاً حتى أعهد إلى النفر الذين توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راضٍ. ثم دعا علياً وعثمان والزبير وسعداً فقال: انتظروا أخاكم طلحة ثلاثاً فإن جاء وإلا فاقضوا أمركم؛ أنشدك الله يا علي إن وليت من أمور الناس شيئاً ألا تحمل بني هاشم على رقاب الناس، أنشدك الله يا عثمان إن وليت من أمور الناس شيئاً ألا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، أنشدك الله يا سعد إن وليت من أمور الناس شيئاً ألا تحمل أقاربك على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا ثم اقضوا أمركم وليصل بالناس صهيب..
    ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فقال: قم على بابهم فلا تدع أحداً يدخل إليهم.
    وأوصي الخليفة من بعدي بالأنصار الذي تبوأوا الدار والإيمان أن يحسن إلى محسنهم ويعفو عن مسيئهم، وأوصي الخليفة بالعرب، فإنهم مادة الإسلام، أن يؤخذ من صدقاتهم حقها فتوضع في فقرائهم، وأوصي الخليفة بذمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يوفي لهم بعهدهم، اللهم هل بلغت؟ لقد تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة؛ يا عبد الله بن عمر، اخرج فانظر من قتلني.
    قال: يا أمير المؤمنين، قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدةً واحدةً! يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر. يا عبد الله، إن اختلف القوم فكن مع الأكثر، فإنن تشاوروا فكن مع الحزب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف، يا عبد الله، ائذن للناس. فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه ويقول لهم: أهذا عن ملإٍ منكم؟ فيقولون: معاذ الله! قال: ودخل كعب الأحبار مع الناس فلما رآه عمر قال:
    توعدني كعبٌ ثلاثاً أعدها ... ولا شك أن القول ما قال لي كعب
    وما بي حذار الموت، إني لميتٌ ... ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب
    ودخل عليه علي يعوده فقعد عند رأسه، وجاء ابن عباس فأثنى عليه، فقال له عمر: أنت لي بهذا يا ابن عباس؟ فأومأ إليه علي أن قل نعم. فقال ابن عباس: نعم. فقال عمر: لا تغرني أنت وأصحابك. ثم قال: يا عبد الله، خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب لعل الله، جل ذكره، ينظر إلي فيرحمني، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع.
    ودعي له طبيب من بني الحرث بن كعب فسقاه نبيذاً فخرج غير متغير، فسقاه لبناً فخرج كذلك أيضاً، فقال له: اعهد يا أمير المؤمنين. قال: قد فرغت.
    ولما احتضر ورأسه في حجر ولده عبد الله قال:
    ظلومٌ لنفسي غير أني مسلمٌ ... أصلي الصلاة كلها وأصوم
    ولم يذكر الله تعالى ويديم الشهادة إلى ان توفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. وقيل: طعن يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة ودفن يوم الأحد هلال محرم سنة أربع وعشرين.
    وكانت ولايته عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام، وبويع عثمان لثلاث مضين من المحرم. وقيل: كانت وفاته لأربع بقين من ذي الحجة وبويع عثمان لليلة بقيت من ذي الحجة استقبل بخلافته هلال محرم سنة أربع وعشرين. وكانت خلافة عمر على هذا القول عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام. وصلى عليه صهيب، وحمل إلى بيت عائشة، ودفن عند النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، ونزل في قبره عثمان وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وعبد الله بن عمر.
    ● [ ذكر نسب عمر وصفته وعمره ] ●

    فأما نسبه فهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، وكنيته أبو حفص، وأمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهي ابنت عم أبي جهل، وقد زعم من لا معرفة له أنها أخت أبي جهل، وليس بشيء.
    وسماه النبي، صلى الله عليه وسلم، الفاروق، وقيل: بل سماه أهل الكتاب.
    وأما صفته فكان طويلاً آدم أصلع أعسر يسراً، يعني يعمل بيديه، وكان لطوله كأنه راكبٌ، وقيل: كان أبيض أبهق، يعني شديد البياض، تعلوه حمرة، طوالاً أصلع أشيب، وكان يصفر لحيته ويرجل رأسه بالحناء. وكان مولده قبل الفجار بأربع سنين، وكان عمره خمساً وخمسين سنة، وقيل: ابن ستين سنة، وقيل: ابن ثلاث وستين سنة وأشهر، وهو الصحيح، وقيل: ابن إحدى وستين سنة.
    رياح بكسر الراء وبالياء تحتها نقطتان.
    ● [ ذكر أسماء ولده ونسائه ] ●

    تزوج عمر في الجاهلية زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وحفصة. وتزوج مليكة بنت جرول الخزاعي في الجاهلية، فولدت له عبيد الله بن عمر، ففارقها في الهدنة، فخلف عليها أبو جهم بن حذيفة، وقتل عبيد الله بصفين مع معاوية، وقيل: كانت أمه أم زيد الأصغر أم كلثوم بنت جرول الخزاعي، وكان الإسلام فرق بينها وبين عمر. وتزوج قريبة بنت أبي أمية المخزومي في الجاهلية، ففارقها في الهدنة أيضاً، فتزوجها بعده عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، فكانا سلفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأن قريبة أخت أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم. وتزوج أم حكيم بنت الحرث بن هشام المخزومي في الإسلام، فولدت له فاطمة فطلقها، وقيل لم يطلقها. وتزوج جميلة أخت عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأوسي الأنصاري في الإسلام، فولدت له عاصماً فطلقها، ثم تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصدقها أربعين ألفاً، فولدت له رقية وزيداً. وتزوج لهية امرأة من اليمن، فولدت له عبد الرحمن الأوسط، وقيل الأصغر، وقيل: كانت أم ولد، وكانت عنده فكيهة أم ولد فولدت له زينب، وهي أصغر ولد عمر. وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت قبله عند عبد الله بن أبي بكر الصديق، فقتل عنها، فلما مات عمر تزوجها الزبير بن العوام، فقتل عنها أيضاً، فخطبها علي، فقالت: لا أفعل، إني أضن بك عن القتل فإنك بقية الناس. فتركها.
    وخطب أم كثلوم ابنة أبي بكر الصديق إلى عائشة، فقالت أم كثلوم: لا حاجة لي فيه، إنه خشن العيش شديدٌ على النساء. فأرسلت عائشة إلى عمرو ابن العاص فقال: أنا أكفيك. فأتى عمر فقال: بلغني خبرٌ أعيذك بالله منه. قال: ما هو؟ قال: خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر. قال: نعم، أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عني؟ قال: ولا واحدة، ولكنها حدثةٌ نشأت تحت كنف أمير المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة، ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك. وقال: فكيف بعائشة وقد كلمتها؟ قال: أنا لك بها وأدلك على خير منها، أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب تعلق منها بسبب من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    وخطب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت: يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابساً ويخرج عابساً.
    ذكر بعض سيرته رضي الله عنهقال عمر: إنما مثل العرب مثل جمل أنفٍ اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده، فأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق! قال نافع العيشي: دخلت حير الصدقة مع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، قال: فجلس عثمان في الظل يكتب وقام علي على رأسه يملي عليه ما يقول عمر، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر عليه بردان أسودان اتزر بأحدهما ولف الآخر على رأسه يعد إبل الصدقة يكتب ألوانها وأسنانها. فقال علي لعثمان: في كتاب الله: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) القصص: ثم أشار علي بيده إلى عمر وقال: هذا القوي الأمين.
    وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ بتبنة من الأرض فقال: يا ليتني هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئاً، يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت نسياً منسياً. وقال الحسن: قال عمر: لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين، والله لنعم الحول هذا! وقيل لعمر: إن ههنا رجلاً من الأنبار له بصر بالديوان لو اتخذته كاتباً. فقال: لقد اتخذت إذن بطانةً من دون المؤمنين.
    قيل: خطب عمر الناس فقال: والذي بعث محمداً، صلى الله عليه وسلم، بالحق لو أن جملاً هلك ضياعاً بشط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه.
    وقال أبو فراس: خطب عمر الناس فقال: أيها الناس، إني والله ما أرسل إليكم عمالاً ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم وإنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه. فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إن لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذن لأقصنه منه، وكيف لا أقصه منه وقد رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقص من نفسه! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم.
    قال بكر بن عبد الله: جاء عمر بن الخطاب إلى باب عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي في بيته ليلاً، فقال له عبد الرحمن: ما جاء بك في هذه الساعة؟ قال: رفعةٌ نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سراق المدينة، فانطلق فلنحرسهم. فأتيا السوق فقعدا على نشز من الأرض يتحدثان، فرفع لهما مصباحٌ فقال عمر: ألم أنه عن المصابيح بعد النوم؟ فانطلقا فإذا قوم على شراب لهم. قال: انطلق فقد عرفته. فلما أصبح أرسل إليه قال يا فلان كنت وأصحابك البارحة على شراب! قال: وما أعلمك يا أمير المؤمنين؟ قال: شيء شهدته. قال: أو لم ينهك الله عن التجسس؟ فتجاوز عنه.
    وإنما نهى عمر عن المصابيح لأن الفأرة تأخذ الفتيلة فترمي بها في سقف البيت فتحرقه، وكانت السقوف من جريد، وقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن ذلك قبله.
    وقال أسلم: وخرج عمر إلى حرة واقم وأنا معه، حتى إذا كنا بصرار إذا نار تسعر. فقال: انطلق بنا إليهم. فهرولنا حتى دنونا منهم فإذا بامرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على نار وصبيانها يتضاغون. فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء. وكره أن يقول: يا أصحاب النار. قالت: وعليك السلام. قال: أدنو؟ قالت: ادن بخير أو دع. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع. قال: وأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما لي ما أسكتهم حتى يناموا فأنا أعللهم وأوهمهم أني أصلح لهم شيئاً حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر! قال: أي رحمك الله، ما يدري بكم عمر؟ قالت: يتولى أمرنا ويغفل عنا. فأقبل علي وقال: انطلق بنا. فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق فأخرج عدلاً فيه كبة شحم فقال: احمله على ظهري. قال أسلم: فقلت: أنا أحمله عنك، مرتين أو ثلاث فقال آخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة لا أم لك! فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه نهرول حتى انتهينا إليها، فألقى ذلك عندها وأخرج من الدقيق شيئاً فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر، وكان ذا لحية عظيمة، فجعلت أنظر إلى الدخان من خلل لحيته حتى أنضج ثم أنزل القدر، فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم قال: أطعميهم وأنا أسطح لك، فلم يزل حتى شبعوا، ثم خلى عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً، أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين! فيقول: قولي خيراً فإنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك، إن شاء الله! ثم تنحى ناحيةً ثم استقبلا وربض لا يكلمني حتى رأى الصبية يضحكون ويصطرعون ثم ناموا وهدأوا، فقام وهو يحمد الله، فقال: يا أسلم، الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت منهم.
    صرار بكسر الصاد المهملة ورائين.
    قال سالم بن عبد الله بن عمر: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة. قال سلام بن مسكين: وكان عمر إذا احتاج أتى صاحب بيت المال فاستقرضه، فربما أعسر فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر، وربما خرج عطاؤه فقضاه.
    قال: وهو أول من دعي بأمير المؤمنين وذلك أنه لما ولي قالوا له: يا خليفة خليفة رسول الله. فقال عمر: هذا أمر يطول، كلما جاء خليفة قالوا يا خليفة خليفة خليفة رسول الله، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فسمي أمير المؤمنين.
    وهو أول من كتب التاريخ، وقد تقدم.
    وهو أول من اتخذ بيت مال، وأول من عس الليل، وأول من عاقب على الهجاء، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات، وكانوا قبل ذلك يصلون أربعاً وخمساً وستاً. قال الواقدي: وهو أول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح في شهر رمضان وكتب به إلى البلدان وأمرهم به، وهو أول من حمل الدرة وضرب بها، وأول من دون في الإسلام الدواوين وكتب الناس على قبائلهم وفرض لهم العطاء.
    قال زاذان: قال عمر لسلمان: أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ووضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة. فبكى عمر.
    وقال أبو هريرة: يرحم الله ابن حنتمة! لقد رأيته عام الرمادة وإنه ليحمل على ظهره جرابين وعكة زيت في يده وإنه ليتعقب هو وأسلم، فلما رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريباً، فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار فإذا نحو من عشرين بيتاً من محارب، فقال لهم: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد، وأخرجوا لنا جلد الميتة مشوياً كانوا يأكلونه ورمة العظام مسحوقة كانوا يستفونها، فرأيت عمر طرح رداءه ثم اتزر فما زال يطبخ حتى أشبعهم، ثم أرسل أسلم إلى المدينة فجاءنا بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجنانة ثم كساهم، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.
    قال أبو خيثمة: رأت الشفاء بنت عبد الله فتياناً يقصدون في المشي ويتكلمون رويداً، فقالت: ما هذا؟ قالوا: نساك، فقالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو والله ناسك حقاً.
    قال الحسن: خطب عمر الناس وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة منها أدم. قال أبو عثمان النهدي: رأيت عمر يرمي الجمرة وعليه إزار مرقع بقطعة جراب، وقال عليٌّ: رأيت عمر يطوف بالكعبة وعليه إزار فيه إحدى وعشرون رقعة فيها من أدم.
    وقال الحسن: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد كما يعاد المريض، وقيل: إنه سمع قارئاً يقرأ والطور، فلما انتهى إلى قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقعٌ ما له من دافعٍ) الطور: 7، سقط ثم تحامل إلى منزله فمرض شهراً من ذلك. قال الشعبي: كان عمر يطوف في الأسواق ويقرأ القرآن ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم.
    قال موسى بن عقبة: أتى رهط إلى عمر فقالوا له: كثر العيال واشتدت المؤونة فزدنا في عطائنا. قال: فعلتموها، جمعتم بين الضرائر واتخذتم الخدم من مال الله، لوددت أني وإياكم في سفينة في لجة البحر تذهب بنا شرقاً وغرباً فلن يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم فإن استقام اتبعوه وإن جنف قتلوه. فقال طلحة: وما عليك لو قلت: وإن تعوج عزلوه؟ قال: لا، القتل أنكل لمن بعده، احذروا فتى ابن قريش وابن كريمها الذي لا ينام إلا على الرضا ويضحك عند الغضب وهو يتناول من فوقه ومن تحته.
    قال مجالد: ذكر رجل عند عمر فقيل: يا أمير المؤمنين، فاضل لا يعرف من الشر شيئاً. قال: ذاك أوقع له فيه. قال صالح بن كيسان: قال المغيرة بن شعبة: لما دفن عمر أتيت علياً وأنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئاً، فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل وهو ملتحف بثوب لا يشك أن الأمر يصير إليه، فقال: يرحم الله ابن الخطاب، لقد صدقت ابنة أبي حنتمة، ذهب بخيرها ونجا من شرها، أما والله ما قالت ولكن قولت. وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو في عمر:
    فجعني فيروز لا در دره ... بأبيض تالٍ للكتاب منيب
    رؤوفٍ على الأدنى غليظٍ على العدا ... أخي ثقةٍ في النائبات نجيب
    متى ما يقل لا يكذب القول فعله ... سريعٍ إلى الخيرات غير قطوب
    وقالت أيضاً:
    عين جودي بعبرةٍ ونحيب ... لا تملي على الإمام النجيب
    فجعتني المنون بالفارس المع ... لم يوم الهياج والتلبيب
    عصمة الناس والمعين على الده ... ر وغيثٍ المنتاب والمحروب
    قل لأهل الثراء والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب
    قال ابن المسيب: وحج عمر فلما كان بضجنان قال: لا إله إلا الله العظيم العلي المعطي ما شاء من شاء، كنت أرعى إبل الخطاب في هذا الوادي في مدرعة صوفٍ، وكان فظاً يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصرت، وقد أمسيت وليس بيني وبين الله أحد، ثم تمثل:
    لا شيء فيما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد
    لم تغن عن هرمزٍ يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا
    ولا سليمان إذ تجري الرياح به ... والإنس والجن فيما بينها يرد
    أين الملوك التي كانت نوافلها ... من كل أوبٍ إليها راكبٌ يفد
    حوضاً هنالك موروداً بلا كذبٍ ... لابد من ورده يوماً كما وردوا
    قال أسلم: إن هند بنت عتبة استقرضت عمر من بيت المال أربعة آلاف تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت فيها إلى بلاد كلب فاشترت وباعت، فبلغها أن أبا سفيان وابنه عمراً أتيا معاوية، فعدلت إليه، وكان أبو سفيان قد طلقها، فقال لها معاوية: ما أقدمك أي أمه؟ قالت: النظر إليك أي بني، إنه عمر، وإنما يعمل لله وقد أتاك أبوك فخشيت أن تخرج إليه من كل شيء وأهل ذلك هو ولا يعلم الناس من أين أعطيته فيؤنبوك ويؤنبك عمر فلا يستقيلها أبداً. فبعث إلى أبيه وإلى أخيه بمائة دينار وكساهما وحملهما، فتسخطها عمرو، فقال أبو سفيان: لا تسخطها فإن هذا عطاء لم تغب عنه هند؛ ورجعوا جميعاً، فقال أبو سفيان لهند: أربحت؟ قالت: الله أعلم. فلما أتت المدينة وباعت شكت الوضيعة، فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين. وقال لأبي سفيان: بكم أجازك معاوية؟ قال: بمائة دينار.
    قال ابن عباس: بينما عمر بن الخطاب وأصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم: فلان أشعر، وقال بعضهم: بل فلان أشعر، قال: فأقبلت فقال عمر: قد جاءكم أعلم الناس بها، من أشعر الشعراء؟ قال: قلت: زهير بن أبي سلمى. فقال: هلم من شعره ما نستدل به على ما ذكرت. فقلت: امتدح قوماً من غطفان فقال:
    لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ ... قومٌ لأولهم يوماً إذا قعدوا
    قومٌ أبوهم سنانٌ حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
    جنٌّ إذا فزعوا إنسٌ إذا أمنوا ... ممردون بهاليلٌ إذا جهدوا
    محسدون على ما كان من نعمٍ ... لا ينزع الله منهم ما له حسدوا
    فقال عمر: أحسن والله وما أعلم أحداً أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم لفضل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقرابتهم منه. فقلت: وفقت يا أمير المؤمنين ولم تزل موفقاً! فقال: يا ابن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد، صلى الله عليه وسلم؟ فكرهت أن أجيبه فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني! فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريشٌ لأنفسها فأصابت ووفقت. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت. قال: تكلم. قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريشٌ لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله، عز وجل، وصف قوماً بالكراهة فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) محمد: (. فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني. فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كنت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه. فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنك حسداً وبغياً وظلماً. فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ظلماً، فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك: حسداً، فإن آدم حسد ونحن ولده المحسدون. فقال عمر: هيهات هيهات! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسداً لا يزول. فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بالحسد والغش، فإن قلب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من قلوب بني هاشم. فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس. فقلت: أفعل. فلما ذهبت لأقوم استحيا مني فقال: يا ابن عباس، مكانك! فوالله إني لراعٍ لحقك محب لما سرك. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن لي عليك حقاً وعلى كل مسلم، فمن حفظه فحظه أصاب، ومن أضاعه فحظه أخطأ. ثم قام فمضى.

    avatar
    همسات
    Admin


    المساهمات : 1997
    تاريخ التسجيل : 18/02/2015

    أحداث سنة ثلاث وعشرين Empty تابع أحداث سنة ثلاث وعشرين

    مُساهمة من طرف همسات الإثنين أبريل 29, 2019 9:08 pm

    ● [ ذكر قصة الشورى ] ●

    قال عمر بن ميمون الأودي: إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت. فقال: لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته وقلت لربي إن سألني: سمعت نبيك يقول: (إنه أمين هذه الأمة). ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته وقلت لربي إن سألني: سمعت نبيك يقول: (إن سالماً شديد الحب لله تعالى). فقال له رجل: أدلك على عبد الله بن عمر. فقال: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا! ويحك! كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته؟ لا أرب لنا في أموركم، فما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فقد صرف عنا، بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويسأل عن أمر أمة محمد، أما لقد جهدت نفسي وحرمت أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إني لسعيد، وأنظر فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، ولن يضيع الله دينه.
    فخرجوا ثم راحوا فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو عهدت عهداً. فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولي رجلاً أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق، وأشار إلى علي، فرهقتني غشية فرأيت رجلاً دخل جنة فجعل يقطف كل غضة ويانعة فيضمه إليه ويصيره تحته، فعلمت أن الله غالبٌ على أمره، ومتوف عمر فما أردت أن أتحملها حياً وميتاً، عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنهم من أهل الجنة، وهم علي وعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، فليختاروا منهم رجلاً، فإذا ولوا والياً فأحسنوا موازرته وأعينوه.
    فخرجوا فقال العباس لعلي: لا تدخل معهم. قال: إني أكره الخلاف. قال: إذن ترى ما تكره. فلما أصبح عمر دعا علياً وعثمان وسعداً وعبد الرحمن والزبير فقال لهم: إني نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم، وقد قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو عنكم راضٍ، وإني لا أخاف الناس عليكم إن استقمتم ولكني أخاف فيما بينكم فيختلف الناس، فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذنا فتشاوروا فيها واختاروا رجلاً منكم. ووضع رأسه وقد نزفه الدم.
    فدخلوا فتناجوا حتى ارتفعت أصواتهم، فقال عبد الله بن عمر: سبحان الله! إن أمير المؤمنين لم يمت بعد. فسمعه عمر فانتبه وقال: ألا أعرضوا عن هذا فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام وليصل بالناس صهيب ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، ويحضر عبد الله بن عمر مشيراً ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريككم في الأمر، فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فأمضوا أمركم، ومن ولي بطلحة؟ فقال سعد ابن أبي وقاص: أنا لك به ولا يخالف إن شاء الله تعالى. فقال عمر: أرجو أن لا يخالف إن شاء الله، وما أظن يلي إلا أحد هذين الرجلين: علي أو عثمان، فإن ولي عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي علي ففيه دعابة، وأحرى به أن يحملهم على طريق الحق، وإن تولوا سعداً فأهله هو وإلا فليستعن به الوالي، فإني لم أعزله عن ضعف ولا خيانة، ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، فاسمعوا منه وأطيعوا.
    وقال لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة، إن الله طالما أعز بكم الإسلام فاختر خمسين رجلاً من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم.
    وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم.
    وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل هؤلاء الرهط بيتاً وقم على رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة وأبى واحدٌ فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعةٌ وأبى اثنان فاضرب رأسيهما، وإن رضي ثلاثة رجلاً وثلاثة رجلاً فحكموا عبد الله بن عمر، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله ابن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع فيه الناس.
    فخرجوا فقال علي لقوم معه من بني هاشم: أن أطيع فيكم قومكم لم تؤمروا أبداً، وتلقاه عمه العباس فقال: عدلت عنا! فقال: وما علمك؟ قال: قرن بني عثمان، وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمه، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فيوليها أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني. فقال له العباس: لم أرفعك في شيء إلا رجعت إلي مستأخراً لما أكره، أشرت عليك عند وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت، فأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الأمر فأبيت، وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت، احفظ عني واحدة: كلما عرض عليك القوم فقل: لا، إلا أن يولوك، واحذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم به لنا غيرنا، وأيم الله لا يناله إلا بشر لا ينفع معه خير! فقال علي: أما لئن بقي عثمان لأذكرنه ما أتى، ولئن مات ليتداولنها بينهم، ولئن فعلوا لتجدني حيث يكرهون، ثم تمثل:
    حلفت برب الراقصات عشية ... غدون خفافاً فابتدرن المحصبا
    ليختلين رهط ابن يعمر قارناً ... نجيعاً بنو الشداخ ورداً مصلبا
    والتفت فرأى أبا طلحة فكره مكانه، فقال أبو طلحة: لن تراع أبا الحسن.
    فلما مات عمر وأخرجت جنازته صلى عليه صهيب، فلما دفن عمر جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة، وقيل: في بيت المال وقيل: في حجرة عائشة بإذنها، وطلحة غائب، وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم، وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب، فحصبهما سعد وأقامهما وقال: تريدان أن تقولا: حضرنا وكنا في أهل الشورى! فتنافس القوم في الأمر وكثر فيهم الكلام، فقال أبو طلحة: أنا كنت لأن تدفعوها أخوف مني لأن تنافسوها، والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمر، ثم أجلس في بيتي فأنظر ما تصنعون! فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحدٌ. فقال: فأنا أنخلع منها. فقال عثمان: أنا أول من رضي. فقال القوم: قد رضينا. وعلي ساكت. فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثقاً لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألو الأمة نصحاً. فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدل وغير وأن ترضوا من اخترت لكم، وعلي ميثاق الله أن لا أخص ذا رحم لرحمه ولا آلو المسلمين، فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله، فقال لعي: تقول إني أحق من حضر بهذا الأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد، ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق به؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال: تقول شيخ من بني عبد مناف، وصهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، ولي سابقة وفضل، فأين يصرف هذا الأمر عني؟ ولكن لو لم تحضر أي هؤلاء الرهط تراه أحق به؟ قال: علي.
    ولقي علي سعداً فقال له: (اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) النساء: ، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبرحم عمي حمزة منك ألا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً علي ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم، حتى إذا كان الليلة التي صبيحتها تستكمل الأجل أتى منزل المسور بن مخرمة فأيقظه وقال له: لم أذق في هذه الليلة كبير غمض، انطلق فادع الزبير وسعداً. فدعاهما. فبدأ بالزبير فقال له: خل بني عبد مناف وهذا الأمر. قال: نصيبي لعلي. وقال لسعد: اجعل نصيبك لي. فقال: إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان فعليٌّ أحب إلي؛ أيها الرجل بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤوسنا. فقال له: قد خلعت نفسي على أن أختار، ولو لم أفعل لم أردها. إني رأيت روضة خضراء كثيرة العشب، فدخل فحلٌ ما رأيت أكرم منه فمر كأنه سهم لم يلتفت إلى شيء منها حتى قطعها لم يعرج، ودخل بعيرٌ يتلوه فاتبع أثره حتى خرج منها، ثم دخل فحلٌ عبقري يجر خطامه ومضى قصد الأولين، ثم دخل بعيرٌ رابع فرتع في الروضة، ولا والله لا أكون الرابع ولا يقوم مقام أبي بكر وعمر بعدهما أحد فيرضى الناس عنه.
    قال: وأرسل المسور فاستدعى علياً فناجاه طويلاً وهو لا يشك أنه صاحب الأمر، ثم نهض، ثم أرسل إلى عثمان فتناجيا حتى فرق بينهما الصبح.
    قال عمرو بن ميمون: قال لي عبد الله بن عمر: من أخبرك أنه يعلم ما كلم به عبد الرحمن بن عوف علياً وعثمان فقد قال بغير علم فوقع قضاء ربك على عثمان. فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار وإلى أمراء الأجناد فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله فقال: أيها الناس، إن الناس قد أجمعوا أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم، فأشيروا علي. فقال عمار: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً. فقال المقداد بن الأسود: صدق عمار، إن بايعت علياً قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريشٌ فبايع عثمان. فقال عبد الله بن أبي ربيعة: صدقت إن بايعت عثمان قلنا: سمعنا وأطعنا. فتبسم عمارٌ ابن أبي سرح وقال: متى كنت تنصح المسلمين؟ فتكلم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار: أيها الناس، إن الله أكرمنا بنيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟ فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سمية وما أنت وتأمير قريش لأنفسها! فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن، افرغ قبل أن يفتتن الناس. فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً؛ ودعا علياً وقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعلمن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده. قال: أرجو أن أفعل فأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، فقال: نعم نعمل. فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال: اللهم اسمع واشهد اللهم أني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان، فبايعه.
    فقال علي: ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، (فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون) يوسف: ، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم في شأن! فقال عبد الرحمن: يا علي، لا تجعل على نفسك حجة وسبيلاً. فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.
    فقال المقداد: يا عبد الرحمن، أما والله لقد تركته وإنه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون. فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال: إن كنت أردت الله فأثابك الله ثواب المحسنين. فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول ولا أعلم أن رجلاً أقضى بالعدل ولا أعلم منه، أما والله لو أجد أعواناً عليه! فقال عبد الرحمن: يا مقداد اتق الله فإني خائفٌ عليك الفتنة. فقال رجل للمقداد: رحمك الله، من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل؟ قال: أهل البيت بنو عبد المطلب، والرجل علي بن أبي طالب. فقال علي: إن الناس ينظرون إلى قريش وقريش تنظر بينها فتقول: إن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم تداولتموها بينكم.
    وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فقيل له: بايعوا لعثمان. فقال: كل قريش راضٍ به؟ قالوا: نعم. فأتى عثمان، فقال له عثمان: أنت على رأس أمرك وإن أبيت رددتها. قال: أتردها؟ قال: نعم. قال: أكل الناس بايعوك؟ قال: نعم. قال: قد رضيت لا أرغب عما أجمعوا عليه. وبايعه.
    وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن: يا أبا محمد قد أصبت أن بايعت عثمان. وقال لعثمان: ولو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا. فقال عبد الرحمن: كذبت يا أعور، لو بايعت غيره لبايعته ولقلت هذه المقالة. قال: وكان المسور يقول: ما رأيت أحداً بذ قوماً فيما دخلوا فيه بمث ما بذهم عبد الرحمن.
    قلت قوله: إن عبد الرحمن صهر عثمان، يعني أن عبد الرحمن تزوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أخت عثمان لأمه خلف عليها عقبة بعد عثمان.
    وقد ذكر أبو جعفر رواية أخرى في الشورى عن المسور بن مخرمة وهي تمام حديث مقتل عمر، وقد تقدم، والذي ذكره ههنا قريب من الذي تقدم آنفاً، غير أنه قال: لما دفن عمر جمعهم عبد الرحمن وخطبهم وأمرهم بالاجتماع وترك التفرق، فتكلم عثمان فقال: الحمد لله الذي اتخذ محمداً نبياً وبعثه رسولاً وصدقه وعده ووهب له نصره على كل من بعد نسباً أو قرب رحماً، صلى الله عليه وسلم، جعلنا الله له تابعين، وبأمره مهتدين! فهو لنا نور ونحن بأمره نقوم عند تفرق الأهواء ومجادلة الأعداء، جعلنا الله بفضله أئمة، وبطاعته أمراء، لا يخرج أمرنا منا، ولا يدخل علينا غيرنا، إلا من سفه الحق ونكل عن القصد، وأحر بها يا ابن عوف أن تترك، وأجدر بها أن تكون إن خولف أمرك وترك دعاؤك، فأنا أول مجيب لك وداعٍ إليك وكفيل بما أقول زعيم؛ وأستغفر الله لي ولكم.
    ثم تكلم الزبير بعده فقال: أما بعد فإن داعي الله لا يجهل، ومجيبه لا يخذل عند تفرق الأهواء ولي الأعناق، ولن يقصر عما قلت غلا غوى، ولن يترك ما دعوت إليه إلا شقي، ولولا حدود لله فرضت، وفرائض لله حدت، تراح على أهلها وتحيا ولا تموت، لكان الموت من الإمارة نجاة، والفرار من الولاية عصمة، ولكن لله علينا إجابة الدعوة وإظهار السنة لئلا نموت موتة عميةً، ولا نعمى عمى الجاهلية، فأنا مجيئك إلى ما دعوت، ومعينك على ما أمرت، ولا حولا ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله لي ولكم.
    ثم تكلم سعدٌ فقال بعد حمد الله: وبمحمد، صلى الله عليه وسلم، أنارت الطرق واستقامت السبل وظهر كل حق ومات كل باطل، إياكم أيها النفر وقول الزور وأمنية أهل الغرور، وقد سلبت الأماني قوماً قبلكم ورثوا ما ورثتم ونالوا ما نلتم فاتخذهم الله عدواً ولعنهم لعناً كبيراً. قال الله تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل) إلى قوله: (لبئس ما كانوا يفعلون) المائدة: ، إني نكبت قرني وأخذت سهمي الفالج وأخذت لطلحة بن عبيد الله ما ارتضيت لنفسي، فأنا به كفيل وبما أعطيت عنه زعيم والأمر إليك يا ابن عوف بجهد النفس وقصد النصح، وعلى الله قصد السبيل، وإليه الرجوع، وأستغفر الله لي ولكم، وأعوذ بالله من مخالفتكم.
    ثم تكلم علي بن أبي طالب فقال: الحمد لله الذي بعث محمداً منا نبياً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حق إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السرى، لو عهد إلينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عهداً لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتى نموت، لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم، لا حول ولا قوة إلا بالله، اسمعوا كلامي وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا المجتمع تنتضى فيه السيوف، وتخان فيه العهود، حتى تكونوا جماعة، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة، ثم قال:
    فإن تك جاسمٌ هلكت فإني ... بما فعلت بنو عبد بن ضخم
    مطيعٌ في الهواجر كل غيٍّ ... بصيرٌ بالنوى من كل نجم
    فقال عبد الرحمن: أيكم يطيب نفساً أن يخرج نفسه من هذا الأمر؟ وذكر قريباً مما تقدم.
    ثم جلس عثمان في جانب المسجد بعد بيعته، ودعا عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وكان قتل قاتل أبيه أبا لؤلؤة، وقتل جفينة رجلاً نصرانياً من أهل الحيرة كان ظهيراً لسعد بن مالك، وقتل الهرمزان، فلما ضربه بالسيف قال: لا إله إلا الله! فلما قتل هؤلاء أخذه سعد بن أبي وقاص وحبسه في داره وأخذ سيفه وأحضره عند عثمان، وكان عبيد الله يقول: والله لأقتلن رجالاً ممن شرك في دم أبي، يعرض بالمهاجرين والأنصار، وإنما قتل هؤلاء النفر لأن عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة قتل عمر: رأيت عشية أمس الهرمزان وأبا لؤلؤة، وجفينة وهم يتناجون، فلما رأوني ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، وهو الخنجر الذي ضرب به عمر، فقتلهم عبيد الله. فلما أحضره عثمان قال؛ أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام ما فتق! فقال علي: أرى أن تقتله. فقال بعض المهاجرين: قتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم! فقال عمرو بن العاص: إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث ولك على المسلمين سلطان. فقال عثمان: أنا وليه وقد جعلتها دية وأحتملها في مالي. وكان زياد بن لبيد البياضي الأنصاري إذا رأى عبيد الله يقول:
    ألا يا عبيد الله ما لك مهربٌ ... ولا ملجأٌ من إبن أروى ولا خفر
    أصبت دماً والله في غير حله ... حراماً وقتل الهرمزان له خطر
    على غير شيء غير أن قال قائلٌ ... أتتهمون الهرمزان على عمر
    فقال سفيه، والحوادث جمةٌ ... نعم إتهمه قد أشار وقد أمر
    وكان سلاح العبد في جوف بيته ... يقلبها والأمر بالأمر يعتبر
    فشكا عبيد الله إلى عثمان زياد بن لبيد، فنهى عثمان زياداً، فقال في عثمان:
    أبا عمرٍو عبيد الله رهنٌ ... فلا تشكك بقتل الهرمزان
    فإنك إن عفوت الجرم عنه ... وأسباب الخطا فرسا رهان
    أتعفو إذ عفوت بغير حقٍّ ... فما لك بالذي تحكي يدان
    فدعا عثمان زياداً فنهاه وشذبه.
    وقيل في فداء عبيد الله غير ذلك، قال الغماذيان بن الهرمزان: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمن فيروز أبو لؤلؤة بالهرمزان ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال: ما تصنع به؟ قال: أسن به. فرآه رجل، فلما أصيب عمر قال: رأيت الهرمزان دفعه إلى فيروز، فأقبل عبيد الله فقتله، فلما ولي عثمان أمكنني منه فخرجت به وما في الأرض أحدٌ إلا معي إلا أنهم يطلبون إلي فيه، فقلت لهم: ألي قتله؟ قالوا: نعم، وسبوا عبيد الله، قلت لهم: أفلكم منعةٌ؟ قالوا: لا، وسبوه، فتركته لله ولهم، فحملوني، فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الناس.
    والأول أصح في إطلاق عبيد الله لأن علياً لما ولي الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشام، ولو كان إطلاقه بأمر ولي الدم لم يتعرض له علي.
    ● [ ذكر عدة حوادث ] ●

    كان العمال فيها على مكة نافع بن عبد الحرث الخزاعي، وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي، وعلى صنعاء يعلى بن منية، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة، وعلى البصرة أبو موسى الأشعري، وعلى مصر عمرو بن العاص، وعلى حمص عمير بن سعد، وعلى دمشق معاوية، وعلى البحرين وما والاها عثمان بن أبي العاص الثقفي.
    وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمودية ومعه عبادة بن الصامت وأبو أيوب الأنصاري وأبو ذر وشداد بن أوس.
    وفيها فتح معاوية عسقلان على صلح، وكان على قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة كعب بن سور، وقيل: إن أبا بكر وعمر لم يكن لهما قاض.
    وفي هذه السنة توفي قتادة بن النعمان الأنصاري، وهو الذي رد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عينه، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وهو بدري، وقيل: توفي سنة أربع وعشرين. وفي خلافة عمر توفي الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري، وهو بدري، وربيعة بن الحرث بن عبد المطلب، وهو أسن من العباس، وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو، وهو بدري، وعمير بن وهب بن خلف الجمحي، شهد أحداً، وعتبة بن معسود أخو عبد الله بن مسعود، وهو من مهاجرة الحبشة شهد أحداً، وعدي بن أبي الزغباء الجهني، وهو عين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم بدر وشهد غيرها أيضاً.
    وفيها مات عويم بن ساعدة الأنصاري، وهو عقبيٌّ بدري، وقيل: إنه من بلي وله حلف في الأنصار. وفيها مات سهيل بن رافع الأنصاري، شهد بدراً، ومسعود بن أوس بن زيد الأنصاري، وقيل: بل عاش بعد ذلك وشهد صفين مع علي. وفيها توفي واقد بن عبد الله التميمي حليف الخطاب، وهو أول من قاتل في سبيل الله في الإسلام، وقتل عمرو بن الحضرمي، وكان إسلامه قبل دول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم. وفيها مات أبو جندل بن سهيل بن عمرو، وأخوه عبد الله، وكان عبد الله بدرياً، ولم يشهدها أبو جندل لأن أباه سجنه بمكة ومنعه من الهجرة إلى يوم الحديبية، وقد تقدم كيف خلص. وفيها مات أبو خالد الحرث بن قيس بن خالد، وكان أصابه جرح باليمامة فاندمل ثم انتقض عليه فمات منه، وهو عقبي بدري. وفيها مات أبو خراش الهذلي الشاعر، وخبر موته مشهور. وفيها توفي غيلان ابن سلمة الثقفي، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة. وفيها في آخرها مات الصعب بن جثامة بن قيس الليثي.

    أحداث سنة ثلاث وعشرين Fasel10

    مختصر الكامل في التاريخ لابن الأثير
    منتدى نافذة ثقافية - البوابة
    أحداث سنة ثلاث وعشرين E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 1:38 pm